الباحث القرآني
فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ تَسْخِيرُ الْبَحْرِ هُوَ تَمْكِينُ الْبَشَرِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَتَذْلِيلِهِ بِالرُّكُوبِ وَالْإِرْفَاءِ وَغَيْرِهِ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا، فَلَوْ شَاءَ سَلَّطَهُ عَلَيْنَا وَأَغْرَقَنَا وَقَدْ مَضَى الكلام في البحر [[راجع ج ١ ص ٢٨٨.]] وفى صيده. سَمَّاهُ هُنَا لَحْمًا وَاللُّحُومُ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ: فَلَحْمُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ، وَلَحْمُ ذَوَاتِ الرِّيشِ جِنْسٌ، وَلَحْمُ ذَوَاتِ الْمَاءِ جِنْسٌ. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ وَالْوَحْشِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ مُتَفَاضِلًا، وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْوَحْشِ وَالسَّمَكِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اللَّحْمُ كُلُّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ كَأُصُولِهَا، فَلَحْمُ الْبَقَرِ صِنْفٌ، وَلَحْمُ الْغَنَمِ صِنْفٌ، وَلَحْمُ الْإِبِلِ صِنْفٌ، وَكَذَلِكَ الْوَحْشُ مُخْتَلِفٌ، كَذَلِكَ الطَّيْرُ، وَكَذَلِكَ السَّمَكُ، وَهُوَ جحد قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْكُلَّ مِنَ النَّعَمِ وَالصَّيْدِ وَالطَّيْرِ وَالسَّمَكِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ. وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ أَسْمَاءِ الْأَنْعَامِ فِي حَيَاتِهَا فَقَالَ:" ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [[راجع ج ٧ ص ١١٣.]] "ثُمَّ قَالَ:" وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ" فَلَمَّا أَنْ أَمَّ بِالْجَمِيعِ [[في الأصول: "فلما أن أم الجميع". يريد: فلما أن قصد بالجميع إلى اللحم.]] إِلَى اللَّحْمِ قَالَ: "أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ" فَجَمَعَهَا بِلَحْمٍ وَاحِدٍ لِتَقَارُبِ مَنَافِعهَا كَتَقَارُبِ لَحْمِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:" وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [[راجع ج ١٧ ص ٢٠٢ فما بعد وص ١٦١ فما بعد.]] "وَهَذَا جَمْعُ طَائِرٍ الَّذِي هُوَ الْوَاحِدُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [[راجع ج ٦ ص ٤١٩ فما بعد.]] "فَجَمَعَ لَحْمَ الطَّيْرِ كُلَّهُ بِاسْمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ هُنَا:" لَحْماً طَرِيًّا "فَجَمَعَ أَصْنَافَ السَّمَكِ بِذِكْرٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ صِغَارُهُ كَكِبَارِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ الْمَعْزِ بِلَحْمِ الْكِبَاشِ أَشَيْءٌ وَاحِدٌ؟ فَقَالَ لَا، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا حُجَّةَ لِلْمُخَالِفِ فِي نَهْيِهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنَّ الطَّعَامَ فِي الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَلَا يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ: أَكَلْتُ الْيَوْمَ طَعَامًا لَمْ يَسْبِقِ الْفَهْمُ مِنْهُ إِلَى أَكْلِ اللَّحْمِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ ﷺ:" إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ" وَهَذَانِ جِنْسَانِ، وَأَيْضًا فَقَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِلَحْمِ [[في ج وى: اللبن.]] الطَّيْرِ مُتَفَاضِلًا لَا لِعِلَّةِ أَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ لَا زَكَاةَ لَهُ بِيعَ بِلَحْمٍ لَيْسَ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ السَّمَكِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ مُتَفَاضِلًا. الثَّانِيَةُ- وَأَمَّا الْجَرَادُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا. وَذُكِرَ عَنْ سُحْنُونٍ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَرَآهُ مِمَّا يدخر. الثالثة- لاختلف الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ لَحْمًا، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْنَثُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأنواع الاربعة. وقال أشهب في المجموعة. يَحْنَثُ إِلَّا بِكُلِّ لُحُومِ الْأَنْعَامِ دُونَ الْوَحْشِ وَغَيْرِهِ، مُرَاعَاةً لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَتَقْدِيمًا لَهَا عَلَى إِطْلَاقِ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ [[في ى: وهذا حسن.]] أَحْسَنُ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يَعْنِي بِهِ اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [[راجع ج ١٧ ص ٢٠٢ فما بعد وص ١٦١ فما بعد.]] ". وَإِخْرَاجُ الْحِلْيَةِ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا عُرِفَ مِنَ الْمِلْحِ فَقَطْ. وَقَالَ: إِنَّ فِي الزُّمُرُّدِ بَحْرِيًّا. وَقَدْ خُطِّئَ الْهُذَلِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي وصف الدرة: فَجَاءَ بِهَا مِنْ دُرَّةٍ لَطَمِيَّةٍ ... عَلَى وَجْهِهَا مَاءُ الْفُرَاتِ يَدُومُ [[اللطيمة: الجمال التي تحمل العطر. وقيل: اللطيمة العنبرة التي لطمت بالمسك فتفتقت به حتى نشبت رائحتها، وهى اللطيمة.]]
فَجَعَلَهَا مِنَ الْمَاءِ الْحُلْوِ. فَالْحِلْيَةُ حَقٌّ وَهِيَ نِحْلَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِآدَمَ وَوَلَدِهِ. خُلِقَ آدَمُ وَتُوِّجَ وَكُلِّلَ بِإِكْلِيلِ الْجَنَّةِ، وَخُتِمَ بِالْخَاتَمِ الَّذِي وَرِثَهُ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ خاتم العز فيما روى. الخامسة- لأمتن اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ امْتِنَانًا عَامًّا بِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ شي مِنْهُ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرِّجَالِ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ: رَوَى الصَّحِيحُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ". وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ "الْحَجِّ" الْكَلَامُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [[راجع ج ١٢ ص ٢٨.]]. وَرَوَى الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَاطِنَ كَفِّهِ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهَا رَمَى بِهِ وَقَالَ: "لَا أَلْبَسْهُ أَبَدًا" ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ، حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ [[حديقة بالقرب من مسجد قباء.]]. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ حَتَّى سَقَطَ الْخَاتَمُ مِنْ يَدِهِ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءَ عَلَى جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْوَرَقِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلرِّجَالِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ. وَكُرِهَ لِلنِّسَاءِ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ، لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْنَ ذَهَبًا فَلْيُصَفِّرْنَهُ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ بِشَبَهِهِ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ الرِّجَالِ خَاتَمَ الذَّهَبِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَبَّابٍ، وَهُوَ خِلَافٌ شَاذٌّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا النَّهْيُ وَالنَّسْخُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِمَ، مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَاتَمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ- أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ واللفظ للبخاري- فهو عند العلماء وَهْمٌ مِنَ ابْنِ شِهَابٍ، لِأَنَّ الَّذِي نَبَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ. رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَقَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الْوَاحِدِ إِذَا خَالَفَهَا، مَعَ مَا يَشْهَدُ لِلْجَمَاعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. السَّادِسَةُ- إِذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّخَتُّمِ لِلرِّجَالِ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ وَالتَّحَلِّي بِهِ، فَقَدْ كَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ نَقْشَهُ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ. وَأَجَازَ نَقْشَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. ثُمَّ إِذَا نُقِشَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ أَوْ كَلِمَةُ حِكْمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، فَهَلْ يَدْخُلُ بِهِ الْخَلَاءَ وَيَسْتَنْجِي بِشِمَالِهِ؟ خَفَّفَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمَالِكٌ. قِيلَ لِمَالِكٍ: إِنْ كَانَ فِي الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ وَيَلْبَسُهُ فِي الشِّمَالِ أَيُسْتَنْجَى بِهِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. وَرُوِيَ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الْأَوْلَى. وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. وَقَدْ رَوَى هَمَّامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ ابن سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذَا إِلَّا هَمَّامٌ. السَّابِعَةُ- رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" وَقَالَ: "إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ". قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَقْشِ اسْمِ صَاحِبِ الْخَاتَمِ عَلَى خَاتَمِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ شَأْنِ الْخُلَفَاءِ وَالْقُضَاةِ نَقْشُ أَسْمَائِهِمْ عَلَى خَوَاتِيمِهِمْ، وَنَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ اسْمُهُ وَصِفَتُهُ بِرِسَالَةِ اللَّهِ لَهُ إِلَى خَلْقِهِ. وَرَوَى أَهْلُ الشَّامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الخاتم لغير ذى سلطان. ورووا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا. عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِهِ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ" يَرُدُّهُ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، إِذَا لَمْ يُنْقَشْ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ الزُّهْرِيِّ "مُحَمَّدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ". وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ مَالِكٍ "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ". وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي (نَوَادِرُ الْأُصُولِ) أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ". وَقَدْ مَضَى فِي الرَّعْدِ [[راجع ج ٩ ص ٣٢٩.]]. وَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ ابْنَهُ اشْتَرَى خَاتَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ خَاتَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبِعْهُ وَأَطْعِمْ مِنْهُ أَلْفَ جَائِعٍ، وَاشْتَرِ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ بِدِرْهَمٍ، وَاكْتُبْ عَلَيْهِ "رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ". الثَّامِنَةُ- مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَلْبَسَ حُلِيًّا فَلَبِسَ لُؤْلُؤًا لَمْ يَحْنَثْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ الِاسْمُ اللُّغَوِيُّ يَتَنَاوَلُهُ فَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْيَمِينِ، وَالْأَيْمَانُ تُخَصُّ بِالْعُرْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ فَنَامَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ لا يستضئ بِسِرَاجٍ فَجَلَسَ فِي الشَّمْسِ لَا يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالشَّمْسَ سِرَاجًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَلْبَسَ حُلِيًّا وَلَبِسَ اللُّؤْلُؤَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها" وَالَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ: اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ. التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْفُلْكِ وَرُكُوبُ الْبَحْرِ فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ١ ص ٣٨٨ وج ٢ ص ١٩٤.]] "وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ:" مَواخِرَ "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَوَارِيَ، مِنْ جَرَتْ تَجْرِي. سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُعْتَرِضَةً. الْحَسَنُ: مَوَاقِرَ. قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: أَيْ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ، مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ. وَقِيلَ:" مَواخِرَ "مُلَجِّجَةً فِي دَاخِلِ الْبَحْرِ، وَأَصْلُ الْمَخْرِ شَقُّ الْمَاءِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ. مَخَرَتِ السَّفِينَةُ تَمْخَرُ وَتَمْخُرُ مَخْرًا وَمُخُورًا إِذَا جَرَتْ تَشُقُّ الْمَاءَ مَعَ صَوْتٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ﴾ يَعْنِي جَوَارِيَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَخَرَ السَّابِحُ إِذَا شَقَّ الْمَاءَ بِصَدْرِهِ، وَمَخَرَ الْأَرْضَ شَقَّهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَمَخَرَهَا بِالْمَاءِ إِذَا حَبَسَ الْمَاءَ فِيهَا حَتَّى تَصِيرَ أَرِيضَةً، أَيْ خَلِيقَةً بِجَوْدَةِ نَبَاتِ الزَّرْعِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الْمَخْرُ فِي اللُّغَةِ صَوْتُ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ كَوْنَهُ فِي مَاءٍ، وَقَالَ: إِنَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الْبَوْلَ فَلْيَتَمَخَّرِ الرِّيحَ، أَيْ لِيَنْظُرَ فِي صَوْتِهَا فِي الْأَجْسَامِ مِنْ أَيْنَ تَهُبُّ، فَيَتَجَنَّبُ اسْتِقْبَالَهَا لِئَلَّا تَرُدَّ عَلَيْهِ بَوْلَهُ.
(وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أَيْ وَلِتَرْكَبُوهُ لِلتِّجَارَةِ
وَطَلَبِ الرِّبْحِ.
(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تَقَدَّمَ جَمِيعُ هذا في "البقرة" والحمد لله.
{"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِی سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُوا۟ مِنۡهُ لَحۡمࣰا طَرِیࣰّا وَتَسۡتَخۡرِجُوا۟ مِنۡهُ حِلۡیَةࣰ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِیهِ وَلِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق