الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه، داعيًا إلى الله وإلى طاعته، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه. [[قوله: "الذين حين انقضت آجالهم"، من صفة"رسل الله" الذين ذكرهم قبل.]] يقول جل ثناؤه: فمحمد ﷺ إنما هو فيما الله به صانعٌ من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوْا قبله، [[في المخطوطة والمطبوعة: "كسائر مدة رسله إلى خلقه" بزيادة"مدة"، وهي مفسدة للكلام وكأنها سبق قلم من الناسخ، فلذلك أسقطتها.]] وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم.
ثم قال لأصحاب محمد، معاتبَهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحُد:"إنّ محمدًا قتل"، ومُقبِّحًا إليهم انصرافَ من انصرفَ منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم: أفائن مات محمد، أيها القوم، لانقضاء مدة أجله، أو قتله عدو = [[في المطبوعة: "أو قتله عدوكم"، وأثبت ما في المخطوطة.]] "انقلبتم على أعقابكم"، = يعني: ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدًا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارًا بالله بعد الإيمان به، وبعد ما قد وَضَحت لكم صحةُ ما دعاكم محمد إليه، وحقيقةُ ما جاءكم به من عند ربه ="ومن ينقلب على عقبيه"، يعني بذلك: ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرًا بعد إيمانه، [[انظر تفسير"انقلب على عقبيه" فيما سلف ٣: ١٦٣.]] ="فلن يضر الله شيئًا" يقول: فلن يوهن ذلك عزة الله ولا سلطانه، ولا يدخل بذلك نقصٌ في ملكه، [[في المطبوعة: "ولا يدخل بذلك"، وأثبت ما في المخطوطة.]] بل نفسه يضر بردَّته، وحظَّ نفسه ينقص بكفره ="وسيجزي الله الشاكرين"، يقول: وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته إياه لدينه، بثبوته على ما جاء به محمد ﷺ إن هو مات أو قتل، واستقامته على منهاجه، وتمسكه بدينه وملته بعده. كما:-
٧٩٣٨- حدثنا المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال، أخبرنا سيف بن عمر، [[في المطبوعة: "سيف بن عمرو"، وهو خطأ والصواب من المخطوطة. وهو: "سيف بن عمر التميمي" صاحب كتاب الردة والفتوح. وقد أكثر أبو جعفر سياق روايته في تاريخه.]] عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي في قوله:"وسيجزي الله الشاكرين"، الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه. فكان عليّ رضي الله عنه يقول: كان أبو بكر أمين الشاكرين، وأمين أحِباء الله، وكان أشكرَهم وأحبَّهم إلى الله.
٧٩٣٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن العلاء بن بدر قال: إن أبا بكر أمينُ الشاكرين. وتلا هذه الآية:"وسيجزي الله الشاكرين". [[الأثر: ٧٩٣٩-"العلاء بن بدر"، هو: "العلاء بن عبد الله بن بدر الغنوي"، نسب إلى جده، أرسل عن علي. وهو ثقة. مترجم في التهذيب.]]
٧٩٤٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"وسيجزي الله الشاكرين"، أي: من أطاعه وعمل بأمره. [[الأثر: ٧٩٤٠- سيرة ابن هشام ٣: ١١٨، وهو من تتمة الآثار التي آخرها: ٧٩٣٧.]]
* * *
وذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله ﷺ فيمن انهزم عنه بأحد من أصحابه.
*ذكر الأخبار الواردة بذلك:
٧٩٤١- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" إلى قوله:"وسيجزي الله الشاكرين"، ذاكم يوم أحُد، حين أصابهم القَرْح والقتل، ثم تناعوا نبي الله ﷺ تَفِئة ذلك، [[في المطبوعة: "ثم تنازعوا نبي الله ﷺ بقية ذلك"، وهو كلام أهدر معناه. وأما السيوطي في الدر المنثور ٢: ٨٠ فقد خفى عليه صواب الكلام، فجعله: "ثم تداعوا نبي الله قالوا قد قتل"، ولعلها رواية الربيع، كما نسبها إليه. أما المخطوطة فإن فيها"ساعوا"، و" ذلك" غير منقوطة. وصواب قراءتها ما أثبت. وقوله: "تناعوا نبي الله" أي نعاه بعضهم لبعض، قالوا: قتل نبي الله. وكانت العرب تتناعى في الحرب، ينعون قتلاهم ليحرضوهم على القتل وطلب الثأر. وقوله: "تفئة ذلك"، أي: على إثر ذلك. يقال: "أتيته على تفئة ذلك" أي: على حينه وزمانه. وفي الحديث: "دخل عمر فكلم رسول الله ﷺ، ثم دخل أبو بكر على تفئة ذلك"، أي على إثره، وفي ذلك الحين.]] فقال أناسٌ:"لو كان نبيًّا ما قتل"! وقال أناس من عِليْة أصحاب نبي الله ﷺ:"قاتلوا على ما قاتل عليه محمدٌ نبيكم حتى يفتح الله لكم أو تلحقوا به"! فقال الله عز وجل:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن ماتَ أو قتل انقلبتم على أعقابكم"، يقول: إن مات نبيكم أو قُتل، ارتددتم كفارًا بعد إيمانكم.
٧٩٤٢- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بنحوه = وزاد فيه، قال الربيع: وذكر لنا والله أعلم، أنّ رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحَّط في دمه، [[تشحط القتيل في دمه: تخبط فيه واضطرب وتمرغ.]] فقال: يا فلان، أشعرت أنّ محمدًا قد قتل؟ [[قوله: "أشعرت"، أي: أعلمت.]] فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل، فقد بلَّغ، فقاتلوا عن دينكم. فأنزل الله عز وجل:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم"، يقول: ارتددتم كفارًا بعد إيمانكم.
٧٩٤٣- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما برز رسول الله ﷺ يوم أحُد إليهم - يعني: إلى المشركين - أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال:"لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتُّم مكانكم". [[نص ما في تاريخ الطبري: "إن رأيتم قد هزمناهم، فإنا لا نزال غالبين"، وهي أجود، وأخشى أن يكون ما في التفسير من تصرف الناسخ. ثم انظر ما سيأتي رقم: ٨٠٠٤.]] وأمرَّ عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوَّات بن جبير. [[بين هذه الفقرة والتي تليها، كلام قد اختصره أبو جعفر، وأثبته في روايته في التاريخ.]]
= ثم شدّ الزبيرُ بن العوام والمقدادُ بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبي ﷺ وأصحابه فهزموا أبا سفيان. فلما رأى ذلك خالد بن الوليد، وهو على خيل المشركين، كرّ. [[في المطبوعة مكان"كر""قدم" بمعنى أقدم. وهو تصرف كالمقبول من الناشر الأول، ولكنه في المخطوطة"لر" وعلى الراء شدة، وصواب قراءتها ما أثبت."كر على العدو" رجع وعطف ثم حمل عليه. وأما رواية التاريخ، ففيها مكان"كر""حمل"، وهما سواء في المعنى، والأولى أجودهما. وانظر ما سيأتي في التعليق على الأثر: ٨٠٠٤.]] فرمته الرماة فانقمع. [[انقمع: رجع وارتد وتداخل فرقًا وخوفًا.]] فلما نظرَ الرماة إلى رسول الله ﷺ وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادرُوا الغنيمة، فقال بعضهم:"لا نترك أمرَ رسول الله ﷺ"! فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر. فلما رأى خالد قلة الرماة، صاح في خيله ثم حمل، فقتل الرماة وحَمل على أصحاب النبي ﷺ. فلما رأى المشركونَ أنّ خيلهم تقاتل، تنادوْا، [[في المطبوعة: "تبادروا"، وهو خطأ غث، والصواب من المخطوطة والتاريخ، ومن الأثر الآتي: ٨٠٠٤. وقوله: "تنادوا" تداعوا ونادى بعضهم بعضًا لكي يؤوبوا إلى المعرك.]] فشدُّوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم. [[إلى هذا الموضع من الأثر، انتهى ما رواه أبو جعفر في تاريخه ٣: ١٤، ١٥، وسيأتي تخريج بقية الأثر كله في آخره. وانظر ما سيأتي رقم: ٨٠٠٤.]] .
=فأتى ابن قميئة الحارثي - أحد بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة [[في المطبوعة والمخطوطة: "بني الحارث بن عبد مناف"، وهو خطأ محض. والصواب من التاريخ ومن نسب القوم.]] - فرمى رسول الله ﷺ بحجر فكسرَ أنفه ورباعيته، وشجَّه في وجهه فأثقله، [[الرباعية (مثل ثمانية) : إحدى الأسنان الأربعة التي تلي الثنايا، بين الثنية والناب.]] وتفرق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها. وجعل رسول الله ﷺ يدعو الناس:"إليَّ عباد الله! إلى عباد الله! "، فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه، فلم يقف أحدٌ إلا طلحة وسهل بن حنيف. فحماه طلحة، فَرُمِيَ بسهم في يده فيبست يده.
= وأقبل أبي بن خلف الجمحي - وقد حلف ليقتلن النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: بل أنا أقتله [[في المطبوعة: "بل أقتلك"، غير الناشر ما في المخطوطة، وهو موافق لما في التاريخ، ظنًا منه أن أبي بن خلف، قال ذلك للنبي ﷺ، وليس ذلك كذلك، بل قاله في مغيبه لا في مشهده. فلما بلغ ذلك رسول الله قال: بل أنا أقتله.]] - فقال: يا كذاب، أين تفرّ؟ فحمل عليه، فطعنه النبي ﷺ في جيب الدرع، [[في المطبوعة والمخطوطة: "جنب الدرع"، وهو خطأ، صوابه من التاريخ. وجيب القميص والدرع: الموضع الذي يقور منه ويقطع، لكي يلبس من ناحيته.]] فجُرح جَرحًا خفيفًا، فوقع يخور خوار الثور. [[في المطبوعة والمخطوطة: "يخور خوران الثور"، وهو خطأ صرف، والصواب من التاريخ. خار الثور يخور خوارًا: صاح وصوت أشد صوت. وليس في مصادره"خوران".]] فاحتملوه وقالوا: ليس بك جراحة!، [فما يُجزعك] ؟ [[الزيادة بين القوسين من التاريخ.]] قال: أليس قال:"لأقتلنك"؟ لو كانت لجميع ربيعة ومضر لقتلتهم! ولم يلبث إلا يومًا وبعض يوم حتى مات من ذلك الجرح.
= وفشا في الناس أنّ رسول الله ﷺ قد قُتل، فقال بعض أصحاب الصخرة:"ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي، فيأخذ لنا أمَنَةً من أبي سفيان!! يا قوم، إن محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم". [[الأمنة (بفتح الألف والميم والنون) : الأمان.]] قال أنس بن النضر:"يا قوم، إن كان محمد قد قُتل، فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد ﷺ، اللهم إنى أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء"! ثم شدّ بسيفه فقاتل حتى قتل.
= وانطلق رسول الله ﷺ يدعو الناس، حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة. فلما رأوه، وضع رجُل سهمًا في قوسه فأراد أن يرميه، فقال:"أنا رسول الله"! ففرحوا حين وجدوا رسول الله ﷺ حيًّا، وفرحَ رسول الله ﷺ حين رأى أنّ في أصحابه من يمتنع به. [[في المخطوطة والمطبوعة"من يمتنع" بإسقاط"به" وليست بشيء، والصواب من التاريخ. وانظر التعليق على الأثر رقم: ٨٠٦٤، الآتي.]] فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله ﷺ، ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا. [[في المخطوطة والمطبوعة: "ويذكرون أصحابه"، والصواب من التاريخ.]]
= فقال الله عز وجل للذين قالوا: إن محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن ماتَ أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين". [[الأثر: ٧٩٤٣- صدره في التاريخ ٣: ١٤، ١٥ / ثم سائره فيه ٣: ٢٠ / ثم انظر رقم: ٨٠٠٤.]]
٧٩٤٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ومن ينقلب على عقبيه"، قال: يرتدّ.
٧٩٤٥- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه = وحدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه =: أنّ رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحَّط في دمه، فقال: يا فلان أشعرت أن محمدًا قد قتل! فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل، فقد بلَّغ! فقاتلوا عن دينكم.
٧٩٤٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع، أخو بني عدي بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر = عم أنس بن مالك = إلى عمر، وطلحة بن عبد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، [["ألقى بيده": استسلم، فبقى لا يصنع شيئًا يأسًا أو مللا. وهو مجاز، كأنه طرح يده طرحًا بعيدًا عنه.]] فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمدٌ رسول الله! قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله! واستقبل القومَ فقاتل حتى قتل = وبه سمي أنس بن مالك. [[الأثر: ٧٩٤٦- سيرة ابن هشام ٣: ٨٨، وتاريخ الطبري ٣: ١٩.]]
٧٩٤٧- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قال: نادى منادٍ يوم أحد حين هزم أصحاب محمد ﷺ:"ألا إنّ محمدًا قد قتل، فارجعوا إلى دينكم الأول"! فأنزل الله عز وجل:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل"، الآية.
٧٩٤٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: القى في أفواه المسلمين يومَ أحد أن النبي ﷺ قد قتل، فنزلت هذه الآية:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" الآية.
٧٩٤٩- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أنّ رسول الله ﷺ اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة، والناس يفرُّون، ورجل قائم على الطريق يسألهم:"ما فعل رسول الله ﷺ"؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم، فيقولون:"والله ما ندري ما فعل"! فقال:"والذي نفسي بيده، لئن كان النبي ﷺ قُتل، لنعطينَّهم بأيدينا، إنهم لعشائرنا وإخواننا"! وقالوا:"إن محمدًا إن كان حيًّا لم يهزم، ولكنه قُتل"! فترخَّصوا في الفرار حينئذ. فأنزل الله عز وجل على نبيه ﷺ:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل"، الآية كلها.
٧٩٥٠- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" الآية، ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق، قالوا يوم فرّ الناس عن نبي الله ﷺ وشُجَّ فوق حاجبه وكُسرت رباعيته:"قُتل محمد، فالحقوا بدينكم الأول"! فذلك قوله:"أفإئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم".
٧٩٥١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم"، قال: ما بينكم وبين أن تدعوا الإسلام وتنقلبوا على أعقابكم إلا أن يموت محمد أو يقتل! فسوف يكون أحد هذين: فسوف يموت، أو يقتل.
٧٩٥٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل"، إلى قوله:"وسيجزي الله الشاكرين"، أي: لقول الناس:"قتل محمد"، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم = أي: أفائن مات نبيكم أو قتل، رجعتم عن دينكم كفارًا كما كنتم، وتركتم جهاد عدوكم وكتابَ الله، وما قد خلف نبيُّه من دينه معكم وعندكم، وقد بين لكم فيما جاءكم عني أنه ميتٌ ومفارقكم؟ ="ومن ينقلب على عقبيه"، أي: يرجع عن دينه ="فلن يضر الله شيئا"، أي: لن ينقص ذلك من عز الله ولا ملكه ولا سلطانه. [[الأثر: ٧٩٥٢- سيرة ابن هشام ٣: ١١٧، ١١٨، وهو تتمة الآثار السالفة التي آخرها: ٧٩٣٧، ثم تتمة هذا الأثر، مرت برقم: ٧٩٤٠.]]
٧٩٥٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: قال: أهل المرض والارتياب والنفاق، حين فرّ الناس عن النبي ﷺ:"قد قتل محمد، فألحقوا بدينكم الأول"! فنزلت هذه الآية.
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفتنقلبون على أعقابكم، إن مات محمد أو قتل؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا = فجعل الاستفهام في حرْف الجزاء، ومعناه أن يكون في جوابه. وكذلك كلّ استفهام دخل على جزاء، فمعناه أن يكون في جوابه. لأن الجواب خبرٌ يقوم بنفسه، والجزاء شرط لذلك الخبر، ثم يجزم جوابه وهو كذلك ومعناه الرفع، لمجيئه بعد الجزاء، كما قال الشاعر: [[هو الراعي.]]
حَلَفْتُ لَهُ إنْ تُدْلِجِ اللَّيلَ لا يَزَلْ ... أَمَامَك بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِي سَائِر [[معاني القرآن للفراء ١: ٦٩، ٢٣٦، والمعاني الكبير: ٨٠٥، والخزانة ٤: ٤٥٠، وسيأتي في التفسير ١٣: ٦٩ (بولاق) ، ورواه ابن قتيبة في المعاني الكبير: "عائر" مكان"سائر" وقال: "أي بيت هجاء سائر". وذلك من قولهم: "عار الفرس"، إذا أفلت وذهب على وجهه، وذهب وجاء مترددًا. ويقال: "قصيدة عائرة"، أي سائرة في كل وجه. وكان في المطبوعة هنا"ساتر" وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، ومن الموضع الآخر من التفسير، ومن المراجع.]]
فمعنى"لا يزل" رفع، ولكنه جزم لمجيئه بعد الجزاء، فصار كالجواب. ومثله: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [سورة الأنبياء: ٣٤] و ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ﴾ [سورة المزمل: ١٧] ، [[في المطبوعة والمخطوطة"وكيف تتقون. . ."، وهو خطأ في التلاوة.]] ولو كان مكان"فهم الخالدون"،"يخلدون"، وقيل:"أفائن مت يخلدوا"، جاز الرفع فيه والجزم. وكذلك لو كان مكان"انقلبتم"،"تنقلبوا"، جاز الرفع والجزم، لما وصفت قبل. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٣٦.]] وتركت إعادة الاستفهام ثانية مع قوله:"انقلبتم"، اكتفاءً بالاستفهام في أول الكلام، وأنّ الاستفهام في أوَّله دالٌّ على موضعه ومكانه.
وقد كان بعض القرأة يختار في قوله: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [سورة الإسراء: ٨٢\سورة الصافات: ١٦\سورة الواقعة: ٤٧] ، [[في المطبوعة والمخطوطة: "أئذا كنا ترابًا وعظامًا "أسقط"متنا" والواو من"وكنا"، وهو خطأ في التلاوة.]] ترك إعادة الاستفهام مع"أئنا"، اكتفاء بالاستفهام في قوله:"أئذا كنا ترابًا"، ويستشهد على صحة وجه ذلك بإجماع القرأة على تركهم إعادة الاستفهام مع قوله: [[في المطبوعة"باجتماع القراء"، وأثبت ما في المخطوطة.]] "انقلبتم"، اكتفاء بالاستفهام في قوله:"أفائن مات"، إذ كان دالا على معنى الكلام وموضع الاستفهام منه. [[في المخطوطة والمطبوعة: "إذا كان دالا"، والصواب"إذ" كما أثبتها.]] وكان يفعل مثل ذلك في جميع القرآن.
وسنأتي على الصواب من القول في ذلك إن شاء الله إذا انتهينا إليه. [[كأنه يعني ما سيأتي في تفسيره ١٣: ٦٩ (بولاق) ، فإذا وجدت بعد ذلك مكانًا آخر غيره أشرت إليه.]]
{"ayah":"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











