قوله: ﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ الآية.
أي إن كنتم أيها الناس في شك من القرآن أنه ليس من عند الله فأتوا بسورة من مثل القرآن.
وقيل: من مثل محمد ﷺ في صدقه وأمانته. وقال ابن كيسان: "معناه أنهم زعموا أن محمداً شاعر وأنه ساحر، فقيل: إيتوا بسورة من مفترٍ أو من شاعر أو من ساحر.
وقيل: معنى: "من مثله" من مثل التوراة والإنجيل.
والاختيار عند الطبري أن يكون معناه من مثل القرآن في بيانه، دليله قوله تعالى في موضع آخر: ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ [يونس: ٣٨]. ولا يحسن هنا إلا مثل القرآن. فحمل الآيتين على معنى واحد أولى. ولم يعن بقوله: ﴿مِّن مِّثْلِهِ﴾ إذا جعلت الهاء للقرآن في التأليف والمعاني لأنه لا مثل للقرآن إنما عني ﴿مِّن مِّثْلِهِ﴾ في البيان لأن الله أنزله بلسان عربي مبين. فقيل لهم: كلامكم فيه البيان، وهذا القرآن فيه البيان فأتوا من كلامكم بسورة مثل القرآن في البيان، فأما التأليف والمعاني والرَّصف، فهي معان، بَايَن القرآن فيها المخلوقات، فلا مثل له في ذلك، يضاف إليه فاعلمه.
وفي اشتقاق السورة أربعة أقاويل:
- قيل: سميت سورة لأنها يرتفع بها من منزلة إلى منزلة، ويشرف فيها قارئها وحافظها على ما لم يكن عنده من العلم كإشرافه على سور البناء، فهي [منزلة رفعة].
كما قال:
ألَمْ تَرَ أنَّ الله أعْطَاكَ سورة.
أي منزلة في الشرف.
- والثاني: إنما قيل لها سورة: لتمامها وكَمَالِهَا. يقال للناقة التامة: السورة.
- والثالث: إنما سميت سورة لشرفها وارتفاعها في القَدْرِ، كما يقال لما ارتفع من البناء على هيئة سور.
- والرابع: إنما سميت سورة لأنها بقية من القرآن وقطعة منه: يقال: "أَسْأَرْتُ في الإناء سُؤراً، أي أبقيت فيه بقية، "ودخل فلان في سائر الناس" أي في بقاياهم. فيكون أصله على هذا القول الرابع الهمز.
* * *
قوله: ﴿وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم﴾.
أي ادعوا آلهتكم للمعونة على الإتيان بسورة من مثل القرآن.
وقيل: شهداءكم. معناه: أعوانكم على ما أنتم عليه.
وقيل: معناه: ادعوا شهداءكم إذا أتيتم بالسورة يشهدون لكم أنها مثل القرآن. ومعنى ادعوهم: استعينوا بهم.
وقيل: الشهداء العلماء، أي استعينوا بهم على ذلك، وواحد الشهداء شهيد، وواحد الشهود شاهد، وواحد الأشهاد شهيد وشاهد أيضاً، وهو من نوادر الجموع.
فإن قيل لك: قد قال الله تعالى لهم في موضع آخر: ﴿فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ [هود: ١٣] وهم قد عجزوا عن الإتيان بسورة، وإنما يطالب من عجز عن الشيء بأقل منه لا بأكثر.
- فالجواب عن ذلك أن قوله تعالى: ﴿فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ [هود: ١٣]، نزل قبل: ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ﴾ لأن الأول مكي وهذا مدني، فلما عجزوا عن عشر سور، قيل لهم: فأتوا بسورة.
وقيل: إنما طولبوا في البقرة بسورة من مثله غير محدودة في مدح و [لا] ذم ولا تعظيم ولا غيره، بل تجمع معاني كما تجمع ذلك سور القرآن، وكلفوا في العشر السور أن تكون مفتريات، ومن كلف معنى واحداً أخف ممن كلف معاني لا تحصى ولا تدرك.
فالتكليف في سورة البقرة أثقل وأضعف، وإن كانت سورة واحدة، وهو في هود أخف، وإن كان بعشر سور لأنها في معنى واحد وقع بها التكليف في هود، وفي معان كثيرة وقع بها التكليف في البقرة.
{"ayah":"وَإِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُوا۟ بِسُورَةࣲ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُوا۟ شُهَدَاۤءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}