الباحث القرآني

* اللغة: (السورة) الطائفة من القرآن التي أقلّها ثلاث آيات، ومن معانيها المرتبة الرفيعة قال النابغة الذبياني: ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (وَقُودُهَا) بفتح الواو وهو ما توقد به النار من حطب وغيره وأما بضمها فهو مصدر وقد، وكذا يقال فيما جاء على هذا الوزن كالوضوء والطهور والسحور. * الإعراب: (وَإِنْ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق للرد على من ارتابوا في القرآن تعنتا ولجاجا وإن شرطية تجزم فعلين (كُنْتُمْ) كان فعل ماض ناقص والتاء اسمها والفعل الناقص في محل جزم فعل الشرط (فِي رَيْبٍ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كنتم (مِمَّا) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لريب وما موصولة (نَزَّلْنا) فعل ماض مبني على السكون ونا ضمير في محل رفع فاعل والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول (عَلى عَبْدِنا) الجار والمجرور متعلقان بنزلنا والعائد محذوف أي نزلناه ولم يقل أنزلناه لأن القرآن نزل منجّما على سبيل التدريج (فَأْتُوا) الفاء رابطة لجواب الشرط لأن الجملة طلبية لا تصلح لتكون شرطا وأتوا فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة في محل جزم جواب الشرط (بِسُورَةٍ) الجار والمجرور متعلقان بأتوا (مِنْ مِثْلِهِ) متعلقان بحسب عودة الضمير فهو إما أن يعود على القرآن فهما متعلقان بمحذوف صفة لسورة وإما أن يعود على عبدنا فهما متعلقان بقوله: فأتوا والمعنى على الأول يتناول عدة أمور: آ- فأتوا بسورة من مثله في حسن النظم وبديع الوصف وروعة الأسلوب وإيجازه. ب- فأتوا بسورة من مثله في غيبوبة أخباره وأحاديثه عن الماضين وتحدثه عما يكون. ج- فأتوا بسورة من مثله فيما انطوى عليه من أمر ونهي ووعد ووعيد وبشارة وإنذار، وحكم وأمثال. د- فأتوا بسورة من مثله في صدقه وصيانته من التحريف والتبديل وغير ذلك من خصائصه. هـ- فأتوا بسورة من مثله في منطوياته البعيدة، وأحكامه المتمشية مع تطورات الأزمنة، وتقدم العلوم، ومواكبته للحضارة الانسانية في مختلف ظروفها وأحوالها. والمعنى على الثاني يتناول عدة أمور أيضا: آ- فأتوا من مثل الرسول أي من أمّيّ لا يحسن الكتابة على الفطرة الأصلية. ب- فأتوا من مثل الرسول أي من رسول لم يدارس العلماء، ولم يجالس الحكماء، ولم يتعاط أخبار الأولين، ولم يؤثر ذلك عنه بحال من الأحوال. ج- فأتوا من مثل الرسول أي من كل رجل كما تحسبونه في زعمكم شاعر أو مجنون وكلا المعنيين كما ترى، حسن جميل. (وَادْعُوا) عطف على قوله: فأتوا والواو فاعل (شُهَداءَكُمْ) مفعول به لادعوا والكاف في محل جر بالاضافة (مِنْ دُونِ اللَّهِ) الجار والمجرور متعلقان بادعوا والمعنى: وادعوا من دون الله شهداءكم، والشهداء: إما جمع شهيد للمبالغة كعليم وعلماء وإما جمع شاهد كشاعر وشعراء ويحتمل أن يتعلقا بمحذوف حال من قوله شهداءكم والتقدير منفردين عن الله تعالى أو مغايرين لله (إِنْ) شرطية وانظر بحثا هاما عنها في باب الفوائد (كُنْتُمْ) كان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها (صادِقِينَ) خبرها وجواب الشرط أي فافعلوا ذلك (فَإِنْ) الفاء استئنافية وإن شرطية (لَمْ) حرف نفي وقلب وجزم (تَفْعَلُوا) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون (وَلَنْ) الواو اعتراضية ولن حرف نفي ونصب واستقبال (تَفْعَلُوا) فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها معترضة بين الشرط وجوابه (فَاتَّقُوا) الفاء رابطة لجواب الشرط واتقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل (النَّارَ) مفعول به (الَّتِي) اسم موصول في محل نصب صفة للنار (وَقُودُهَا) مبتدأ مرفوع والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة (النَّاسُ) خبر (وَالْحِجارَةُ) عطف على الناس والجملة الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول (أُعِدَّتْ) فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي (لِلْكافِرِينَ) الجار والمجرور متعلقان بأعدت والجملة الفعلية في محل نصب حال لازمة من النار وإنما قلنا لازمة ردا على بعض المعربين كأبي حيان وابن عطية فقد جعلا الجملة استئنافية تفاديا لجعلها حالية من النار لأن المعنى يصير فاتقوا النار في حال إعدادها للكافرين بينما هي معدة لهم اتقوها أم لم يتقوها ولكن اضافة لازمة تدفع هذه المظنّة. * البلاغة: 1- إيجاز القصر في قوله: «فاتقوا النار» والإيجاز هو جمع المعاني الكثيرة تحت اللفظ القليل مع الإبانة والإفصاح. 2- إيجاز الحذف في قوله «فاتقوا النار» أيضا وإيجاز الحذف يكون بحذف كلمة أو جمالة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف لأن من اتقى النار عصم نفسه عن جميع الموبقات التي يطول تعدادها. وترك المكابرة والمعاندة. 3- الاعتراض: في قوله: «ولن تفعلوا» وهو يأتي في الكلام الأغراض كثيرة، والغرض هنا التأكيد بأن ذلك غير متاح لهم ولو جهدوا وتضافرت هممهم عليه ومن روائعه قول عوف بن محلم الخزاعي: إن الثمانين، وبلغتها، ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان فقوله: وبلغتها اعتراض بين اسم ان وخبرها وفائدتها الدعاء للمخاطب بأن يمتدّ عمره إلى الثمانين مع التنصل من مسؤولية عدم السمع بسبب كبر السنّ ووقر السمع وقول المتنبي جميل للغاية: وخفوق قلب لو رأيت جحيمه- يا جنّتي- لظننت فيه جهنّما والاعتراض في قوله: يا جنتي وقول أبي نواس وقد عشق الأمين: قد هام قلبي ولا أقول بمن ... أخاف من لا يخاف من أحد إذا تفكّرت في هواي له ... مسست رأسي هل طار عن جسدي؟ إني- على ما ذكرت من فرقي- لآمل أن أناله بيدي والاعتراض في قوله: على ما ذكرت من فرقي وفيه مالا يكتنه حسنه. * الفوائد: 1- فشل محاولات التحدي: دعا القرآن قريشا إلى أن تحاول محاكاة القرآن تحديا لها في مواطن كثيرة أبرزها الآية التي نحن بصددها ويظهر أنها حاولت أن تردّ على هذا التحدي فعجزت عن هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تنقطع الرغبة في تقليد القرآن بعد حياته، فقد حاول مسيلمة الكذاب الذي ظهر باليمامة في بني حنيفة وطليحة بن خويلد الذي تنبّأ في بني أسد والأسود العنسي الذي تنبّأ في اليمن وسجاح التي ظهرت في بني تغلب ولا سبيل إلى الجزم بأن الكلام الذي جاء به هؤلاء منسوب إليهم حقيقة بل نرجّح أنه من تخيّل القصّاص المتأخرين، فمن هذا الكلام المتهافت الذي نسب إلى مسيلمة انه كان يقول: «يا ضفدع بنت ضفدعين، نقّي ما نقين، نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدّرين، ولا الشارب تمنعين» وواضح تماما أن هذا الهراء ليس من لغة الجاهلين في شيء، ومع هذا فقد خدع عنه الجاحظ، أو هو يسخر منه حين يقول: «ولا أدري ما الذي هيّج مسيلمة حتى ساء رأيه في الضفدع» وأما وحي الأسود العنسي- كما يقول- فكان ينزل به عليه- على زعمه- ملك أسماه: ذا ضمار وكان رجلا فصيحا يجيد سجع الكهّان وقد ضاع كلامه ولم يصلنا منه شيء، وأما وحي طلحة فقد كان ينزل به عليه- فيما يزعم- ملك سمّاه ذا النون ثم عدل عن ذي النون وقال لا بل هو جبريل ولم يعرف شيء عن قرآنه المزعوم وأما سجاح فقد ادّعت قرآنا إلا أن وحيها صمت حين لقيت مسيلمة وتزوجته ذلك الزواج الماجن المضحك، الذي تذكر مخازيه كتب الأدب والتاريخ، وذكر ابن قيّم الجوزيّة والباقلّاني أن عبد الله بن المقفع عند ما انتهى إلى قوله تعالى: «حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور» إلى قوله: «وقيل بعدا للقوم الظالمين» عدل عن إنشاء قرآنه وقال: هذا لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، وترك المعارضة وأحرق ما كان اختلقه، ويقول الباقلّاني: إن قوما أدعوا أن ابن المقفع عارض القرآن في كتابه «الدرّة اليتيمة» ولكنه لم يجد فيما أنشأ ابن المقفع في هذا الكتاب ما يصح أن يكون تقليدا للقرآن. وكان شاعرنا العظيم أبو الطيب المتنبي قد تنبأ- فيما يقول الرواة- في بادية السماوة وأنشأ كلاما سماه قرآنا منه قوله: «والنجم السيّار، والفلك الدوّار، والليل والنهار، إن الكافرين لفي أخطار امض على سننك، واقف من كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه، وضلّ عن سبيله» إلا أن المتنبي عدل عن هذه المحاولة، على أننا نشك كثيرا في هذه الروايات لأن المتنبي كان أحصف من أن ينسب إلى نفسه مثل هذا الهراء ولأسباب أخرى لا مجال لبحثها الآن. ومن الذين اتهموا أيضا بهذه التهمة أبو العلاء المعري في كتابه «الفصول والغايات، في محاذاة السّور والآيات» ومما ورد في هذا الكتاب «سبحانك مؤبّد الآباد، هل للمنية نسب إلى الرّقاد؟ لا أتخيل إذا انتبهت أحدا من الأموات، إذا هجعت لقيني قريب عهد بالمنية، ومن فقدت منذ أزمان، أسألهم فيجيبون وأحاورهم فيتكلمون كأنهم بحبل الحياة معلّقون، لو صدق الرقاد لسكنت إلى ما يخبر عنه سكان القبور ولكن الهجعة كثيرة الكذاب» وقد ذكر مصطفى صادق الرافعي من أدبائنا المحدثين في كتابه الممتع: «إعجاز القرآن» ما نصه: «وتلك ولا ريب فرية على المعري أراده بها عدوّ حاذق لأن الرجل أبصر بنفسه وبطبقة الكلام الذي يعارضه» أما الدكتور طه حسين فقد ذكر في كتابه «مع أبي العلاء في سجنه» ما خلاصته: هل أراد أبو العلاء إلى معارضة القرآن في الفصول والغايات كما ظن بعض القدماء؟ نعم ولا، نعم إن فهمنا من المعارضة مجرد التأثر والمحاكاة، ولا إن فهمنا من المعارضة أن أبا العلاء قد نظر إلى القرآن على أنه مثل أعلى في الفن الأدبي فتأثّره وجدّ في تقليده كما يتأثر كل أديب بما يعجب به من المثل الفنية العليا، ذلك شيء لا شك فيه فأيسر نظر في كتاب «الفصول والغايات» يشعرك بأن أبا العلاء حاول أن يقلد قصار السور وطوالها وليس المهم أنه وفق في هذا التقليد أو لم يوفق بل من المحقق أن التوفيق لم يقدر له، كما لم يقدر لغيره» . 2- نصّ النحاة والأصوليون على أن إن الشرطية لا يعلّق عليها إلا مشكوك فيه فلا تقول: إن غربت الشمس آتك بل إذا غربت آتيك وان إذا يعلق عليها المشكوك فيه والمعلوم والشك على الله محال فكيف جاءت هنا؟ والجواب أن الخصائص الإلهية لا تدخل في أوضاع العربية بل هي مبنية على خصائص الخلق، وهذا منزّل منزلة كلامهم فيما بينهم كأنه قيل: إن العادة بين الناس الشك في أمر الإله والرسول والمعاد وليس ذلك ما وقع القطع به في الذهن إلا بعد قيام النظر وقيام الأدلة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب