الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إبْراهِيمَ﴾؛ أيِ: اذْكُرْ لِقَوْمِكَ قِصَّتَهُ. وقَدْ سَبَقَ مَعْنى الصَّدِيقِ في [ النِّساءِ: ٦٩ ] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾؛ أيْ: لا يَدْفَعُ عَنْكَ ضُرًّا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ العِلْمِ﴾ بِاللَّهِ والمَعْرِفَةِ ﴿ما لَمْ يَأْتِكَ﴾ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ﴾؛ أيْ: لا تُطِعْهُ فِيما يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى " كانَ " آَنِفًا. و " عَصِيًّا "؛ أيْ: عاصِيًا، فَهو ( فَعِيلٌ ) بِمَعْنى ( فاعِلٌ ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي أخافُ أنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: في الآَخِرَةِ. وقالَ غَيْرُهُ: في الدُّنْيا. ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ ولِيًّا﴾؛ أيْ: قَرِينًا في عَذابِ اللَّهِ، فَجَرْتِ المُقارَنَةُ مَجْرى المُوالاةِ. وقِيلَ: إنَّما طَمِعَ إبْراهِيمُ في إيمانِ أبِيهِ؛ لِأنَّهُ (p-٢٣٧)حِينَ خَرَجَ مِنَ النّارِ قالَ لَهُ: نِعْمَ الإلَهُ إلَهُكَ يا إبْراهِيمُ، فَحِينَئِذٍ أقْبَلَ يَعِظُهُ، فَأجابَهُ أبُوهُ: ﴿أراغِبٌ أنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبْراهِيمُ﴾؛ أيْ: أتارِكٌ عِبادَتَها أنْتَ ؟ ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ﴾ عَنْ عَيْبِها وشَتْمِها، ﴿لأرْجُمَنَّكَ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: بِالشَّتْمِ والقَوْلِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ. والثّانِي: بِالحِجارَةِ حَتّى تَتَباعَدَ عَنِّي، قالَهُ الحَسَنُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: اهْجُرْنِي طَوِيلًا، رَواهُ مَيْمُونُ بْنُ مَهْرانَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، والفَرّاءُ، والأكْثَرُونَ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: اهْجُرْنِي حِينًا طَوِيلًا، ومِنهُ يُقالُ: تَمَلَّيْتُ حَبِيبَكَ. والثّانِي: اجْتَنِبْنِي سالِمًا قَبْلَ أنْ تُصِيبَكَ عُقُوبَتِي، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ قَتادَةُ والضَّحّاكُ، فَعَلى هَذا يَكُونُ من قَوْلِهِمْ: فُلانٌ مَلِيٌّ بِكَذا وكَذا: إذا كانَ مُضْطَلِعًا بِهِ، فالمَعْنى: اهْجُرْنِي وعِرْضُكَ وافِرُ، وأنْتَ سَلِيمٌ مِن أذايَ، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ﴾؛ أيْ: سَلِمْتَ مِن أنْ أُصِيبَكَ بِمَكْرُوهٍ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتالِهِ عَلى كُفْرِهِ، ﴿سَأسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ المَعْنى: سَأسْألُ اللَّهَ لَكَ تَوْبَةً تَنالُ بِها مَغْفِرَتَهُ. والثّانِي: أنَّهُ وعَدَهُ الِاسْتِغْفارَ، وهو لا يَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ في حَقِّ المُصِرِّينَ عَلى الكُفْرِ، ذَكَرَهُما ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: (p-٢٣٨) أحَدُها: لَطِيفًا، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ ابْنُ زَيْدٍ والزَّجّاجُ. والثّانِي: رَحِيمًا، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: بارًّا عَوَّدَنِي مِنهُ الإجابَةَ إذا دَعَوْتُهُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأعْتَزِلُكُمْ﴾؛ أيْ: وأتَنَحّى عَنْكُمْ، وأعْتَزِلُ " ما تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ " يَعْنِي: الأصْنامَ. وَفِي مَعْنى " تَدْعُونَ " قَوْلانِ: أحَدُهُما: تَعْبُدُونَ. والثّانِي: أنَّ المَعْنى: وما تَدْعُونَهُ رَبًّا، ﴿وَأدْعُو رَبِّي﴾؛ أيْ: وأعْبُدُهُ، ﴿عَسى ألا أكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾؛ أيْ: أرْجُو أنْ لا أشْقى بِعِبادَتِهِ كَما شَقِيتُمْ أنْتُمْ بِعِبادَةِ الأصْنامِ؛ لِأنَّها لا تَنْفَعُهم ولا تُجِيبُ دُعاءَهم. ﴿فَلَمّا اعْتَزَلَهُمْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونُ: هاجَرَ عَنْهم إلى أرْضِ الشّامِ، فَوَهَبَ اللَّهُ لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ، فَآَنَسَ اللَّهُ وحْشَتَهُ عَنْ فِراقِ قَوْمِهِ بِأوْلادٍ كِرامٍ. قالَ أبُو سُلَيْمانَ: وإنَّما وهَبَ لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ بَعْدَ إسْماعِيلَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكُلا﴾؛ أيْ: وكُلًّا مِن هَذَيْنَ. وقالَ مُقاتِلٌ: " وكُلًّا " يَعْنِي: إبْراهِيمَ، وإسْحاقَ، ويَعْقُوبَ، " جَعَلْناهُ نَبِيًّا " . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوَهَبْنا لَهم مِن رَحْمَتِنا﴾ قالَ المُفَسِّرُونُ: المالُ والوَلَدُ، والعِلْمُ والعَمَلُ، ﴿وَجَعَلْنا لَهم لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: ذِكْرًا حَسَنًا في النّاسِ مُرْتَفِعًا، فَجَمِيعُ أهْلِ الأدْيانِ يَتَوَلَّوْنَ إبْراهِيمَ وذُرِّيَّتَهُ ويُثْنُونَ عَلَيْهِمْ، فَوَضَعَ اللِّسانَ مَكانَ القَوْلِ؛ لِأنَّ القَوْلَ يَكُونُ بِاللِّسانِ.(p-٢٣٩)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب