الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ﴾ اخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ. (p-٨٦)أحَدُها: أنَّ أوَّلَها، إلى قَوْلِهِ: ﴿وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ﴾ نَزَلَ في مُسَيْلِمَةَ الكَذّابِ. وَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ نَزَلَ في «عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي سَرْحٍ، كانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالإسْلامِ، وكانَ يَكْتُبُ لَرَسُولِ اللَّهِ ﷺ في بَعْضِ الأحايِينِ؛ فَإذا أُمْلِيَ عَلَيْهِ: "عَزِيزٌ حَكِيمٌ" كَتَبَ: "غَفُورٌ رَحِيمٌ" فَيَقُولُ لَرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: هَذا وذاكَ سَواءٌ. فَلَمّا نَزَلَتْ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ﴾ أمْلاها عَلَيْهِ، فَلَمّا انْتَهى إلى قَوْلِهِ: ﴿خَلْقًا آخَرَ﴾ عَجِبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ، فَقالَ: ( تَبارَكَ الله أحْسَن الخالِقِينَ ) [المُؤْمِنُونَ:١٢-١٤] فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كَذا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ، فاكْتُبْها" فَشَكَّ حِينَئِذٍ، وقالَ: لَئِنْ كانَ مُحَمَّدٌ صادِقًا: لَقَدْ أُوحِيَ إلَيَّ كَما أُوحِيَ إلَيْهِ، ولَئِنْ كانَ كاذِبًا، لَقَدْ قُلْتُ كَما قالَ،» رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ عِكْرِمَةُ: ثُمَّ رَجَعَ إلى الإسْلامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ جَمِيعَ الآَيَةِ في عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والثّالِثُ: أنَّها نَزَلَتْ في مُسَيْلِمَةَ، والأسْوَدِ العَنْسِيِّ، قالَهُ قَتادَةُ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ أفْرَدَ قَوْلَهُ: ﴿أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ﴾ مِن قَوْلِهُ: ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى﴾ وذاكَ مُفْتَرٍ أيْضًا؟ فَعَنْهُ جَوابانِ. أحَدُهُما: أنَّ الوَصْفَيْنِ لَرَجُلٍ واحِدٍ، وصْفٍ بِأمْرٍ بَعْدَ أمْرٍ لَيَدُلَّ عَلى جُرْأتِهِ. والثّانِي: أنَّهُ خَصَّ بِقَوْلِهِ: ﴿أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ﴾ بَعْدَ أنَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿افْتَرى عَلى اللَّهِ﴾ لِأنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُفْتَرٍ عَلى اللَّهِ يَدَّعِي أنَّهُ يُوحى إلَيْهِ، ذَكَرَهُما ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ أيْ: سَأقُولُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَعْنُونَ الشِّعْرَ، وهُمُ المُسْتَهْزِؤُونَ. وقِيلَ: هو قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي سَرْحٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وهَذا جَوابٌ لَقَوْلِهِمْ: "لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا" . (p-٨٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ﴾ فِيهِمْ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم قَوْمٌ كانُوا مُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ، فَأخْرَجَهُمُ الكَفّارُ مَعَهم إلى قِتالِ بِدْرٍ، فَلَمّا أبْصَرُوا قِلَّةَ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجَعُوا عَنِ الإيمانِ، فَنَزَلَ فِيهِمْ هَذا، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ الَّذِينَ قالُوا: "ما أنْزَلَ عَلى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ" قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ. والثّالِثُ: المَوْصُوفُونَ في هَذِهِ الآَيَةِ، وهُمُ المُفْتَرُونَ والمُدَّعُونَ الوَحْيَ إلَيْهِمْ، ومُماثَلَةُ كَلامِ اللَّهِ. قالَ الزَّجّاجُ: وجَوابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ؛ والمَعْنى: لَوْ تَراهم في غَمَراتِ المَوْتِ لَرَأيْتَ عَذابًا عَظِيمًا. ويُقالُ لَكُلِّ مَن كانَ في شَيْءٍ كَبِيرٍ: قَدْ غَمَرَ فَلانًا ذَلِكَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: غَمَراتُ المَوْتِ: سَكَراتُهُ. قالَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ: قالَ اللُّغَوِيُّونَ: سُمِّيَتْ غَمَراتٍ، لِأنَّ أهْوالَها يَغْمُرْنَ مَن يَقَعْنَ بِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهِمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: بِالضَّرْبِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: بِالعَذابِ، قالَهُ الحَسَنُ، والضَّحّاكُ. والثّالِثُ: باسِطُوها لَقَبْضِ الأرْواحِ مِنَ الأجْسادِ، قالَهُ الفَرّاءُ. وفي الوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ هَذا فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: عِنْدَ المَوْتِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذا عِنْدَ المَوْتِ، المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهم، وأدْبارَهم ومَلَكُ المَوْتِ يَتَوَفّاهم. والثّانِي: يَوْمُ القِيامَةِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: في النّارِ، قالَهُ الحَسَنُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ﴾ فِيهِ إضْمارٌ "يَقُولُونَ" وفي مَعْناهُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: اسْتَسْلِمُوا لَإخْراجِ أنْفُسِكم. (p-٨٨)والثّانِي: أخْرِجُوا أنْفُسَكم مِنَ العَذابِ إنْ قَدِرْتُمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الهَوْنُ: مَضْمُونٌ، وهو الهَوانُ؛ وإذا فَتَحُوا أوَّلَهُ، فَهو الرِّفْقُ والدَّعَةُ. قالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: تُجْزَوْنَ العَذابَ؛ الَّذِي يَقْعُدُ بِهِ الهَوانُ الشَّدِيدُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب