الباحث القرآني
ولَمّا طَلَبَ ما هو لَهُ في مَنصِبِ النُّبُوَّةِ مِن تَعْلِيمِ اللَّهِ لَهُ المَناسِكَ بِغَيْرِ واسِطَةٍ طَلَبَ لِذُرِّيَّتِهِ مِثْلَ ذَلِكَ بِواسِطَةِ مَن جَرَتِ العادَةُ بِهِ لِأمْثالِهِمْ فَقالَ: ﴿رَبَّنا وابْعَثْ فِيهِمْ﴾ أيِ: الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ الَّتِي مِن ذُرِّيَّتِي وذُرِّيَّةِ ابْنِي إسْماعِيلَ ﴿رَسُولا مِنهُمْ﴾ لِيَكُونَ أرْفَقَ بِهِمْ وأشْفَقَ عَلَيْهِمْ ويَكُونُوا هم أجْدَرَ بِاتِّباعِهِ والتَّرامِي في نَصْرِهِ، وذَلِكَ الرَّسُولُ هو مُحَمَّدٌ ﷺ، فَإنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ مِن ذُرِّيَّتِهِما بِالكِتابِ غَيْرَهُ، فَهو دَعْوَةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أبِي العَرَبِ وأكْرَمِ ذُرِّيَّتِهِ؛ فَفي ذَلِكَ أعْظَمُ ذَمٍّ لَهم بِعَداوَتِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُرْسَلًا لِتَطْهِيرِهِمْ بِالكِتابِ الَّذِي هو الهُدى لا رَيْبَ فِيهِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَتْلُو﴾ أيْ: يَقْرَأُ مُتابِعًا مُوِاصِلًا ﴿عَلَيْهِمْ آياتِكَ﴾ أيْ: عَلاماتَكَ الدّالاتِ عَلَيْكَ أعَمَّ مِن أنْ يَكُونَ نَزَلَ بِها الكِتابُ أوِ اسْتُنْبِطَتْ مِنهُ ﴿ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ﴾ الكامِلَ الشّامِلَ لِكُلِّ كِتابٍ ”أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ“ ﴿والحِكْمَةَ﴾ وهي كُلُّ أمْرٍ يُشَرِّعُهُ لَهم فَيَحْفَظُهم في صِراطَيْ مَعاشِهِمْ ومَعادِهِمْ مِنَ الزَّيْغِ المُؤَدِّي إلى الضَّلالِ المُوجِبِ لِلْهَلاكِ.
ولَمّا كانَ ظاهِرُ دَعْوَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ البَعْثَ في الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ (p-١٦٢)كانُوا إلى تَعْلِيمِ ما ذُكِرَ أحْوَجَ مِنهم إلى التَّزْكِيَةِ فَإنَّ أصْلَها مَوْجُودٌ بِالإسْلامِ فَأخَّرَ قَوْلَهُ: ﴿ويُزَكِّيهِمْ﴾ أيْ: يُطَهِّرُ قُلُوبَهم بِما أُوتِيَ مِن دَقائِقِ الحِكْمَةِ، فَتَرْتَقِي بِصَفائِها، ولُطْفِها مِن ذُرْوَةِ الدِّينِ إلى مَحَلٍّ يُؤَمِّنُ عَلَيْها فِيهِ أنْ تَرْتَدَّ عَلى أدْبارِها وتُحَرِّفَ كِتابَها كَما فَعَلَ مِن تَقَدُّمِها، والتَّزْكِيَةُ إكْسابُ الزَّكاةِ، وهي نَماءُ النَّفْسِ بِما هو لَها بِمَنزِلَةِ الغِذاءِ لِلْجِسْمِ - قالَهُ الحَرالِّيُّ.
ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ في سُورَةِ الجُمُعَةِ بَعْثَهُ في الأُمِّيِّينَ عامَّةً اقْتَضى المَقامُ تَقْدِيمَ التَّزْكِيَةِ الَّتِي رَأْسُها البَراءَةُ مِنَ الشِّرْكِ الأكْبَرِ لِيَقْبَلُوا ما جاءَهم مِنَ العِلْمِ، وأمّا تَقْدِيمُها في آلِ عِمْرانَ مَعَ ذِكْرِ البَعْثِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَلِاقْتِضاءِ الحالِ بِالمُعاتَبَةِ عَلى الإقْبالِ عَلى الغَنائِمِ الَّذِي كانَ سَبَبَ الهَزِيمَةِ لِكَوْنِها إقْبالًا عَلى الدُّنْيا الَّتِي هي أُمُّ الأدْناسِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ﴾ أيِ: الَّذِي يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ ولا يُغالِبُهُ شَيْءٌ، لِأنَّ العِزَّةَ كَما قالَ الحَرالِّيُّ: الغَلَبَةُ الآتِيَةُ عَلى كُلِّيَّةِ الظّاهِرِ والباطِنِ،
﴿الحَكِيمُ﴾ أيِ: الَّذِي يَتَيَقَّنُ ما أرادَ فَلا يَتَأتّى نَقْضُهُ، ولا مُتَّصِفٌ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ غَيْرُكَ؛ وفي ذَلِكَ إظْهارٌ عَظِيمٌ لِشَرَفِ العِلْمِ وطَهارَةِ الأخْلاقِ، وأنَّ ذَلِكَ لا يُنالُ إلّا بِمُجاهَداتٍ لا يُطِيقُها البَشَرُ ولا تُدْرَكُ أصْلًا إلّا بِجِدٍّ تُطَهِّرُهُ العِزَّةُ (p-١٦٣)وتَرْتِيبٍ أبْرَمَتْهُ الحِكْمَةُ؛ هَذا لِمُطْلَقِ ذَلِكَ فَكَيْفَ بِما يَصْلُحُ مِنهُ لِلرِّسالَةِ ؟ وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ يَكْبِتُ أعْداءَ الرُّسُلِ وإنْ زادَ عَدُّهم وعَظُمَ جَدُّهم. ويُحْكِمْ أُمُورَهم فَلا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ نَقْضَ شَيْءٍ مِنها.
{"ayah":"رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِكَ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُزَكِّیهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق