الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾. جائز أن يكون موضع (الذين) نصبًا على البدل [[على البدل من من قوله: (من كان مختالًا). انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 416.]]. المعنى: أنَّ الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا، ولا يحب الذين يبخلون. وجائز أن يكون رفعه على الابتداء ويكون الخبر: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: 40]، أي لا يظلمهم مثقال ذرة. قاله الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 51، بتصرف، وانظر: الطبري 5/ 85، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 416 - 417، "الدر المصون" 3/ 676.]]. والأولى أن يكون مستأنفًا، لأنَّ الآية نازلة في اليهود [[انظر: الطبري 5/ 85، "النكت والعيون" 2/ 51، "الكشف والبيان" (4/ 54 أ)، "النكت والعيون" 1/ 487.]]. ومعنى البُخل في كلام العرب منع الإحسان، وفي الشريعة منع الواجب [["الكشف والبيان" 4/ 54 أ، وانظر: "المفردات" ص (38)، "عمدة الحفاظ" ص (40)، (بخل).]]. وفيه أربع لغات: البَخْل مثل الفَقْر، والبَخَل مثل الكَرَم، والبُخْل مثل الفُقر، والبُخُل بضمتين. ذكره المبِّرد، وقال: ونظيره أرض جرز، وفيه اللغات الأربع [[لم أقف على كلام المبرد فيما بين يدي من مصنفاته، وقد ذكر نحو كلامه الثعلبي في "الكشف والبيان" (4/ 54 ب)، وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 51، "بحر العلوم" 1/ 354، "عمدة الحفاظ" ص (40) (بخل).]]. وأجمعوا على أن الآية نازلة في اليهود [[دعوى الإجماع غير مسلمة، فقد اختلف في نزولها، لكن كونها في اليهود هو قول الأكثر. انظر: "الكشف والبيان" 4/ 54 أ، "النكت والعيون" 1/ 487.]]. واختلفوا في معنى هذا البخل، فذكر فيه قولان: أحدهما: أن المراد به البخل بالعلم. وهو قول سعيد بن جبير والكلبي ومقاتل. قال سعيد: هذا في العلم ليس في الدنيا منه شيء [[أخرج الأثر عنه: الطبري 5/ 86، والثعلبي (4/ 54 أ).]]. وقال الكلبي: هم اليهود، بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد ﷺ ونعته، وأمروا قومهم بالبخل، وهو كتمان أمره [[أورده المؤلف بنحوه في "أسباب النزول" ص 156، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص (84).]]. وقال مقاتل: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ رؤوس اليهود، ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ كانوا يأمرون سفلتهم بكتمان نعت محمد ﷺ [["تفسير مقاتل" 1/ 372، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 354.]]. واختار الزجاج هذا القول، فقال: هم اليهود بخلوا بعلم ما كان عندهم من مبعث النبي ﷺ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 51.]]. القول الثاني: أن هذا البخل معناه البخل بالمال. وهو قول ابن عباس وابن زيد [[انظر: الطبري 5/ 86، "زاد المسير" 2/ 82.]]. قال ابن عباس في رواية عطاء: ثم ذكر اليهود فقال: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ يريد يبخلون بأموالهم عمن هو دونهم من المؤمنين في المال، وهو أكرم على الله منهم [[لم أقف على رواية عطاء، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 289.]]. وقال في رواية غيره [[رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس. انظر: الطبري 5/ 86.]]: نزلت في رؤساء اليهود؛ كانوا يأتون رجالًا من الأنصار ينتصحونهم [[عند الطبري 5/ 86: "وينتصحون لهم" وكذا في "زاد المسير" 2/ 81، وفي "الدر المنثور" 2/ 289: "وينتصحون لهم".]]، ويقولون لهم: لا تُنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر، ولا تدرون ما يكون [[أخرجه الطبري 5/ 86 بأطول من ذلك، وكذا ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 289، وذكره الثعلبي (4/ 54/ ب) ، وابن الجوزي 2/ 81.]]. وروي مثل هذا القول عن مجاهد والسدي، قالا: هم اليهود بخلوا بما أعطوا من الرزق [[المأثور عن مجاهد والسدي أن المراد كتمان صفة النبي ﷺ ونبوته. انظر: الطبري 5/ 85، "النكت والعيون" 1/ 487، "زاد المسير" 2/ 82.]] وقوله تعالى: ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قال ابن عباس: يريد العلم بما في التوراة مما عظم الله به أمر محمد ﷺ وأمته [[أخرج معناه في الأثر المتقدم عن ابن عباس من رواية سعيد بن جبير: الطبري 5/ 86.]]. وقال مقاتل: يعني ما في التوراة من أمر محمد ونعته [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 354.]]. وهذا قول عامة المفسرين، فالفضل ههنا هو ما أوتوا من العلم، برسالة النبي ﷺ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب