الباحث القرآني

(p-2)(سُورَةُ المُؤْمِنِينَ 23 ) مَكِّيَّةٌ كَما أخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وفي البَحْرِ هي مَكِّيَّةٌ بِلا خِلافٍ، واسْتَثْنى مِنها كَما يُقالُ في الإتْقانِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى إذا أخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ﴾ [المُؤْمِنُونَ: 64] إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿مُبْلِسُونَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: 77] واسْتَشْكَلَ الحُكْمُ عَلى ما عَداهُ بِكَوْنِهِ مَكِّيًّا لِما فِيهِ مِن ذِكْرِ الزَّكاةِ وهي إنَّما فُرِضَتْ بِالمَدِينَةِ، وأُجِيبُ بِأنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أنَّ ما ذُكِرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلى فَرْضِيَّتِها يُقالُ: إنَّ الزَّكاةَ كانَتْ واجِبَةً بِمَكَّةَ والمَفْرُوضُ بِالمَدِينَةِ ذاتُ النَّصْبِ وسَتَسْمَعُ تَمامَ الكَلامِ في ذَلِكَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى وهي كَما في كِتابِ العَدَدِ لِلدّانِي ومَجْمَعِ البَيانِ لِلطَّبَرْسِيِّ مِائَةٌ وثَمانِ عَشْرَةَ آيَةً في الكُوفِيِّ ومِائَةٌ وسَبْعَ عَشْرَةَ آيَةً في الباقِي، وقَدْ مَدَحَ النَّبِيُّ ﷺ العَشْرَ الأوَّلَ مِنها فَقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ والنِّسائِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ وغَيْرُهم عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: ««كانَ إذا نَزَلَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الوَحْيُ نَسْمَعُ عِنْدَ وجْهِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَمَكَثْنا ساعَةً فَسُرِّيَ عَنْهُ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: اللَّهُمَّ زِدْنا ولا تَنْقُصْنا وأكْرِمْنا ولا تُهِنّا وأعْطِنا ولا تَحْرِمْنا وآثِرْنا ولا تُؤْثَرْ عَلَيْنا وارْضِ عَنّا وارْضِنا ثُمَّ قالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ عَشْرُ آياتٍ مَن أقامَهُنَّ دَخَلَ الجَنَّةَ» ثُمَّ قَرَأ ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: 1] حَتّى خَتَمَ العَشْرَ،» ومُناسَبَتُها لِآخِرِ السُّورَةِ قَبْلَها ظاهِرَةٌ لِأنَّهُ تَعالى خاطَبَ المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: يا ﴿أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا﴾ [المُؤْمِنُونَ: 1. 22] ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الحَجُّ: 77] فَناسَبَ أنْ يُحَقِّقَ ذَلِكَ فَقالَ عَزَّ قائِلًا: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ والفَلاحُ الفَوْزُ بِالمَرامِ، وقِيلَ: البَقاءُ في الخَيْرِ والإفْلاحُ الدُّخُولُ في ذَلِكَ كالإبْشارِ الَّذِي هو الدُّخُولُ بِالبِشارَةِ، وقَدْ يَجِيءُ مُتَعَدِّيًا وعَلَيْهِ قِراءَةُ طَلْحَةَ بْنِ مَصْرِفٍ وعَمْرِو بْنِ عَبِيدٍ «أفْلَحَ» بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ، ( وقَدْ ) لِثُبُوتِ أمْرٍ مُتَوَقَّعٍ وتَحَقُّقِهِ، والظّاهِرُ أنَّهُ هُنا الفَلاحُ لِأنَّ قَدْ دَخَلَتْ عَلى فِعْلِهِ وهو مُتَوَقَّعُ الثُّبُوتِ مِن حالِ المُؤْمِنِينَ، وجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ الأخْبارَ بِثَباتِهِ وذَلِكَ لِأنَّ الفَلاحَ مُسْتَقْبَلٌ أبْرَزُ في مَعْرِضِ الماضِي مُؤَكِّدًا بِقَدْ دَلالَةً عَلى تَحَقُّقِهِ فَيُفِيدُ تَحَقُّقَ البِشارَةِ وثَباتَها كَأنَّهُ قِيلَ: قَدْ تَحَقَّقَ أنَّ المُؤْمِنِينَ مِن أهْلِ الفَلاحِ في الآخِرَةِ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ جُمْلَةُ ﴿قَدْ أفْلَحَ﴾ جَوابَ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وقَدْ ذَكَرَ الزَّجّاجَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ [الشَّمْسُ: 9] أنَّهُ جَوابُ القَسَمُ المَذْكُورِ قَبْلَهُ بِتَقْدِيرِ اللّامِ. وقَرَأ ورْشٌ عَنْ نافِعٍ «قَدْ أفْلَحَ» بِإلْقاءِ حَرَكَةِ الهَمْزَةِ عَلى الدّالِ وحَذْفِها لَفْظًا لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ كَما قالَ أبُو البَقاءِ وهُما الهَمْزَةُ السّاكِنَةُ بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِها والدّالُ السّاكِنَةُ بِحَسْبِ الأصْلِ لِأنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِحَرَكَتِها العارِضَةِ. وقَرَأ طَلْحَةُ أيْضًا «وقَدْ أفْلَحُوا» بِضَمُ الهَمْزَةِ والحاءِ وإلْقاءِ واوِ الجَمْعِ وهي مُخْرِجَةٌ عَلى لُغَةِ أكَلُونِي البَراغِيثُ، وقَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ هي قِراءَةٌ مَرْدُودَةٌ مَرْدُودٌ، وعَنْ عِيسى بْنِ عُمَرَ قالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ يَقْرَأُ «قَدْ أفْلَحُوا المُؤْمِنُونَ» فَقُلْتُ لَهُ: أتَلْحَنُ؟ قالَ: نَعَمْ كَما لَحَنَ أصْحابِي، ولَعَلَّ مُرادَهُ أنَّ مَرْجِعَ قِراءَتِي الرِّوايَةُ ومَتى صَحَّتْ في شَيْءٍ (p-3)لا يَكُونُ لَحْنًا في نَفْسِ الأمْرِ وإنْ كانَ كَذَلِكَ ظاهِرًا، وإثْباتُ الواوِ في الرَّسْمِ مَرْوِيٌّ عَنْ كِتابِ ابْنِ خالَوَيْهٍ. وفِي اللَّوامِحِ أنَّها حُذِفَتْ في الدُّرْجِ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ وحَمَلَتِ الكِتابَةَ عَلى ذَلِكَ فَهي مَحْذُوفَةٌ فِيها أيْضًا، ونَظِيرُ ذَلِكَ ﴿ويَمْحُ اللَّهُ الباطِلَ﴾ [الشُّورى: 24] وقَدْ جاءَ حَذْفُ الواوِ لَفْظًا وكِتابَةً والِاكْتِفاءُ بِالضَّمَّةِ الدّالَّةِ عَلَيْها كَما في قَوْلِهِ: ؎ولَوْ أنَّ الأطِبّاءَ كانَ حَوْلِي وكانَ مَعَ الأطِبّاءِ الأساةُ وهُوَ ضَرُورَةٌ عِنْدِ بَعْضِ النُّحاةِ، والمُرادُ بِالمُؤْمِنِينَ قِيلَ إمّا المُصَدِّقُونَ بِما عَلِمَ ضَرُورَةَ أنَّهُ مِن دِينِ نَبِيِّنا ﷺ مِنَ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والحَشْرِ الجُسْمانِيِّ والجَزاءِ ونَظائِرِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب