الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) ﴾
يقول تعالى ذكره: يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان لله عاصيا، والعصيّ هو ذو العصيان، كما العليم ذو العلم، وقد قال قوم من أهل العربية: العصيّ: هو العاصي، والعليم هو العالم، والعريف هو العارف، واستشهدوا لقولهم ذلك، بقول طريف بن تميم العنبريّ:
أو كُلَّما وَرَدَتْ عُكاظَ قَبيلَةٌ ... بَعَثُوا إليَّ عَرِيفُهُمْ يَتَوَسَّمُ [[البيت في (اللسان: عرف) ونسبه إلى طريف بن مالك العنبري، وقيل طريف بن عمرو. قال: والعريف والعارف بمعنى، مثل عليم وعالم. وقال سيويه: هو فعيل بمعنى فاعل، كقولهم ضريب قداح. والجمع عرفاء.]]
وقالوا: قال عريفهم وهو يريد: عارفهم، والله أعلم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥) ﴾
يقول: يا أبت إني أعلم انك إن متّ على عبادة الشيطان أنه يمسك عذاب من عذاب الله ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ يقول: تكون له وليا دون الله ويتبرأ الله منك، فتهلك، والخوف في هذا الموضع بمعنى العلم، كما الخشية بمعنى العلم، في قوله ﴿فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا﴾ .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) ﴾
يقول تعالى ذكره: قال أبو إبراهيم لإبراهيم، حين دعاه إبراهيم إلى عبادة الله وترك عبادة الشيطان، والبراءة من الأوثان والأصنام ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ﴾ يا إبراهيم عن عبادة آلهتي؟ ﴿لئن﴾ أنت ﴿لم تنته﴾ عن ذكرها بسوء ﴿لأرجمنك﴾ يقول: لأرجمنك بالكلام، وذلك السبّ، والقول القبيح.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدّي ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ﴾ بالشتيمة والقول.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، في قوله ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ﴾ قال: بالقول؛ لأشتمنك.
⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ﴿لأَرْجُمَنَّكَ﴾ يعني: رجم القول.
وأما قوله ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: واهجرني حينا طويلا ودهرا. ووجهَّوا معنى الملّي إلى المُلاوة من الزمان، وهو الطويل منه.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن عبد الكريم، عن مجاهد، في قوله ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: دهرا.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿مَلِيًّا﴾ قال حينا.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: طويلا.
⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: زمانا طويلا.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ يقول: دهرا، والدهر المليّ.
⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: دهرا.
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: أبدا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: واهجرني سويا سليما من عقوبتي إياك، ووجَّهوا معنى المليّ إلى قول الناس: فلان مليّ بهذا الأمر: إذا كان مضطلعا به غنيا فيه. وكأن معنى الكلام كان عندهم: واهجرني وعرضك وافر من عقوبتي، وجسمك معافى من أذاي.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ يقول: اجتنبني سَوِيًّا.
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: اجتنبني سالما قبل أن يصيبك مني عقوبة.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: سالما.
⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن كثير بن درهم أبو غسان، قال: ثنا قرة بن خالد، عن عطية الجدلي ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: سالما.
⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ اجتنبني سالما لا يصيبك مني معرّة.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية عندي قول من قال: معنى ذلك: واهجرني سويا، سلما من عقوبتي، لأنه عقيب قوله ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ﴾ وذلك وعيد منه له إن لم ينته عن ذكر آلهته بالسوء أن يرجمه بالقول السيئ، والذي هو أولى بأن يتبع ذلك التقدّم إليه بالانتهاء عنه قبل أن تناله العقوبة، فأما الأمر بطول هجره فلا وجه له.
{"ayahs_start":44,"ayahs":["یَـٰۤأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ عَصِیࣰّا","یَـٰۤأَبَتِ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یَمَسَّكَ عَذَابࣱ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّیۡطَـٰنِ وَلِیࣰّا","قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِی یَـٰۤإِبۡرَ ٰهِیمُۖ لَىِٕن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِی مَلِیࣰّا"],"ayah":"یَـٰۤأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ عَصِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق