الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾، قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 305.]]: يريد العذاب قبل الرحمة [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]]. وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 139.]]: أي يطلبون العذاب بقولهم ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: 32] قال المفسرون [[الثعلبي 7/ 121 ب، والطبري 13/ 105، وقد روى هذا المعنى عن قتادة وغيره، و"زاد المسير" 4/ 305، والقرطبي 9/ 284.]]: يعني مشركي مكة؛ سألوا رسول الله ﷺ أن يأتيهم العذاب استهزاءً منهم بذلك، كما أخبر عنهم في آية أخرى بقوله ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: 32] الآية، فالمراد بالسيئة هاهنا العقوبة المهلكة والعذاب، والحسنة هي العافية والرخاء، والله تعالى صرف عمن بعث إليه محمد ﷺ عقوبة الاصطلام [[الاصطلام: الاستئصال، واصطُلِمَ القوم: أبيدوا، والاصطلام: إذا أبيد قوم من أصلهم. انظر: "تهذيب اللغة" (صلم) 2/ 2047، و"اللسان" (صلم) 4/ 2489.]]، وأخّر تعذيب مكذبيه إلى يوم القيامة، فذلك التأخير هو الحسنة. قال أهل المعاني: وهي إحسانه بالإنظار في حكم [[في (ب): (في حلم).]] الله أن يمهل هذه الأمة للتوبة، ثم يأخذ من أقام على الكفر بالعقوبة، وهؤلاء الكفار استعجلوا العذاب قبل إحسان الله معهم بالإنظار. وقوله تعالى ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾ العرب [["تهذيب اللغة" (مثل) 4/ 3342، واللسان" (مثل) 7/ 4135.]] تقول للعقوبة: مَثُلة ومُثُلَة، مثل: صَدُقة وصًدُقَة، فالأولى لغة الحجاز، والثانية لغة تميم، ومن قال: مَثُلَة، جمعها مَثُلات، ومن قال: مُثْلَة، جمعها علي مُثُلات ومَثْلات، ومُثْلات، بإسكان الثاء، وهذا معنى قول الفراء [["معاني القرآن" 2/ 59.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 139.]] وبعض عبارتهما. وقال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 306.]]: المثُلَة: العقوبة المبقية في المعاقَب شيئًا بتغيير بعض خَلْقه، الذي إذا أفسد قبحت معه الصورة، وهو من قولهم: مثَّل فلان بفلان، إذا شأن خَلْقه بقطع أنفه أو [[في (ب): (أنفه وأذنه).]] أذنه أو سمل عينه أو بقر بطنه، يُمثّل مَثْلا بفتح الميم وسكون الثاء، فهذا الأصل، ثم يقال للعار الباقي والخزي اللازم: مُثْلَه. انتهى كلامه. وأصل هذا الحرف من المثل الذي هو الشبه. قال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 323 قال: واحدتها مَثُلة ومجازها مجاز الأمثال.]]: المثُلات هي الأمثال والأشباه والنظائر، يريد العقوبات التي يشبه بعضها بعضًا في الإهلاك، كعقوبات الأمم الماضية، ونحو هذا قال ابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" ص 230.]]. وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 140.]]: المعنى أنهم يستعجلون بالعذاب، وقد تقدم من العذاب ما هو مُثْلة، وما فيه نكالٌ لهم لو اتعظوا، فقوله: تقدم من العذاب ما هو مُثْلة، دليل على ما ذكرنا، وقال بعضهم: المثلات العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله. قال ابن عباس في قوله ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾، قال: ما مثّل الله بالمكذبين قبلهم، والذي يدل من التفسير على ما ذكرنا من الاشتقاق، ما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد [[الطبري 13/ 105، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2223، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 86.]]، في قوله ﴿الْمَثُلَاتُ﴾ قال: الأمثال، قال أبو بكر: العقوبة يتذاكرها [[في (ج): (يتذاكراها).]] الناس ويضربون بها الأمثال، [فسمي باسم هو من سببها، وعلى هذا سميت العقوبات أمثالًا لما يضرب بها من الأمثال] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]]، والصحيح في اشتقاق المُثْلة أنها العقوبة الظاهرة من قولهم: مثل الشيء، إذا ظهر وانتصب قائمًا، ومنه قول لبيد [[البيت في "ديوانه" ص 143، و"ديوان الأدب" 3/ 229، وكتاب "العين" 2/ 132، 7/ 423، و"تاج العروس" 15/ 684 (مثل)، و"مقاييس اللغة" 2/ 478، و"المعاني الكبير" ص 1101، و"تهذيب اللغة" (مثل) 4/ 3343، و"اللسان" (مثل) 7/ 4135. والوارد والصادر: الطريق، وهم. واسع ضخم، صوى الطريق: أعلامه، قد مثل: شخص وبرز.]]: ثم أصْدَرْنَاهُمَا في وارِدٍ .... صَادرٍ وهمٍ صُوَاه قد مَثَلْ أي انتصب وظهر، قال الأزهري [["تهذيب اللغة" (مثل) 4/ 3342.]] في هذه الآية: يقول يستعجلونك بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم ذلك عن الكفر، خوفًا أن ينزل بهم مثل الذي نزل بمن كفر قبلهم. وقوله تعالى ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 6306.]]: لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا وصدقوا، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ للمصرِّين على الشرك، ونحو هذا قال الحسن [["تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 294 بنحوه.]]: ﴿لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ بالتوبة منه، فعلى هذا المراد بالناس المشركون وهو الظاهر؛ لأن الآية نازلة فيهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب