الباحث القرآني
في ضمير «فيهم» قولان:
أحدهما: أنه عائد على معنى الأمة؛ إذ لو عاد على لفظها لقال: «فيها» قاله أبو البقاء.
والثاني: أنه يعنود على الذّرية بالتأويل المتقدم وقيل: يعود على أهل «مكة» ، ويؤيده: ﴿هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾ [الجمعة: 2] ، وفي قراءة أبي: «وَابْعَثْ فيهِمْ فِي آخِرِهُمْ رَسُلاً مِنْهُمْ» .
قوله: «مِنْهُمْ» في محلّ نصب، لأنه صفة ل «رسولاً» ، فيتعلّق بمحذوف، أي: رسولاً كائناً منهم.
قال ابن الأنباري: يشبه أن يكون أصله من قولهم: ناقة مرْسَال ورسلة، إذا كانت سهلة السير ماضية أمام النُّوق.
ويقال للجماعة المهملة المرسلة: رسل، وجمعه أَرْسَال. ويقال: جاء القوم أَرْسالاً، أي بعضهم في أثر بعض، ومنه يقال للبن: رسل، لأنه يرسل من الضرع. نقله القرطبي رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
قوله: «يَتْلُوا» في محلّ هذه الجملة ثلاثة أوجه: أحدهما: أنها في محلّ نصب صفة ثانية ل «رسولاً» ، وجاء هذا على الترتيب الأحسن، إذا تقدم ما هو شبيه بالمفرد، وهو المجرور على الجملة.
والثاني: أنها في محل نصب على الحال من «سولاً» ؛ لأنه لما وصف تخصص.
الثالث: أنها حال من المضير في «منهم» ، والعامل فيها الاستقرار الذي تعلّق به «منهم» لوقوعه صفةً.
وتقدم قوله: «العزيز» ؛ لأنها صفة ذات، وتأخر «الحكيم» ؛ لأنها صفة فعل.
ويقال: عَزَّ، ويَعَزُّ، ويعِزُّ، ولكن باختلاف معنى، فالمَضْمُوم بمعنى «غلب» ، ومنه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الخطاب﴾ [ص: 23] .
والمفتوح بمعنى [الشدة، ومنه: عزّ لحم الناقة، أي: اشتد، وعَزّ عليّ هذا الأمر، والمكسور بمعنى] النَّفَاسة وقلّة النظير.
فصيل في الكلام على دعاء سيدنا إبراهيم
اعلم أن هذا الدعاء يفيد كمال حال ذرّيته من وجهين:
أحدهما: أن يكون فيهم رسول يكمل لهم الدين والشرع.
والثاني: أن يكون المبعوث منهم لام من غيرهم، لأن الرسول والمرسل إليه إذا كانا معاً من ذريتهن كان أشرف لطلبته إذا أجيب إليها، وإذا كان منهم، فإنهم يعرفون مولده ومنشأه، فيقرب الأمر عليهم في معرفة صدقه، وأمانته، وكان أحرص الناس على خيرهم، وأشفق عليهم من الأجنبي لو أرسل إليهم.
أجمع المفسرون على أن الرسول هو محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ روي أنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ قال: «أَنَا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيْمَ وَبِشَارَةُ عِيْسَى» .
وأراد بالدعوة هذه الآية، وبِشَارة عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ما ذكره في سورة «الصف» من قوله: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6] .
وثالثها: أن إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ إنما دعا بهذا الدعاء ب «مكة» لذريته الذين يكونون بها، وبما حولها، ولم يبعث الله تعالى إلى من ب «مكة» وما حولها إلاّ محمداً صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
قال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهما: كل الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام من بني إسرائيل إلا عشرة: هود ونوح وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قوله: ﴿يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾ فيه وجهان:
الأول: أنها الفُرْقان الذي أنزل على محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأن الذي كان يتلوه عليهم ليس إلا ذلك، فوجب حمله عليه.
الثاني: يجوز أن تكون الآيات هي الأعلام الدَّالة على وجود الصَّانع وصفاته سبحانه وتعالى، ومعنى تلاوته إيّاها عليهمك أنه كان يذكرهم بها، ويدعوهم إليها، ويحملهم على الإيمان بها.
قوله: «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب» أي: القرآن يعلمهم مافيه من الدَّلائل والأحكام.
وأما الحكمة فهي: الإصابة في القول والعمل.
وقيلك أصلها من أحكمت الشيء أي رددته، فكأن الحكمة هي التي ترد عن الجهل والخطأ، وهو راجع إلى ما ذكرنا من الإصابة في القول والعمل.
اختلف المفسرون [في المراد بالحكمة] هاهنا.
قال ابن وهب قلت لمالك: ما الحكمة؟ قال: معرفة الدين، والفقه فيه، والاتباع له.
وقال الشافعي رَضِيَ اللهُ عَنْه: الحكمة سُنّة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو قول قتادة.
وقال أصحاب الشافعي رَضِيَ اللهُ عَنْه: والدليل عليه أنه تعالى ذكر تلاوة الكتاب أولاً، وتعلميه ثانياً، ثم عطف عليه الحكمة، فوجب أن يكون المراد من الحكمة شيئاً خارجاً عن الكتاب، وليس ذلك إلاَّ سُنّة الرسول عليه اسلام.
فإن قيل: لم لا يجوز حَمْله على تعليم الدَّلائل العقلية على التوحيد والعدل والنبوة؟
فالجواب: لأن العقول مستقبلة كذلك فحمل هذا اللفظ على ما لا يُسْتفاد من الشرع أَوْلَى.
وقيل: الحكمة هي الفصل بين الحق والباطل.
وقال مقاتل: هي مواعظ القرآن الكريم، وما فيه منا لأحكام.
وقال ابن قتيبة: هي العلم والعمل به.
وقيل: حكمة تلك الشرائع، وما فيها من وجوه المصالح والمنافع.
وقيل: أراد بالكتاب الآيات المحكمة، واراد بالحكمة المتشابهات. [وقال بان دُريد: كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة] .
وأما قوله: «وَيُزَكِّيهِمْ» .
قال الحسن: يطهّرهم من شركهم.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: التزكية هي الطاعة والإخلاص.
وقال بان كيسان: يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا هم للأنبياء بالبلاغ لتزكية المزكي للشهود.
وقيل: يأخذ زكاة أموالهم. ولما ذكر هذه الدعوات، فتمّمها بالثناء على الله تعالى فقال: ﴿إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ .
و «العزيز» : هو القادر الذي لا يغلب، و «الحكيم» : هو العليم الذي لا يجهل شيئاً.
[واعلم أن «العزيز» و «الحكيم» بهذين التفسيرين صفة للذات، وإذا أريد بالعزيز أفعال العزة وهو الامتناع من استيلاء الغير عليه، وأراد بالحكمة: أفعال الحكمة، لم يكن «العزيز» و «الحككيم» من صفات الذات أزلية، وصفات الفعل ليست كذلك، وصفات الفعل أمور سببية يعتبر في تحققها صدور الآثار عن الفعل، وصفات الذات ليست كذلك.
فصل]
[و] قال الكلبي: العزيز المتقدم لقوله تعالى: ﴿والله عَزِيزٌ ذُو انتقام﴾ [آل عمران: 4] .
وقال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهما: العزيز الذي لا يوجد مثله.
وقيل: المنيع الذي لا تناله الأيدي، ولا يصل إليه شيء.
وقيل: القوي.
والعزّة القوة، لقوله تعالى: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: 14] أي قوينا.
وقيل: الغالب، لقوله: ﴿وَعَزَّنِي فِي الخطاب﴾ [ص: 23] أي غلبنين ويقال: من عزيز أي من غلب.
والعم أن مناسبة قوله: ﴿أَنتَ العزيز الحكيم﴾ لهذا الدعاء هو أن العزيز هو القادر، والحكيم هو العالم بوضع الأشياء في مواضعها، ومن كان عالماً قادراً فهو قادر على أن يبعث فيهم رسولاً يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.
{"ayah":"رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِكَ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُزَكِّیهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











