الباحث القرآني
﴿رَبَّنا وابْعَثْ فِيهِمْ﴾ أيْ أرْسِلْ في الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ، وقِيلَ: في الذُّرِّيَّةِ، وعَوْدُ الضَّمِيرِ إلى أهْلِ مَكَّةَ بَعِيدٌ، ﴿رَسُولا مِنهُمْ﴾ أيْ مِن أنْفُسِهِمْ، ووَصْفُهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ أشْفَقَ عَلَيْهِمْ، ويَكُونُوا أعَزَّ بِهِ، وأشْرَفَ وأقْرَبَ لِلْإجابَةِ، لِأنَّهم يَعْرِفُونَ مَنشَأهُ وصِدْقَهُ وأمانَتَهُ، ولَمْ يُبْعَثْ مِن ذُرِّيَّةِ كِلَيْهِما سِوى مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وجَمِيعُ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لا مِن ذُرِّيَّتِهِما، فَهو المُجابُ بِهِ دَعْوَتُهُما كَما رَوى الإمامُ أحْمَدُ وشارِحُ السُّنَّةِ، عَنِ العِرْباضِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: «(سَأُخْبِرُكم بِأوَّلِ أمْرِي، أنا دَعْوَةُ إبْراهِيمَ وبِشارَةُ عِيسى، ورُؤْيا أُمِّي الَّتِي رَأتْ حِينَ وضَعَتْنِي)،» وأرادَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أثَرَ دَعْوَتِهِ، أوْ مَدْعُوَّهُ، أوْ عَيْنَ دَعْوَتِهِ، عَلى المُبالَغَةِ، ولَمّا كانَ إسْماعِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ شَرِيكًا في الدَّعْوَةِ كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَعْوَةَ إسْماعِيلَ أيْضًا، إلّا أنَّهُ خَصَّ إبْراهِيمَ لِشَرافَتِهِ وكَوْنِهِ أصْلًا في الدُّعاءِ، ووَهِمَ مَن قالَ: إنَّ الِاقْتِصارَ في الحَدِيثِ عَلى إبْراهِيمَ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُجابَ مِنَ الدَّعْوَتَيْنِ كانَ دَعْوَةَ إبْراهِيمَ دُونَ إسْماعِيلَ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقَرَأ أُبَيٌّ (وابْعَثْ فِيهِمْ في آخِرِهِمْ رَسُولًا)، وهَذا يُؤَيِّدُ أنَّ المُرادَ بِهِ نَبِيُّنا، وفي الأثَرِ أنَّهُ لَمّا دَعا إبْراهِيمُ قِيلَ لَهُ: قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ، وهو يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ.
﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِكَ﴾ أيْ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ ما تُوحِي إلَيْهِ مِنَ العَلاماتِ الدّالَّةِ عَلى التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ وغَيْرِهِما (p-387)وقِيلَ: خَبَرُ مَن مَضى ومَن يَأْتِي إلى يَوْمِ القِيامَةِ، والجُمْلَةِ صِفَةُ (رَسُولًا)، وقِيلَ: في مَوْضِعِ الحالِ مِنهُ.
﴿ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ﴾ بِأنْ يُفْهِمَهم ألْفاظَهُ ويُبَيِّنَ لَهم كَيْفِيَّةَ أدائِهِ، ويُوقِفَهم عَلى حَقائِقِهِ وأسْرارِهِ.
والظّاهِرُ أنَّ مَقْصُودَهُما مِن هَذِهِ الدَّعْوَةِ أنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صاحِبَ كِتابٍ يُخْرِجُهم مِن ظُلْمَةِ الجَهْلِ إلى نُورِ العِلْمِ، وقَدْ أجابَ سُبْحانَهُ هَذِهِ الدَّعْوَةَ بِالقُرْآنِ، وكَوْنُهُ بِخُصُوصِهِ كانَ مَدْعُوًّا بِهِ غَيْرُ بَيِّنٍ ولا مُبَيَّنٍ.
﴿والحِكْمَةَ﴾ أيْ وضْعُ الأشْياءِ مَواضِعَها، أوْ ما يُزِيلُ مِنَ القُلُوبِ وهْجَ حُبِّ الدُّنْيا، أوِ الفِقْهُ في الدِّينِ، أوِ السُّنَّةِ المُبَيِّنَةِ لِلْكِتابِ، أوِ الكِتابُ، وكُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ اعْتِناءً بِشَأْنِهِ، وقَدْ يُقالُ: المُرادُ بِها حَقائِقُ الكِتابِ ودَقائِقُهُ وسائِرُ ما أُودِعَ فِيهِ، ويَكُونُ تَعْلِيمُ الكِتابِ عِبارَةٌ عَنْ تَفْهِيمِ ألْفاظِهِ وبَيانِ كَيْفِيَّةِ أدائِهِ، وتَعْلِيمُ الحِكْمَةِ الإيقافُ عَلى ما أُودِعَ فِيهِ، وفَسَّرَها بَعْضُهم بِما تَكْمُلُ بِهِ النُّفُوسُ مِنَ المَعارِفِ والأحْكامِ، فَتَشْمَلُ الحِكْمَةَ النَّظَرِيَّةَ والعَمَلِيَّةَ قالُوا: وبَيْنَها وبَيْنَ ما في الكِتابِ عُمُومٌ مِن وجْهٍ لِاشْتِمالِ القُرْآنِ عَلى القِصَصِ والمَواعِيدِ، وكَوْنُ بَعْضِ الأُمُورِ الَّذِي يُفِيدُ كَمالَ النَّفْسِ عِلْمًا وعَمَلًا غَيْرُ مَذْكُورٍ في الكِتابِ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذا القَوْلَ بَعْدَ سَماعِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ وقَوْلِهِ تَعالى: سُبْحانَهُ ﴿تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ مِمّا لا يَنْبَغِي الإقْدامُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إلّا أنْ تَكُونَ هَذِهِ النِّسْبَةُ بَيْنَ ما في الكِتابِ الَّذِي في الدَّعْوَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمّا أُجِيبَتْ بِهِ، وبَيْنَ الحِكْمَةِ، فَتَدَبَّرْ، ﴿ويُزَكِّيهِمْ﴾ أيْ يُطَهِّرُهم مِن أرْجاسِ الشِّرْكِ وأنْجاسِ الشَّكِّ، وقاذُوراتِ المَعاصِي، وهو إشارَةٌ إلى التَّخْلِيَةِ، كَما أنَّ التَّعْلِيمَ إشارَةٌ إلى التَّحْلِيَةِ، ولَعَلَّ تَقْدِيمَ الثّانِي عَلى الأوَّلِ لِشَرافَتِهِ، والقَوْلُ بِأنَّ المُرادَ يَأْخُذُ مِنهُمُ الزَّكاةَ الَّتِي هي سَبَبٌ لِطُهْرَتِهِمْ، أوْ يَشْهَدُ لَهم بِالتَّزْكِيَةِ والعَدالَةِ بَعِيدٌ، ﴿إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ أيِ الغالِبُ المُحْكِمُ لِما يُرِيدُ، فَلَكَ أنْ تُخَصِّصَ واحِدًا مِنهم بِالرِّسالَةِ الجامِعَةِ لِهَذِهِ الصِّفاتِ، بِإرادَتِهِ مِن غَيْرِ مُخَصِّصٍ، وحَمْلُ العَزِيزِ هُنا عَلى مَن لا مِثْلَ لَهُ كَما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، أوِ المُنْتَقِمِ كَما قالَهُ الكَلْبِيِّ، والحَكِيمِ عَلى العالِمِ كَما قِيلَ لا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ.
{"ayah":"رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِكَ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُزَكِّیهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











