الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا﴾ قال ابن عباس: يريد: في ولدي [[لعله من رواية عطاء.]]، والكناية تعود إلى الذرية أو إلى الأمة في قوله: ﴿أُمَّةً مُسْلِمَةً﴾ [["تفسير الثعلبي" 1/ 1187، وينظر: "سنن سعيد بن منصور" 2/ 615، "تفسير الطبري" 1/ 556، "زاد المسير" 1/ 146.]]، وكلاهما ولد إبراهيم، وهم العرب [["تفسير الثعلبي" 1/ 1187 قال: وقيل في أهل مكة. وينظر: "زاد المسير" 1/ 146، "الخازن" 1/ 111، "البحر المحيط" 1/ 392.]]. وقوله تعالى: ﴿رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد محمدًا ﷺ، فاستجاب الله دعاءه، وبعث فيهم رسولًا من أنفسهم، محمدًا سيد الأنبياء [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 1195، "تفسير البغوي" 1/ 151.]]، لذلك قال رسول الله ﷺ: "إني عند [[في (ش): (عبد).]] الله في أمِّ الكتاب لَخَاتَمُ النبيين، وإن آدم لمُنجدِلٌ في طِينَتِه، وسوف أنبئكم بتلك دعوة أبي إبراهيم ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ﴾. الآية، وبشارة عيسى قومه: ﴿وَمُبَشِّرَا بِرَسُولٍ﴾ [الصف: 6]، ورؤيا أمي، التي رأت أنه خرج منها نورٌ أضاءت له قصورُ الشام [[أخرجه الإمام أحمد في "المسند" 4/ 127، وابن حبان (6404)، والحاكم 2/ 418، 600، والبيهقي في "الدلائل" 1/ 389، والبغوي في "تفسيره" 15/ 151، وفي "شرح السنة" 13/ 207، والطبري 1/ 556، والطبراني 18/ 252 (629)، (630)، والبخاري في "تاريخه" 6/ 68 والثعلبي في "تفسيره"، وآخرون من حديث العرباض بن سارية وروايتهم: وسأنبئكم بتأويل ذلك، أو سأنبئكم بأول ذلك، أو سأخبركم عن ذلك، وذكر الآيات ليس في الرويات، ومعنى منجدل: أي: ملقىً على الجدالة وهي الأرض، والحديث صححه ابن حبان والحاكم، وقال: الهيثمي: أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وثقه ابن حبان، وينظر: "الكشاف" لابن حجر ص10، وهو صحيح لغيره.]] ". وقوله تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ قال ابن عباس: يريد القرآن الذي أنزل عليه، وما فيه من الفرائض والأحكام والسنن وشرائع النبيين [[لعله من رواية عطاء، وينظر: "تفسير الطبري" 1/ 557، عن قتادة وغيره "المحرر الوجيز" 1/ 212.]]. فعلى هذا الحكمة: هي نفس الكتاب، وجُمع بينهما لاختلاف اللفظين. والحكمة في اللغة: فهم المعاني، وبه قال مجاهد، فإنه قال: يعنى بالحكمة فهم القرآن [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1188 عن مجاهد، وعنه البغوي 1/ 1188، "الخازن" 1/ 112، وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 393.]]. وقال عبد الله بن مسلم: هي العلم والعمل، ولا يسمى الرجل حكيما حتى يجمعهما [[ذكره عنه الثعلبي 1/ 118، وذكره البغوي 1/ 152 وأبو حيان في "البحر المحيط".]]. سمعت الثعلبي -رحمه الله- يقول: سمعت البياري [[هو علي بن الحارث البياري الخراساني، من معادن العلم، أديب بارع شدت إليه الرحال صاحب كتاب "شرح الحماسة وصناعة الشعر" ينظر: "إنباه الرواة" 2/ 274، 275، "دمية القصر" ص 302.]] يقول: سمعت السِّيرافي [[هو العلامة إمام النحو أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان، "السيرافي"، صاحب التصانيف ونحوي بغداد، وهو من أعيان الحنفية، رأسًا في نحو البصريين، تصدر لإقراء القراءات واللغة والفقه والفرائض، وولي قضاء بغداد توفي سنة 368 هـ ينظر: "السير" 16/ 247 - 248، "إنباه الرواة" 1/ 413، "تاريخ بغداد" 7/ 341 - 342.]] يقول: سمعت ابن دُرَيدٍ يقول: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قَبيحٍ فهي حكمة [[هكذا بهذا الإسناد عند الثعلبي 1/ 1189 وزاد: فهي حكمة وحكم. وذكره ابن دريد في "الجمهرة" 1/ 564، والواحدي في "الوسيط" 1/ 212، والسمعاني 2/ 60.]]. ومنه قوله ﷺ: "إنَّ من الشعرِ حكمةً [[رواه البخاري (6145) كتاب الأدب، باب: ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، من حديث أبي بن كعب.]] ". وأصلها في اللغة: من المنع والرد [[ينظر: "تهذيب اللغة" 1/ 886، "تفسير الثعلبي" 843 و 1192.]]، قال الأصمعي: أصل الحكومة: ردُّ الرجل عن الظلم، ومنه سميت حَكَمَةُ اللِّجَام؛ لأنها تَرُدُّ الدَّابَّة [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 1/ 886، "لسان العرب" 2/ 952.]]، وهذا يذكر في مواضع من هذا الكتاب. وقوله تعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أصل التزكية في اللغة: النسبة إلى الازدياد من الأفعال الحسنة التي ليست بمشوبة، والزكاة: الزيادة [["تفسير الطبري" 1/ 558، "المحرر الوجيز" 1/ 492، "تفسير القرطبي" 2/ 120.]]، وقد ذكرنا هذا عند تفسير الزكاة. قال ابن عباس: ويرشدهم إلى أفضل عبادتك [[لعله من رواية عطاء التي تقدم ذكرها. وبنحوه أخرجه الطبري1/ 558، وابن أبي حاتم 1/ 237 (1265) بلفظ: يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص.]]، وقال ابن جريج [[هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، تقدمت ترجمته [البقرة: 35].]]: يطهرهم من الشرك، ويخلّصهم منه [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 558، وذكره الثعلبي 1/ 1192 بلا نسبة.]]. وقيل: يأخذ زكاة أموالهم [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1192، والسمرقندي 1/ 158، والبغوي 1/ 152، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 146، وبنحوه في "البحر المحيط" 1/ 393.]]، وقال ابن كيسان: يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ، بيانه قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1192، وعنه البغوي 1/ 152، "الخازن" 1/ 112.]] [البقرة: 143] الآية. وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ اختلف قول أهل اللغة في معنى العزيز واشتقاقه، فقال أبو إسحاق: العزيز في صفات الله: الممتنع فلا يغلبه شيء [[نقله عن أبي إسحاق الزجاج الأزهري في: "تهذيب اللغة" 3/ 2420، وعنه في "اللسان" 5/ 2925، وينظر تفصيلا في "اشتقاق أسماء الله" لأبي القاسم الزجاجي ص 237 - 240.]]، وهذا قول المفضل، قال: العزيز: المنيع الذي لا تناله الأيدي [[نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1193 وأبو حيان في "البحر المحيط"1/ 393.]]. وعلى هذا القول العزيز من عزّ يَعَزُّ بفتح العين، إذا اشتد [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2420 "عزز".]]، يقال: عَزَّ علي ما أصاب فلانًا أي: اشتد، وتعزز لحم الناقة إذا صلُب واشتدّ [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1194، "البحر المحيط" 1/ 393، "الدر المصون" 1/ 373.]]، وأنشد أبو عمرو الشيباني [[هو إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني، تقدمت ترجمته [البقرة: 39].]]: أُجُدٌ إذا ضَمَرَتْ تعزّزَ لحمُها ... وإذا تُشَدُّ بنسعةٍ لا تَنْبِسُ [[البيت للمتلمس الضبعي في "ديوانه" ص 180، "تفسير الثعلبي" 1/ 1194، "لسان العرب" 5/ 2927، "تاج العروس" 8/ 105، "الأغاني" 24/ 230، وذكره ابن دريد في "الجمهرة" ص 341 ولم ينسبه. ورواية "الديوان": عُنُسٌ بدل أَجُدٌ، ورواية الثعلبي: بنَسعِها. ومعنى: ضمرت: نحلت، وقوله: تَعَزَّزَ لحمها: اشتد وصلب، والنسع: سير من الجلد تشد به الرحال، ومعنى لا تنبس: لا تنطق ولا تصيح. وهو في البيت يصف الناقة.]] يريد: أنها إذا هزلت صَلُبَ لحمُها ولم يَسْتَرْخِ جلدها. وقال أبو كبير الهذلي [[هو عامر بن الحليس الهذيلي، أبو كبير من بني سهل بن هذيل، تقدمت ترجمته.]] يصف عقابًا [[ساقطة من (أ)، (م).]]: حتى انتهيت إلى فراشِ عزيزة ... سوداء روثةُ أنفِها كالمِخْصفِ [[ينظر: "شرح أشعار الهذليين" ص1089، "لسان العرب" 5/ 2926، 1/ 1039 (خصف)، "تاج العروس" 3/ 220 (مادة: روث)، "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية" 5/ 91.]] سماها عزيزة؛ لأنَّها من أقوى الجوارح، وأشدِّها بأسًا، والعزاز: الأرض الصلبة، فمعنى العِزَّةِ في اللغة: الشَدَّة [["تهذيب اللغة" 3/ 2420 (عزز).]]، ولا يجوزُ في وصف الله تعالى الشِّدَّة [[ذكره الشيخ بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية" ص 302 أن من أسماء الله تعالى القوي، ومن لوازم القوة: القدرة، بخلاف الشديد ولهذا لم يأت في القرآن == الكريم إلا مربوطًا بالعقاب أو العذاب أو الحساب الشديد، وهو كثير، وليس من أسماء الله الشديد، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ [الرعد: 13] فهذا من صفات الله سبحانه. ا. هـ. وقال الأستاذ علوي السقاف في كتابه: "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" ص 135 - 154: الشدَّة بمعنى القوة من صفات الله الذاتية ودلل لها بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ [الرعد: 13] وقوله: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ [القصص: 35]، وبحديث: "اللهم اشدد وطأتك على مضر .. " رواه البخاري ومسلم. وقال: وقد عد الزجاجي (في كتابه اشتقاق أسماء الله ص 192) وابن منده في كتابه "التوحيد" ووافقه محققه (الشديد) من أسماء الله تعالى، ولا يوافقون على ذلك. ا. هـ كلام السقاف ملخصًا.]]، ويجوزُ العزّة، وهي امتناعه على من أراده، وعلوه عن [[في (ش): (من).]] أن تناله [[في (أ) و (م): (يناله).]] يدٌ [["تهذيب اللغة" 3/ 2420 - 2421، "لسان العرب" 5/ 2925 (عزز).]]، وقال ابن عباس: العزيز: الذي لا يوجد مثله [["تفسير الثعلبي" 1/ 1192، وذكره البغوي في "تفسيره" 1/ 152، "الخازن" 1/ 112، وأبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 393.]]. قال الفراء: يقال: عزّ يَعِزُّ بالكسر: إذا قلَّ حتى لا يكاد يوجد، عِزّةً فهو عزيز [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 3/ 2420، وينظر: "القاموس المحيط" ص 517.]]. وقال الكسائي [[ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1193، والواحدي في "الوسيط" 1/ 213، والقرطبي 2/ 121.]] وابن الأنباري [["الزهراء" 1/ 174.]] وجماعة من أهل اللغة: العزيز: القوي الغالب، تقول العرب: عَزَّ فلانٌ فلانًا يَعُزُّه عِزًّا، إذا غلبه [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2420، "لسان العرب" 5/ 2925 (عزز).]]، قال الله تعالى: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: 23]. قال عمر بن أبي ربيعة [[هو: أبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المغيري المخزومي القرشي، أكثر شعره في الغزل، ولد ليلة مقتل الخليفة عمر، وتوفي سنة 93 هـ. ينظر: "وفيات الأعيان" 3/ 436، "الشعر والشعراء" ص 25، 186.]]: هُنالك إما تَعُزُّ الهوى ... وإما على إثرهم تَكْمدُ [[ينظر: "الأغاني" 13/ 87.]] معناه: إما تغلب الهوى، ومنه يقال: من عَزّ بَزَّ أبو عبيد عن أبي زيد: عَزَّ الرجل يَعِزّ عِزةً وعِزًّا، إذا قَوِيَ [[ذكره عنه في "تهذيب اللغة" 3/ 2420 "عزر".]]، فمعنى العزيز: الغالبُ القويُّ الذي لا يعجزه شيء [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2420، "لسان العرب" 5/ 2925 (عزر).]]، وذكرنا معنى الحكيم فيما مضى [[تقدم عند قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 32].]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب