الباحث القرآني
وهنا قال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران ١٤٤] محمد يعني محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي خاتم الأنبياء، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ هذا هو محط الفائدة، أما كونه رسولًا فهذا أمر معلوم، لكن محط الفائدة قوله: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾، توطئة لما بعده، وهو قوله: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران ١٤٤] يعني أن رسول الله ﷺ رسول قد خلت من قبله الرسل، فماتوا من قبله، ومنهم من قتل، كما قال تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة ٦١]، فإذا كان كذلك فهل أقوامهم لما ماتت أنبياؤهم أو قتلوا هل تركوا أديانهم؟
الجواب: لا، لم يتركوا الأديان؛ وذلك لأن الأمم إنما تعبد الله وتتبع الرسل، والرسل لا تنقطع رسالتهم بموتهم، بل رسالتهم باقية ما بقيت الرسالة حتى تأتي رسالة تنسخها، أما رسالة النبي ﷺ فإنه لا ناسخ لها؛ لأنها آخر الرسالات، وهذه الآية نزلت حينما صاح الشيطان في يوم أحد، صاح الشيطان يقول: إن محمدًا قد قُتل. فلما قال هذا فت ذلك في أعضاد الصحابة رضي الله عنهم:
أولًا: لأن موت النبي ﷺ مصيبة عظيمة تحزن القلب وتضعف النفس.
وثانيًا: لأن محمدًا ﷺ كان قائدهم، وإذا مات القائد فإنه لا شك سيكون له أثر على الذين يقتادون بقيادته.
فلما شاع الخبر بأن محمدًا ﷺ قُتل حصل ما حصل على المسلمين، فأصابهم غم بغم، وصار عند بعضهم بعض الشيء، ولكن الله عز وجل وبخهم فقال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾، فإذا كان كذلك فهل الرسل الذين سبقوا وماتوا أو قتلوا هل ارتد أقوامهم من بعدهم؟ لا، ولكن بقيت الرسالات وبقي الأتباع، وهنا قال: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾، الهمزة هنا للاستفهام التوبيخي، يعني: أفتنقلبون على أعقابكم إن مات أو قتل؟ هذا لا يليق بكم ولا ينبغي لكم، بل ما دامت شريعته باقية فاتباعه باقٍ، ولا يليق بأي مؤمن أن يرتد على عقبه إذا مات الرسول ﷺ.
وقوله: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ﴾ فيها همزة الاستفهام، ومِن بعدها فاء العطف، وقد مر علينا أن مثل هذا التركيب.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، لكن مثل هذا التركيب يجوز فيه من حيث الإعراب، أقول: مثل هذا التركيب ما الذي يجوز من حيث الإعراب؟
الطالب (...).
* الشيخ: يجوز إعرابها على وجهين، الوجه الأول؟
* الطالب: تكون الهمزة قبل الفاء.
* الشيخ: هي الهمزة الآن قبل الفاء ﴿أَفَإِنْ مَاتَ﴾؟
* الطالب: أو تكون بعد الفاء.
* الشيخ: ما هو واضح؟
* الطالب: أن تكون عاطفة.
* الشيخ: أن تكون الهمزة للاستفهام في مكانها، والفاء التي بعدها أو حرف العطف الذي بعدها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: حرف العطف الذي بعدها يكون هذا إذا جعلنا الهمزة في مكانها لم تغير فحرف العطف الذي بعدها؟
* الطالب: يقدر محذوف.
* الشيخ: يكون عاطفًا على؟
* الطالب: على شيء محذوف.
* الشيخ: شيء محذوف، وما تقدير هذا الشيء المحذوف؟
* الطالب: بما يناسب المقام.
* الشيخ: بما يناسب المقام، هذا وجه، الوجه الثاني؟
* الطالب: أن نجعلها على ما هي عليه.
* الشيخ: أن نجعل الهمزة في مكانها.
* الطالب: يعني الإعراب نقول: إن الهمزة قدمت للصدارة.
* الشيخ: إي، لكن هل هذا مكانها الأصلي أو لا على هذا الوجه الثاني؟
* الطالب: لا تكون مكانها الأصلي.
* الشيخ: أن يكون مكان الهمزة بعد حرف العطف، ولكن قدمت من أجل الصدارة، وبناءً على هذا الوجه؟
* الطالب: لا يحتاج إلى تقدير.
* الشيخ: يكون العاطف عاطفًا على ما سبق، يعني على الشيء المذكور السابق.
قال الله تعالى: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ﴾ [آل عمران ١٤٤] هذه جملة شرطية، ﴿إِنْ مَاتَ﴾ فعل الشرط، و﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ جواب الشرط، ولكن محل التوبيخ هو جواب الشرط في الحقيقة؛ لأنه يوبخهم على انقلابهم على تقدير أن يكون مات أو قتل، أي أتنقلبون على أعقابكم إن مات أو قتل، لا يليق بكم.
وقوله: ﴿إِنْ مَاتَ﴾ أي بغير فعل بشر﴿أَوْ قُتِلَ﴾ بفعل البشر.
وقوله: ﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ أي رجعتم على الوراء. والأعقاب: جمع عقب، وهو العرقوب، والمنقلب على عقبيه يكون ماشيًا على غير هدى، كالذي يمشي مكبًّا على وجهه، وقد قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك ٢٢]. والانقلاب على العقبين أعظم وأبلغ؛ لأن الانقلاب على العقب يمشي الإنسان فيه على غير الهيئة المعتادة، على أنه يحتمل أن يكون المراد بالانقلاب على العقب أي أنه يسقط على قفاه ولا يستطيع أن يتقدم أو يستقيم.
وقوله: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران ١٤٤] هنا قال: ﴿مَنْ يَنْقَلِبْ﴾ فعدل بالجملة إلى العموم دون أن يقول: وإن انقلبتم على أعقابكم فلن تضروا الله شيئًا، من أجل أن يكون الحكم عامًّا شاملًا، فقوله: ﴿مَنْ يَنْقَلِبْ﴾ هذه (من) شرطية تعم كل منقلب على عقبيه، والفعل هنا بعدها مجزوم، (...) أما جواب الشرط فهو؟
* طالب: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾.
* الشيخ: ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ المعروف أن جواب الشرط يكون مجزومًا وهنا منصوب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿فَلَنْ يَضُرَّ﴾، والمعروف أن جواب الشرط يقع مجزومًا؟
* الطالب: (لن) أداة نصب، سبقت الفعل المضارع، بتقدير (...).
* الشيخ: إي نعم، نقول: لأنه لما دخلت عليه (لن) صار جواب الشرط جملة، ولماذا اقترنت بالفاء؟
لماذا قرنت بالفاء: ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ﴾؟
* الطالب: من أجل العطف.
* الشيخ: لا.
* الطالب: سبقت بـ(لن).
* الشيخ: لأنها صدرت؛ لأن جواب الشرط صدر بـ(لن). اقرأ البيت الضابط في هذا؟
* الطالب:
؎اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَبِقَدْ وَبِلَنْوَبِالتَّنْفِيسِ
* الشيخ: ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ (شيئًا) نكرة في سياق النفي فتعم، يعني أن الذي ينقلب على عقبيه ويرتد عن الإيمان لن يضر الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى لن ينتفع بطاعة الطائعين، ولن يتضرر بمعصية العاصين، ولهذا قال: ﴿مَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ فيرجع بعد أن كان مسلمًا ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ وإنما يضر في الحقيقة نفسه.
﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٤] السين للتنفيس، وهي تحول الفعل المضارع من كونه صالحًا للحال والاستقبال (...) كونه للاستقبال، و(سوف) مثلها، إلا أن (سوف) تدل على المهلة، والسين تدل على الفورية.
﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ أي سيكافئهم، والشاكرون هم الذين قاموا بشكر نعمة الله، وقد مر علينا أن الشكر هو القيام بطاعة المُنعم بالقلب واللسان والجوارح، فالاعتراف بالقلب أن النعم من الله شكر، والثناء على الله بها باللسان شكر، والقيام بالطاعة بما يناسب تلك النعمة شكر، فشكر العلم مثلًا العمل به ونشره، شكر المال صرفه في طاعة الله، شكر القوة البدنية استعمال البدن في طاعة الله، وهلم جرًّا.
واعلم أن بين الشكر والحمد عمومًا وخصوصًا وجهيا، أي أن أحدهما أعم من الآخر من وجه، فباعتبار أن الحمد يكون لكمال المحمود ولإنعام المحمود يكون أعم من الشكر، وباعتبار أن الحمد يكون باللسان يكون أخص من الشكر، الشكر باعتبار كونه متعلقًا بالقلب واللسان والجوارح أعم من الحمد، وباعتبار أنه في مقابلة نعمة أخص من الحمد، يقول الشاعر:
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
وبهذا التقرير نعرف أنه ليس بين الحمد وبين الشكر ترادف بل هما متباينان، يتفقان في ما إذا حمَِد الله سبحانه تعالى على نعمته، كما لو أكل أوشرب فقال الحمد لله، فهذا يعتبر شكرًا وحمدًا، ويختلفان فيما إذا حمد الله على كماله فهنا لا يكون هذا من باب الشكر، وإذا شكر الله بجوارحه فليس هذا من باب الحمد.
قال: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٤] بماذا يجزيهم؟ بين الله سبحانه وتعالى هذا المجمل في قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [الأنعام ١٦٠] ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ هذا الجزاء، وصح عن النبي ﷺ «أن الله يضاعف الحسنة إلى عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف»[[أخرجه مسلم (١١٥١ / ١٦٤) من حديث أبي هريرة.]].
* نأخذ الفوائد:
* في هذه الآية: بيان أن رسول الله ﷺ بشر يلحقه الموت كما يلحق جميع الرسل؛ لقوله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ﴾ إلى آخره [آل عمران: ١٤٤].
* وفيها أيضا: أن النبي ﷺ ليس ربًّا فيُدعى، ولا إلهًا فيعبد؛ لقوله: ﴿إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي عرض الدليل بذكر النظائر ليقتنع الإنسان بما سمع؛ لقوله: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ فإن من سمع هذا اقتنع وقال: ما دام الرسل السابقون قد ماتوا أو قتلوا فإن ذلك يكون تسلية له.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات أن محمدًا ﷺ خاتم الرسل؛ لقوله: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ و(أل) هنا للعموم، ولم يقل: قد خلت من قبله رسل، بل قال: ﴿الرُّسُلُ﴾ وإذا كان الرسل كلهم قد خلوا من قبله لزم من ذلك أن يكون هو آخرهم.
* ومن فوائد هذه الآية: جواز موت الرسول عليه الصلاة والسلام وقتله؛ لقوله: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ﴾.
فإن قال قائل: يشكِل على هذا أن الله قال في الشهداء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران ١٦٩]، ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة ١٥٤]، فإذا كان هذا في الشهداء فكيف يكون الرسول ﷺ ميتًا مع أنه أفضل من الشهداء؟
والجواب عن ذلك أن نقول: إن الحياة حياتان: حياة دنيوية جسدية وهي حياة الدنيا، وحياة برزخية ليست كحياة الدنيا فهذه هي التي تثبت لمن؟ للشهداء، والأنبياء أفضل من الشهداء، حيث حرم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأما الشهداء فقد تأكل الأرض أجسادهم، فالأنبياء أجسادهم باقية وحياتهم البرزخية أكمل من حياة الشهداء بلا شك.
* من فوائد هذه الآية: الرد على من توهم أو زعم أن الرسول ﷺ حي في قبره؛ لقوله: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ﴾ ونحن نعلم بالضرورة من النقل المتواتر أن النبي ﷺ لم يقتل، أليس كذلك؟ فإنه ما قتل بسيف ولا برمح، مات على فراشه، ولكن ثبت عنه ﷺ أنه قال: «مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي، وَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي» »[[أخرجه البزار (٨٠٠٧) من حديث أبي هريرة.]].
الأبهر: عرق في الإبهام إذا انقطع مات الإنسان، فهذا يدل على أن أكله الشاة المسمومة في خيبر كان له أثر في موته، ولهذا قال بعض التابعين، وأظنه الزهري، قال: «إن النبي ﷺ كان شهيدًا؛ لأن اليهود قتلوه»[[أخرجه البيهقي في الدلائل (١٦٨٤) من حديث الزهري.]]، ولكن الله تعالى أمد في عمره حتى تأخر، وهذا ليس ببعيد، هذا ليس ببعيد لأن أكلة خيبر كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: «مَا زَالَ أَثَرُهَا فِي لَهَوَاتِي» »[[أخرجه مسلم (٢١٩٠ / ٤٥) من حديث أنس.]] يشاف في لهاته أثر السم، السم كان شديدًا، ولهذا مات بعض الصحابة، واحد من الصحابة الذين أكلوا معه مات، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلع اللحم الذي أكل.
* من فوائد هذه الآية: أن الارتداد عن الإسلام انقلاب على العقب، ولا يخفى علينا ماذا يكون أثر الانقلاب على العقب،﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ وهو كذلك؛ لأن الذي على الإسلام يمشي على برهان ونور، يمشي على صراط مستقيم.
* ومن فوائد الآية: الرد على الملحدين الذين يقولون: إن الإسلام رجعية ورجوع إلى الوراء، فإننا نقول لهم: أنتم الرجعيون، أنتم الذين انقلبتم على أعقابكم، أما من تمسك بالإسلام فإنه التقدمي؛ لأن الإسلام يحث على التقدم لكل فضيلة: ﴿سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ [آل عمران ١٣٣]، ﴿اسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة ١٤٨]، ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ [الحديد ٢١]، والآيات كلها تدل على أن الإسلام يأمر بالتقدم، لكن ليس التقدم إلى الكفر الذي قال الله عن زعيمه: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود ٩٨]، ولكنه التقدم إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، المهم أن هذه الآية فيها رد على من أيش؟ على الملحدين الذين زعموا أن التمسك بالإسلام رجعية، فنقول لهم: إن التمسك بالإسلام هو التقدم، والتخلف عن الإسلام هو الرجعية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله عز وجل غني عن طاعة الطائعين؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾.
* ومن فوائد الآية: انتفاء الضرر عن الله، وأنه لن يضره شيء، ولكن إذا قال قائل: أليس الله تعالى قد قال في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [الأحزاب ٥٧]؟ وفي الحديث القدسي: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ»[[متفق عليه أخرجه البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦ / ٢) من حديث أبي هريرة.]] فأثبت الأذية لله؟
فالجواب: أنه لا يلزم من الأذية الضرر، فالله تعالى قد يتأذى ولكن لا يتضرر، وأضرب لك مثلا: لو أن شخصا جلس إلى جنبك وقد أكل بصلًا أو شرب دخانًا، ألست تتأذى برائحته؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: بلى، ولكن هل تتضرر؟ لا تتضرر، إذا رأيت شيئًا مكروهًا فإنك تتأذى ولكن لا تتضرر، إذن لا يلزم من كون الله تعالى (...) يتضرر.
* من فوائد الآية الكريمة: الحث على الشكر؛ لقوله: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾، ووجهه أن الجزاء أضيف إلى الله، فدل على عظمه؛ لأن الثواب من العظيم عظيم، ولهذا كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز الإطلاق في الكلام إذا جاء مفسرًا في موضع آخر؛ لقوله: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾؛ فإن هذه الآية مجملة، لم يبين الله تعالى كيف هذا الجزاء، ولكنه قد بُيّن في نصوص أخرى، والشريعة يفسر بعضها بعضًا، ويقيد بعضها بعضًا، و يخصص بعضها بعضًا، وما تجده مجملًا في مكان تجده مبينًا في مكان آخر، وهذا من تمام الشريعة؛ لأن الشيء إذا أتاك مجملًا فإن نفسك تتطلع إلى بيان هذا المجمل، فتحرص وتبحث وتقارن بين الأدلة وتقرن بعضها إلى بعض حتى يتبين لك الأمر، وحتى تكون ملمًّا في كل وقت بجميع النصوص.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الخلق لو كانوا كلهم على الردة فإن الله تعالى لن يتضرر بذلك؛ لقوله: ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ وهذا عام، يشمل أي ضرر كان، سواء كان من فرد أو من جماعة.
* طالب: (...) حياة برزخية (...) ربما يوردون علينا يقولون: إن الحياة البرزخية يشترك فيها جميع الأموات، سواء كان شهيدًا أو غير شهيد؟
* الشيخ: لا، أبدًا، الغير الشهيد ما يحيا هذه الحياة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هذه الحياة؛ لأنه في البرزخ غاية ما ورد أنه ترد إليه روحه من أجل الرد على الملكين فقط، لكن أولئك أحياء دائمًا حتى يبعثون.
* طالب: قلنا: إنه نستدل بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران ١٤٤] أنه خاتم الأنبياء (...) الرسل والآية التي ورد فيها: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة ٧٥]؟
* الشيخ: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ نعم هذا صحيح، هذا يدل على العموم، ولهذا ليس بين محمد وعيسى أحد من الرسل، فإذا جاءت الآية الأولى عامة في عيسى تكون هذه الآية مخَصِّصة لها، يعني قد خلت من قبله الرسل إلا محمد.
* طالب: (...) النبي ﷺ له السيادة المطلقة في الدنيا على جميع الناس، فيا شيخ فهل نقول: إن فلانًا سيد الشهداء (...)؟
* الشيخ: إي نعم على رأي الزهري.
* الطالب: قلنا: هذا القول يتعارض مع حديث أن (...) سيد الشهداء؟
* الشيخ: لا، ما يتعارض، يعني سيد الشهداء من التابعين الذين تبعوا الرسل، أقول: سيد الشهداء من الذين تبعوا الرسل، يعني من الأمم، أما الرسول فينفرد.
* طالب: قلنا: إن الأبهر عرق في الإبهام إذا انقطع مات الإنسان، السارق إذا سرق وقطعوا يده ما يموت؟
* الشيخ: طيب، إذا قطعوا يده يجب أن تحسم، ولهذا قالوا: يجب أن يكون هناك زيت يغلى، من حين ما تقطع يده تغمس في هذا الزيت من أجل أن يقف الدم، لو ترك لنزف ومات.
* الطالب: لكن المراد إذا قطع حتى لو مثلًا سكر الدم؟
* الشيخ: لا، لو سكر ما يموت معروف.
* طالب: (...) الشكر لله بدلا من الحمد لله؟
* الشيخ: صحيح، ما فيها شيء.
* الطالب: ما يقال: الحمد أفضل (...).
* الشيخ: أنت قلت: هل يجوز أن يقول: الشكر لله ولّا لا؟ نقول: لا بأس.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: أفضل أيش؟
* الطالب: الحمد لله (...).
* الشيخ: حسب الحال، أقول: حسب الحال، الحديث: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأُكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا»[[أخرجه مسلم (٢٧٣٤ / ٨٨) من حديث أنس.]]، ويكون هنا حمدًا، وهو شكر في نفس الوقت.
{"ayah":"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق