الباحث القرآني
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ انْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ صَاحَ الشَّيْطَانُ: قَدْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ. قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ أُصِيبَ مُحَمَّدٌ فَأَعْطُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَإِنَّمَا هُمْ إِخْوَانُكُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ أُصِيبَ أَلَا تَمْضُونَ عَلَى مَا مضى عليه نبيكم حتى تَلْحَقُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى قول: ﴿فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا﴾ [آل عمران: ١٤٨]. وما نَافِيَةٌ، وَمَا بَعْدَهَا ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، وَبَطَلَ عَمَلُ "مَا". وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ "قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ" بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ. فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الرُّسُلَ لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ فِي قَوْمِهَا أَبَدًا، وَأَنَّهُ يَجِبُ التَّمَسُّكَ بِمَا أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَإِنْ فُقِدَ الرَّسُولُ بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ. وَأَكْرَمَ نَبِيَّهُ ﷺ [وَصَفِيَّهُ] [[في ب وهـ.]] بِاسْمَيْنِ مُشْتَقَّيْنِ مِنَ اسْمِهِ: مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ، وتقول الْعَرَبُ: رَجُلٌ مَحْمُودٌ وَمُحَمَّدٌ إِذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْمَحْمُودَةِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ [[هذا عجز بيت للأعشى، وصدره:
إليك أبيت اللعن كان كلالها
والذي في الديوان: الماجد الفرع. كذا في ب ود وهـ. وفرع كل شي: أعلاه.]]
وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي الْفَاتِحَةِ [[راجع ج ١ ص ١٣٣.]]. وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:
يَا خَاتِمَ النُّبَآءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ ... بِالْخَيْرِ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا
إِنَّ الْإِلَهَ بَنَى [[في د، واللسان: ثنى ولم يعرف هذا في اللغة. والأصول بنى.]] عَلَيْكَ مَحَبَّةً ... فِي خَلْقِهِ وَمُحَمَّدًا سَمَّاكَا
فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ تَتِمَّةِ الْعِتَابِ مَعَ الْمُنْهَزِمِينَ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الِانْهِزَامُ وَإِنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَالنُّبُوَّةُ لَا تَدْرَأُ الْمَوْتَ، وَالْأَدْيَانُ لَا تَزُولُ بِمَوْتِ الْأَنْبِيَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى شُجَاعَةِ الصِّدِّيقِ وجرأته، فَإِنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْجُرْأَةَ حَدُّهُمَا ثُبُوتُ الْقَلْبِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَصَائِبِ، وَلَا مُصِيبَةَ أَعْظَمَ مِنْ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ٢ ص ١٧٦.]] فَظَهَرَتْ عِنْدَهُ شُجَاعَتُهُ وَعِلْمُهُ. قَالَ النَّاسُ: لَمْ يَمُتْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَخَرِسَ عُثْمَانُ، وَاسْتَخْفَى عَلِيٌّ، وَاضْطَرَبَ الْأَمْرُ فَكَشَفَهُ الصِّدِّيقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ حِينَ قُدُومِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ [[السنح (بضم أوله وسكون النون وقد تضم): موضع بعوالي المدينة، وهى منازل بنى الحارث بن الخزرج، بينهما وبين منزل النبي ﷺ ميل.]]، الْحَدِيثَ، كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ امْرَأَتِهِ ابْنَةِ خَارِجَةَ بِالْعَوَالِي، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: لَمْ يَمُتِ النَّبِيُّ ﷺ إِنَّمَا هو بعض ما كان يأخذه عند الْوَحْيِ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُمِيتَكَ! مَرَّتَيْنِ. قَدْ وَاللَّهِ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعُمْرُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِيَ أُنَاسٍ مِنَ المنافقين كثير وأرحلهم. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، "وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ". قَالَ عُمَرُ: "فَلَكَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ". وَرَجَعَ عَنْ مَقَالَتِهِ الَّتِي قَالَهَا فِيمَا ذَكَرَ الْوَائِلِيُّ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْإِبَانَةِ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَمْسِ مَقَالَةً وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ فِي كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَلَا فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى يَدْبُرَنَا- يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ حَتَّى يَكُونَ آخِرَنَا مَوْتًا- فَاخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا لِمَا هُدِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. قَالَ الْوَائِلِيُّ أَبُو: نَصْرٍ الْمَقَالَةُ الَّتِي قَالَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا هِيَ "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَمُتْ وَلَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ" وَكَانَ قَالَ ذَلِكَ لِعَظِيمِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَخَشِيَ الْفِتْنَةَ وَظُهُورَ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا شَاهَدَ قُوَّةَ يَقِينِ الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ أَبِي بَكْرٍ، وَتَفَوُّهَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] [[راجع ص ٢٩٧ من هذا الجزء، وج ١١ ص ٢٨٧.]] وقوله:" إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ [[راجع ج ١٥ ص ٢٥٤.]] مَيِّتُونَ" [الزمر: ٣٠] وما قاله ذلك اليوم- تنبه وَتَثْبِيتٌ وَقَالَ: كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ بِالْآيَةِ إِلَّا مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَخَرَجَ النَّاسُ يَتْلُونَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، كَأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَمَاتَ ﷺ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِلَا اخْتِلَافٍ، فِي وَقْتِ دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ فِي هِجْرَتِهِ حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَقِيلَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَرْثِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَلَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ رَجَاءَنَا ... وَكُنْتَ بِنَا بَرًّا وَلَمْ تَكُ جَافِيَا
وَكُنْتَ رَحِيمًا هَادِيًا وَمُعَلِّمًا ... لِيَبْكِ عَلَيْكَ الْيَوْمَ مَنْ كَانَ بَاكِيَا
لَعَمْرُكَ مَا أَبْكِي النَّبِيَّ لِفَقْدِهِ ... وَلَكِنْ لِمَا أَخْشَى مِنَ الْهَرْجِ آتِيَا
كَأَنَّ عَلَى قَلْبِي لِذِكْرِ مُحَمَّدٍ ... وَمَا خِفْتُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ الْمَكَاوِيَا
أَفَاطِمَ صَلَّى اللَّهُ رَبُّ مُحَمَّدٍ ... عَلَى جَدَثٍ أَمْسَى بِيَثْرِبَ ثَاوِيَا
فِدًى لِرَسُولِ اللَّهِ أُمِّي وَخَالَتِي ... وَعَمِّي وَآبَائِي وَنَفْسِي وَمَالِيَا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليت الْعُودِ أَبْلَجَ صَافِيَا
فَلَوْ أَنَّ رَبَّ النَّاسِ أَبْقَى نَبِيَّنَا ... سَعِدْنَا، وَلَكِنْ أَمْرُهُ كَانَ مَاضِيَا
عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ السَّلَامُ تَحِيَّةً ... وَأُدْخِلْتَ جَنَّاتٍ من عدن رَاضِيَا
أَرَى حَسَنًا أَيْتَمْتَهُ وَتَرَكْتَهُ ... يُبَكِّي وَيَدْعُو جَدَّهُ الْيَوْمَ نَاعِيَا [[في ج وب ود: نائيا.]]
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ: الثَّالِثَةُ- فَلِمَ أُخِّرَ دَفْنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ قَالَ لِأَهْلِ بَيْتٍ أَخَّرُوا دَفْنَ مَيِّتِهِمْ: (عَجِّلُوا دَفْنَ جِيفَتِكُمْ وَلَا تُؤَخِّرُوهَا). فَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ- مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَوْتِهِ. الثَّانِي- لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَيْثُ يَدْفِنُونَهُ. قَالَ قَوْمٌ فِي الْبَقِيعِ، وَقَالَ آخَرُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُحْبَسُ حَتَّى يُحْمَلَ إِلَى أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ. حَتَّى قَالَ الْعَالِمُ الْأَكْبَرُ [[يريد به أبا بكر رضى الله عنه.]]: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَا دُفِنَ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ يَمُوتُ) ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْمُوَطَّأُ وَغَيْرُهُمَا. الثَّالِثُ أَنَّهُمُ اشْتَغَلُوا بِالْخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْبَيْعَةِ، فَنَظَرُوا فِيهَا حَتَّى اسْتَتَبَّ الْأَمْرُ وَانْتَظَمَ الشَّمْلُ وَاسْتَوْثَقَتِ [[في هـ: استوسقت.]] الْحَالُ، وَاسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ فِي نِصَابِهَا فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ بَايَعُوهُ مِنَ الْغَدِ بَيْعَةً أُخْرَى عَنْ مَلَأٍ مِنْهُمْ وَرِضًا، فَكَشَفَ اللَّهُ بِهِ الْكُرْبَةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِهِ الدِّينُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَنَظَرُوا فِي دَفْنِهِ وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ وَاخْتُلِفَ هَلْ صُلِّيَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدْعُو، لِأَنَّهُ كَانَ أَشْرَفَ مِنْ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا كَلَامٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ السُّنَّةَ تُقَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الْجِنَازَةِ، كَمَا تُقَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لَنَا. وَقِيلَ: لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَامٌ. وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يُقِيمُ بِهِمُ الصَّلَاةَ الْفَرِيضَةَ هُوَ الَّذِي كَانَ يَؤُمُّ بِهِمْ فِي الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: صَلَّى عَلَيْهِ النَّاسُ أَفْذَاذًا، لِأَنَّهُ كَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ أَحَدٍ بَرَكَتَهُ مَخْصُوصًا دُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا تَابِعًا لِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ. قُلْتُ: قَدْ خَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بَلْ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ جِهَازِهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْسَالًا [[أرسالا: أفواجا وفرقا متقطعة بعضهم يتلو بعضا، واحدهم رسل، بفتح الراء والسين.]] يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا النِّسَاءَ، حَتَّى إِذَا فَرَغْنَ أَدْخَلُوا الصِّبْيَانَ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَدٌ. خَرَّجَهُ عن نصر ابن عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي حسين ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. الْخَامِسَةُ- فِي تَغْيِيرِ الْحَالِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ أضاء منها كل شي، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ منها كل شي، وَمَا نَفَضْنَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا الْقُرْآنُ، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَكَلَّمْنَا. وَأَسْنَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ [أَنَّهَا قَالَتْ] [[زيادة عن ابن ماجة.]]: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ المصلي [يصلي] [[زيادة عن ابن ماجة.]] لم يعد بصر أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ جَبِينِهِ، فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ الْقِبْلَةِ، فَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَكَانَتِ الْفِتْنَةُ فَتَلَفَّتَ النَّاسُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ﴾ "أَفَإِنْ ماتَ" شَرْطٌ "أَوْ قُتِلَ" عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ "انْقَلَبْتُمْ". وَدَخَلَ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدِ انْعَقَدَ بِهِ وَصَارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَخَبَرًا وَاحِدًا. وَالْمَعْنَى: أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ إِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ؟ وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ، فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَمَوْضِعُهُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ جَوَابِ الشَّرْطِ. وَقَوْلُهُ "انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ" تَمْثِيلٌ، ومعناه ارتددتم كفارا بعد إيمانكم، قاله قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ. وَيُقَالُ لِمَنْ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ: انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَمِنْهُ "نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ" [[راجع ج ٨ ص ٢٦.]]. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالِانْقِلَابِ هُنَا الِانْهِزَامُ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَعَلْتُمْ فِعْلَ الْمُرْتَدِّينَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِدَّةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً﴾ بَلْ يَضُرُّ نَفْسَهُ وَيُعَرِّضُهَا لِلْعِقَابِ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ وَلَا تَضُرُّهُ [[في هـ ود: ولا يتضرر بالمعصية.]] الْمَعْصِيَةُ لِغِنَاهُ.
(وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)، أَيِ الَّذِينَ صَبَرُوا وَجَاهَدُوا وَاسْتُشْهِدُوا. وَجَاءَ "وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" بَعْدَ قَوْلِهِ: "فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً" فهو اتصال وعد بوعيد.
{"ayah":"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق