الباحث القرآني

في: ﴿الذين يَبْخَلُونَ﴾ سَبْعَة أوجه: أحدها: أن يكُون مَنْصُوباً بدلاً مِنْ «مَنْ» ، وجُمِعَ حَمْلاً على المَعْنَى. الثاني: أنه نَصْب على البَدَل من ﴿مُخْتَالاً﴾ وجُمِعَ أيضاً لما تقَدَّم. الثالث: أنه نُصِبَ على الذَّمِّ. قال القرطبِي: ويجوز أن يكُون مَنْصوباً بإضْمَار «أعْنِي» ، وقالَ: ولا يجوز أن يكون صِفَة؛ لأن «مَنْ» و «ما» لا يوصفان ولا يُوصَفُ بهما. الرابع: أنه مُبْتَدأ وفي خَبَره قولان: أحدُهُما: محذوف فَقَدَّرهُ بعضُهم: «مبغضون» لدلالة «إن الله لا يحب» [وبعضهم:] «معذبون» ؛ لقوله: «وأعتدنا للكافرين عذاباً» . وقدَّره الزمخشري «أحقَّاء بكل مَلاَمَة» ، وقدره أبو البَقَاء: أُولَئِكَ أوْلِيَاؤُهُم الشَّيْطَان. والثاني: أن قوله: ﴿إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: 40] ويكون قوله: [ ﴿والذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَآءَ الناس﴾ ] [النساء: 38] عطفاً على المُبْتدأ والعَائِد مَحْذُوفٌ، والتقدير: الذين يَبْخَلُون، والَّذين يُنْفِقُون أموالهم، [رئاء النَّاسِ] ﴿إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: 40] ، [أو مثقال ذرة] لَهُم، وإليه ذَهَب الزَّجَّاج وهذا متكَلَّف جدًّا؛ لكثرة الفَواصِل ولقَلَقِ المَعْنَى أيضاً. الخامس: أنه خبر مُبْتَدَ مُضْمَر، أي: هم الذين. السادس: أنه بَدَلٌ من الضَّميرِ المستكن في ﴿فَخُوراً﴾ ذكره أبو البَقَاء، وهو قلق. السابع: أنه صِفَة ل «مَنْ» ؛ كأنه قيل: لا يُحِبُّ المختالَ الفَخْور البَخِيل. وفي البخل أرْبَع لُغاتٍ: فتح الخَاءِ والبَاء مثل الكَرَم، وبها قرأ حَمْزَةُ والكسائي، وبِضمِّهَا ذكره المُبرِّد، وبها قرأ الحَسَنُ وعِيسَى بن عُمَر، وبفتح البَاءِ وسُكُون الخَاء، وبها قرأ قتادةُ وابن الزبير، وبضم الباء وسكون الخاء، وبها قرأ الجمهور. والبُخْلُ والبَخَلُ؛ كالحُزْنِ والحَزَن، والعُرْبِ والعَرَبِ. قوله: ﴿بالبخل﴾ فيه وجْهَان: أحدهما: أنه متَعلِّق ب «يَأمُرُونَ» ، فالبَاء للتَّعْدِية على حَدّ أمرتك بِكَذَا. والثَّاني: أنها باء الحاليّة والمأمور مَحْذُوف، والتَّقْدير: ويأمرون النَّاسَ بشكرهم مع التباسِهِم بالبُخل، فيكون في المعنَى؛ لقولا الشَّاعر: [البسيط] 1795 - أجْمَعْتَ أمْرَيْنِ ضَاعَ الحَزْمُ بَيْنَهُمَا ... تِيهَ المُلُوكِ وأفْعَالَ المَمَالِيكِ فصل قال الواحدي: البُخْلُ في كلامِ العَرَب عبارة عن مَنْع الإحْسَان، وفي الشَّرِيعَةِ عبارة عن مَنْعِ الوَاجِبِ. قال ابن عبَّاس: نزلت في اليَهُود، بخلوا بِبَيَان صِفَة محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكَتمُوها. وقال سعيد بن جبير: هَذَا في كِتْمَان العِلْمِ. وقال ابن عبَّاسٍ وابن زيد: نَزَلَتْ في كردم بن يزيد، وحُيَيٍّ بن أخْطَب، ورِفَاعة بن التَّابُوت وأسَامة بن حَبِيبٍ، ونَافِع بن أبِي نافع، وبحري بن عمرو، وكانُوا يأتُون رجالاً من النْصَارِ يُخَالِطُونَهُم، فيقولون: لا تُنْفِقُوا أموالكُم، فإنّا نَخْشَى عليكم الفَقْرَ ولا تَدْرُون مَا يَكُون، فأنزل هذه الآية. وقيل: إنها عَامَّة في البُخْلِ بالعِلْم والدِّين والمَالِ: لأن البخل مَذْمُومٌ واللفظ عامٌّ. قال القرطبي: والمراد بهذه الآيَةِ في قَوْل ابن عبَّاس وغيره: اليَهُود؛ لأنهم جمَعُوا بين الاختيال والتَّفاخر، والبخل بالمَالِ، وكِتْمَان ما أنْزَل الله في التَّوْرَأة من صِفَةِ محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقيل المراد: المُنَافقُون الذي كان إنْفاقهم وإيمانهم تقية. قوله: ﴿وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ يعني المال، وقيل: يَبْخَلُون بالصَّدَقَة، وقوله: ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ ، يجوز أن يتعلَّق ب ﴿آتَاهُمُ﴾ أو بمَحْذُوف على أنه حالٌ من «مَا» ، أو من العَائِد عَلَيْها. قال تعالى ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً﴾ فصَّل الله - تعالى - تَوعُّدَ المؤمنين البَاخِلين من تَوَعُّد الكَافِرِين، بأن جعل الأوَّل عدم المَحبَّة، والثّضاني عذاباً مُهِيناً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب