الباحث القرآني
(p-٣٦٤٦)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٦ ] ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ وقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وإنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقابِ﴾
﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ﴾ أيْ: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعُقُوبَةِ قَبْلَ العافِيَةِ والسَّلامَةِ مِنها، وذَلِكَ أنَّهم سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أنْ يَأْتِيَهم بِالعَذابِ اسْتِهْزاءً مِنهم بِإنْذارِهِ.
قالَ الشِّهابُ: والمُرادُ بِكَوْنِها قَبْلَ الحَسَنَةِ، أنَّ سُؤالَها قَبْلَ سُؤالِها، أوْ أنَّ سُؤالَها قَبْلَ انْقِضاءِ الزَّمانِ المُقَدَّرِ لَها!.
﴿وقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ﴾ أيْ: عُقُوباتٌ أمْثالُهم مِنَ المُكَذِّبِينَ. فَما لَهم لا يَعْتَبِرُونَ بِها ولا يَخْشَوْنَ حُلُولَ مِثْلِها؟ أوِ العُقُوباتُ الَّتِي يُضْرَبُ بِها المَثَلُ في الشِّدَّةِ. والجُمْلَةُ حالِيَّةٌ أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ. و(المَثُلاتُ) قِراءَةُ العامَّةِ فِيها فَتْحُ المِيمِ وضَمُّ الثّاءِ جَمْعُ مَثُلَةٍ -كَسُمْرَةٍ وسَمُراتٍ- وهي العُقُوبَةُ الفاضِحَةُ. سُمِّيَتْ بِها لِما بَيْنَ العِقابِ والمُعاقَبِ عَلَيْهِ مِنَ المُماثَلَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠] أوْ هي مَأْخُوذَةٌ مِنَ المِثالِ بِمَعْنى القِصاصِ، يُقالُ: أمْثَلْتُهُ وأقْصَصْتُهُ بِمَعْنًى واحِدٍ، أوْ هي مِنَ المَثَلِ المَضْرُوبِ لِعِظَمِها. وقُرِئَ بِفَتْحِ المِيمِ وسُكُونِ المُثَلَّثَةِ، وهي لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ، وقُرِئَ بِضَمِّ المِيمِ وسُكُونِ المُثَلَّثَةِ، وقُرِئَ بِفَتْحِهِما وبِضَمِّهِما.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ﴾ مِنَ النّاسِ مَن حَمَلَ المَغْفِرَةَ عَلى المُتَعارَفِ مِنها، وهو مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ مُطْلَقًا إلى حَيْثُ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلى التَّقْيِيدِ في غَيْرِ المُوَحِّدِ، فَإنَّ ظُلْمَهُ -أعْنِي شِرْكَهُ- لا يُغْفَرُ.. وما عَدا الشِّرْكَ فَغُفْرانُهُ في المَشِيئَةِ. ومِنهم مَن ذَهَبَ إلى أنَّ المَغْفِرَةَ مُرادٌ بِها مَعْناها اللُّغَوِيُّ. وهو السَّتْرُ والصَّفْحُ، بِالإمْهالِ وتَأْخِيرِ العِقابِ إلى الآخِرَةِ، أيْ: إنَّهُ ذُو صَفْحٍ عَظِيمٍ لا يُعاجِلُ بِالعُقُوبَةِ. مَعَ أنَّهم يَظْلِمُونَ ويُخْطِئُونَ (p-٣٦٤٧)بِاللَّيْلِ والنَّهارِ. كَما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِن دابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥] وهَذا التَّأْوِيلُ أنْسَبُ بِالسِّياقِ الرَّهِيبِ!.
وعَجَبٌ مِنَ الشِّهابِ حَيْثُ وافَقَ الرّازِيَّ في دَعْواهُ (إنَّ تَأْخِيرَ العِقابِ لا يُسَمّى مَغْفِرَةً؛ لِأنَّهُ مُخالِفٌ لِلظّاهِرِ، ولِاسْتِعْمالِ القُرْآنِ، ولِلُزُومِهِ كَوْنَ الكُفّارِ كُلِّهِمْ مَغْفُورًا لَهم لِأجْلِ تَأْخِيرِ عِقابِهِمْ إلى الآخِرَةِ) ولا يَخْفاكَ صِحَّةُ تَسْمِيَتِهِ مَغْفِرَةً؛ لِأنَّها في اللُّغَةِ السَّتْرُ، ومِن أفْرادِهِ السَّتْرُ بِالإمْهالِ؟ ودَعْوى أنَّهُ مُخالِفٌ لِلظّاهِرِ ولِاسْتِعْمالِ القُرْآنِ، تَحَكُّمٌ بَحْتٌ عَلى أُسْلُوبِ القُرْآنِ، بِإرْجاعِهِ إلى ما أصَّلُوهُ. مَعَ أنَّ التَّحاكُمَ إلَيْهِ في الفُرُوعِ والأُصُولِ، وهو الحُجَّةُ في اللُّغَةِ والِاسْتِعْمالِ! ودَعْوى فَسادِ اللُّزُومِ وتَهْوِيلِ خَطْبِهِ فارِغَةٌ؛ لِأنَّهُ لا مَحْذُورَ في ذَلِكَ، لا سِيَّما وهو المُناسِبُ لِاسْتِعْجالِهِمُ العَذابَ المَذْكُورَ قَبْلُ، فالتَّلازُمُ صَحِيحٌ! ثُمَّ مِنَ المُقَرَّرِ أنَّ القُرْآنَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَهَذِهِ الآيَةُ في مَعْناها كَآيَةِ ﴿ولَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ﴾ [النحل: ٦١] إلَخْ. فَما ذُكِرَ مِنَ التَّأْوِيلِ مُؤَيَّدٌ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَتَفَطَّنْ ولا تَكُنْ أسِيرَ التَّقْلِيدِ..!
ولَمّا بَيَّنَ تَعالى سِعَةَ حِلْمِهِ، قَرَنَهُ بِبَيانِ قُوَّةِ عِقابِهِ؛ لِيَعْتَدِلَ الرَّجاءُ والخَوْفُ، فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقابِ﴾ أيْ: لِمَن شاءَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿فَإنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكم ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ ولا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٧] وقالَ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقابِ وإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٦٧] وقالَ سُبْحانَهُ: ﴿نَبِّئْ عِبادِي أنِّي أنا الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الحجر: ٤٩] ﴿وأنَّ عَذابِي هو العَذابُ الألِيمُ﴾ [الحجر: ٥٠]
{"ayah":"وَیَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّیِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَـٰتُۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةࣲ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق