الباحث القرآني
(p-٣٠٥)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ المُؤْمِنُونَ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآياتِ الَّتِي ابْتَدَأ بِها أوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ عَلاماتِ المُؤْمِنِينَ المُفْلِحِينَ فَقالَ ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] أيْ: فازُوا وظَفِرُوا بِخَيْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ.
وَفَلاحُ المُؤْمِنِينَ مَذْكُورٌ ذِكْرًا كَثِيرًا في القُرْآنِ؛ كَقَوْلِهِ ﴿وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأنَّ لَهم مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٧] وقَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] أصْلُ الخُشُوعِ: السُّكُونُ، والطُّمَأْنِينَةُ، والِانْخِفاضُ ومِنهُ قَوْلُ نابِغَةِ ذُبْيانَ:
؎رَمادٌ كَكُحْلِ العَيْنِ لَأْيًا أُبَيِّنُهُ ونُؤًى كَجَذْمِ الحَوْضِ أثَلَمَ خاشِعِ
وَهُوَ في الشَّرْعِ: خَشْيَةٌ مِنَ اللَّهِ تَكُونُ في القَلْبِ، فَتَظْهَرُ آثارُها عَلى الجَوارِحِ.
وَقَدْ عَدَّ اللَّهُ الخُشُوعَ مِن صِفاتِ الَّذِينَ أعَدَّ لَهم مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا في قَوْلِهِ في الأحْزابِ ﴿والخاشِعِينَ والخاشِعاتِ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿أعَدَّ اللَّهُ لَهم مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣٥] .
وَقَدْ عُدَّ الخُشُوعُ في الصَّلاةِ هُنا مِن صِفاتِ المُؤْمِنِينَ المُفْلِحِينَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ، وبَيَّنَ أنَّ مَن لَمْ يَتَّصِفْ بِهَذا الخُشُوعِ تَصْعُبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ في قَوْلِهِ ﴿وَإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلّا عَلى الخاشِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٥] وقَدِ اسْتَدَلَّ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ بِقَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ عَلى أنَّ مِن خُشُوعِ المُصَلِّي: أنْ يَكُونَ نَظَرُهُ في صَلاتِهِ إلى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، قالُوا: كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَنْظُرُ إلى السَّماءِ في الصَّلاةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ حَيْثُ يَسْجُدُ.
وَقالَ صاحِبُ الدُّرِّ المَنثُورِ: وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيَهْقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا صَلّى رَفَعَ بَصَرَهُ إلى (p-٣٠٦)السَّماءِ فَنَزَلَتْ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] فَطَأْطَأ رَأْسَهُ» اهـ مِنهُ.
وَأكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ عَلى أنَّ المُصَلِّيَ يَنْظُرُ إلى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، ولا يَرْفَعُ بَصَرَهُ، وخالَفَ المالِكِيَّةُ الجُمْهُورَ، فَقالُوا: إنَّ المُصَلِّيَ يَنْظُرُ أمامَهُ لا إلى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، واسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] قالُوا: فَلَوْ نَظَرَ إلى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لاحْتاجَ أنْ يَتَكَلَّفَ ذَلِكَ بِنَوْعٍ مِنَ الِانْحِناءِ، وذَلِكَ يُنافِي كَمالَ القِيامِ، وظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾؛ لِأنَّ المُنْحَنِيَ بِوَجْهِهِ إلى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، لَيْسَ بِمُوَلٍّ وجْهَهُ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ، والجُمْهُورُ عَلى خِلافِهِمْ كَما ذَكَرْنا.
واعْلَمْ أنَّ مَعْنى أفْلَحَ: نالَ الفَلاحَ، والفَلاحُ يُطْلَقُ في لُغَةِ العَرَبِ عَلى مَعْنَيَيْنِ:
الأوَّلُ: الفَوْزُ بِالمَطْلُوبِ الأكْبَرِ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎فاعْقِلِي إنْ كُنْتِ لَمّا تَعْقِلِي ∗∗∗ ولَقَدْ أفْلَحَ مَن كانَ عَقِلَ
أيْ فازَ مَن رُزِقَ العَقْلَ بِالمَطْلُوبِ الأكْبَرِ.
والثّانِي: هو إطْلاقُ الفَلاحِ عَلى البَقاءِ السَّرْمَدِيِّ في النَّعِيمِ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ أيْضًا في رَجَزٍ لَهُ:
؎لَوْ أنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الفَلاحِ ∗∗∗ لَنالَهُ مُلاعِبُ الرِّماحِ
يَعْنِي: مُدْرِكَ البَقاءِ، ومِنهُ بِهَذا المَعْنى قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، أوِ الأضْبَطِ بْنِ قُرَيْعٍ:
؎لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الهُمُومِ سَعَهْ ∗∗∗ والمِسى والصُّبْحُ لا فَلاحَ مَعَهْ.
أيْ لا بَقاءَ مَعَهُ، ولا شَكَّ أنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفاتِ الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ دَخَلَ الجَنَّةَ كَما هو مُصَرَّحٌ بِهِ في الآياتِ المَذْكُورَةِ، وأنَّ مَن دَخَلَ الجَنَّةَ نالَ الفَلاحَ بِمَعْنَيَيْهِ المَذْكُورَيْنِ، والمَعْنَيانِ اللَّذانِ ذَكَرْنا لِلْفَلاحِ بِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما، فَسَّرَ بَعْضُ العُلَماءِ حَدِيثَ الأذانِ والإقامَةِ في لَفْظَةِ: حَيَّ عَلى الفَلاحِ.
{"ayah":"قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق