الباحث القرآني
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جلّ ثناؤه بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قد أدرك الذين صدّقوا الله ورسوله محمدًا ﷺ، وأقرّوا بما جاءهم به من عند الله، وعملوا بما دعاهم إليه مما سمى في هذه الآيات، الخلود في جنَّات ربهم وفازوا بطلبتهم لديه.
كما:-
⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ثم قال: قال كعب: لم يخلق الله بيده إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده، ثم قال لها: تكلمي! فقالت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ لما علمت فيها من الكرامة.
⁕ حدثنا سهل بن موسى الرازيّ، قال: ثنا يحيى بن الضريس، عن عمرو بن أبي قيس، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد، قال: لما غرس الله تبارك وتعالى الجنة، نظر إليها فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ .
⁕ قال: ثنا حفص بن عمر، عن أبي خلدة، عن أبي العالية، قال: لما خلق الله الجنة قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فأنزل به قرآنا.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جبير، عن عطاء، عن ميسرة، قال: "لم يخلق الله شيئا بيده غير أربعة أشياء: خلق آدم بيده، وكتب الألواح بيده، والتوراة بيده، وغرس عدنًا بيده، ثم قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ".
* * *
وقوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
يقول تعالى ذكره: الذين هم في صَلاتهم إذا قاموا فيها خاشعون، وخشوعهم فيها تذللهم لله فيها بطاعته، وقيامهم فيها بما أمرهم بالقيام به فيها. وقيل إنها نزلت من أجل أن القوم كانوا يرفعون أبصارهم فيها إلى السماء قبل نزولها، فنُهُوا بهذه الآية عن ذلك.
*ذكر الرواية بذلك:
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت خالدًا، عن محمد بن سيرين، قال: "كان رسول الله ﷺ إذا صلى نظر إلى السماء، فأنزلت هذه الآية: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال: فجعل بعد ذلك وجهه حيث يسجد".
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة عن أبي جعفر، عن الحجاج الصّواف، عن ابن سيرين، قال: "كان أصحاب رسول الله ﷺ يرفعون أبصارهم في الصلاة إلى السماء، حتى نزلت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ فقالوا: بعد ذلك برءوسهم هكذا".
⁕ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن محمد، قال: "نبئت أن رسول الله ﷺ كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت آية، إن لم تكن ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ فلا أدري أية آية هي، قال: فطأطأ. قال: وقال محمد: وكانوا يقولون: لا يجاوز بصره مصلاه، فإن كان قد استعاد النظر فليغْمِض.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، عن ابن عون، عن محمد نحوه.
واختلف أهل التأويل في الذي عنى به في هذا الموضع من الخشوع، فقال بعضهم: عنى به سكون الأطراف في الصلاة.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال: السكون فيها.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال: سكون المرء في صلاته.
⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، مثله.
⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي سفيان الشيباني، عن رجل، عن عليّ، قال: سئل عن قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال: لا تلتفت في صلاتك.
⁕ حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي، قال: قال ضمرة بن ربيعة، عن أبي شَوْذب، عن الحسن، في قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك البصر وخفضوا به الجناح.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: ﴿خَاشِعُونَ﴾ قال: الخشوع في القلب، وقال: ساكنون.
⁕ قال: ثنا الحسن، قال: ثني خالد بن عبد الله، عن المسعوديّ، عن أبي سنان، عن رجل من قومه، عن عليّ رضي الله عنه قال: الخشوع في القلب، وأن تُلِينَ للمرء المسلم كَنَفَك، ولا تلتفت.
⁕ قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال عطاء بن أبي رباح، في قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال: التخشع في الصلاة. وقال لي غير عطاء: كان النبيّ ﷺ إذا قام في الصلاة نظر عن يمينه ويساره ووُجاهه، حتى نزلت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ فما رُئي بعد ذلك ينظر إلا إلى الأرض.
وقال آخرون: عنى به الخوف في هذا الموضع.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال: خائفون.
⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، في قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال الحسن: خائفون. وقال قتادة: الخشوع في القلب.
⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ يقول: خائفون ساكنون.
وقد بينا فيما مضى قبل من كتابنا أن الخشوع التذلل والخضوع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكن الله تعالى ذكره دلّ على أن مراده من ذلك معنى دون معنى في عقل ولا خبر، كان معلوما أن معنى مراده من ذلك العموم. وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام ما وصفت من قبل، من أنه: والذين هم في صلاتهم متذللون لله بإدامة ما ألزمهم من فرضه وعبادته، وإذا تذلل لله فيها العبد رُؤيت ذلة خضوعه في سكون أطرافه وشغله بفرضه وتركه ما أُمر بتركه فيها.
* * *
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾
يقول تعالى ذكره: والذين هم عن الباطل وما يكرهه الله من خلقه معرضون.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ يقول: الباطل.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن: ﴿عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ قال: عن المعاصي.
⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن، مثله.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ قال: النبي ﷺ، ومن معه من صحابته، ممن آمن به واتبعه وصدقه كانوا "عن اللغو معرضون".
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ"],"ayah":"قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق