الباحث القرآني

﴿قالَ﴾ أيْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ واسْتَبَدَّ بِالجَوابِ مِن حَيْثُ إنَّهُ خُصَّ بِالسُّؤالِ ﴿رَبُّنا﴾ مُبْتَدَأٌ (p-201)وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ خَبَرُهُ، وقِيلَ: هو خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هو رَبُّنا والمَوْصُولُ صِفَتُهُ، والظّاهِرُ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أرادَ بِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ نَفْسَهُ وأخاهُ عَلَيْهِما السَّلامُ. وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: أرادَ جَمِيعَ المَخْلُوقاتِ تَحْقِيقًا لِلْحَقِّ ورَدًّا عَلى اللَّعِينِ كَما يُفْصِحُ عَنْهُ ما في حَيِّزِ الصِّلَةِ و(كُلَّ شَيْءٍ) مَفْعُولٌ أوَّلُ لَأعْطى و(خَلْقَهُ) مَفْعُولُهُ الثّانِي وهو مَصْدَرٌ بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ والضَّمِيرُ المَجْرُورُ لِشَيْءٍ والعُمُومُ المُسْتَفادُ مِن (كُلَّ) يُعْتَبَرُ بَعْدَ إرْجاعِهِ إلَيْهِ لِئَلّا يُرَدَّ الِاعْتِراضُ المَشْهُورُ في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ، والظّاهِرُ أنَّهُ عُمُومُ الأفْرادِ أيْ أعْطى كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ الأمْرَ الَّذِي طَلَبَهُ بِلِسانِ اسْتِعْدادِهِ مِنَ الصُّورَةِ والشَّكْلِ والمَنفَعَةِ والمَضَرَّةِ وغَيْرِ ذَلِكَ أوِ الأمْرَ اللّائِقَ بِما نِيطَ بِهِ مِنَ الخَواصِّ والمَنافِعِ المُطابِقِ لَهُ كَما أعْطى العَيْنَ الهَيْئَةَ الَّتِي تُطابِقُ الإبْصارَ والأُذُنَ الشَّكْلَ الَّذِي يُوافِقُ الِاسْتِماعَ وكَذَلِكَ الأنْفَ واليَدَ والرِّجْلَ واللِّسانَ كُلُّ واحِدٍ مِنها مُطابِقٌ لِما عُلِّقَ بِهِ مِنَ المَنفَعَةِ غَيْرُ نابٍ عَنْهُ، وقِيلَ: الخَلْقُ باقٍ عَلى مَصْدَرِيَّتِهِ بِمَعْنى الإيجادِ أيْ أعْطى كُلَّ شَيْءٍ الإيجادَ الَّذِي اسْتَعَدَّ لَهُ أوِ اللّائِقَ بِهِ بِمَعْنى أنَّهُ تَعالى أوْجَدَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ اسْتِعْدادِهِ أوْ عَلى الوَجْهِ اللّائِقِ بِهِ وهو كَما تَرى. وحَمَلَ بَعْضُهُمُ العُمُومَ عَلى عُمُومِ الأنْواعِ دُونَ عُمُومِ الأفْرادِ، وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِئَلّا يَلْزَمَ الخُلْفَ، ويُرَدُّ النَّقْضُ بِأنَّ بَعْضَ الأفْرادِ لَمْ يَكْمُلْ لِعارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ، والحَقُّ أنَّ اللَّهَ تَعالى راعِي الحِكْمَةِ فِيما خَلَقَ وأمَرَ تَفَضُّلًا ورَحْمَةً لا وُجُوبًا وهَذا مِمّا أجْمَعَ عَلَيْهِ أهْلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ كَما نَقَلَ صاحِبُ المَواقِفِ وعُيُونِ الجَواهِرِ، فَكُلُّ شَيْءٍ كامِلٌ في مَرْتَبَتِهِ حَسَنٌ في حَدِّ ذاتِهِ، فَقَدْ قالَ تَعالى العَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ (خَلْقَهُ) وجَعْلُ العُمُومِ في هَذا عُمُومَ الأنْواعِ مِمّا لا يَكادُ يَقُولُ بِهِ أحَدٌ، وقالَ سُبْحانَهُ:﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ أيْ مِن حَيْثُ إضافَتُهُ إلى الرَّحْمَنِ وخَلْقُهُ إيّاهُ عَلى طِبْقِ الحِكْمَةِ بِمُقْتَضى الجُودِ والرَّحْمَةِ، والتَّفاوُتُ بَيْنَ الأشْياءِ إنَّما هو إذا أُضِيفَ بَعْضُها إلى بَعْضٍ، فالعُدُولُ عَمّا هو الظّاهِرُ مِن عُمُومِ الأفْرادِ إلى عُمُومِ الأنْواعِ لِما ذُكِرَ ناشِئٌ مِن قِلَّةِ التَّحْقِيقِ، وقِيلَ: إنَّ سَبَبَ العُدُولِ كَوْنُ (أعْطى) حَقِيقَةً في الماضِي، فَلَوْ حُمِلَ كُلُّ شَيْءٍ عَلى عُمُومِ الأفْرادِ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ جَمِيعُها قَدْ وُجِدَ وأُعْطِيَ مَعَ أنَّ مِنها بَلْ أكْثَرُها لَمْ يُوجَدْ ولَمْ يُعْطَ بَعْدُ بِخِلافِ ما إذا حُمِلَ عَلى عُمُومِ الأنْواعِ فَإنَّهُ لا مَحْذُورَ فِيهِ إذِ الأنْواعُ جَمِيعُها قَدْ وُجِدَ ولا يَتَجَدَّدُ بَعْدَ ذَلِكَ نَوْعٌ وإنْ كانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا وفِيهِ بَحْثٌ ظاهِرٌ فَلْيُفْهَمْ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ جُبَيْرٍ والسُّدِّيِّ أنَّ المَعْنى أعْطى كُلَّ حَيَوانٍ ذَكَرٍ نَظِيرَهُ في الخَلْقِ والصُّورَةِ أُنْثى، وكَأنَّهم جَعَلُوا كُلًّا لِلتَّكْثِيرِ وإلّا فالعُمُومُ مُطْلَقًا باطِلٌ كَما لا يَخْفى، وعِنْدِي أنَّ هَذا المَعْنى مِن فُرُوعِ المَعْنى السّابِقِ الَّذِي ذَكَرْناهُ، ولَعَلَّ مُرادَ مَن قالَهُ التَّمْثِيلُ وإلّا فَهو بَعِيدٌ جِدًّا ولا يَكادُ يَقُولُهُ مَن نُسِبَ إلَيْهِ. وقِيلَ: (خَلْقَهُ) هو المَفْعُولُ الأوَّلُ والمَصْدَرُ بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ أيْضًا، والضَّمِيرُ المَجْرُورُ لِلْمَوْصُولِ و(كُلَّ شَيْءٍ) هو المَفْعُولُ الثّانِي والمَعْنى: أعْطى مَخْلُوقاتِهِ سُبْحانَهُ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتاجُونَ إلَيْهِ ويَرْتَفِقُونَ بِهِ، وقَدَّمَ المَفْعُولَ الثّانِيَ لِلِاهْتِمامِ بِهِ مِن حَيْثُ إنَّ المَقْصُودَ الِامْتِنانُ بِهِ ونُسِبَ هَذا القَوْلُ إلى الجُبّائِيِّ، والأوَّلُ أظْهَرُ لَفْظًا ومَعْنًى. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وأُناسٌ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأبُو نَهِيكٍ وابْنُ أبِي إسْحاقَ والأعْمَشُ والحَسَنُ ونُصَيْرٌ عَنِ الكِسائِيِّ وابْنُ نُوحٍ عَنْ قُتَيْبَةَ وسَلّامٍ ( خَلَقَهُ ) عَلى صِيغَةِ الماضِي المَعْلُومِ (p-202)عَلى أنَّ الجُمْلَةَ صِفَةٌ لِلْمُضافِ إلَيْهِ أوِ المُضافِ عَلى شُذُوذٍ، وحَذْفُ المَفْعُولِ الثّانِي اخْتِصارًا لِدَلالَةِ قَرِينَةِ الحالِ عَلَيْهِ أيْ أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ تَعالى ما يُصْلِحُهُ أوْ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ، وجَعَلَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن بابٍ يُعْطِي ويَمْنَعُ أيْ كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ سُبْحانَهُ لَمْ يُخْلِهِ مِن عَطائِهِ وإنْعامِهِ، ورَجَّحَهُ في الكَشْفِ بِأنَّهُ أبْلَغُ وأظْهَرُ، وقِيلَ: الأوَّلُ أحْسَنُ صِناعَةً ومُوافَقَةً لِلْمَقامِ وهو عِنْدِي أوْفَقُ بِالمَعْنى الأوَّلِ لِلْقِراءَةِ الأُولى وفِيما ذَكَرَهُ في الكَشْفِ تَرَدُّدٌ. ﴿ثُمَّ هَدى﴾ أيْ أرْشَدَ ودَلَّ سُبْحانَهُ بِذَلِكَ عَلى وُجُودِهِ، فَإنَّ مَن نَظَرَ في هَذِهِ المُحَدَّثاتِ وما تَضَمَّنَتْهُ مِن دَقائِقِ الحِكْمَةِ عَلِمَ أنَّ لَها صانِعًا واجِبَ الوُجُودِ عَظِيمَ العَطاءِ والجُودِ، ومُحَصَّلُ الآيَةِ رَبُّنا الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ اسْتِعْدادِهِ أوْ عَلى الوَجْهِ اللّائِقِ بِهِ وجَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ جَلَّ جَلالُهُ، وهَذا الجَعْلُ وإنْ كانَ مُتَأخِّرًا بِالذّاتِ عَنِ الخَلْقِ ولَيْسَ بَيْنَهُما تَراخٍ في الزَّمانِ أصْلًا لَكِنَّهُ جِيءَ بِكَلِمَةِ ثُمَّ لِلتَّراخِي بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ كَما لا يَخْفى وجْهُهُ عَلى المُتَأمِّلِ، وفي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ ﴿ثُمَّ هَدى﴾ إلى طَرِيقِ الِانْتِفاعِ والِارْتِفاقِ بِما أعْطاهُ، وعَرَّفَهُ كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إلى بَقائِهِ وكَمالِهِ إمّا اخْتِيارًا كَما في الحَيَواناتِ أوْ طَبْعًا كَما في الجَماداتِ والقُوى الطَّبِيعِيَّةِ النَّباتِيَّةِ والحَيَوانِيَّةِ. ولَمّا كانَ الخَلْقُ الَّذِي هو تَرْكِيبُ الأجْزاءِ وتَسْوِيَةُ الأجْسامِ مُتَقَدِّمًا عَلى الهِدايَةِ الَّتِي هي عِبارَةٌ عَنْ إبْداعِ القُوى المُحَرِّكَةِ والمُدْرِكَةِ في تِلْكَ الأجْسادِ وسَّطَ بَيْنَهُما كَلِمَةَ التَّراخِي انْتَهى، ولا يَخْفى عَلَيْكَ أنَّ الخَلْقَ لُغَةً أعَمُّ مِمّا ذَكَرَهُ وأنَّ القُوى المُحَرِّكَةَ والمُدْرِكَةَ داخِلَةٌ في عُمُومِ (كُلَّ شَيْءٍ) سَواءٌ كانَ عُمُومَ الأفْرادِ أوْ عُمُومَ الأنْواعِ وأنَّهُ لا بُدَّ مِنِ ارْتِكابِ نَوْعٍ مِنَ المَجازِ في (هَدى) عَلى تَفْسِيرِهِ، وقِيلَ: عَلى التَّفْسِيرِ المَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومَن مَعَهُ ثُمَّ هَداهُ إلى الِاجْتِماعِ بِإلْفِهِ والمُناكَحَةِ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، ولِلَّهِ تَعالى دَرُّ هَذا الجَوابِ ما أخْصَرَهُ وما أجْمَعَهُ وما أبَيْنَهُ لِمَن ألْقى الذِّهْنَ ونَظَرَ بِعَيْنِ الإنْصافِ وكانَ طالِبًا لِلْحَقِّ، ومِن هُنا قِيلَ: كانَ مِنَ الظّاهِرِ أنْ يَقُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ: رَبُّنا رَبُّ العالَمِينَ لَكِنْ سَلَكَ طَرِيقَ الإرْشادِ والأُسْلُوبِ الحَكِيمِ وأشارَ إلى حُدُوثِ المَوْجُوداتِ بِأسْرِها واحْتِياجِها إلَيْهِ سُبْحانَهُ واخْتِلافِ مَراتِبِها وأنَّهُ تَعالى هو القادِرُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ المُنْعِمُ عَلى الإطْلاقِ. واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ فِرْعَوْنَ كانَ عارِفًا بِاللَّهِ تَعالى إلّا أنَّهُ كانَ مُعانِدًا لِأنَّ جُمْلَةَ الصِّلَةِ لا بُدَّ أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً ومَتى كانَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْلُومَةً لَهُ كانَ عارِفًا بِهِ سُبْحانَهُ، وهَذا مَذْهَبُ البَعْضِ فِيهِ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ، واسْتَدَلُّوا لَهُ أيْضًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما أنْزَلَ هَؤُلاءِ إلا رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهم ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾ وقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ القَصَصِ ﴿وظَنُّوا أنَّهم إلَيْنا لا يُرْجَعُونَ﴾ فَإنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلّا إنْكارُ المَعادِ دُونَ المَبْدَأِ، وقَوْلُهُ تَعالى في الشُّعَراءِ: ﴿وما رَبُّ العالَمِينَ﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لَمَجْنُونٌ﴾ فَإنَّهُ عَنى بِهِ أنِّي أطْلُبُ مِنهُ شَرْحَ الماهِيَّةِ وهو يَشْرَحُ الوُجُودَ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأصْلِ الوُجُودِ وبِأنَّ مُلْكَهُ لَمْ يَتَجاوَزِ القِبْطَ ولَمْ يَبْلُغْ الشّامَ ألا تَرى أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا هَرَبَ إلى مَدْيَنَ قالَ لَهُ شُعَيْبٌ: ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ فَكَيْفَ يَعْتَقِدُ أنَّهُ إلَهُ العالَمِ وبِأنَّهُ كانَ عاقِلًا ضَرُورَةَ أنَّهُ كانَ مُكَلَّفًا وكُلُّ عاقِلٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ العَدَمِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ افْتَقَرَ إلى مُدَبِّرٍ فَيَكُونُ قائِلًا بِالمُدَبِّرِ وبِأنَّهُ سَألَ هاهُنا بِمَن طالِبًا لِلْكَيْفِيَّةِ، وفي الشُّعَراءِ بِما طالِبا لِلْماهِيَّةِ. والظّاهِرُ أنَّ السُّؤالَ بِمَن سابِقٌ فَكَأنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا أقامَ الدَّلالَةَ عَلى الوُجُودِ تَرَكَ المُنازَعَةَ مَعَهُ (p-203)فِي هَذا المَقامِ لِعِلْمِهِ بِظُهُورِهِ وشَرَعَ في مَقامٍ أصْعَبَ لِأنَّ العِلْمَ بِماهِيَّتِهِ تَعالى غَيْرُ حاصِلَةٍ لِلْبَشَرِ. ولا يَخْفى ما في هَذِهِ الأدِلَّةِ مِنَ القِيلِ والقالِ، ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: إنَّهُ كانَ جاهِلًا بِاللَّهِ تَعالى بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى أنَّ العاقِلَ لا يَجُوزُ أنْ يَعْتَقِدَ في نَفْسِهِ أنَّهُ خالِقُ السَّماواتِ والأرْضِ وما فِيهِما واخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ جَهْلِهِ فَيُحْتَمَلُ أنَّهُ كانَ دَهْرِيًّا نافِيًا لِلصّانِعِ أصْلًا ولَعَلَّهُ كانَ يَقُولُ بِعَدَمِ احْتِياجِ المُمْكِنِ في وُجُودِهِ إلى مُؤَثِّرٍ وإنَّ وُجُودَ العالَمِ اتِّفاقِيٌّ كَما نُقِلَ عَنْ دِيمُقْراطِيسَ وأتْباعِهِ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ كانَ فَلْسَفِيًّا قائِلًا بِالعِلَّةِ المُوجِبَةِ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ كانَ مِن عَبَدَةِ الكَواكِبِ. ويُحْتَمَلُ أنَّهُ كانَ مِن عَبَدَةِ الأصْنامِ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ كانَ مِنَ الحُلُولِيَّةِ المُجَسِّمَةِ وأمّا ادِّعاؤُهُ الرُّبُوبِيَّةَ لِنَفْسِهِ فَبِمَعْنى أنَّهُ يَجِبُ عَلى مَن تَحْتَ يَدِهِ طاعَتُهُ والِانْقِيادُ لَهُ وعَدَمُ الِاشْتِغالِ بِطاعَةِ غَيْرِهِ، واسْتَدَلَّ بِشُرُوعِهِ في المُناظَرَةِ وطَلَبِ الحُجَّةِ دُونَ السَّفاهَةِ والشَّغَبِ مَعَ كَوْنِهِ جَبّارًا شَدِيدَ البَطْشِ عَلى أنَّ الشَّغَبَ والسَّفاهَةَ مَعَ مَن يَدْعُو إلى الحَقِّ في غايَةِ القُبْحِ، فَلا يَنْبَغِي لِمَن يَدَّعِي الإسْلامَ والعِلْمَ أنْ يَرْتَضِيَ لِنَفْسِهِ ما لَمْ يَرْتَضِهِ فِرْعَوْنُ لِنَفْسِهِ. وبِاشْتِغالِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِإقامَةِ الدَّلِيلِ عَلى المَطْلُوبِ عَلى فَسادِ التَّقْلِيدِ في أمْثالِ هَذا المَطْلَبِ وفَسادِ قَوْلِ القائِلِ: إنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعالى تُسْتَفادُ مِن قَوْلِ الرَّسُولِ، وبِحِكايَةِ كَلامِ فِرْعَوْنَ وجَوابِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ حِكايَةُ كَلامِ المُبْطِلِ مَقْرُونًا بِالجَوابِ لِئَلّا يَبْقى الشَّكُّ، وعَلى أنَّ المُحِقَّ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِماعُ شُبْهَةِ المُبْطِلِ حَتّى يُمْكِنَهُ الِاشْتِغالُ بِحَلِّها
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب