قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ ينمي أخلاقهم، والتزكية: التنمية والتطهير، ينمي أخلاقهم ويطهرها من كل رذيلة، وهكذا كانت شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام تنمية الأخلاق الفاضلة، وتطهير من كل رذيلة، فهو يأمر بالبر، ويأمر بالمعروف، ويأمر بالإحسان، ويأمر بالصلة، ويأمر بالصدق، ويأمر بكل خير، كل ما فيه خير للإنسان في دينه ودنياه، فإن الإسلام يأمر به، وهذه تزكية، وينهى عن ضد ذلك: ينهى عن الإثم، وعن القطيعة، وعن العدوان، وعن العقوق، وعن الكذب، وعن الغش، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، هذه تزكية.
تدرون الناس قبل الإسلام كيف حالهم؟ حالهم بالنسبة للعبادة لا تسأل: شرك، كفر، بالنسبة للأحوال الاجتماعية لا تسأل أيضًا عن حالهم: القوي يأكل الضعيف، والغني يأكل الفقير، يأكلون الربا أضعافًا مضاعفة، يغير بعضهم على بعض، يتعايرون بالأنساب، يدعون بدعوى الجاهلية إلى آخره، جاء الإسلام هدم كل هذا، ومن تدبر التاريخ قبل بعث الرسول عليه الصلاة والسلام وبعده، قبل بعثه وبعده، علم الفرق العظيم بين حال الناس قبل البعثة وحالهم بعدها، وظهر له معنى قوله تعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾.
﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ نقول فيها هنا ما قلنا في إعراب: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ ونجعل ﴿أَنْتَ﴾ ضمير فصل، ومحله؟
* طالب: لا محل له من الإعراب.
* الشيخ: لا محل له من الإعراب، ضمير فصل لا محل له من الإعراب، و﴿الْعَزِيزُ﴾ خبر (إن)، و﴿الْحَكِيمُ﴾ خبر ثانٍ.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ﴿إِنَّكَ﴾ الكاف اسم (إن)، و﴿الْعَزِيزُ﴾ خبرها، و﴿الْحَكِيمُ﴾ خبر آخر، وقد سبق ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أظن؟ ﴿الْعَزِيزُ﴾ معناه ذو العزة، والعزة بمعنى القوة والغلبة، فهو سبحانه وتعالى ذو قوة وذو غلبة، لا يغلبه شيء ولا يعجزه شيء، و﴿الْحَكِيمُ﴾ تقدم أنها مشتقة من؟
* طالب: الحكمة.
* الشيخ: من الحُكْم والحِكْمة، منهما جميعًا، وقلنا: إن الحكم نوعان: كوني، وشرعي، وإن الحكمة أيضًا نوعان: حالية، وغائية، الحكم نوعان: شرعي وكوني، مثال الشرعي؟
* طالب: الشرعي؟
* الشيخ: نعم.
* طالب: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣].
* الشيخ: لا، ما فيها حكم، قضى، من يعرف؟
* طالب: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة ٣٨].
* الشيخ: مادة حكم الدالة على الحكيم، والأحكام الشرعية نقول: الواجب والمستحب والمكروه والمحرم والمباح.
* طالب: قوله تعالى في آية الممتحنة: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ١٠].
* الشيخ: صح، ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وكذلك قوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة ٥٠] هذا الشرعي اللي ذكرنا، الحكم الكوني مثاله؟
* طالب: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ [الإسراء ١٦].
* الشيخ: لا، هذا الأمر الكوني، نريد الحكم الكوني؟ قوله: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي﴾ [يوسف ٨٠] وأيش بعد؟ ﴿أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ حكمًا هذا كونيًّا؛ لأن الحكم الشرعي ما منع من الأرض أن يرجع، ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾، فهمتم؟
الفرق بين الحكم الكوني والشرعي، الحكم الكوني لا بد من أيش؟ من وقوعه، والحكم الشرعي قد ينفذ وقد لا ينفذ، قد يمتثل الإنسان ويقوم بالحكم وقد لا يمتثل، أيضًا الحكم الشرعي يكون إثباته من قبل الشرع، يكون إقراره بما يحبه الله، والكوني بما يحبه وما لا يحبه، هذا بالنسبة للحكيم باعتباره مشتقًّا من؟
* طالب: الحكم.
* الشيخ: وباعتباره مشتقًّا من الحكمة؟ قلنا: إن الحكمة حالية وغائية، فالحالية وجود الشيء على صورة معينة، هذه حكمة، كون الإنسان معتدل القامة، ورأسه على هذه الصفة ويداه، وكذلك رجلاه، وما فيه من خلق الله، هذه حكمة حالية، وكون -مثلًا- الصلاة بهذه الصفة، قيام، ركوع، سجود، وما أشبه، وقعود، والزكاة علي هذه المقادير، وعلى هذه الأوقات، هذا أيضًا حكمة أيش؟ حالية، وكون هذه الأمور لغاية حميدة وجدت لغاية حميدة، هذه حكمة غائية، فإن الله تعالى ما أوجد الأشياء كونًا أو شرعًا إلا لغاية حميدة، ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة ١٢٩].
مناسبة العزة والحكمة هنا لبعث الرسول ظاهرة جدًّا؛ لأن ما يجيء به الرسول كله حكمة، وفيه العزة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨]، شوف ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ولّا وللعرب؟ وللمؤمنين، عربًا كانوا أو عجمًا، من كان مؤمنًا بالله عز وجل قائمًا بأمر الله، فإن له العزة، ومن لم يكن كذلك، فإن الله لم يكفل له العزة، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ولهذا يجب علينا أن تكون الرابطة بيننا هي رابطة الإيمان فقط؛ لأنه ما يمكن أن تكون هناك عزة واجتماع على الخير إلا بهذه الرابطة وحدها.
* طالب: شيخ، ما فيه حكمة (...)؟
* الشيخ: قلنا: فيه حكمة (...)، ولكنها مقترنة بالحكمة الغائية؛ لأنه من أجل كذا شرع كذا أو وقع كذا.
قال: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ (من) اسم استفهام.
* طالب: لا (...).
* الشيخ: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ﴾ ﴿مَنْ يَرْغَبُ﴾.
* طالب: خبرية.
* الشيخ: خبرية! ﴿مَنْ يَرْغَبُ﴾ (من) عندنا أولى وثانية ﴿مَنْ يَرْغَبُ﴾ (من) اسم استفهام.
* طالب: لا (...).
* الشيخ: اسم استفهام يراد به النفي؛ لقوله: ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾، فـ(من) هنا اسم استفهام، وهو مبتدأ، وجملة: ﴿يَرْغَبُ﴾ خبره، جملة: ﴿يَرْغَبُ﴾ يعني: فعل مضارع خبره، ولا نقول هنا: (من) شرطية، نعم لو كانت الآية: ومن يرغب عن ملة إبراهيم فقد سفه نفسه، صارت شرطية، لكن هذه أبلغ، ﴿مَنْ يَرْغَبُ﴾ يعني: لا أحد يرغب عن ملة إبراهيم.
وقوله: ﴿يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ﴾ يقال: رغب في كذا، ورغب عن، والفرق؟
* طالب: عدل عنه.
* الشيخ: رغب فيه، أي: طلبه، ورغب عنه؟
* طالب: أي: تركه.
* الشيخ: تركه واجتنبه، هنا ﴿مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ يعني: يتركها ولّا يطلبها؟
* الطلبة: يتركها.
* الشيخ: يتركها.
وقوله: ﴿مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ الملة بمعنى الدين، أي: دين إبراهيم، ودين إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أنه كان حنيفًا مسلمًا لله، ولم يكن من المشركين، وإبراهيم هو الخليل عليه الصلاة والسلام، الذي هو أبو الأنبياء وأشرفهم بعد رسول الله ﷺ، وجعله الله إمامًا ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا﴾ [النحل ١٢٠]، وجعل ملته هي الملة الحنيفية القويمة، إذا كان كذلك، هل أحد يرغب عن الملة الحنيفية القويمة؟ نعم، يرغب عنها من سفه نفسه؛ ولهذا قال: ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ﴾، ﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ قيل معناها: جهل نفسه، أي: جهل ما يجب لها وضيعها، وقيل: سفهها: أوقعها في السفه، ﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾: أوقعها في السفه، والسفه ضده الرشد، والمعنى الأول السفه ضده؟
* الطلبة: العلم.
* الشيخ: ضده العلم.
ولنا أن نقول: حكمة التعبير بما يحتمل وجهين فيها نكتة عظيمة، وهي: أن تكون ﴿سَفِهَ﴾ صالحة للأمرين: جهل، وكذلك ﴿سَفِهَ﴾ أوقعها في السفه، فهو في الحقيقة جاهل إن لم يتعمد المخالفة، وسفيه إن تعمد المخالفة، فالإنسان اللي يرغب عن ملة إبراهيم أوقع نفسه في السفه، ولم يتصرف تصرفًا رشيدًا، ثم إن كان عن علم فهو سفيه.
﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ الجملة هنا مؤكدة بمؤكدات ثلاثة، وهي: القسم المقدر، واللام، وقد؛ لأن اللام هنا موطئة للقسم، والتقدير: والله لقد، و﴿اصْطَفَيْنَاهُ﴾ افتعال من الصفوة، يعني: مشتقة من هذا، أصل المادة هذه من (صفا يصفو)، فمعنى اصطفيناه، أي: اخترناه حتى كان صفوة من الخلق، اصطفاه الله تعالى في الدنيا على كل الأنبياء ما عدا محمدًا ﷺ، وقوله: ﴿اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ أي: جعلناه صفيًّا من الخلق، واتخذه الله تعالى خليلًا.
﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (إنه) هذه (إن) واسمها، و﴿فِي الْآخِرَةِ﴾؟
* طالب: خبر.
* الشيخ: لا، ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ خبر، لكن ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ في موضع نصب على الحال: وإنه في حال كونه في الآخرة من الصالحين، في الدنيا اصطفاه الله واختاره، وفي الآخرة يكون من الصالحين الذين أدوا ما أوجب الله عليهم لنفسه ولخلقه، وهذه الجملة مؤكدة بمؤكدين: (إن) واللام فقط، وهنا ذكر الله تعالى الاصطفاء في الدنيا والصلاح في الآخرة، هل هناك نكتة لتغاير الحالين أو لا؟ يبدو لي -والله أعلم- أن هناك نكتة، وهو يقين فيه هناك نكتة، لكن بس ما نعرفها هل نعرفها أو لا؟ ولَّا لا شك أن التعبيرين مختلفان لكن لماذا؟ نلتمس، الدنيا دار شهوات وابتلاء، فلا يصبر عن هذه الشهوات ولا على هذا الابتلاء إلا واحد دون الآخر، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: فإذا أخلص الإنسان نفسه لله صار صفوة من عباد الله، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: الآخرة ليست هكذا، الآخرة حتى الكفار يؤمنون، ولكن الفرق بين من يكون من الصالح ومن غير الصالح؛ لأنهم هم إذا عرضوا على النار ﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا﴾ [الأنعام ٣٠]، ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى﴾ [غافر ٥٠]، ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس ٥٢]، وهكذا تدل على أنهم يؤمنون لكنهم ليسوا من الصالحين.
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ هذه أيضًا تابعة للثناء على إبراهيم، شوف لما عظَّم بيت الله كيف أن الله سبحانه وتعالى شكور حليم، أثنى عليه هذا الثناء العظيم، وجعله إمامًا، وبيّن اصطفاءه في الدنيا، وأنه في الآخرة من الصالحين، أيضًا هذه الحال من الثناء عليه، ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ هذه يحتمل أن تكون متعلقة بقوله: ﴿لَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ﴾: ولقد اصطفيناه إذ قال له ربه، ويحتمل أن تكون متعلقة بمحذوف تقديره: اذكر إذ قال له ربه، فيكون أمرًا للرسول ﷺ أن ينوه بهذه الحال التي كان إبراهيم ﷺ عليها.
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ قال: سمعًا وطاعة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، ما تأنى، ولا تأبى ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إسلام يتضمن التوحيد، توحيد العبادة، ﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يتضمن توحيد الربوبية والأسماء والصفات، ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، فأسلم إسلامًا كاملًا بدون تردد، وما أكثر الذين قال لهم ربهم: أسلموا، ولكن لم يسلموا، تسع مئة وتسع وتسعون من بني آدم قيل لهم: أسلموا ولم يسلموا؛ لأنهم كلهم من أهل النار، تسع مئة وتسع وتسعون بالألف من بني آدم كلهم في النار، وواحد منهم في الجنة، لكن هذا قال له ربه: أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين، وهذه صفة حميدة جدًّا استحق أن ينوه بها عنه.
وهي عامة لأصل الإسلام ولفرائع الإسلام، حتى الفروع أسلم فيها، رأى في المنام أنه يذبح ابنه فنفذ؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نفذ، قال الله له: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات ١٠٤، ١٠٥]، فنفذ مع أنه ابنه وحيده، ما له غيره، أتاه على كبر، وبلغ معه السعي، يعني: بلغ أن يمشي معه، وهذا وقت تعلق الإنسان بابنه؛ لأن الطفل الصغير قد لا تتعلق به النفوس، والكبير قد انعزل وزالت الرغبة فيه، لكن اللي في هذا المستوى هذا هو غاية ما يكون من تعلق القلب به، فرأى في منامه أنه يذبحه فنفذ، إلا أنه أراد أن يختبر ابنه؛ حيث قال: ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات ١٠٢]، وذكر الله القصة.
* طالب: قوله: ﴿اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ ما ذكر الرسول ولا الأنبياء قبله؟
* الشيخ: إي؛ لأن السياق في إبراهيم، ذكر ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص ٤٧]، ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ﴾ [آل عمران ٤٢]، لكن هنا السياق في الثناء على إبراهيم.
* طالب: ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (...)؟
* الشيخ: لأن الرب لا بد أن يكون كاملًا، الرب اللي ربوبيته عامة للعالمين كلها لا بد أن يكون كاملًا، وإلا ما صح أن يكون ربًّا للعالمين.
* طالب: شيخ، وأيش وجه يعني الله سبحانه وتعالى أوحى إلى الرسول ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النحل ١٢٣]، وفي الحديث: «إِنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ»[[مسلم (٨٦٧ / ٤٣)، وأبو يعلى (٢١١٩) من حديث جابر، واللفظ له.]]؟
* الشيخ: نعم، أحسنت، هذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام متضمن لهدي إبراهيم وزيادة؛ لأن هدي إبراهيم هو الإخلاص والتوحيد عمومًا، لكن فرائع الإسلام تختلف؛ لأن الله يقول: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨]، في الأصل التوحيد والإخلاص ملة إبراهيم هي الملة المقتدى بها، لكن فروع الإسلام كملت بالشريعة التي كان عليها الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فلهذا كان خير الهدي هدي محمد ﷺ.
﴿وَوَصَّى بِهَا﴾ وفي قراءة: ﴿وَأَوْصَى بِهَا﴾ .
* طالب: شيخ، ما نوع قوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ﴾ هل هو وحي أم إلهام؟
* الشيخ: الأصل إذا قال: ﴿إِذْ قَالَ﴾ القول: الوحي، كلمه.
﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾ فيها قراءة: ﴿أَوْصَى بِهَا﴾ ، أما (إبراهيم) في الموضع الأول والثاني ففيها القراءة التي ذكرناها لكم من قبل وهي: ﴿ إِبْرَاهَام﴾ ، ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهَامَ﴾ وتقول: ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾..
* طالب: في كل القرآن؟
* الشيخ: لا، ما في كل القرآن، ولكن في السورة هذه في أكثر القرآن، في بعض المواضع القليلة ما فيها (إبراهام).
* طالب: شيخ، زاد حرف؟
* الشيخ: وهو؟
* طالب: الألف.
* الشيخ: ونقص حرف، زاد حرفًا ونقص حرف، فين النقص؟
* طالب: تضعيف.
* الشيخ: تضعيف، إي نعم، ﴿وَوَصَّى بِهَا﴾ ﴿وَأَوْصَى بِهَا إِبْرَاهِيمُ﴾ ، وهذه في الحقيقة ما تنطبق على الشروط الثلاثة في القراءة، وأيش الشروط الثلاثة في القراءة؟ أمليناها عليكم في بيتين؟ شروط القراءات؟
* طالب: قوله: ؎فَكُلُّ مَا وَافَقَ وَجْهَ نَحْوِ ∗∗∗ وَكَانَ ِللرَّسْمِ احْتِمَالاً يَحْوِي ؎وَصَحَّ نَقْلًا فَهُوَ الْقُرآنُ ∗∗∗ فَهَذِهِ الثَّـلَاثَةُالْأَرْكَــــــــــــــــــــانُ * الشيخ: هذه الآن ؎فَكُلُّ مَا وَافَقَ وَجْهَ نَحْوِ ∗∗∗ وَكَانَ ِللرَّسْمِ احْتِمَالاً يَحْوِي ؎وَصَحَّ نَقْلًا فَهُوَ الْقُرآنُ ∗∗∗ فَهَذِهِ الثَّـلَاثَةُالْأَرْكَــــــــــــــــــــانُ الآن ﴿وَصَّى بِهَا﴾ و﴿أَوْصَى بِهَا﴾ ، يحوي (...)؟
* طالب: ما يحوي.
* الشيخ: ما يحوي؟ إذن الأركان اللي ذكر بناء على الأغلب، وقد مر علينا سقوط حرف عطف حرف له معنى ما هو مثل هذا، هذا حرف ما له معنى، الهمزة والتضعيف ما لهم معنى، لكن مر علينا فيما سبق سقوط حرف معنوي، وأيش هي؟
* طالب: ﴿قَالُوا﴾ ﴿وَقَالُوا﴾.
* الشيخ: ﴿قَالُوا﴾ ﴿وَقَالُوا﴾، وين هي؟
* الطالب: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [البقرة ١١٦].
* الشيخ: صح، وقراءة؟
* الطالب: ﴿قَالُوا﴾ .
* الشيخ: وقراءة ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ﴾ ، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ﴾ ، ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ﴾.
﴿وَوَصَّى بِهَا﴾ (بها) الضمير يعود على هذه الكلمة العظيمة، وهي: ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ويجوز أن يكون الضمير يعود على الملة، وصى بهذه الملة، والمعنى واحد، يعني: ملة إبراهيم هي ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾، والتوصية: العهد المؤكد في الأمر الهام، ولَّا لا؟ وأيش التوصية؟
* طالب: التوصية العهد في الأمر الهام.
* الشيخ: العهد المؤكد في الأمر الهام.
وقوله: ﴿إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾ ﴿بَنِيهِ﴾ وأيش محله من الإعراب؟
* طالب: مفعول به.
* الشيخ: مفعول ﴿وَصَّى﴾؛ ولهذا نصبت بالياء؛ لأنها؟
* الطلبة: ملحق بجمع المذكر السالم.
* الشيخ: ملحق بجمع المذكر السالم.
قال: ﴿وَيَعْقُوبُ﴾، ﴿وَيَعْقُوبُ﴾ معطوفة على ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾، يعني: وكذلك وصى بها يعقوب بنيه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما ذكر إسحاق؛ لأن إسحاق موصى، مين اللي موصيه؟ إبراهيم، ثم عاد يعقوب اللي هو حفيد إبراهيم ابن ابنه، وصى بها بنيه، يعني: وكذلك وصى بها يعقوب، وسمي يعقوب لأنه عقب إسحاق، هذا إذا قلنا: إنه مشتق، أما إذا قلنا: إنه اسم جامد، فإنه لا حاجة إلى أن نعلل هذا التعليل، نقول: يعقوب اسم جامد ولا هو مشتق.
وقوله: ﴿يَعْقُوبُ﴾ مَن أشهر أولاد يعقوب؟ يوسف، يعقوب قال: ﴿يَا بَنِيَّ﴾، ولّا (يا بُنَيَّ)؟
* الطلبة: ﴿يَا بَنِيَّ﴾.
* الشيخ: ﴿يَا بَنِيَّ﴾، وأيش الفرق بين (يا بَني) (يا بُني)؟
* الطلبة: (بَني) جمع.
* الشيخ: (بَني) جمع، (بُني) واحد مصغر، (يا بَني) جمع أين النون التي هي عوض عن التنوين في الاسم المفرد؟
* طالب: راحت.
* الشيخ: وين؟
* طالب: لأنها منادى.
* الشيخ: ولو كانت منادى تقول: يا بَنون، نادِ، تقول: يا بنون؟
* طالب: المنادى مضاف، حذفت النون للإضافة.
* الشيخ: حذفت النون للإضافة، تقول: هؤلاء مسلمو مكة، وقاتل النبي ﷺ مشركي مكة، فهمتم؟ فالنون تحذف للإضافة مثل ما إن التنوين يحذف للإضافة، تقول: اشتريت كتابًا، وتقول: اشتريت كتاب النحو، (كتاب) بدون تنوين.
* طالب: مضافة إلى ياء المتكلم؟
* الشيخ: إلى ياء المتكلم، إي نعم.
﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ شوف قال: ﴿يَا بَنِيَّ﴾؛ لأجل الترقيق والقبول، قبول الدعوة، هذا من باب الرقة لأجل أن يقبلوا الدعوة، ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ اصطفاه: اختاره، و﴿لَكُمُ﴾: لأجلكم، ﴿اصْطَفَى لَكُمُ﴾ لأجلكم، ﴿الدِّينَ﴾ ما هو الدين؟ الدين هو العبادة والعمل، ويطلق على الجزاء، ففي قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤] وأيش المراد بالدين؟
* طالب: الجزاء.
* الشيخ: الجزاء، وفي قوله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣]؟ العبادة، فالدين يطلق على هذا وهذا، على العمل والجزاء عليه، ومنه قولهم: كما تدين تدان، يعني: كما تعمل تجازى.
* طالب: إعراب ﴿لَكُمُ﴾؟
* الشيخ: جار ومجرور متعلق بـ﴿اصْطَفَى﴾.
* طالب: في محل نصب مفعول لأجله؟
* الشيخ: لا، اللام للتعليل بس.
* الطالب: ما يسمى مفعول لأجله؟
* الشيخ: لا، ما يسمى مفعول لأجله.
﴿لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ﴾ الفاء للتفريع، أي: فعلى هذا الاختيار تمسكوا بهذا الدين، و﴿لَا تَمُوتُنَّ﴾ (لا) هذه ناهية، ومعروف أن (لا) الناهية تجزم الفعل، وهنا ﴿تَمُوتُنَّ﴾ وأيش آخر الفعل؟ التاء، ما جزم؟
* طالب: مجزوم بحذف النون.
* الشيخ: هذا من الأفعال الخمسة، فهو مجزوم بحذف النون، ﴿فَلَا تَمُوتُنَّ﴾ والنون هنا اللي فيها للتوكيد، وأصلها: تموتونَنَّ، فحذفت النون للجزم وصارت: فلا تموتون، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين، الواو اللي هي الضمير، لالتقاء الساكنين؛ لأن النون المشددة أولها ساكن، والواو ساكنة، فتحذف الواو، قال ابن مالك: ؎إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُنْ لَيْنًــــــــا فَحَذْفَــــــــــــــهُاسْتَحَقْ قال الله تعالى في بقية دعاء إبراهيم وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾.
من فوائد الآية: ضرورة الناس إلى بعث الرسل؛ ولذلك دعا إبراهيم وإسماعيل، دعوا الله سبحانه وتعالى أن يبعث فيهم الرسول.
ومن فوائدها أيضًا: أن كون الرسول منهم أقرب إلى قبول دعوته؛ لأنهم يعرفونه، كما قال الله تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم ٢]، تأمل قوله: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾؛ حيث أضافه إليهم، يعني: صاحبكم الذي تعرفونه، وتعرفون رجاحة عقله، وتعرفون أمانته، ما ضل وما غوى، هذه الفائدة تؤخذ من أين؟ من قوله: ﴿مِنْهُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل الله تعالى فيه من الخير أنه يتلو الآيات، ويعلم الكتاب، ويعلم الحكمة، ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾.
ومنها: أن رسالة النبي ﷺ تتضمن ذكر آيات الله الكونية والشرعية، وتتضمن تعليم الكتاب تلاوة ومعنًى، وتتضمن أيضًا الحكمة، وهي: معرفة أسرار الشريعة، وتتضمن تزكية الخلق؛ لقوله: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾.
من فوائدها إذن: أن هذه الشريعة كاملة؛ لتضمن رسالة النبي ﷺ لهذه المعاني الجليلة مما يدل على كمال شريعته.
ومنها: إثبات العزة والحكمة لله في قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
ومنها: إثبات هذين الاسمين لله، الاسمين: العزيز والحكيم، وقد سبق لنا معنى العزة ومعنى الحكمة في التفسير.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الرشد في اتباع ملة إبراهيم؛ لقوله: ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾.
ومن فوائدها أيضًا: أن مخالفة هذه الملة سفه، مهما كان الإنسان حليمًا في قومه، فإنه يعتبر سفيهًا إذا لم يلتزم بشريعة الله.
ومنها: فضيلة إبراهيم؛ حيث اصطفاه الله تعالى واختاره على العالمين؛ لقوله: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾.
ومنها: إثبات الآخرة؛ لقوله: ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾.
ومنها: أن الصلاح وصف للأنبياء ومَن دونهم، فيوصف النبي بأنه صالح، ويوصف متبعو الرسول بأنهم صالحون؛ ولهذا كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحيون الرسول ﷺ ليلة المعراج بقولهم: «مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٤٩)، ومسلم (١٦٣ / ٢٦٣)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.]]، فوصفوه بالصلاح..
* طالب: العطف تغاير (...)؟
* الشيخ: ما يقبل التغاير، تغاير الصفات يمكن تجتمع الصفات في الواحد، التغاير في الصفات ما هو تغاير في الأشخاص.
ومنها أيضًا -من فوائد الآية-: أن ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أفضل الملل، وهي التوحيد الحنيفية السمحة؛ لأنه قال: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف ٢٦، ٢٧].
ومنها: أن هؤلاء المخالفين للرسل سفهاء، كما وصفهم الله بقوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ١٧١]، فهم وإن كانوا أذكياء وعندهم علم بالصناعة وبالسياسة، فإنهم في الحقيقة سفهاء؛ لأن العاقل هو الذي يتبع ما جاءت به الرسل فقط، قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
* طالب: شيخ، تخصيص اتباع إبراهيم رغم أن فيه أنبياء قبله نفس الدعوة؟
* الشيخ: إي نعم، تخصيصه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو أبو الأنبياء بالنسبة لبني إسرائيل وللعرب؛ إذ إن جميع الأنبياء من بعده كانوا من ذريته، كانوا من ذرية إبراهيم؛ فلذلك خص بهذا؛ ولهذا يقال: إن الخلق لهم آباء ثلاثة: آدم، ونوح، وإبراهيم، إلا أن إبراهيم كان أبًا للعرب والإسرائيليين فقط.
* طالب: شيخ، مدح النبي ﷺ في وجهه؟
* الشيخ: في وجهه؟
* طالب: في وجهه، يعني: في حضوره، ما يكون هذا خارجًا عن عموم الحديث؟
* الشيخ: أي حديث؟
* الطالب: حديث: «إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ؛ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٧٤٣) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.]]، والنهي عن التمادح؟
* الشيخ: هذا سؤال ليس بهذا الدرس.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: على كل حال، الرسول إنما نهى عن المدح إذا كان يخشى منه؛ ولهذا قال: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ»[[متفق عليه، أخرجه البخاري (٢٦٦٢)، ومسلم (٣٠٠٠ / ٦٥) واللفظ له، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.]]، وقال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التَّرَابَ»[[أخرجه مسلم (٣٠٠٢ / ٦٩)، من حديث المقداد رضي الله عنه.]]، أما إذا لم يخش منه فلا بأس، فهذا كعب بن زهير مدح النبي عليه الصلاة والسلام في حديث: بانت سعاد[[أخرجه الحاكم في المستدرك (٣ / ٥٧٩)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠ / ٢٤٣)، من حديث عقبة بن كعب رضي الله عنه.]] مدحًا عظيمًا والرسول يسمع، وكذلك حسان بن ثابت وغيره من الشعراء كانوا يمدحون النبي ﷺ؛ لأنه أهل لذلك؛ ولأنه لا يخشى منه.
* طالب: وإذا ادعى واحد من الناس يقول: أنا لا يخشى علي؟
* الشيخ: إذا ادعى نقول: الآن يخشى عليك، ما دام زكيت نفسك، فالآن فيك البلاء.
* طالب: شيخ، قوله: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ فيه فرق بين التعليم والتلاوة؟
* الشيخ: إي نعم، الفرق التعليم يشمل التعليم اللفظ والمعنى، والتلاوة وإن لم يعلمهم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: بالمعنى أو يدرسهم تدريسًا؛ لأن التعليم أخص، الآن عندما أقرأ أنا القرآن أتلو عليك، وليس هذا تعليمًا، لكن عندما أهجيك على حرف حرف وكلمة كلمة، هذا التعليم.
* طالب: (...) ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾؟
* الشيخ: المراد بالكتاب القرآن.
* طالب: والآيات؟
* الشيخ: الآيات الأولى ما يخص بالآيات الدالة على الله.
قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذه الآية يستفاد منها: فضيلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ حيث لم يتوان ولم يستكبر، لم يستكبر؛ لأنه قال: ﴿أَسْلَمْتُ﴾، لم يتوان؛ لأنه قال ﴿إِذْ قَالَ﴾ ﴿قَالَ﴾، فكان هذا معقبًا لقوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
ومنها: إثبات ربوبية الله تعالى العامة لكل أحد؛ لقوله: ﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
ومنها: الإشارة إلى أن الخلق من آيات الله؛ لأنهم سموا عالمين؛ حيث إنهم علم على خالقهم سبحانه وتعالى.
ومنها: المناسبة بين قوله: ﴿أَسْلَمْتُ﴾ و﴿رَبّ﴾، كأن هذا علة لقوله: ﴿أَسْلَمْتُ﴾؛ فإن الرب هو الذي يستحق أن يسلم له، الرب: الخالق؛ ولهذا أنكر الله سبحانه وتعالى عبادة الأصنام، وبيّن علة ذلك بأنهم لا يخلقون ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل ٢٠، ٢١]، فتبين بهذا مناسبة ذكر الإسلام مقرونًا بالربوبية.
ثم قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
من هذه الآية يستفاد:
أولًا: أهمية هذه الوصية؛ لأنه اعتنى بها من؟
* طالب: إبراهيم.
* الشيخ: إبراهيم ويعقوب، فإبراهيم أبو العرب والإسرائيليين، ويعقوب أبو؟
* طالب: الإسرائيليين.
* الشيخ: الإسرائيليين، فهذان الرسولان الكريمان اعتنيا بها؛ حيث جعلاها مما يوصى بها.
ومنها: أنه ينبغي العناية بهذه الوصية اقتداء بمن؟
* طالب: إبراهيم.
* الشيخ: بإبراهيم ويعقوب.
ومنها: أن الله سبحانه وتعالى اختار لعباده من الدين ما هو أقوم لمصالحهم؛ لقوله: ﴿اصْطَفَى لَكُمُ﴾ أي: اختار، فلولا أنه أقوم ما يقوم بمصالح العباد ما اختاره الله تعالى لعباده.
ومنها: أنه ينبغي التلطف بالخطاب، من أين نأخذ؟
* طالب: ﴿يَا بَنِيَّ﴾.
* الشيخ: ﴿يَا بَنِيَّ﴾؛ فإن نداءهم بالبنوة يقتضي قبول ما يلقى إليهم.
ومنها أيضًا: أنه يجب على المرء أن يعاهد نفسه دائمًا حتى لا يأتيه الموت وهو غافل؛ لقوله: ﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
ومنها: أن الأعمال بالخواتيم؛ لقوله: ﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ما يكفي أن الإنسان يسلم في أول حياته أو في وسط حياته، لا بد أن يستمر إلى أن يموت، إلى أن يلقى الله تعالى وهو على الإسلام.
* طالب: قوله: ﴿يَا بَنِيَّ﴾ هذا قول يعقوب ولَّا؟
* الشيخ: كلهم يقول، الوصية من الاثنين.
* الطالب: قال: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ﴾؟
* الشيخ: إبراهيم قال لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ويعقوب كذلك قالها.
* طالب: ﴿وَوَصَّى بِهَا﴾ الضمير يعود على أي شيء؟
* الشيخ: قيل: إنه يعود على الملة، وقيل: يعود على قوله: ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
* طالب: أي يوصيهم بأن يقولوا: أسلمنا؟
* الشيخ: إي نعم، يقولون بألسنتهم وقلوبهم.
{"ayahs_start":129,"ayahs":["رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِكَ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُزَكِّیهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","وَمَن یَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَیۡنَـٰهُ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَإِنَّهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥۤ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَوَصَّىٰ بِهَاۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ بَنِیهِ وَیَعۡقُوبُ یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ"],"ayah":"رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِكَ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُزَكِّیهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}