الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ ومَن قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ اللَّهُ ولَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهِمْ أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ وكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ كَوْنَ القُرْآنِ كِتابًا نازِلًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، وبَيَّنَ ما فِيهِ مِن صِفاتِ الجَلالَةِ والشَّرَفِ والرِّفْعَةِ، ذَكَرَ عَقِيبَهُ ما يَدُلُّ عَلى وعِيدِ مَنِ ادَّعى النُّبُوَّةَ والرِّسالَةَ عَلى سَبِيلِ الكَذِبِ والِافْتِراءِ فَقالَ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى عَظَّمَ وعِيدَ مَن ذَكَرَ أحَدَ الأشْياءِ الثَّلاثَةِ: فَأوَّلُها: أنْ يَفْتَرِيَ عَلى اللَّهِ كَذِبًا. قالَ المُفَسِّرُونَ: نَزَلَ هَذا في مُسَيْلِمَةَ الكَذّابِ صاحِبِ اليَمامَةِ، وفي الأسْوَدِ العَنْسِيِّ صاحِبِ صَنْعاءَ، فَإنَّهُما كانا يَدَّعِيانِ النُّبُوَّةَ والرِّسالَةَ مِن عِنْدِ اللَّهِ عَلى سَبِيلِ الكَذِبِ والِافْتِراءِ، وكانَ مُسَيْلِمَةُ يَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ قُرَيْشٍ، وأنا رَسُولُ بَنِي حَنِيفَةَ. قالَ القاضِي: الَّذِي يَفْتَرِي عَلى اللَّهِ الكَذِبَ (p-٦٩)يَدْخُلُ فِيهِ مَن يَدَّعِي الرِّسالَةَ كَذِبًا، ولَكِنْ لا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. فَكُلُّ مَن نَسَبَ إلى اللَّهِ تَعالى ما هو بَرِيءٌ مِنهُ، إمّا في الذّاتِ، وإمّا في الصِّفاتِ، وإمّا في الأفْعالِ كانَ داخِلًا تَحْتَ هَذا الوَعِيدِ. قالَ: والِافْتِراءُ عَلى اللَّهِ في صِفاتِهِ، كالمُجَسِّمَةِ، وفي عَدْلِهِ كالمُجْبِرَةِ؛ لِأنَّ هَؤُلاءِ قَدْ ظَلَمُوا أعْظَمَ أنْواعِ الظُّلْمِ بِأنِ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ، وأقُولُ: أمّا قَوْلُهُ: المُجَسِّمَةُ قَدِ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ، فَهو حَقٌّ. وأمّا قَوْلُهُ: إنَّ هَذا افْتِراءٌ عَلى اللَّهِ في صِفاتِهِ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأنَّ كَوْنَ الذّاتِ جِسْمًا ومُتَحَيَّزًا لَيْسَ بِصِفَةٍ، بَلْ هو نَفْسُ الذّاتِ المَخْصُوصَةِ، فَمَن زَعَمَ أنَّ إلَهَ العالَمِ لَيْسَ بِجِسْمٍ، كانَ مَعْناهُ أنَّهُ يَقُولُ: جَمِيعُ الأجْسامِ والمُتَحَيَّزاتِ مُحْدَثَةٌ، ولَها بِأسْرِها خالِقٌ هو مَوْجُودٌ لَيْسَ بِمُتَحَيَّزٍ، والمُجَسِّمُ يَنْفِي هَذِهِ الذّاتَ، فَكانَ الخِلافُ بَيْنَ المُوَحِّدِ والمُجَسِّمِ لَيْسَ في الصِّفَةِ بَلْ في نَفْسِ الذّاتِ؛ لِأنَّ المُوَحِّدَ يُثْبِتُ هَذِهِ الذّاتَ والمُجَسِّمَ يَنْفِيها، فَثَبَتَ أنَّ هَذا الخِلافَ لَمْ يَقَعْ في الصِّفَةِ، بَلْ في الذّاتِ. وأمّا قَوْلُهُ: المُجْبِرَةُ قَدِ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ تَعالى في صِفاتِهِ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأنَّهُ يُقالُ لَهُ المُجْبِرَةُ ما زادُوا عَلى قَوْلِهِمْ: المُمْكِنُ لا بُدَّ لَهُ مِن مُرَجِّحٍ، فَإنَّ كَذَبُوا في هَذِهِ القَضِيَّةِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهم أنْ يَعْرِفُوا وُجُودَ الإلَهِ ؟ وإنْ صَدَقُوا في ذَلِكَ لَزِمَهُمُ الإقْرارُ بِتَوْقِيفِ صُدُورِ الفِعْلِ عَلى حُصُولِ الدّاعِي بِتَخْلِيقِ اللَّهِ تَعالى، وذَلِكَ عَيْنُ ما نُسَمِّيهِ بِالجَبْرِ، فَثَبَتَ أنَّ الَّذِي وصَفَهُ بِكَوْنِهِ افْتِراءً عَلى اللَّهِ باطِلٌ، بَلِ المُفْتَرِي عَلى اللَّهِ مَن يَقُولُ: المُمْكِنُ لا يَتَوَقَّفُ رُجْحانُ أحَدِ طَرَفَيْهِ عَلى الآخَرِ عَلى حُصُولِ المُرَجَّحِ. فَإنَّ مَن قالَ هَذا الكَلامَ لَزِمَهُ نَفْيُ الصّانِعِ بِالكُلِّيَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ نَفْيُ الآثارِ والمُؤَثِّراتِ بِالكُلِّيَّةِ. والنَّوْعُ الثّانِي: مِنَ الأشْياءِ الَّتِي وصَفَها اللَّهُ تَعالى بِكَوْنِها افْتِراءً، قَوْلُهُ: ﴿أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ﴾ والفَرْقُ بَيْنَ هَذا القَوْلِ وبَيْنَ ما قَبْلَهُ، أنَّ في الأوَّلِ كانَ يَدَّعِي أنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ، وما كانَ يَكْذِبُ بِنُزُولِ الوَحْيِ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ، وأمّا في هَذا القَوْلِ، فَقَدْ أثْبَتَ الوَحْيَ لِنَفْسِهِ ونَفاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكانَ هَذا جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنَ الكَذِبِ، وهو إثْباتُ ما لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، ونَفْيُ ما هو مَوْجُودٌ. والنَّوْعُ الثّالِثُ: قَوْلُهُ: ﴿سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: المُرادُ ما قالَهُ النَّضِرُ بْنُ الحارِثِ وهو قَوْلُهُ: ”لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا“ وقَوْلُهُ في القُرْآنِ: إنَّهُ مِن أساطِيرِ الأوَّلِينَ، وكُلُّ أحَدٍ يُمْكِنُهُ الإتْيانُ بِمِثْلِهِ، وحاصِلُهُ: أنَّ هَذا القائِلَ يَدَّعِي مُعارَضَةَ القُرْآنِ. ورُوِيَ أيْضًا أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أبِي سَرْحٍ كانَ يَكْتُبُ الوَحْيَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَلَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] أمْلاهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمّا انْتَهى إلى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ مِنهُ فَقالَ: فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ، فَقالَ الرَّسُولُ: هَكَذا أُنْزِلَتِ الآيَةُ، فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ، وقالَ: إنْ كانَ مُحَمَّدٌ صادِقًا، فَقَدْ أُوحِيَ إلَيَّ، وإنْ كانَ كاذِبًا فَقَدْ عارَضْتُهُ، فَهَذا هو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ﴾ . * * * أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ﴾ فاعْلَمْ أنَّ أوَّلَ الآيَةِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ يُفِيدُ التَّخْوِيفَ العَظِيمَ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ، وقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ولَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ﴾ كالتَّفْصِيلِ لِذَلِكَ المُجْمَلِ، والمُرادُ بِالظّالِمِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهم، وغَمَراتُ المَوْتِ جَمْعُ غَمْرَةٍ، وهي شَدَّةُ المَوْتِ، وغَمْرَةُ كُلِّ شَيْءٍ كَثْرَتُهُ ومُعْظَمُهُ، ومِنهُ غَمْرَةُ الماءِ، وغَمْرَةُ الحَرْبِ، ويُقالُ غَمَرَهُ الشَّيْءُ إذا عَلاهُ وغَطّاهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ لِكُلِّ مَن كانَ في شَيْءٍ كَثِيرٍ قَدْ غَمَرَهُ ذَلِكَ، وغَمَرَهُ الدَّيْنُ إذا كَثُرَ (p-٧٠)عَلَيْهِ، هَذا هو الأصْلُ، ثُمَّ يُقالُ لِلشَّدائِدِ والمَكارِهِ: الغَمَراتُ، وجَوابُ ”لَوْ“ مَحْذُوفٌ، أيْ لَرَأيْتَ أمْرًا عَظِيمًا، ﴿والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهِمْ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَلائِكَةُ العَذابِ باسِطُو أيْدِيهِمْ يَضْرِبُونَهم ويُعَذِّبُونَهم، كَما يُقالُ بَسَطَ إلَيْهِ يَدَهُ بِالمَكْرُوهِ، ﴿أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ﴾ . هاهُنا مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ أخْرِجُوا أنْفُسَكم، وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: في الآيَةِ سُؤالٌ: وهو أنَّهُ لا قُدْرَةَ لَهم عَلى إخْراجِ أرْواحِهِمْ مِن أجْسادِهِمْ، فَما الفائِدَةُ في هَذا الكَلامِ ؟ . فَنَقُولُ: في تَفْسِيرِ هَذِهِ الكَلِمَةِ وُجُوهٌ: الوَجْهُ الأوَّلُ: ولَوْ تَرى الظّالِمِينَ إذا صارُوا إلى غَمَراتِ المَوْتِ في الآخِرَةِ فَأُدْخِلُوا جَهَنَّمَ، فَغَمَراتُ المَوْتِ عِبارَةٌ عَمّا يُصِيبُهم هُناكَ مِن أنْواعِ الشَّدائِدِ والتَّعْذِيباتِ، والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهِمْ عَلَيْهِمْ بِالعَذابِ يُبَكِّتُونَهم، ويَقُولُونَ لَهم: أخْرِجُوا أنْفُسَكم مِن هَذا العَذابِ الشَّدِيدِ إنْ قَدَرْتُمْ. الوَجْهُ الثّانِي: أنْ يَكُونَ المَعْنى: ولَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ عِنْدَ نُزُولِ المَوْتِ بِهِمْ في الدُّنْيا والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهم لِقَبْضِ أرْواحِهِمْ، يَقُولُونَ لَهم: أخْرِجُوا أنْفُسَكم مِن هَذِهِ الشَّدائِدِ، وخَلِّصُوها مِن هَذِهِ الآفاتِ والآلامِ. والوَجْهُ الثّالِثُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ﴾ أيْ أخْرِجُوها إلَيْنا مِن أجْسادِكم، وهَذِهِ عِبارَةٌ عَنِ العُنْفِ والتَّشْدِيدِ في إزْهاقِ الرُّوحِ مِن غَيْرِ تَنْفِيسٍ وإمْهالٍ، وأنَّهم يَفْعَلُونَ بِهِمْ فِعْلَ الغَرِيمِ المُلازِمِ المُلِحِّ يَبْسُطُ يَدَهُ إلى مَن عَلَيْهِ الحَقُّ ويُعَنِّفُ عَلَيْهِ في المُطالَبَةِ ولا يُمْهِلُهُ، ويَقُولُ لَهُ: أخْرِجْ إلَيَّ ما لِي عَلَيْكَ السّاعَةَ ولا أبْرَحُ مِن مَكانِي حَتّى أنْزَعَهُ مِن أحْداقِكَ. والوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ كِنايَةٌ عَنْ شِدَّةِ حالِهِمْ، وأنَّهم بَلَغُوا في البَلاءِ والشِّدَّةِ إلى حَيْثُ تَوَلّى بِنَفْسِهِ إزْهاقَ رُوحِهِ. والوَجْهُ الخامِسُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ﴾ لَيْسَ بِأمْرٍ، بَلْ هو وعِيدٌ وتَقْرِيعٌ، كَقَوْلِ القائِلِ: امْضِ الآنَ لِتَرى ما يَحِلُّ بِكَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّ نَفْسَ المُؤْمِنِ تَنْشَطُ في الخُرُوجِ لِلِقاءِ رَبِّهِ، ونَفْسَ الكافِرِ تَكْرَهُ ذَلِكَ فَيَشُقُّ عَلَيْها الخُرُوجُ؛ لِأنَّها تَصِيرُ إلى أشَدِّ العَذابِ، كَما قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن أرادَ لِقاءَ اللَّهِ أرادَ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ» وذَلِكَ عِنْدَ نَزْعِ الرُّوحِ، فَهَؤُلاءِ الكُفّارِ تُكْرِهُهُمُ المَلائِكَةُ عَلى نَزْعِ الرُّوحِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الَّذِينَ قالُوا: إنَّ النَّفْسَ الإنْسانِيَّةَ شَيْءٌ غَيْرُ هَذا الهَيْكَلِ، وغَيْرُ هَذا الجَسَدِ، احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالُوا: لا شَكَّ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ﴾ مَعْناهُ: أخْرِجُوا أنْفُسَكم عَنْ أجْسادِكم، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ النَّفْسَ مُغايِرَةٌ لِلْأجْسادِ، إلّا أنّا لَوْ حَمَلْنا الآيَةَ عَلى الوَجْهَيْنِ الأوَّلَيْنِ مِنَ التَّأْوِيلاتِ الخَمْسَةِ المَذْكُورَةِ، لَمْ يَتِمَّ هَذا الِاسْتِدْلالُ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: عَذابُ الهُونِ أيِ العَذابُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الهَوانُ الشَّدِيدُ. قالَ تَعالى: ﴿أيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أمْ يَدُسُّهُ في التُّرابِ﴾ [النحل: ٥٩] والمُرادُ مِنهُ أنَّهُ تَعالى جَمَعَ هُناكَ بَيْنَ الإيلامِ وبَيْنَ الإهانَةِ، فَإنَّ الثَّوابَ شَرْطُهُ أنْ يَكُونَ مَنفَعَةً مَقْرُونَةً بِالتَّعْظِيمِ، فَكَذَلِكَ العِقابُ شَرْطُهُ أنْ (p-٧١)يَكُونَ مَضَرَّةً مَقْرُونَةً بِالإهانَةِ. قالَ بَعْضُهم: الهُونُ هو الهَوانُ، والهَوْنُ هو الرِّفْقُ والدَّعَةُ. قالَ تَعالى: ﴿وعِبادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] وقَوْلُهُ: ﴿بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ وكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ وذَلِكَ يَدُلُّ أنَّ هَذا العَذابَ الشَّدِيدَ إنَّما حَصَلَ بِسَبَبِ مَجْمُوعِ الأمْرَيْنِ؛ الِافْتِراءِ عَلى اللَّهِ، والتَّكَبُّرِ عَلى آياتِ اللَّهِ. وأقُولُ: هَذانِ النَّوْعانِ مِنَ الآفاتِ والبَلاءِ تَرى أكْثَرَ المُتَوَسِّمِينَ بِالعِلْمِ مُتَوَغِّلِينَ فِيهِ مُواظِبِينَ عَلَيْهِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنهُ، ومِن آثارِهِ ونَتائِجِهِ. وذَكَرَ الواحِدِيُّ: أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ أيْ لا تُصَلُّونَ لَهُ، قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَن سَجَدَ لِلَّهِ سَجْدَةً بِنِيَّةٍ صادِقَةٍ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الكِبْرِ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب