الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ [٢٠: ٤٧] فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى: فَأَتَيَاهُ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ. (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) [٢٠: ٤٧] أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ. (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) [٢٠: ٤٧] أَيْ بِالسُّخْرَةِ وَالتَّعَبِ فِي الْعَمَلِ. وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، ويستخدم [[في ا: يستحى.]] نِسَاءَهُمْ، وَيُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ فِي الطِّينِ وَاللَّبِنِ وبناء المدائن مالا يُطِيقُونَهُ. (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) [٢٠: ٤٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْعَصَا وَالْيَدَ. وَقِيلَ: إِنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ لَهُ: وَمَا هِيَ؟ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَيْضَاءَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ شُعَاعِ الشَّمْسِ، غَلَبَ نُورُهَا عَلَى نُورِ الشَّمْسِ فَعَجِبَ مِنْهَا. وَلَمْ يُرِهِ الْعَصَا إِلَّا يَوْمَ الزِّينَةِ. (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) [٢٠: ٤٧] قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى سَلِمَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَذَابِهِ. قال: وليس بتحية، [قال: [[من ب وج وط وك وى.]]] وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ لِقَاءٍ ولا خطاب. الْفَرَّاءُ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَلِمَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى سَوَاءٌ. (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ) يَعْنِي الْهَلَاكَ وَالدَّمَارَ فِي الدُّنْيَا وَالْخُلُودَ فِي جَهَنَّمَ فِي الْآخِرَةِ. (عَلى مَنْ كَذَّبَ) أَنْبِيَاءَ اللَّهِ (وَتَوَلَّى) أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ لِلْمُوَحِّدِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوا وَلَمْ يَتَوَلَّوْا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى﴾ ٢٠: ٤٩ ذَكَرَ فِرْعَوْنُ موسى دون هرون لِرُءُوسِ الْآيِ. وَقِيلَ: خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَالْكَلَامِ وَالْآيَةِ. وَقِيلَ إِنَّهُمَا جَمِيعًا بَلَّغَا الرِّسَالَةَ وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا، لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ الْكَلَامِ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ وَاحِدٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ وَازَرَهُ الْآخَرُ وَأَيَّدَهُ. فَصَارَ لَنَا فِي هَذَا الْبِنَاءِ فَائِدَةُ عِلْمٍ، أَنَّ الِاثْنَيْنِ إِذَا قُلِّدَا أَمْرًا فَقَامَ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ شَخْصُهُ هُنَاكَ مَوْجُودٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ أَنَّهُمَا أَدَّيَا الْأَمْرَ الَّذِي قُلِّدَا وَقَامَا بِهِ وَاسْتَوْجَبَا الثَّوَابَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ ٢٠: ٤٣" وَقَالَ: "اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ٢٠: ٤٢" وَقَالَ: "فَقُولا لَهُ ٢٠: ٤٤" فَأَمَرَهُمَا جَمِيعًا بِالذَّهَابِ وَبِالْقَوْلِ، ثُمَّ أَعْلَمَنَا فِي وَقْتِ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: "فَمَنْ رَبُّكُما ٢٠: ٤٩" أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعَ مُوسَى. (قالَ) مُوسَى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ٢٠: ٥٠ أَيْ أَنَّهُ يُعْرَفُ بِصِفَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ اسْمٌ عَلَمٌ حَتَّى يقال فلان بل هو خالق العالم، وهو الذي خَصَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ بِهَيْئَةٍ وَصُورَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ مَعَهُمَا لَقَالَا: قَالَا رَبُّنَا. وَ "خَلْقَهُ" أَوَّلُ مَفْعُولَيْ أَعْطَى، أَيْ أَعْطَى خَلِيقَتَهُ كُلَّ شي يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَيَرْتَفِقُونَ بِهِ، أَوْ ثَانِيهِمَا أَيْ أعطى كل شي صُورَتَهُ وَشَكْلَهُ الَّذِي يُطَابِقُ الْمَنْفَعَةَ الْمَنُوطَةَ بِهِ، عَلَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ عَلَى مَا يَأْتِي. (ثُمَّ هَدى) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والسدي: أعطى كل شي زَوْجَهُ مِنْ جِنْسِهِ، ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى مَنْكَحِهِ وَمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَسْكَنِهِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالْمُنَاكَحَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وقتادة: أعطى كل شي صَلَاحَهُ، وَهَدَاهُ لِمَا يُصْلِحُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْطَى كل شي صورة، لم يَجْعَلْ خَلْقَ الْإِنْسَانِ فِي خَلْقِ الْبَهَائِمِ، وَلَا خَلْقَ الْبَهَائِمِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَلَكِنْ خَلَقَ كل شي فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا. وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَلَهُ فِي كُلِّ شي خِلْقَةٌ ... وَكَذَاكَ اللَّهُ مَا شَاءَ فَعَلَ يَعْنِي بِالْخِلْقَةِ الصُّورَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطِيَّةَ وَمُقَاتِلٍ. وقال الضحاك: أعطى كل شي خَلْقَهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ الْمَنُوطَةِ بِهِ الْمُطَابِقَةِ لَهُ. يَعْنِي الْيَدَ لِلْبَطْشِ، وَالرِّجْلَ لِلْمَشْيِ، وَاللِّسَانَ لِلنُّطْقِ، وَالْعَيْنَ لِلنَّظَرِ، وَالْأُذُنَ لِلسَّمْعِ. وَقِيلَ: أَعْطَى كُلَّ شي مَا أَلْهَمَهُ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صِنَاعَةٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: خَلَقَ الرَّجُلَ لِلْمَرْأَةِ وَلِكُلِّ ذَكَرٍ مَا يُوَافِقُهُ مِنَ الْإِنَاثِ ثُمَّ هَدَى الذَّكَرَ لِلْأُنْثَى. فالتقدير على هذا أعطى كل شي مِثْلَ خَلْقِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عباس. والآية بِعُمُومِهَا تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ. وَرَوَى زَائِدَةُ عَنِ الأعمش أنه قرأ "الذي أعطى كل شي خلقه" بفتح اللَّامِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَرَوَاهَا نُصَيْرٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَغَيْرِهِ، أَيْ أعطى بنى آدم كل شي خَلَقَهُ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. فَالْقِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَانِ فِي المعنى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب