﴿قَدْ أفْلَحَ الُمؤْمِنُونَ﴾، ظفروا بالمراد وفازوا بأمانيهم، ﴿الَّذِينَ هم في صَلاِتهِمْ خاشِعُونَ﴾، خائفون من الله ساكنون، وعلامته ألا يلتفت يمينًا وشمالًا ولا يرفع البصر عن موضع السجود، ﴿والذِينَ هم عَنِ اللغوِ﴾: عن الشرك، أو عن كل ما لا يعنيهم من قولٍ وفعل، ﴿مُعْرِضُونَ والَّذِينَ هم لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ أي: زكاة الأموال، فإن قيل السورة مكية، والزكاة قد فرضت بالمدينة قلت: قال بعض المحققين فرضت بالمدينة نصابها وقدرها، وأما أصلها فقد كان واجبًا بمكة، أو المراد زكاة النفس وتطهيرها من الرذائل، والزكاة اسم مشترك بين المعنى والعين فإن أريد الثاني فهو على حذف مضاف، أي: لأداء الزكاة فاعلون، ﴿والذِينَ هم لِفُرُوجِهم حافِظُونَ﴾ أي: حافظون لفروجهم من أن يقعن على أحد، ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ﴾ أو حافظون بمعنى لا يبذلون، ﴿أو ما مَلَكَتْ أيْمانهُمْ﴾: أجراهن مجرى غير العقلاء، ﴿فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ الضمير لمن دل عليه الاستثناء، أي: غير الحافظين من أن يقعن على الأزواج والسراري، ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ﴾: المستثنى، ﴿فأوْلَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾: الكاملون في العدوان، ﴿والَّذِينَ هم لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾، إذا اؤتمنوا لم يخونوا وإذا عاهدوا أوفوا، ﴿والَّذِينَ هم عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾: يواظبون لا يتركونها بوجه وذكر المضارعة لما في الصلاة من التجدد الدائمي، ﴿أوْلَئِكَ﴾: الجامعون لتلك الصفات، ﴿هُمُ الوارِثُون﴾: هم أحقاء بأن يسموا ورّاثًا دون غيرهم، ﴿الذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوْسَ﴾: لما أنّهم من أعمالهم نالوا الفردوس كأنهم ورثوها منها أو يرثون من الكفار منازلهم في الجنة، وقد ورد " ما منكم إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله: ﴿أولئك هم الوارثون﴾، أو مبالغة في استحقاقهم، ﴿همْ فِيها خالِدونَ﴾: الفردوس أعلى الجنة، ولهذا أنث ضميره، ﴿ولَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ﴾ أي: جنسه، ﴿مِن سُلالَةٍ﴾، سمي المني سلالة، لأنه خلاصة سُلَّت من الظهر، ﴿مِن طِينٍ﴾ أي: من آدم فمن في الموضعين ابتدائية، ﴿ثمَّ جَعَلْناه﴾: السلالة، وتذكير الضمير باعتبار الماء والإنسان، ﴿نُطْفَةً﴾ بأن خلقنا منها أو معناه خلقنا آدم من خلاصة من طين، ثم جعلنا نسله من نطفة فمن طين على هذا للبيان، أو صفة لسلالة أو متعلق بها، لأنه بمعنى مسلولة، وضمير جعلناه للإنسان بحذف مضاف، ﴿فِي قَرارٍ﴾: مستقر، ﴿مكِين﴾: حصين يعني الرحم، ﴿ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً﴾: قطعة لحم، ﴿فَخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظامًا﴾: بأن صلَّبناها، ﴿فَكَسَوْنا العِظامَ لَحْمًا ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾: مباينًا للخلق الأول مباينة بعيدة فإنه كان جمادًا فصار حيوانًا سميعًا بصيرًا وثم هنا، وفي الأولين لكثرة تفاوت الخلقين، ﴿فَتَبارَكَ اللهُ﴾: تعالى شأنه، ﴿أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾: خلقًا وحذف المميز لدلالة الخالقين عليه، والخالقين هنا بمعنى المقدرين، ﴿ثُمَّ إنَّكم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾: صائرون إلى الموت ألبتَّة، ﴿ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ﴾: للجزاء، ﴿تُبْعَثُونَ ولَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكم سَبْعَ طَرائِقَ﴾: سماوات سماها طرائق، لأن كل شيء فوقه مثله فهو طريقة، وقيل: لأنها طرق الملائكة، ﴿وما كنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلينَ﴾: بل نعلم جميع المخلوقات جلها ودقها فتدبر أمرها أو المراد من الخلق السماوات فإنه حفظها من الخلل والسقوط، وقيل: المراد منه الإنسان، أي ما غفلنا عنهم فإنا خلقنا السماوات لمنافعهم، ﴿وأنزَلْنا مِنَ السَّماءِ﴾، من جانبه أو من نفسه، ﴿ماءً بِقَدَر﴾: بمقدار معين أو بمقدار ما يكفيهم، ﴿فأسْكَنّاهُ﴾ أي: فجعلنا الماء ثابتًا، ﴿فِي الأرْضِ وإنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ﴾ أي: نحن قادرون على وجه من وجوه الذهاب إما التصعيد أو التنشيف أو الإفساد أو غيرها، ﴿فَأنْشَأْنا لَكم بِهِ﴾، بالماء، ﴿جَنّاتٍ مِن نَخِيلٍ وأعْنابٍ لَكم فِيها﴾: في الجنات، ﴿فَواكِهُ كَثِيرَةٌ﴾: تتفكهون بها، ﴿ومِنها تَأْكُلُونَ﴾ أي: من زرع الجنات وثمارها تأكلون، أو منها تحصلون معايشكم كما تقول: أنا آكل من حرفتي، ﴿وشَجَرَةً﴾، عطف على جنات، ﴿تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْناءَ﴾، الطور: الجبل وهو مضاف إلى البقعة أو المركب اسم لجبل موسى، والزيتون فيه أكثر وأحسن، وقيل: أول ما نبت نبت فيه، ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾، أي: متلبسًا به مستصحبًا له أو الباء للتعدية، ومن قرأ تنبت من باب الإفعال فهو بمعنى نبت أو تقديره تنبت زيتونها متلبسًا بالدهن، ﴿وصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾، معطوف على الدهن، والصبغ الإدام الذي يغمس فيه الخبز أي: تنبت بشيء جامع بين كونه دهنًا وكونه إدامًا، وعن بعض الدهن: الزيت والإدام نفس الزيتون، ﴿وإن لَكم في الأنْعامِ لَعِبْرَةً﴾: تعتبرون بها، ﴿نُسْقِيكم مِمّا في بُطُونِها﴾: من الألبان أو من العلف فإن اللبن منه يحصل، ﴿ولَكم فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ﴾: من ظهورها وأصوافها، ﴿ومِنها تَأْكُلُونَ وعَلَيْها﴾: على الأنعام فإن منها ما يحمل عليه، ﴿وعَلى الفُلْكَِ تُحْمَلُون﴾: في البر والبحر.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ","إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ","فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰعُونَ","وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَ ٰتِهِمۡ یُحَافِظُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡوَ ٰرِثُونَ","ٱلَّذِینَ یَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ","وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ","ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةࣰ فِی قَرَارࣲ مَّكِینࣲ","ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَـٰمࣰا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَـٰمَ لَحۡمࣰا ثُمَّ أَنشَأۡنَـٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ","ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ لَمَیِّتُونَ","ثُمَّ إِنَّكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ تُبۡعَثُونَ","وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَاۤىِٕقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلۡخَلۡقِ غَـٰفِلِینَ","وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءَۢ بِقَدَرࣲ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَـٰدِرُونَ","فَأَنشَأۡنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّـٰتࣲ مِّن نَّخِیلࣲ وَأَعۡنَـٰبࣲ لَّكُمۡ فِیهَا فَوَ ٰكِهُ كَثِیرَةࣱ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ","وَشَجَرَةࣰ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَیۡنَاۤءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغࣲ لِّلۡـَٔاكِلِینَ","وَإِنَّ لَكُمۡ فِی ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةࣰۖ نُّسۡقِیكُم مِّمَّا فِی بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِیهَا مَنَـٰفِعُ كَثِیرَةࣱ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ","وَعَلَیۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ"],"ayah":"قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}