الباحث القرآني

وقوله [[في (ج): (قوله) بسقوط الواو.]] تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ الآية. قال النحويون: (إن) دخلت هاهنا لغير شك، لأن الله تعالى علم أَنهم مرتابون، ولكن هذا عادة العرب في خطابهم، كقولك: (إن كنت إنساناً فافعل كذا)، وأنت تعلم أنه إنسان، و (إن كنت ابني فاعطف علي) فالله تعالى خاطبهم على عادة خطابهم فيما بينهم [[ذكر ابن الجوزي نحوه، فربما نقله عن الواحدي، وربما نقله عن ابن الأنباري وهو الأقرب، حيث إنه كثيراً ما ينقل عنه، فيكون من كلام ابن الأنباري، انظر: "زاد المسير" 1/ 49.]]. وقيل: هو بمعنى (إذ) [[ذكره الثعلبي مع الأدلة من الآيات وبيت الأعشى. "تفسير الثعلبي" 1/ 57 أ، وانظر: "تهذيب اللغة" (إن) 1/ 224.]] قال أبو زيد: وتجيء [[في (أ)، (ج) (يجيء)، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق وموافق لما في "تهذيب اللغة".]] (إن) بمعنى (إذ) نحو قوله: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة:278]، وقوله ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139] ونحوهما [[قول أبي زيد في "تهذيب اللغة"، (إن) 1/ 224، وانظر: "زاد المسير" 1/ 49، "الدر المصون" 1/ 197. والقول: إنَّ (إنْ) تأتي بمعنى (إذ) قول الكوفيين، أما البصريون فمنعوا مجيئها بمعنى (إذ).انظر: "الإنصاف" ص50.]]. قال الأعشى: وسمعتَ حَلْفتَها التي حلفتْ ... إن كان سمعُك غيرَ ذي وَقْرِ [[البيت عند الثعلبي 1/ 57 أ، "الوسيط" للواحدي 1/ 57 منسوب للأعشى، ولم أجده في (ديوانه)، وهو في "الإنصاف" ص 502. غير منسوب، وذكره عبد السلام هارون في "معجم الشواهد العربية" ص 187، ولم ينسبه. (الحلفة): واحدة الحلف وهو القسم. (الوقر): ثقل السمع. والشاهد فيه عند الواحدي، وعند الكوفيين ورود (إنْ) بمعنى (إذ).]] وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ﴾. زعم أبو عبيدة أن (السورة) [[في (ج): (للسورة).]] مشتقة من سورة البناء، وأن السورة عرق من عروق [[في "تهذيب اللغة" (أعراق) 2/ 1593. وكذا "اللسان" 4/ 2147.]] الحائط، ويجمع سُوَراً وكذلك (الصورة) [[في (ج): (وكذلك قوله الصورة).]] تجمع (صوراً). واحتج بقوله: سِرْتُ إِلَيْهِ في أَعَالي السُّور [[الرجز للعجاج، ورد في "المجاز" لأبي عبيدة 1/ 5، وقبله: فرب ذي سرادق محور "ديوان العجاج": ص 224. رقم القصيدة (19)، وفي "الكتاب" 4/ 51، "غريب القرآن" لابن قتيبة 1/ 26، "تفسير الطبري" 1/ 46، "تهذيب اللغة" (سار) 2/ 1592، "اللسان" (سور) 4/ 2147، "الزاهر" 1/ 526. والسرادق: ما أحاط بالشيء من بناء أو خباء أو غيره، وسرت: من سار الحائط يسوره وتسوره، أي: تسلق. وكلام أبي عبيدة بنصه في "التهذيب" "سار" 2/ 1593. وانظر "مجاز القرآن" 1/ 3، 4، 43، "اللسان" (سور) 4/ 2147. (الزاهر) 1/ 170. "تفسير ابن عطية" 1/ 70.]] وأقرأني العروضي، قال: أقرأني الأزهري، قال [[في "تهذيب اللغة": وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم: أنه رد على أبي عبيدة قوله ... الخ كلام أبي الهيثم. "التهذيب" (سار) 2/ 1593. وفي "اللسان" (سور) 4/ 2147.]]: أخبرني المنذري، عن أبي الهيثم أنه رد على أبي عبيدة قوله، وقال: إنما يجمع [[في "التهذيب": (تجمع) وكذا في "اللسان".]] (فُعْلَة) على (فُعْل)، بسكون العين، إذا سبق الجمعَ الواحدُ، مثل: صوفة وصوف، وسورة البناء وسورٌ [[في "اللسان" (وسُوْرُهُ).]]، والسور جمع سبق وحدانه [[في (التهذيب) (فالسورة جمع سبق وُحْدَانَه في هذا الموضع جمعه) 2/ 1593.]]، قال الله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ﴾ [الحديد:13]. والسُّور عند العرب حائط المدينة، وهو أشرف الحيطان، وشبه الله تعالى الحائط الذي حجز بين أهل النار وأهل الجنة بأشرف حائط عرفناه في الدنيا، وهو اسم واحد لشيء [[في (ب): (كشيء).]] واحد، إلا أنا إذا أردنا أن نعرف [[في (أ)، (ج): (يعرف) واخترت ما في (ب)، لأنه أصح، وموافق لما في "تهذيب اللغة" 2/ 1593.]] العِرْقَ [[كذا في جميع النسخ، "اللسان" 4/ 2148. وفي "تهذيب اللغة" (الفرق) 2/ 1593.]] منه قلنا: سورة، كما تقول: التمر، وهو اسم جامع للجنس، فإذا أردنا أن نعرف الواحدة من التمر قلنا: تمرة، وكل منزلة رفيعة فهي سورة، مأخوذة من سورة البناء ومنه قول النابغة: ألم تر أنَّ الله أعطاك سورةً ... ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذبُ [[البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يمدح النعمان، ويعتذر إليه. وقوله (السورة): المنزلة الرفيعة، (والملك بتذبذب): يتعلق ويضطرب، يريد أن منازل الملوك دون منزلته. انظر: "مجاز القرآن" 1/ 4. "غريب القرآن" لابن قتيبة 1/ 26. "تفسير الطبري" 1/ 46. "المصون في الأدب" للعسكري: ص 150، 151. "التهذيب" (سار) 2/ 1593. "اللسان" (سور) 4/ 2148. "تفسير ابن عطية" 1/ 201. "ديوان النابغة": ص 28. "الزاهر" 1/ 171.]] وجمعها (سُوْرٌ) [[في (أ): (سِوَر) وفي (ب): (سواري رفع).]] أي: رِفَعٌ. أما سورة القرآن، فإن الله تعالى جمعها على: (سُوَر) مثل: غُرْفَة وغُرَفُ، ورُتْبَة ورُتَب، وزُلفَة وزُلَف، فدل على أنه لم يجمعها كما قال [[قوله: (فدل على أنه لم يجمعها كما قال) ليس في "تهذيب اللغة" ولا "اللسان"، والمعنى لم يجمعها (سُوْرٌ) بالسكون كما قال أبو عبيدة.]]، ولم يجعلها من سُورِ [[في (ب): (سورة).]] البناء، لأنها لو كانت منه لقال: (بعشرِ سُوْر) ولم يقل: ﴿سُوَرٍ﴾ [هود: 13] [[في (أ)، (ج): (بسُوَر) وأثبت ما في (ب)، وفي "تهذيب اللغة" (بعشر سُوَرٍ) "تهذيب اللغة" 2/ 1593.]] والقراء مجمعون على ﴿سُوَرٍ﴾. وكذلك أجمعوا على قراءة (سُورٍ) [[في (ب): (بسوره).]] في قوله ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ﴾ [الحديد: 13]. فدل هذا على تمييز (سُورَةٍ) من سُوَرِ [[في (ب): (سوره).]] القرآن عن (سُوْرَة) من سُوْرِ البناء. وكأن أبا عبيدة أراد أن [يؤيد] [[في جميع النسخ (يريد) والتصحيح من "تهذيب اللغة" 2/ 1593. "اللسان" 4/ 2148.]] قوله في (الصور) أنه جمع (صورة) [[في "تهذيب اللغة" (فأخطأ في الصور والسور، وحرَّف (كلام العرب) عن صيغته ... إلخ). انظر "تهذيب اللغة" (سار) 2/ 1593. "اللسان" (سور) 4/ 2184.]]، وكان ينكر أن (الصور) قرن خلقه الله للنفخ فيه، ونذكر [[في (ب) (ويذكر).]] قوله ذلك والرد عليه إذا أتينا على ذكر (الصور) إن شاء الله. قال أبو الهيثم: والسورة [[في (ب) (السور).]] من سور [القرآن] [[(القرآن) غير موجود في جميع النسخ، والتصحيح من "تهذيب اللغة" 2/ 1593، "اللسان" 4/ 2148.]] عندنا: قطعة من القرآن، سبق وُحْدانُها جَمْعَها، كما أن الغرفة [[في (ب) (المعرفة).]] سابقة للغرف. وأنزل الله القرآن على نبيه ﷺ شيئاً بعد شيء، وجعله مفصلاً، وبيّن كل سورة بخاتمتها وبادئتها، وميزها من التي تليها [[انتهى كلام أبي الهيثم، "تهذيب اللغة" (سار) 2/ 1594، "اللسان" (سور) 4/ 2148.]]. قال الأزهري: وكأن أبا الهيثم جعل السورة من سور القرآن من سؤرة الشراب، وهي بقيته، إلا أنها لما كثرت في الكلام ترك فيها الهمز [[في "التهذيب": (.. جعل السورة من سور القرآن من أسأرت سؤرا، أي: أفضلت فضلا، إلا أنها لما كثرت في الكلام وفي كتاب الله ترك فيها الهمز أي السورة كما ترك في (الملك) وأصله (ملْأَك) وفي (النبي) وأصله الهمز، وكان أبو الهيثم طَوَّل الكلام فيهما رداً على أبي عبيدة، فاختصرت منه مجامع مقاصده، وربما غيرت بعض ألفاظه، والمعنى معناه). "تهذيب اللغة" (سار) 2/ 1594. "اللسان" 4/ 2148. وانظر: "الزاهر" 1/ 171.]]. قال [[أي: الأزهري.]]: وأخبرني المنذري، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي قال: (السورة) الرفعة وبها سميت السورة من القرآن، أي رفعة وخير [[ونحوه عند "الطبري" فإنه قال: (والسورة بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع). انظر: "تفسيره" 1/ 46. وقد ذكر هذين المعنيين للسورة ابن قتيبة في "غريب القرآن": 1/ 26. وانظر: "الزاهر" 1/ 171. "البرهان في علوم القرآن" 1/ 263، 264. "الإتقان" 1/ 186. "تفسير ابن كثير" 1/ 64.]]، فأرى ابن الأعرابي وافق قوله قول أبي عبيدة [["تهذيب اللغة" 2/ 1594. "اللسان" 4/ 2148.]]. قال: [[أي الأزهري. انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1594، وربما أوهم صنيع الواحدي أن الكلام لابن الأعرابي.]] والبصريون يجمعون (الصورة) و (السورة) وما أشبههما [[في (أ) و (ج): (وما أشبهها).]] على (صُوَر وصُوْر)، و (سُوَر وسُوْر) ولا يميزون بين ما سبق جمعه وحدانه وبين ما سبق وحدانه جمعه، والذي حكاه أبو الهيثم هو قول [[في "التهذيب": (والذي حكاه أبو الهيثم هو قول الكوفيين، وهو يقول به إن شاء الله) "تهذيب اللغة" 2/ 1594. "اللسان"4/ 2148.]] الفراء. وخص هذا القدر من القرآن بتسمية (سورة)، لأنه أقل قطعة وقع به التحدي [على قول أبي الهيثم، وعلى قول أبي عبيدة، لأنه أقل ما وقع به التحدي] [[مابين المعقوفين ساقط من (ب).]]، فهي شرف للنبي ﷺ من حيث إنها معجزة له. وقيل: سميت سورة، لأن من حفظها وعلمها حصل له شرف [[انظر: "الزاهر" 1/ 171. "الدر المصون" 1/ 201.]]. وقيل: لأن كل سورة بمنزلة درجة رفيعة ومنزل عال، يرتفع القارئ منها إلى منزلة أخرى إلى أن يستكمل القرآن [[وهذا القول كأنه يرجع إلى قول أبي عبيدة وابن الأعرابي، وفي معنى السورة أقوال أخرى. انظر: "الزاهر" 1/ 171، "جمهرة اللغة" 2/ 722، "تفسير الطبري" 1/ 46، وابن عطية 1/ 70، "تفسير ابن كثير" 1/ 64، "البرهان" 1/ 263، 264، "الكشاف" 1/ 239.]]. فإن قيل: فما [[في (ب): (ما).]] الفائدة في تفصيل القرآن على السور؟ قيل: فيه فوائد كثيرة، منها: أن القارئ إذا خرج من سورة إلى سورة كان أنشط لقراءته وأحلى في نفسه. ومنها: أن تخصيص كل سورة بقدر مخصوص كاختصاص القصائد. ومنها: أن الإنسان قد يضعف أو يكسل عن حفظ الجميع فيحفظ سورة تامة فربما كان ذلك سبباً يدعوه إلى حفظ غيرها [[وذكر بعض العلماء حكماً أخرى لتفصيل القرآن إلى سور، وكلها حكم وفوائد مستنبطة، والله أعلم بحكمة ذلك. انظر: "الكشاف" 1/ 240 - 241، "البرهان" 1/ 264 - 265.]]. قال المفسرون: ومعنى الآية: أن الله تعالى لما احتج عليهم [في إثبات توحيده احتج عليهم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] -أيضا- في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بما قطع عذرهم، فقال: وإن كنتم في شك من صدق هذا الكتاب الذي أنزلناه على محمد عليه الصلاة [[(الصلاة) ساقطة من (ب).]] والسلام، وقلتم: لا ندري هل هو من عند الله أم لا، ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾، أي من مثل القرآن [[ذكر نحوه "الطبري" عن قتادة ومجاهد، وذكر قولاً آخر، وهو: (من مثله) من مثل محمد من البشر، لأن محمداً بشراً مثلكم، ورجح القول الأول "الطبري" 1/ 165. وانظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 66، والثعلبي 1/ 57 أ، وذكر أبو الليث أن الخطاب في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ﴾ لليهود، و (من مثله): من التوراة. (تفسير أبي الليث) 1/ 102، انظر: "القرطبي" 1/ 200.]]. والكناية [[في (ب): (فالكناية).]] في (مثله) تعود إلى (ما) قوله: ﴿مِمَّا نَزَّلْنَا﴾ [[وعلى القول الثاني: تعود على (عبدنا) ذكره ابن الأنباري في (البيان في غريب إعراب القرآن) 1/ 64. وقال "القرطبي": (وقيل: يعود على التوراة والإنجيل). انظر "القرطبي" 1/ 200.]]. ودليل هذا التأويل قوله: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: 34]. وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ [[في (أ) و (ج): ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ تصحيف في الآية. والآية: 38، من سورة يونس.]]، وقوله: ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: 88] كل ذلك يريد به مثل القرآن، ومعناه: فأتوا بسورة مثل ما أتى به محمد في الإعجاز وحسن النظم والإخبار عما كان وما يكون، على جهة الابتداء دون الاحتذاء، وتعلم الكتب ودراسة الأخبار. و (من) يكون للتبعيض [[انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 202.]] على هذا القول، لأن التحدي في هذه الآية وقع ببعض القرآن، وهو السورة. ويحتمل أن تكون للتجنيس [[انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 202، "زاد المسير" 1/ 50، "الدر المصون" 1/ 200.]]، أي: من جنس هذا الكتاب كقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾. [الحج:30] وقيل: (من) هنا صلة [[في (ج): (من ههنا زائدة صلة). القول إنها صلة ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 57 أ، وبعضهم يسميها (زائدة) قاله ابن الأنباري ونسبه للأخفش، انظر "البيان" 1/ 64، "تفسير ابن عطية" 1/ 202، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 24. وفيه وجه آخر: أن تكون لابتداء الغاية، إذا كان الضمير يعود على النبي ﷺ، انظر "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 24، "الدر المصون" 1/ 200.]]، معناه [[في (ب): (معناها).]]: فأتوا بسورة مثل القرآن، كقوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: 30] أي: أبصارهم، وقال النابغة: وَمَا أُحَاشِي مِنَ الأقْوَامِ مِنْ أَحَدٍ [[البيت للنابغة من المعلقة التي يمدح بها النعمان، ويعتذر إليه، وصدره: ولا أَرى فَاعِلاً في النَّاس يُشْبِهُهُ يقول: لا أرى فاعلاً يفعل الخير يشبهه، والضمير للنعمان، وما أحاشي من أحد أي: لا أستثني أحداً. و (من) زائدة، وهذا وجه الاستشهاد عند الواحدي. وقد ورد في بعض المصادر (ولا أحاشي) ورد البيت في "الديوان": ص 12، و"جمل الزجاجي": ص 233، "الإنصاف" 1/ 241، "مغني اللبيب" 1/ 121، "شرح المفصل" 2/ 85، 8/ 48 - 49، "الخزانة" 3/ 403، "همع الهوامع" 3/ 288، شاهد رقم (918).]] أي: أحداً. قال النحويون: (مِنْ)، يكون على أربعة أوجه: أحدها: ابتداء الغاية، وهو أصلها [[قال ابن هشام: (هو أصلها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه)، "مغني اللبيب" 1/ 318.]]، كقولك: سرت [[في (ب): (سرق).]] من الكوفة إلى البصرة. والثاني: التبعيض، كقولك: خذ من الثياب ثوباً. والثالث: التجنيس، كقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: 30]. والرابع: الزيادة، كقولك: ما أتاني من أحد [[سبق أن ذكر الواحدي لـ (من) خمسة معان نقلها عن "تهذيب اللغة"، وانظر "التهذيب" (من) 4/ 3453، وقد ذكر الهروي المعاني الأربعة التي ذكرها الواحدي. انظر "الأزهية في علم الحروف": ص 224 - 225، وذكر بعض هذِه المعاني ابن الأنباري في (الأضداد): ص 152، أما ابن هشام في "مغني اللبيب" فذكر لـ (من) خمسة عشر وجها 1/ 318.]] وهاهنا فصل يحاج إليه في كثير من المواضع، وذكرته هاهنا [[هذا الفصل منقول بنصه من "سر صناعة الإعراب" لابن جني. قال: (اعلم أن الحروف لا يليق بها الزيادة ولا الحذف .. إلخ) 1/ 269.]]، وهو (أن الحروف عند النحويين لا يليق بها الزيادة ولا الحذف، وأن أعدل أحوالها [[في (ب): (أحولها).]] أن تستعمل غير مزيدة ولا محذوفة، فأما [[عند أبي الفتح بن جني (فأما وجه القياس في امتناع حذفها ...) 1/ 269.]] امتناع حذفها، فمن قبل أن الغرض في هذه الحروف إنما هو الاختصار، ألا ترى أنك إذا قلت: (ما قام زيد) فقد نابت (ما) عن (أنفي)، وإذا قلت: (هل قام زيد)؟ نابت (هل) عن (أستفهم) [[في (ج): (استفهام).]]، فوقوع الحرف مقام الفعل وفاعله غاية الاختصار، فلو ذهب [[عند أبي الفتح بن جني (فلو ذهبت تحذف ..) 1/ 269. وهو الأنسب للسياق.]] بحذف الحرف تخفيفا، لأفرطت في الإيجاز، لأن اختصار المختصر إجحاف [[في (ج): (حجازيه).]] به. وأما وجه ضعف زيادتها، فلأن الغرض [[عند أبي الفتح (فمن قبل أن الغرض في الحروف الاختصار ...) "سر صناعة الإعراب" 1/ 269.]] في الحروف الاختصار كما ذكرنا [[قال أبو الفتح (كما قد منا) "سر صناعة الإعراب" 1/ 269.]]، فلو ذهبت تزيدها لنقضت الغرض الذي قصدته، لأنك كنت تصير من الزيادة إلى ضد ما قصدته من الاختصار [[قال أبو الفتح بعده: (فاعرف هذا، فأن أبا علي حكاه عن الشيخ أبي بكر -يريد ابن سراج - رحمهما الله-، وهو نهاية في معناه، ولولا أن الحرف إذا زيد ... إلخ) "سر صناعة الإعراب" 1/ 270.]]، ولولا [[في (ب): (ولو).]] أن في الحرف إذا زيد ضرباً من التوكيد لما جازت زيادته البتة، كما أنه لولا قوة العلم بمكانه لما جاز حذفه البتة [[عند أبي الفتح: (لما جاز حذفه البتة، فإنما جاز فيه الحذف والزيادة من حيث أريتك، على ما به من ضعف القياس، وإذا كان الأمر كذلك ..) "سر صناعة الإعراب" 1/ 270.]]، وإذا كان الأمر كذلك فقد علمنا من هذا أنا [[عند أبي الفتح (أننا)، 1/ 270.]] متى رأيناهم قد [[في (ب): (فقد).]] زادوا فقد أرادوا غاية التوكيد [[في (ب): (للتوكيد).]]، كما أنا إذا رأيناهم قد حذفوا حرفاً فقد أرادوا غاية الاختصار، ولولا ذلك الذي أجمعوا عليه واعتزموه [[في (ب): (واعترفوه).]]، لما استجازوا زيادة ما الغرض فيه الإيجاز، وحذف [[عند أبي الفتح (ولا حذف) وفي الحاشية (لا) سقطت من (ب، ل، ش) "سر صناعة الإعراب" 1/ 270. لعل الواحدي اعتمد على إحدى هذِه النسخ.]] ما وضعه على نهاية الاختصار) [[انتهى ما نقله من "سر صناعة الإعراب" 1/ 269 - 270.]]. فإن قيل على هذا، فهل للقرآن مثل حتى يقال: ائت بمثله؟. قيل: أما في مقدور الله فنعم، وأما في مقدور البشر فلا، ولذلك [[في (ب): (وكذلك).]] صح أنه معجز والذي وقع به التحدي هو هذا النظم المخصوص والقراءة المعهودة، وهي مخلوقة [[هذا الكلام فيه إيهام وإشكال، حيث إن قوله: (والقراءة المعهودة، وهي مخلوقة) في احتمالان: أحدهما: أن يكون قوله: (والقراءة المعهودة مخلوقة) مستأنف -وهي كالجملة المعترضة- وعلى هذا الاحتمال: إن قصد بالقراءة. المقروء فهو باطل، لأن معناه القول بخلق القرآن، وإن قصد بالقراءة صوت القارئ فقوله: (وهي مخلوقة) صحيح، لكن إطلاق هذِه العبارة بدعة لم يستعملها السلف. وكان يمكن حمل كلام الواحدي على هذا، لولا قوله فيما بعد: (وما كان منظوما مؤلفا فمن الواجب أن يكون له في قدرة الله أمثال (فكأنه أراد الخلق، بينما الكلام صفة لله تعالى، والله يتكلم إذا شاء متى شاء. ثانيهما: أن يكون قوله: (والقراءة المعهودة) معطوف على قوله: (النظم المخصوص) فيكون قوله: (وهي مخلوقة) راجع إلى النظم والقراءة، وهذا على رأي الأشاعرة الذين يقولون بقدم الكلام النفسي، أما القرآن المتلو فهو عندهم حادث مخلوق، ولذلك صرح الإيجي في (المواقف) بأنهم يوافقون المعتزلة في أنه مخلوق قال: (قالت المعتزلة: أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ، أو جبريل أو النبي، وهو حادث ..) ثم قال: (ونحن لا ننكره) وقال: (فاعلم أن ما يقوله المعتزلة وهو خلق الأصوات والحروف وكونها حادثة قائمة فنحن نقول به، ولا نزل بيننا وبينهم في ذلك ...) "المواقف": ص 293 - 294. وجمهور المفسرين وفي مقدمتهم ابن جرير على أن المراد: من مثله في (البيان)، لأنه نزل بلسان عربي مبين، فكلام العرب له مثل في معنى العربية، وأما المعنى الذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين فلا مثل له من ذلك الوجه، ولا == نظير ولا شبيه. انظر: "تفسير الطبري" 1/ 165، "تفسير ابن عطية" 1/ 201 - 202، والنسفي في "تفسيره" 1/ 28، والبيضاوي في "تفسيره" 1/ 15، والخازن "تفسيره"1/ 89 ضمن مجموعة من التفاسير.]]، وما كان منظوماً مؤلفاً، فمن الواجب أن يكون له في قدرة الله أمثال، ولو لم يكن له مثل مقدور، لم يصح التحدي به، ألا ترى أن [التحدي لأن يأتوا بمثل القديم محال. لأنه لا مثل له. ويجوز أن] [[مابين المعقوفين ساقط من (ب).]] يكون [[في (ب): (تكون).]] الكناية في مثله يعود إلى قوله: ﴿عَلَى عَبْدِنَا﴾ وهو النبي ﷺ ومعناه: فأتوا بسورة من رجل أميّ، لا يحسن الخط والكتابة ولم يدرس الكتب [[سبق ذكر هذا القول انظر الهامش: 2/ 241. والقول الأول هو قول جمهور المفسرين. انظر "الطبري" 1/ 165. وابن كثير في "تفسيره" 1/ 63.]]. وقوله تعالى: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾. (الشهداء): جمع شهيد والشهيد يجوز أن يكون بمعنى: مشاهد كالجليس والشريب [[في (أ) و (ج): (السريب)، وفي "الوسيط" للواحدي (الشريب) 1/ 59.]] والأكيل والشريك، ويجوز أن يكون بمعنى: شاهد كالعليم [[في (ب): (كالعلم).]] والعالم، والقدير القادر، ويجوز أن يكون بمعنى: مشهود فعيل بمعنى مفعول، والشهود: الحضور، ومنه قوله تعالى ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ﴾ [البقرة: 185] أي حضر، والمشاهد للشيء: الحاضر عنده، وسمي الشاهد شاهداً: لأنه يخبر عما شاهد [[انظر. "تفسير الطبري" 1/ 167. "تهذيب اللغة" (شهد) 2/ 1942. "معجم مقاييس اللغة" (شهد) 3/ 221. "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي: ص 132. "مفردات الراغب" ص 268. "اللسان" (شهد) 4/ 2348.]] وسيأتي بيان معنى: الشهيد الذي قتل في سبيل الله، والشهادة على الشيء فيما بعد [[ذكر معنى الشهيد عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 140]، "البسيط" 1/ ل 209 من "النسخة الأزهرية".]]. فأما التفسير، فقال ابن عباس: (شهداءكم) يعني: أعوانكم وأنصاركم الذين يظاهرونكم على تكذيبكم [[أخرجه ابن جرير بسنده عن ابن عباس في "تفسيره" 1/ 166. وابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 64. وذكره السيوطي في "الدر" 1/ 77. وانظر "زاد المسير" 1/ 51. "تفسير ابن عطية" 1/ 202 - 203.]]. فعل هذا القول (الشهيد) بمعنى: المشاهد [[في (ب): (الشاهد).]]، وسمى أعوانهم شهداء، لأنهم يشاهدونهم عند المعاونة [[انظر "الطبري" في "تفسيره" 1/ 166، "تفسير ابن عطية" 1/ 203، (غريب القرآن) لابن قتيبة: 1/ 26، "زاد المسير" 1/ 51.]]، وهذا القول اختيار أبي إسحاق [[أي: الزجاج.]]، لأنه قال في تفسيره: ادعوا من رجوتم معونته [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 66.]]. و (الدعاء) على هذا القول بمعنى: الاستعانة، والعرب كثيراً ما تستعمل (الدعاء) في معنى الاستعانة، وذلك أن الإنسان إذا إستعان بغيره دعاه [[في (ب): (وعاه).]]، فلما كان في الاستعانة يحتاج إلى الدعاء، سمى الاستعانة دعاء [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 57 أ، وأبي الليث في "تفسيره" 1/ 102. "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 200. "زاد المسير" 1/ 50.]]. من ذلك قول الشاعر: دَعَوْتُ بني قَيْس إليَّ فَشَمَّرَتْ ... خَنَاذِيذُ مِنْ سَعْدٍ طِوَالُ السَّواعِدِ [[ورد البيت في "ديوان الحماسة" بشرح المرزوقي، وعزاه لبعض بنى فقعس 2/ 498، وورد في "البيان والتبيين"، وقال: قال القيسي، 2/ 11، وفي "الحيوان" وقال: قول بعض القيسيين من قيس بن ثعلبة 1/ 134، ومعنى البيت: يقول استغثت بهؤلاء القوم، فهب رجال لنصرتي كأنهم فحول، و (الخناذيذ): الكرام من الخيل، استعارها للكرام من الرجال.]] أي استعنت بهم. ألا تراه يقول: فَشَمَّرَتْ. وقالت امرأة من طيء: دَعَا دَعْوَةً يَوْمَ الشَّرى يَالَ مَالِكٍ ... ومَنْ لا يُجِبْ عِنْدَ الحَفِيظَة يُكْلَمِ [[ورد البيت في "ديوان الحماسة" بشرح المرزوقي 1/ 211، "معجم ما استعجم من البلدان" 3/ 785، "معجم البلدان" 3/ 330، وكلهم نسبوه لامرأة من طيئ. قيل: هي بنت بهدل بن قرفة الطائي، أحد لصوص العرب في زمن عبد الملك بن مروان. و (الشرى): مكان وقعت فيه الوقعة المذكورة، و (الحفيظة) الخصلة التي يحفظ الإنسان عندها أي يغضب. و (يكلم): يقتل أو يغلب.]] أي استعان بهم فلم ينصروه. وقال الفراء: يريد (آلهتهم)، يقول: استغيثوا بهم، وهو كقولك للرجل: إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين، معناه استغث [[في (أ) و (ج): (استغيث) وأثبت ما في (ب) لأنه أصوب، ومثله ورد في "معاني القرآن" للفراء.]] بالمسلمين [[في (ب): (بالمسلمين فمعناه). وبهذا انتهى كلام الفراء. انظر: "معاني القرآن" 1/ 19.]]. فالدعاء هاهنا بمعنى الاستغاثة [[وممن قال الدعاء هاهنا بمعنى الاستغاثة: ابن قتيبة في "غريب القرآن": ص 26، وانظر: "الطبري" في "تفسيره" 1/ 167، "زاد المسير" 1/ 49.]] والاستعانة قريب من السواء، وعلى هذا (شهيد) بمعنى مشهود، وآلهتهم كانت مشهودة لهم، لأنهم كانوا يشهدونها ويحضرونها. وروى عن مجاهد والقرظي [[هو محمد بن كعب القرظي، تابعي، ولد في حياة النبي ﷺ كان عالما بالتفسير، سقط عليه سقف المسجد فمات سنة مائة وثمان، وقيل: سنة سبع عشرة، وقيل: سنة عشرين ومائة. انظر "تهذيب التهذيب" 3/ 684، "غاية النهاية في طبقات القراء" 2/ 233.]] في قوله: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾ أي: ناسا يشهدون لكم على صدق [[(صدق) ساقط من (ج).]] ما قلتم وما تأتون به من معارضة للقرآن [[ذكره الثعلبي في (تفسيره) 1/ 57 أ، والرواية عن مجاهد أخرجها "الطبري" من عدة طرق 1/ 167، وابن أبي حاتم 1/ 64، وذكرها ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 51، وابن كثير 1/ 63.]]. فإن قيل: كان يمكنهم أن يعارضوه بما هو دونه في الفصاحة ثم يأتوا بقوم يشهدون لهم بالباطل أنه مثل القرآن. قيل: إن الله سبحانه أعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن، وصرفهم أيضًا عن [[في (ب): (على).]] الشهادة على ما هو باطل وفاسد بأنه مثل القرآن، ألا ترى أنه لم يوجد منهم هذا [[عبارة الواحدي فيها إيهام حيث قال: (أعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن ...) ثم عطف عليه وقال: (وصرفهم -أيضاً- عن الشهادة على ما هو باطل)، فقوله (أعجز) إن كان بمعنى: (تحدي) فصحيح، وإن كان بمعنى (منع) فباطل، إذ حقيقة == ذلك القول بالصرفة، وهو قول النظام من المعتزلة حيث قال: إن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم، وكان مقدورا لهم، ولكن عاقهم أمر خارجي، وهذا القول مردود عند جماهير العلماء، انظر: "البرهان" 2/ 93 - 94، "البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن": ص 53.]]، ولو أمكنهم ذلك [[(ذلك) ساقط من (ج).]] لفعلوا، ولا ترى للقرآن معارضة بوجه سواء كان فصيحاً أو ركيكاً، إلا شهد المخالف والموافق [[(الموافق) ساقط من (ب).]] بركاكته. وعلى هذا القول [[أي قول المجاهد: ادعوا ناسا يشهدون لكم. وقد ضعف ابن جرير هذا القول، وقال. لا وجه له، وقال: إن القوم كانوا على عهد رسول الله ﷺ ثلاثة أصناف، أهل إيمان صحيح، وأهل كفر صحيح، وأهل نفاق، فأهل الإيمان من المحال أن يدعي الكفار أنهم لهم شهداء، فمن أي الفريقين يكون شهداؤهم؟ انظر. "تفسير الطبري" 1/ 167.]] (شهيد) بمعنى: شاهد. وقوله تعالى: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. (دون) يرد في الكلام على معان كثيرة [[ذكر هذِه (المعاني) مفصلة الأزهري حيث قال: لـ (دون) تسعة معان، ثم أخذ في شرحها كما نقل المؤلف هنا، انظر: "التهذيب" 2/ 1249، وانظر: "البرهان" 4/ 275، "الإتقان" 2/ 235، "اللسان" (دون) 3/ 1460. قال السمين الحلبيّ: (دون) من ظروف الأمكنة، ولا تتصرف على المشهور إلا بالجر بـ (من)، وزعم الأخفش أنها متصرفة .. وهو من الأسماء اللازمة للإضافة ... وأما (دون) التي بمعنى رديء فتلك صفة كسائر الصفات .. وليست مما نحن فيه. "الدر المصون" 1/ 202.]]، يكون بمعنى: (قبل) كقولك: دون النهر قتال. ودون قتل الأسد أهوال، وقمت دون فلان، إذا نضحت عنه [["تهذيب اللغة" (دون) 2/ 1249.]]، ومنه قول الحارثي [[في (ج): (الحاوي). والحارثي هو جعفر بن علبة، بضم العين، ينتهي نسبه إلى كعب ابن الحارث، شاعر غزل مقل، عاش في الدولة الأموية وأدرك العباسية. انظر: "الخزانة" 10/ 310.]]: ......... وأنَّى تَخَلَّصَتْ ... إليَّ وبابُ السَّجْنِ دُونِيَ مُغْلَقُ [[البيت من قصيدة لجعفر بن علبة وصدره: عَجِبْتُ لمسْرَاها وأنَّى تَخَلَّصَتْ يقول: عجبت من سير هذا الخيال إلي مع أن باب السجن موثق بيني وبينها. أورد القصيدة أبو تمام في "ديوان الحماسة" 1/ 51 - 52، بشرح المرزوقي، والبغدادي في "الخزانة" 10/ 307.]] ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "المقتول دون ماله شهيد" [[أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو "من قتل دون ماله فهو شهيد" البخاري في كتاب المظالم، باب من قتل دون ماله، حديث رقم (2480). ومسلم (141) كتاب الإيمان، باب: هدر دم من قصد أخذ مال غيره بغير حق. وأخرجه أحمد في "مسنده" 2/ 221 - 223. مع بعض الاختلاف في لفظه، وأبو داود عن سعيد بن زيد بنحو لفظ البخاري ومسلم، (4772) كتاب السنة، باب قتال اللصوص، والترمذي عن سعيد بن زيد وعبد الله بن عمرو (1419) (أبواب الديات)، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، والنسائي عن عبد الله بن عمرو في كتاب تحريم الدم، باب من قتل دون ماله 7/ 114، وابن ماجه عن سعيد بن زيد وعن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة بلفظ آخر، في (2580) كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد).]]. ويكون (دون) بمعنى: (وراء)، كقولك: (هو أمير على ما دون جَيْحُون) [[(جيحون) نهر عظيم في خراسان. انظر: "معجم البلدان" 2/ 196.]]، أي على ما وراءه [["التهذيب" 2/ 1249، "اللسان" 3/ 1460.]]. ويكون بمعنى: (تحت)، يقال: هو دونه، أي تحته [["تهذيب اللغة" 2/ 1249. "اللسان" 3/ 1460.]]. ويكون بمعنى: (غير)، يقال: هذا دون ما ذكرت، أي غيره، قال الله تعالى ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الأنبياء: 82] يريد غير الغوص من البناء وغيره، والذي في هذه الآية بمعنى: غير [[في "تهذيب اللغة": عن الفراء: (.... ودون ذلك الغوص يريد سوى الغوص، من البناء ..)، (التهذيب) 2/ 1249، انظر "اللسان" 3/ 1460.]]. ويكون (دون) بمعنى: (خذ) وهو بمعنى الإغراء، يقال: دونك زيدا، أي خذه [["تهذيب اللغة" تكون بمعنى الأمر دونك الدرهم أن خذه وفي الإغراء دونك زيداً أي الزم زيدًا في حفظه.]]، قال الشاعر: يَا أيَّها المَائِحُ دَلْوِي دُوَنكَا [[سبق البيت وتخريجه: الفاتحة: 2، والشاهد فيه هنا: أنه استعمل (دون) بمعنى خذ، أي خذ دلوي، انظر: "مغني اللبيب" 2/ 618،609، "الخزانة" 6/ 200.]] ويكون بمعنى: (الوعيد)، كقولك: دونك فتمرس بي [[في "التهذيب": (الوعيد كقولك: دونك صراعي، ودونك فتمرس بي)، 2/ 1249، "اللسان" دون 3/ 1460.]]. قال الشاعر: فَدُوَنُكما فَمَا قَيْسٌ بِشَحْمٍ ... لمُخْتَلِس وَلاَ فقعٍ بِقَاع [[لم أعثر عليه، ولم أعرف قائله.]] ويكون (دون) بمعنى: (القريب)، يقال: اُدن دونك، أي اقترب [[ذكره الأزهري عن شمر عن أبن الأعرابي، "تهذيب اللغة" 2/ 1249، وانظر "اللسان" 3/ 1460.]]، قال زهير بن جناب [[في (ب): (حباب)، وفي "تهذيب اللغة" (خباب) 2/ 1249، ومثله في "اللسان" == 3/ 1460. وهو زهير بن جناب الكلبي شاعر جاهلي قديم، من المعمرين، انظر ترجمته في: "الشعراء والشعراء" 17/ 240. "طبقات الشعراء" للجمحي: ص 37.]]: وَإِنْ عِفْتَ هذا فَادْنُ دُوَنكَ إنَّني ... قَلِيلُ الغِرَارِ والشَّرِيجُ شِعَارِي [[ورد البيت في "تهذيب اللغة" (دون) 2/ 1249، "اللسان" (دون) 3/ 1460، وقوله: (الغرار): النوم، و (الشريج): القوس.]] (الشريج) القوس، وقول الأعشى: يَزِيدُ يَغُضُّ الطَّرْفَ دُونِي ... [[البيت من قصيدة للأعشى يهجو يزيد بن مسهر الشيباني، والبيت: يزيد يغض الطرف دوني كأنما ... زوى بين عينيه عليّ المحاجم انظر. "ديوانه": ص 178، "تهذيب اللغة" (دون) 2/ 1249، "اللسان" (دون) 3/ 1460.]] قال أبو الهيثم: أي: فيما بيني وبينه من المكان، يقال: اُدن دونك، أي: اقترب مني فيما بيني وبينك [["تهذيب اللغة" (دون) 2/ 1249، "اللسان" 3/ 1460.]]. ويكون (دون) بمعنى: (الخسيس) من قولهم: رجل دون، أي خسيس، ولم يصرّف فعله [[ذكر الأزهري نحوه عن الفراء وعن الأصمعي، "تهذيب اللغة" (دون) 2/ 1249، وانظر: "اللسان" 3/ 1460.]]. ويكون بمعنى: (أقل من ذا) [[ذكره الأزهري عن سلمة عن الفراء، "تهذيب اللغة" 2/ 1249، "اللسان" 3/ 1460.]]، كقولك: يكفيني [[في (ب): (يلقني).]] دون هذا. فأما قوله في هذه الآية: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي غير الله [[انظر: "الطبري" 1/ 167، "القرطبي" 1/ 200، "الدر المصون" 1/ 201.]]، كما يقال: ما دون الله مخلوق، يريد: وادعوا من اتخذتموه معاونين من غير الله على تفسير ابن عباس [[وهو أن المراد بـ (شهدائكم) أنصاركم وأعوانكم الذين يظاهرونكم على تكذيبكم كما سبق: 2/ 247.]]. وعلى قول الفراء [[قول الفراء: (شهدائكم) آلهتكم سبق في 2/ 248، وانظر: "معاني القرآن" 1/ 19، "الدر المصون" 1/ 201.]] يقول: ادعوا من اتخذتم إلها من دونه. وعلى [[الواو ساقطة من (أ) و (ج)، وانظر قول القرظي ومجاهد: 2/ 249.]] قول القرظي ومجاهد، يقول: ادعوا من يشهد لكم دون الله، فإن الله تعالى لا يشهد [[في (ج): (لا شهد).]] لكم بالصدق، كما يشهد لمحمد، فاطلبوا غيره شهداء إن كنتم صادقين في أن هذا الكتاب يقوله محمد من نفسه، وأنه ليس من عند الله، وفي قولكم: لو أردنا لأتينا بمثله [[انظر: "تفسير الثعلبي"1/ 57 أ، و"تفسير الطبري" 1/ 167، "الدر المصون" 1/ 201.]]. وقال أبو علي الجرجاني [[هو أبو علي الجرجاني صاحب "نظم القرآن"، وكتابه مفقود.]]: نظم الآية: فأتوا بسورة من مثله من دون الله وادعوا شهداءكم، أي من مثل القرآن من غير الله، يريد أن محمدا يأتي بالقرآن من عند الله، فأتوا أنتم إن استطعتم بمثل القرآن من غير الله. قال. ومثل هذا قوله: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [[قوله: ﴿وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ ساقط من (ب).]] [هود: 13]، ونظمه: فأتوا بعشر سور مثله مفتريات من دون الله، وادعوا من استطعتم من الناس، معنى (ادعوا): استعينوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب