الباحث القرآني
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَلَمۡ یُوحَ إِلَیۡهِ شَیۡءࣱ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ أَخۡرِجُوۤا۟ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ ٩٣﴾ - نزول الآية
٢٥٥٤٥- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق ابن جُرَيْج- في قوله: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾ قال: نزَلت في مسيلمةَ فيما كان يسجَعُ ويتكهَّنُ به، ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ قال: نزَلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان يكتبُ للنبي ﷺ، فكان فيما يُملى: عزيز حكيم. فيكتبُ: غفور رحيم. فيُغَيِّرُه، ثم يقرأُ عليه كذا وكذا لما حوَّل، فيقول: «نعم سواء». فرجَع عن الإسلام، ولحِق بقُريش[[أخرجه ابن جرير ٩/٤٠٥. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٦/١٣١)
٢٥٥٤٦- عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لَمّا نزلت: ﴿والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا﴾ [المرسلات:١-٢] قال النضر -وهو من بني عبد الدار-: والطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا. قولًا كثيرًا؛ فأنزل الله: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾ الآية[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حُمَيد.]]. (٦/١٣٢)
٢٥٥٤٧- عن عامر الشعبي -من طريق جابر- قال: الذي قال: ﴿سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ عبد الله بن أبي سلول[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٣٤٧. ولفظ «بن أبي سلول» كذا جاء في مطبوعة المصدر، ولعلها «بن أبي سرح».]]. (ز)
٢٥٥٤٨- قال الحسن البصري: ﴿أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ نزلت في مسيلمة الكذاب[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/٨٥-.]]. (ز)
٢٥٥٤٩- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: ﴿أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾، ذُكِر لنا: أنّ هذه الآية نزلت في مسيلمة. ذُكِر لنا: أنّ نبي الله ﷺ قال: «رأيتُ فيما يرى النائم كأنّ في يدي سوارين من ذهب، فكبرا عَلَيَّ، وأهَمّاني، فأُوحِي إلي أن انفخهما، فنفختهما، فطارا، فأوَّلتهما في منامي الكذّابَيْن اللذين أنا بينهما: كذاب اليمامة مسيلمة، وكذاب صنعاء العنسي». وكان يُقال له: الأسود[[أخرجه ابن جرير ٩/٤٠٦ مرسلًا.]]. (ز)
٢٥٥٥٠- عن شرحبيل بن سعد -من طريق ابن إسحاق- قال: نزلت في عبد الله بن أبي سرح: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾ الآية، فلمّا دخل رسول الله ﷺ مكة فرَّ إلى عثمان أخيه من الرضاعة، فغيَّبه عنده حتى اطمأنّ أهل مكة، ثم استأمَن له[[أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/٤٥-٤٦.]]. (٦/١٣٠)
٢٥٥٥١- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾، قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي، أسلَم، وكان يكتبُ للنبي ﷺ، فكان إذا أملى عليه: سميعًا عليمًا. كتَب: عليمًا حكيمًا. وإذا قال: عليمًا حكيمًا. كتب: سميعًا عليمًا. فشكَّ وكفَر، وقال: إن كان محمدٌ يُوحى إليه فقد أُوحِي إلَيَّ[[أخرجه ابن جرير ٩/٤٠٥-٤٠٦، وابن أبي حاتم ٤/١٣٤٦-١٣٤٧.]]. (٦/١٣١)
٢٥٥٥٢- عن أبي خلف الأعمى -من طريق معان بن رفاعة- قال: كان ابن أبي سرح يكتبُ للنبي ﷺ الوحي، فأتى أهل مكة، فقالوا: يا ابن أبي سرح، كيف كتبتَ لابن أبي كَبْشَة القرآن؟ قال: كنتُ أكتُبُ كيف شئتُ. فأنزل الله: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٣٤٦.]]. (٦/١٣٠)
٢٥٥٥٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ومن أظلم﴾ هذه الآية مدنية، فلا أحد ﴿أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾، نزلت في مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي، حيثُ زعم أنّ الله أوحى إليه النبوة، وكان مسيلمة أرسل إلى النبي ﷺ رسولين، فقال النبي ﷺ لهما: «أتشهدان أنّ مُسَيْلِمة نبي؟». قال: نعم. فقال النبي ﷺ: «لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما». ثم قال: ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ فلا أحد أيضًا أظلم منه، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي من بني عامر بن لؤي، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، كان يتكلم بالإسلام، وكتب للنبي ﷺ يومًا سورة النساء، فإذا أملى عليه النبي ﷺ: غفورًا رحيمًا. كتب: عليمًا حكيمًا. وإذا أملى عليه: سميعًا بصيرًا. كتب: سميعًا عليمًا. فقال لقوم من المنافقين: كتبت غير الذي أملى عَلَيَّ، وهو ينظر إليه، فلم يُغَيِّره. فشكَّ عبد الله بن سعد في إيمانه، فلحق بمكة كافرًا، فقال لهم: لَئِن كان محمدٌ صادقًا فيما يقول لقد أُنزِل علَيَّ كما أُنزِل عليه، ولئن كان كاذبًا لقد قلت كما قال. وإنما شكَّ لسكوت النبي ﷺ وهو ينظر إليه فلم يُغَيِّر ذلك، وذلك أنّ النبي ﷺ كان أُمِّيًّا لا يكتب[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٧٥-٥٧٦.]]. (ز)
٢٥٥٥٤- عن عبد الملك ابن جُرَيج، في قوله: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾ قال: نزَلت في مُسيلِمةَ الكذّاب ونحوه مِمَّن دعا إلى مثلِ ما دعا إليه، ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ قال: نزَلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حُمَيد، وابن المنذر.]]٢٣٤٥. (٦/١٣١)
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا﴾ - تفسير
٢٥٥٥٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ومن أظلم﴾ ... لا أحد أظلم ﴿ممن افترى على الله كذبا﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٧٥.]]. (ز)
﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ﴾ - تفسير
٢٥٥٥٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- قوله: ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾، قال: زعم أنّه لو شاء قال مثله، يعني: الشِّعْر[[أخرجه ابن جرير ٩/٤٠٨، وابن أبي حاتم ٤/١٣٤٧.]]٢٣٤٦. (ز)
٢٥٥٥٧- قال عبد الله بن عباس: قوله: ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾، يريد: المستهزئين، وهو جواب لقولهم: ﴿لو نشاء لقلنا مثل هذا﴾ [الأنفال:٣١][[تفسير البغوي ٣/١٦٩.]]. (ز)
٢٥٥٥٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾، فلا أحد أيضًا أظلم منه[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٧٦.]]. (ز)
﴿وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰتِ ٱلۡمَوۡتِ﴾ - تفسير
٢٥٥٥٩- عن عبد الله بن عباس، قال: بينا رسول الله ﷺ ذاتَ يوم قاعدًا، وتلا هذه الآية: ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون﴾. ثم قال: «والَّذي نفسُ محمد بيده، ما من نفس تُفارِقُ الدنيا حتى تَرى مقعدَها من الجنة والنار». ثم قال: «إذا كان عندَ ذلك صَفَّ سِماطان[[سِماط القوم: صفهم. التاج (س م ط).]] من الملائكة نُظِموا ما بين الخافِقَين، كأنّ وجوههم الشمس، فينظُرُ إليهم ما يَرى غيرَهم، وإن كنتم ترَون أنّه ينظُرُ إليكم، مع كلِّ مَلَك منهم أكفان وحَنُوط، فإذا كان مؤمنًا بشَّرُوه بالجنة، وقالوا: اخْرُجي أيتها النفس الطيبة إلى رضوان الله وجنَّتِه، فقد أعدَّ الله لكِ من الكرامة ما هو خير لك من الدنيا وما فيها. فما يزالون يُبَشِّرُونه، ويحُفُّون به، فلَهم ألطفُ وأرأفُ من الوالدة بولدها، ويَسُلُّون رُوحَه من تحت كلِّ ظُفُر ومَفْصِل، ويموتُ الأولَ فالأول، ويبرُدُ كلُّ عضو الأول فالأول، ويُهَوَّنُ عليه، وإن كنتم ترَونه شديدًا، حتى تبلُغَ ذَقَنَه، فلَهو أشدُّ كراهةً للخروج حينئذ من الولد حينَ يخرُجُ من الرَّحِم، فيبتدِرُها كلُّ مَلَك منهم أيُّهم يقبِضُها، فيتولّى قبضَها ملك الموت». ثم تلا رسول الله ﷺ: ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون﴾ [السجدة:١١]. قال: «فيتلقّاها بأكفان بيض، ثم يحتضِنُها إليه، فهو أشدُّ لها لزومًا من المرأة لولدِها، ثم يفوحُ لها فيهم ريحٌ أطيبُ من المسك، يتباشَرون بها، ويقولون: مرحبًا بالريح الطيبة، والروح الطيب، اللهم صلِّ عليه روحًا، وصلِّ عليه جسدًا خرَجَتْ منه. فيصعدون بها، ولله خلقٌ في الهواء لا يعلمُ عِدَّتَهم إلا هو، فيفوحُ لها فيهم ريحٌ أطيبُ من المسك، فيُصَلُّون عليها، ويتباشَرُون بها، وتُفتحُ لها أبواب السماء، ويُصَلِّي عليها كل مَلَك في كل سماء تمُرُّ به، حتى تُوقَفَ بينَ يدَي الملك الجبار، فيقول الجبار ﷿: مرحبًا بالنفس الطيبة، وبجسدٍ خرَجتْ منه. وإذا قال الربُّ ﷿ للشيء: مرحبًا. رحُب له كلُّ شيء، وذهَب عنه كلُّ ضَيْق، ثم يقول: اذهبوا بهذه النفس الطيبة، فأدخِلوها الجنة، وأرُوها مقعدَها، واعرِضوا عليها ما أُعِدَّ لها من النعيم والكرامة، ثم اهبِطوا بها إلى الأرض، فإني قضيتُ أنِّي منها خلَقتُهم، وفيها أعيدُهم، ومنها أُخرجُهم تارةً أُخرى. فو الذي نفسُ محمد بيده، لَهِي أشدُّ كراهة للخروج منها حين كانت تخرُجُ من الجسد، وتقول: أين تَذهَبون بي؟ إلى ذلك الجسد الذي كنتُ فيه؟! فيقولون: إنّا مأمورون بهذا، فلا بدَّ لكِ منه. فيهبِطون به على قدر فراغِهم من غُسلِه وأكفانه، فيُدخِلون ذلك الروحَ بين الجسد وأكفانه، فما خلَق الله كلمةً تكلَّمها حميم ولا غير حميم إلا وهو يسمَعُها، إلا أنه لا يُؤذنُ له في المراجعة، فلو سمِع أشد الناس له حبًّا ومن أعزِّهم كان عليه يقول: على رِسْلِكم، ما يُعجِلُكم. وأُذن له في الكلام للَعَنه، وإنه لَيسمعُ خفقَ نِعالِهم ونفضَ أيديهم إذا ولَّوا عنه، ثم يأتيه عند ذلك مَلَكان فظّان غليظان، يُسميّان: منكرًا، ونكيرًا، ومعهما عصًا من حديد، لو اجتمَع عليها الجنُّ والإنس ما أقلُّوها، وهي عليهما يسير، فيقولان له: اقعُدْ بإذن الله. فإذا هو مستوٍ قاعدًا، فينظرُ عند ذلك إلى خلق ٍكريه فظيع يُنسيه ما كان رأى عندَ موته، فيقولان له: مَن ربُّك؟ فيقول: الله. فيقولان: فما دينُك؟ فيقول: الإسلام. ثم ينتهِرانِه عند ذلك انتهارةً شديدة، فيقولان: فمن نبيك؟ فيقول: محمد ﷺ. ويعرَقُ عند ذلك عرقًا يبتلُّ ما تحتَه من التراب، ويصير ذلك العرق أطيب من ريح المسك، وينادى عند ذلك من السماء نداءً خفيًّا: صدَق عبدي، فلينفعْه صدقُه. ثم يُفْسَحُ له في قبره مَدَّ بصره، ويُنبَذُ له فيه الريحان، ويُسترُ بالحرير، فإن كان معه من القرآن شيء كفاه نورُه، وإن لم يكن معه جُعِل له نورٌ مثلُ الشمس في قبره، ويُفتحُ له أبواب وكِوًى إلى الجنة، فينظرُ إلى مقعدِه منها مما كان عايَن حينَ صُعِد به، ثم يقال له: نمْ قريرَ العين. فما نومُه ذلك إلى يوم يقومُ إلا كنومةٍ ينامُها أحدُكم شهيةً لم يُرْوَ منها، يقوم وهو يمسحُ عينيه، فكذلك نومُه فيه إلى يوم القيامة، وإن كان غير ذلك إذا نزَل به ملك الموت صَفَّ له سِماطان من الملائكة نُظِموا ما بينَ الخافقين، فيُخطَفُ بصرُه إليهم ما يَرى غيرهم، وإن كنتم ترَون أنه ينظرُ إليكم، ويُشدَّدُ عليه، وإن كنتم ترَون أنه يهوَّنُ عليه، فيلعنونه، ويقولون: اخرُجي، أيَّتُها النفس الخبيثة، فقد أعدَّ الله لكِ من النكال والنِّقمة والعذاب كذا وكذا، وساء ما قدَّمتِ لنفسِك. ولا يزالون يسُلُّونها في تعَب وغِلَظ، وغضب وشدة، من كلِّ ظُفُرٍ وعُضْو، ويموتُ الأول فالأول، وتنشَطُ نفسُه كما يصنع السَّفُّودُ[[السَّفُود والسُّفُّود: حديدة ذات شعب معقَّفة، يُشوى به اللحم. لسان العرب (سفد).]] ذو الشُّعَبِ بالصوف، حتى تقعَ الروحُ في ذَقَنِه، فلَهِي أشدُّ كراهيةً للخروج من الولد حينَ يخرج من الرحم، مع ما يبشِّرونه بأنواع النَّكال والعذاب، حتى تبلُغَ ذَقَنَه، فليس منهم ملكٌ إلا وهو يتحاماه كراهيةً له، فيتولّى قبضَها ملك الموت الذي وُكِّل بها، فيتلقّاها -أحسبُه قال-: بقطعةٍ من بِجاد[[البجاد: الكساء. لسان العرب (بجد).]] أنتنَ ما خلَق الله وأخشنَه، فتُلقى فيها، ويفوحُ لها ريحٌ أنتنُ ما خلَق الله، ويسُدُّ ملك الموت مَنخِريه، ويسُدُّون آنافَهم، ويقولون: اللَّهُمَّ، العَنْها من روح، والعَنْه جسدًا خرَجت منه. فإذا صُعِد بها غلِّقت أبوابُ السماء دونَها، فيرسلُها مَلَك الموت في الهواء، حتى إذا دنَت من الأرض انحدَر مسرعًا في أثرِها، فيقبضُها بحديدة معه، يفعلُ بها ذلك ثلاث مرات». ثم تلا رسول الله ﷺ: ﴿ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق﴾ [الحج:٣١]. والسحيق: البعيد. «ثم يُنتَهى بها، فتُوقَفُ بين يدي الملك الجبار، فيقول: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة، ولا بجسدٍ خرَجت منه. ثم يقول: انطلقوا بها إلى جهنم، فأرُوها مقعدَها منها، واعرِضوا عليها ما أعددتُ لها من العذاب والنِّقمة والنَّكال. ثم يقول الرب: اهبِطوا بها إلى الأرض، فإنِّي قضيتُ أنِّي منها خلقتُهم، وفيها أُعيدُهم، ومنها أُخرجُهم تارة أخرى. فيهبِطون بها على قدر فراغِهم منها، فيُدخِلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه، فما خلَق الله حميمًا ولا غيرَ حميم من كلمة يَتكلَّمُ بها إلا وهو يسمَعُها، إلا أنّه لا يؤذنُ له في المراجعة، فلو سمِع أحبَّ الناس إليه وأعزَّهم عليه يقول: اخرجوا به، وعجِّلوا. وأُذن له في المراجعة للعَنه، وودَّ أنه تُرِك كما هو لا يُبلَغُ به حفرتَه إلى يوم القيامة، فإذا دخَل قبرَه جاءه ملكان أسودان أزرقان فظّان غليظان، ومعهما مِرْزَبَةٌ[[المِرْزَبَةُ -بالتخفيف-: المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد. النهاية (رَزَبَ).]] من حديد، وسلاسل، وأغلال، ومقامعُ[[المِقْمَعة -بالكسر-: واحدة المَقامِع، وهي سياط تُعمل من حديد، رءوسها مُعْوَجَّة. النهاية (قمع).]] الحديد، فيقولان له: اقعُدْ بإذن الله. فإذا هو مستوٍ قاعدًا، قد سقَطت عنه أكفانُه، ويَرى عند ذلك خَلْقًا فظيعًا يَنسى به ما رأى قبل ذلك، فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: أنت. فيفزعان عندَ ذلك فزْعة، ويقبِضان، ويضربانِه ضربة بمطرقة الحديد، فلا يبقى منه عضو إلا وقَع على حِدَةٍ[[أي: مُنفردًا وحده. النهاية (حِدَةٌ).]]، فيصيحُ عند ذلك صيحة، فما خلَق الله من شيء مَلك أو غيره إلا يسمَعُها، إلا الجنَّ والإنس، فيلعَنونه عند ذلك لعنة واحدة، وهو قوله: ﴿أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ [البقرة:١٥٩]. والذي نفسُ محمد بيده، لو اجتمَع على مِطرقتِهما الجنُّ والإنسُ ما أقلُّوها، وهي عليهما يسير، ثم يقولان: عُدْ بإذن الله. فإذا هو مستوٍ قاعدًا، فيقولان: مَن ربُّك؟ فيقول: لا أدري. فيقولان: مَن نبيك؟ فيقول: سمعتُ الناس يقولون: محمد. فيقولان: فما تقولُ أنت؟ فيقول: لا أدري. فيقولان: لا دَرَيتَ. ويعرَقُ عندَ ذلك عرقًا يبتلُّ ما تحتَه من التراب، فلَهو أنتنُ مِن الجيفة فيكم، ويضيقُ عليه قبرُه حتى تختلفَ أضلاعُه، فيقولان له: نَمْ نومةَ المُسْهَرِ. فلا يزالُ حيّات وعقارب أمثالُ أنياب البُخْت من النار ينهَشْنَه، ثم يُفتحُ له بابُه، فيَرى مقعدَه من النار، وتهُبُّ عليه أرواحُها وسَمومُها، وتلفَحُ وجهَه النار غُدُوًّا وعَشيًّا إلى يوم القيامة»[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه. قال ابن كثير في تفسيره ٣/٣٠٢: «وقد ذكر ابن مردويه هاهنا حديثًا مطولًا جدًّا من طريق غريبة، عن الضحاك». وقال السيوطي: «سند ضعيف».]]. (٦/١٣٣)
٢٥٥٦٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق مقسم- قال: آيتان يُبَشَّرُ بهما الكافرُ عندَ موته: ﴿ولو ترى إذ الظالمون﴾ إلى قوله: ﴿تستكبرون﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٣٤٩.]]. (٦/١٣٢)
٢٥٥٦١- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جُرَيْج- في قوله: ﴿غمرات الموت﴾، قال: سَكَرات الموت[[أخرجه ابن جرير ٩/٤٠٩. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٦/١٣٨)
٢٥٥٦٢- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق عبيد بن سليمان- قال في قوله: ﴿في غمرات الموت﴾: يعني: سَكَرات الموت[[أخرجه ابن جرير ٩/٤٠٩، وابن أبي حاتم ٤/١٣٤٧.]]. (ز)
٢٥٥٦٣- قال مقاتل بن سليمان: ثم قال: ﴿ولو ترى إذ الظالمون﴾ يعني: مشركي مكة ﴿في غمرات الموت﴾ يعني: في سكرات الموت إذ قُتِلوا ببدر[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٧٦-٥٧٧.]]. (ز)
﴿وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ أَخۡرِجُوۤا۟ أَنفُسَكُمُۖ﴾ - تفسير
٢٥٥٦٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- ﴿والملائكة باسطوا أيديهم﴾، قال: هذا عند الموت، والبسطُ: الضرب، يضرِبون وجوهَهم وأدبارَهم[[أخرجه ابن جرير ٩/٤١٠، وابن أبي حاتم ٤/١٣٤٨. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٦/١٣٨)
٢٥٥٦٥- عن عبد الله بن عباس: ﴿والملائكة باسطوا أيديهم﴾، قال: مَلَك الموت ﵇[[عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٦/١٣٨)
٢٥٥٦٦- عن أبي أمامة -من طريق بعض الكوفيين، عمَّن حدَّثه- قال: هذا عند الموت، يقبضون روح الكافر، ويَعِدونه بالنار، ويُشَدَّد عليه، وإن رأيتم أنه يُهوَّن عليه، ويقبضون روح المؤمن، ويعدونه بالجنة، ويهوَّن عليه، وإن رأيتم أنه يُشَدَّد عليه[[أخرجه يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/٨٥-.]]. (ز)
٢٥٥٦٧- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق جويبر- في قوله: ﴿والملائكة باسطوا أيديهم﴾، قال: بالعذاب[[أخرجه ابن جرير ٩/٤١٠، وابن أبي حاتم ٤/١٣٤٨. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر.]]. (٦/١٣٨)
٢٥٥٦٨- عن أبي صالح باذام -من طريق إسماعيل بن أبي خالد-: ﴿والملائكة باسطو أيديهم﴾ بالعذاب[[أخرجه ابن جرير ٩/٤١٠.]]. (ز)
٢٥٥٦٩- عن وهب بن منبه -من طريق عبد الصمد- قال: إنّ الملائكة الذين يُقرَنون بالناس هم الذين يتوفَّونَهم، ويكتُبون لهم آجالَهم، فإذا كان يومُ كذا وكذا توفَّته. ثم نزَع: ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم﴾. فقيل لوهب: أليس قد قال الله: ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم﴾ [السجدة:١١]؟ قال: نعم، إنّ الملائكة إذا تَوفَّوا نفسًا دفَعوها إلى ملك الموت، وهو كالعاقب. يعني: العَشّارَ[[العَشّارُ: الذي يأخذ عُشْرَ المال. لسان العرب (عشر).]] الذي يؤدِّي إليه مَن تحتَه[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٣٤٨. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٦/١٣٨)
٢٥٥٧٠- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط-: ﴿والملائكة باسطو أيديهم﴾ يضربونهم[[أخرجه ابن جرير ٩/٤١٠.]]. (ز)
٢٥٥٧١- عن محمد بن قيس -من طريق أبي معشر- قال: إنّ لِمَلك الموت أعوانًا من الملائكة. ثم تلا هذه الآية: ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٣٤٨.]]. (٦/١٣٨)
٢٥٥٧٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿والملائكة باسطوا أيديهم﴾ عند الموت، تضرب الوجوه والأدبار، يعني: ملك الموت وحده، وهو يقول لهم: ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ يعني: أرواحكم، منهم أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وأبو قيس بن الفاكِه، والوليد بن المغيرة، وقريبًا من سبعين قتيلًا[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٧٧-٥٧٩.]]٢٣٤٧. (ز)
﴿ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ ٩٣﴾ - تفسير
٢٥٥٧٣- عن عبد الله بن عباس: أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: ﴿عذاب الهون﴾. قال: الهوان، الدائم، الشديد. قال: وهل تعرفُ العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعتَ الشاعر وهو يقول: إنّا وجَدنا بلادَ الله واسعةً تُنجِي من الذلِّ والمخْزاةِ والهُون[[أخرجه الطستي -كما في الإتقان ٢/٩٢-. وعزاه السيوطي إلى ابن الأنباري في الوقف والابتداء.]]. (٦/١٣٩)
٢٥٥٧٤- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿عذاب الهون﴾، قال: الهوان[[أخرجه ابن جرير ٢١/١٤٩-١٠٥. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (٦/١٣٩)
٢٥٥٧٥- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿عذاب الهون﴾، قال: الذي يُهينُهم[[أخرجه ابن جرير ٩/٤١٢، وابن أبي حاتم ٤/١٣٤٨.]]. (٦/١٣٩)
٢٥٥٧٦- قال مقاتل بن سليمان: لَمّا بُعِثوا في الآخرة، وصاروا في النار؛ قالت لهم خزنة جهنم: ﴿اليوم تجزون عذاب الهون﴾ يعني: الهوان، بغير رأفة ولا رحمة، نظيرها في الأنفال[[لعله يشير إلى قوله تعالى: ﴿ولَوْ تَرى إذْ يَتَوَفّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأَدْبارَهُمْ وذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ (٥٠)﴾.]]، ﴿بما كنتم تقولون على الله﴾ في الدنيا ﴿غير الحق﴾ بأنّ معه شريكًا، ﴿وكنتم عن آياته تستكبرون﴾ يعني: وكنتم تتكبرون عن الإيمان بالقرآن[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٧٩.]]. (ز)
٢٥٥٧٧- عن عبد الملك ابن جُرَيْج -من طريق حجّاج- ﴿اليوم تجزون عذاب الهون﴾، قال: عذاب الهون في الآخرة بما كنتم تعملون[[أخرجه ابن جرير ٩/٤١٢.]]. (ز)
﴿ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ ٩٣﴾ - آثار متعلقة بالآية
٢٥٥٧٨- عن عبد الله -من طريق عمرو بن مُرَّة- قال: ما من القرآن شيءٌ إلا قد عمِل به مَن كان قبلكم، وسيعمَلُ به مَن بعدَكم، حتى كنتُ لأمُرُّ بهذه الآية: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾ ولم يعملْ هذا أهل هذه القبلة، حتى كان المختارُ بن أبي عبيد[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٣٤٦. كذا فيه عن عبد الله، وعينه السيوطي في الدر بابن مسعود، كما جرت العادة عند إطلاق عبد الله في الصحابة، ويظهر أن الأمر هنا ليس كذلك، إذ إنّ ابن مسعود تُوُفِّي قبل ظهور المختار بأكثر من ثلاثين سنة، وعليه فقد يكون المراد هنا ابن عباس، ويعضده أنّ الراوي عنه هو عمرو بن مرة المرادى، وهو من صغار التابعين (ت١١٨ﻫ) حَدَّثَ عن عبد اللهِ بن أبي أوْفى، وأَرسَل عن ابن عباس. ينظر: السير ٥/١٩٧.]]. (٦/١٣٢)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.