الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٩٣] ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ ومَن قالَ سَأُنْـزِلُ مِثْلَ ما أنْـزَلَ اللَّهُ ولَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهِمْ أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ وكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾
﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أيِ: اخْتَلَقَ إفْكًا، فَجَعَلَ لَهُ شُرَكاءَ أوْ ولَدًا، أوْ أحْكامًا في الحِلِّ والحُرْمَةِ، كَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وأشْباهِهِ، مِمَّنْ جَعَلَ قَوْلَهُ قَوْلَ اللَّهِ.
﴿أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ﴾ مِمَّنِ ادَّعى النُّبُوَّةَ كَذِبًا، وهَذا يَزِيدُ عَلى الِافْتِراءِ في دَعْوى النُّبُوَّةِ.
قالَ البِقاعِيُّ: هَذا تَهْدِيدٌ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ، كَعادَةِ القُرْآنِ الجَمِيلِ، يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، كَمُسَيْلِمَةَ والأسْوَدِ العَنْسِيِّ وغَيْرِهِما، ثُمَّ قالَ: رَأيْتُ في كِتابِ "غايَةُ المَقْصُودِ في الرَّدِّ عَلى النَّصارى واليَهُودِ" لِابْنِ يَحْيى المَغْرِبِيِّ الَّذِي كانَ مِن عُلَمائِهِمْ في حُدُودِ (p-٢٤١٦)سَنَةِ ٥٦٠ ثُمَّ هَداهُ اللَّهُ لِلْإسْلامِ فَبَيَّنَ فَضائِحَهُمْ: إنَّ الرَّبّانِيِّينَ مِنهم زَعَمُوا أنَّ اللَّهَ يُوحِي إلى جَمِيعِهِمْ في كُلِّ يَوْمٍ مَرّاتٍ. ثُمَّ قالَ: إنَّ الرَّبّانِيِّينَ أكْثَرُهم عَدَدًا، يَزْعُمُونَ أنَّ اللَّهَ يُخاطِبُهم في كُلِّ مَسْألَةٍ بِالصَّوابِ، وهَذِهِ الطّائِفَةُ أشَدُّ اليَهُودِ عَداوَةً لِغَيْرِهِمْ في الأُمَمِ. انْتَهى.
﴿ومَن قالَ سَأُنْـزِلُ مِثْلَ ما أنْـزَلَ اللَّهُ﴾ أيْ: ومَنِ ادَّعى أنَّهُ يُعارِضُ ما جاءَ مِن عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الوَحْيِ مِمّا يَفْتَرِيهِ مِنَ القَوْلِ، كالنَّضْرِ بْنِ الحارِثِ. وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا﴾ [الأنفال: ٣١]
قالَ المَهايِمِيُّ: أيْ: ومَن أنْكَرَ إعْجازَ القُرْآنِ حَتّى قالَ: ﴿سَأُنْـزِلُ مِثْلَ ما أنْـزَلَ اللَّهُ﴾ مَعَ أنَّهُ قَدْ عَرَفَ إعْجازَهُ، فَكَأنَّهُ ادَّعى لِنَفْسِهِ قُدْرَةَ اللَّهِ، فَكَأنَّهُ ادَّعى الإلَهِيَّةَ لِنَفْسِهِ، ولا يَجْتَرِئُ عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ مِنَ الظُّلْمِ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ. فَيَعْلَمُ ما لِلظّالِمِينَ فِيها، المُبَيَّنِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ﴾ أيْ: شَدائِدِهِ وسَكَراتِهِ وكُرُباتِهِ ﴿والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهِمْ﴾ أيْ: بِالضَّرْبِ والعَذابِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْ تَرى إذْ يَتَوَفّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهم وأدْبارَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٠]
﴿أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ﴾ أيْ: قائِلِينَ لَهُمْ: أخْرِجُوا إلَيْنا أرْواحَكم مِن أجْسادِكُمْ، تَغْلِيظًا وتَوْبِيخًا وتَعْنِيفًا عَلَيْهِمْ. وقَدْ جَنَحَ بَعْضُهم إلى أنَّ ما ذُكِرَ مِن مَجازِ التَّمْثِيلِ. أيْ: فَشُبِّهَ فِعْلُ المَلائِكَةِ في قَبْضِ أرْواحِهِمْ، بِفِعْلِ الغَرِيمِ الَّذِي يَبْسُطُ يَدَهُ إلى مَن عَلَيْهِ الحَقُّ ويُعَنِّفُ في اسْتِيفاءِ حَقِّهِ مِن غَيْرِ إمْهالٍ. وفي "الكَشْفِ" أنَّهُ كِنايَةٌ عَنْ ذَلِكَ، ولا بَسْطَ ولا قَوْلَ حَقِيقَةً. قالَ النّاصِرُ في "الِانْتِصافِ": ولا حاجَةَ إلى ذَلِكَ. والظّاهِرُ أنَّهم يَفْعَلُونَ مَعَهم هَذِهِ الأُمُورَ حَقِيقَةً، عَلى الصُّوَرِ المَحْكِيَّةِ. وإذا أمْكَنَ البَقاءُ عَلى الحَقِيقَةِ، فَلا مَعْدِلَ عَنْها. انْتَهى.
(p-٢٤١٧)وقالَ الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: إنَّ الكافِرَ إذا احْتَضَرَ بَشَّرَتْهُ المَلائِكَةُ بِالعَذابِ والنَّكالِ والأغْلالِ والسَّلاسِلِ والجَحِيمِ والحَمِيمِ وغَضَبِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَتَتَفَرَّقُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، وتَعْصِي، وتَأْبى الخُرُوجَ، فَتَضْرِبُهُمُ المَلائِكَةُ حَتّى تَخْرُجَ أرْواحُهم مِن أجْسادِهِمْ، قائِلِينَ لَهُمْ: ﴿أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ﴾ انْتَهى.
أقُولُ: مِمّا يُؤَيِّدُ الحَقِيقَةَ آيَةُ: ﴿ولَوْ تَرى إذْ يَتَوَفّى﴾ [الأنفال: ٥٠] المُتَقَدِّمَةُ، فَإنَّها صَرِيحَةٌ، ومُراعاةُ النَّظائِرِ القُرْآنِيَّةِ أعْظَمُ ما يُفِيدُ في بابِ التَّأْوِيلِ.
قالَ السُّيُوطِيُّ في "الإكْلِيلِ": في هَذِهِ الآيَةِ حالُ الكافِرِ عِنْدَ القَبْضِ، وعَذابِ القَبْرِ. واسْتَدَلَّ بِها مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَلى أنَّ لِمَلَكِ المَوْتِ أعْوانًا مِنَ المَلائِكَةِ. أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ.
﴿اليَوْمَ﴾ أيْ: وقْتَ الإماتَةِ، أوِ الوَقْتَ المُمْتَدَّ مِنَ الإماتَةِ إلى ما لا نِهايَةَ لَهُ ﴿تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ﴾ أيِ: الهَوانِ الشَّدِيدِ ﴿بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ﴾ كالتَّحْرِيفِ ودَعْوى النُّبُوَّةِ الكاذِبَةِ. وهو جَراءَةٌ عَلى اللَّهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلِاسْتِهانَةِ بِهِ - قالَهُ المَهايِمِيُّ - ﴿وكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ حَتّى قالَ بَعْضُكُمْ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ اللَّهُ.
{"ayah":"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَلَمۡ یُوحَ إِلَیۡهِ شَیۡءࣱ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ أَخۡرِجُوۤا۟ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق