الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا﴾ [النساء ٣٧- ٣٩]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تبارك وتعالى في ختام آية الحقوق العشرة: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ قال في ختام هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ مختالًا في هيئته، فخورًا في لسانه بقوله، والمراد بالفخور: الذي يتحدث بما هو عليه من الصفات افتخارًا على الناس لا إخبارًا بنعمة الله عز وجل، فأما إذا كان إخبارًا بنعمة الله فإنه تحدُّثٌ بنعمة الله وهو مشروع، بيَّن من صفات هذا المختال الفخور قال: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ يجوز أن تكون بدلًا من ﴿مَنْ﴾ في قول الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ باعتبار المعنى؛ لأن (مَن) مفردة اللفظ مجموعة المعنى؛ يعني صالحة للجمع والمفرد؛ ولفظها ﴿مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ مفرد، ويجوز أن يوصف بالجمع باعتبار المعنى؛ فـ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ يجوز أن تكون صفة لـ﴿مَنْ﴾، ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف؛ التقدير: هم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل. وقوله: ﴿بِالْبُخْلِ﴾ فيها قراءتان: ﴿بِالْبُخْلِ﴾ و﴿بِالْبَخَلِ﴾ ، فقوله: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ ما معنى البخل؟ البخل هو إمساك ما يجب بَذْله، إمساك ما يجب بذله بخل مِن مال أو علم أو جاه أو عمل، كل ما يجب بذله من هذه الأشياء فإنه بخل، ولهذا جاء في الحديث عن النبي ﷺ: «الْبَخِيلُ مَنْ إِذَا ذُكِرْتُ عِنْدَهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»[[أخرجه الترمذي (٣٥٤٦) عن الحسين بن علي.]]. اللهم صلِّ وسلم عليه، هذا بخل بأيش؟ بما يجب من عمل. وما يجب من جاهٍ كالشفاعة الواجبة إذا بَخِل بها الإنسان فإن هذا بُخْل، وما يجب من مال -وأعلاه الزكاة- هذا البخل فيما يجب من المال، والرابع: ما يجب من العِلم، هذا أيضًا بُخْل، وهو من أشد أنواع البخل؛ ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران ١٨٧]، وفي الحديث: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه الترمذي (٢٦٤٩) وابن ماجه (٢٦٦) وأبو داود (٣٦٥٨) من حديث أبي هريرة.]]، فهذه أنواع البخل، فيه أيضًا البخل بالبدن، خامس، البخل بالبدن؛ إذا وجب عليك إعانة مسلم كإنقاذه من حريق أو غرق أو هدم أو غير ذلك فلم تفعل فإنك تكون من أهل البخل. إذن تعريف البخل هو منع ما يجب بَذْله من مال أو علم أو عمل أو جاه أو بدن، وإن شئنا أدخلنا كلمة –الأخيرة- بدن بالعمل؛ لأن حقيقة الأمر أنه عمل. ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ فيتعدى ضررهم إلى غيرهم، إذا جاءهم من يستشيرهم في أمر فيه بَذْل قالوا: لا، ما له داعٍ، ادخر مالك، ربما تحتاجه في المستقبل؛ بل إذا رأوا من يريد أن ينفق وإن لم يستشرهم ذهبوا يأمرونه بالبخل. ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ يكتمونه: يسترونه، و﴿مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ يشمل ما آتاهم من فضله من المال أو ما آتاهم الله من فضله من العلم أو غير ذلك، كل ما آتاهم الله من فضله يتسترون به، لماذا؟ لئلَّا يلومهم الناس إذا بخلوا؛ فإنهم إذا كتموا ما عندهم مما آتاهم الله من فضله لم يعلم الناس أن عندهم فضلًا يمكن أن يبذلوه، فيكتمون لئلَّا يلومهم الناس إذا بخلوا به. وقوله: ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: من عطائه وإفضاله. ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ ﴿أَعْتَدْنَا﴾ يعني هيَّأْنا وأعددناه لهم، والكافرون هم الذين كفروا بالله ورسوله، والكفر أنواع كثيرة؛ منه أصغر، ومنه أكبر، والأكبر قولي وفعلي وجحدي، وهو أنواع معروفة عند أهل العلم، ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد، وذكره المتكلمون على التوحيد في أبواب التوحيد. وقوله: ﴿عَذَابًا مُهِينًا﴾ أي: ذا إهانة يُهينهم ويُذِلُّهم؛ لأنهم كما مرَّت عليكم آيات كثيرة أنهم إذا دخلوا النار وُبِّخوا عليها -على أعمالهم- وقيل لهم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾، وفي هذا إهانة لهم مع ما هم عليه من العذاب الأليم. وهنا في هذه الآية: إظهار في موقع الإضمار وهو قوله: ﴿أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ﴾ ولم يقل: أعتدنا لهم، والإظهار في موضع الإضمار له فوائد: * منها: إرادة العموم، فإن قوله: ﴿أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ﴾ يشمل هؤلاء وغيرهم. * ومنها: الحكم على هؤلاء بما يقتضيه هذا الوصف، والذي معنا هو وصف الكفر، فيكون هؤلاء الذين ذكرهم الله هم الكافرون. * ومنها: إفادة عِلّية الحكم المذكور لهؤلاء؛ لأن الوصف الذي علق عليه الحكم يكون علّة لذلك الحكم، ولهذا من القواعد المقررة أن الحكم إذا علّق بوصف فإنه يقوى بقوة ذلك الوصف ويضعف بضعف ذلك الوصف. * من فوائد هذه الآية: ذم البخل، وهو أنواع؛ البخل بما يجب شرعًا أعظم من البخل بما يجب عرفًا، والبخل بالفضل دون البخل بالواجب، أعرفتم؟ الضيافة مثلًا تجب يومًا وليلة، البخل فيها أشد من البخل في كامل الضيافة، وهو ثلاثة أيام، فمن بخل بيوم وليلة أشد ذمًّا ممن بخل بثلاثة أيام. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين أساؤوا في عملهم كانوا دعاة سوء يأمرون الناس بالبخل، وأيما أشد الأمر بالبخل أو الدعوة للبخل؟ الأمر بالبخل، وعلى هذا فيكونون آمرين ومن باب أولى داعين للبخل فيكونون دعاة سوء. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: ذم من يكتم ما آتاه الله من فضله، والكتمان نوعان: كتمان فعلي، وكتمان قولي؛ الكتمان الفعلي ألا يُرى أثر نعمة الله على العبد، يعطيه الله المال، فيخرج إلى الناس بلباس الفقراء وبمركوب الفقراء لا تعفّفًا ولكن بخلًا، هذا أيش؟ كتمان فعلي، الكتمان القولي أن يتحدث عند الناس فيقول: أنا ليس عندي مال، أنا متوسط الحال أو يزيد، ويقول: أنا فقير، أو ما أشبه ذلك، هذا كتمان قولي، فالآية تدل على ذم كتمان ما آتى الله من فضله. * ومن فوائد هذه الآية: الثناء على الكرماء الآمرين بالكرم المظهرين للفضل، من أين تؤخذ؟ أنه إذا ذُمّ الشيء فضده ممدوح، فالكرماء والآمرون بالكرم، والمظهرون لفضل الله لا شك أنهم يُمدحون على هذا، ولهذا جاء في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَةً أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ»[[أخرجه الترمذي (٢٨١٩) من حديث عبد الله بن عمرو.]]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ما بنا من النعم فهو من الله؛ لقوله: ﴿مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فالنعم كلها من الله كما قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل ٥٣]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هذه الصفات صفات كفر؛ لقوله: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات وجود النار، هل يمكن هذا؟ يعني يمكن يؤخذ من الآية؟ من قوله: (أعتدنا) بمعنى (هيَّأنا)، إذن النار وعذاب الكافرين مهيّأ الآن، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن النار والجنة موجودتان الآن، وأنهما لا تفنيان.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب