الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لا يحب المختال الفخور، الذي يبخل ويأمر الناسَ بالبخل.
= فـ"الذين" يحتمل أن يكون في موضع رفع، ردًّا على ما في قوله:"فخورًا"، من ذِكرٍ = [[في المطبوعة: "من ذم"، ولا معنى له البتة. والصواب من المخطوطة، والمراد بقوله: "ذكر"، الضمير، وقد رد هذا الوجه أبو حيان في تفسيره ٣: ٢٤٧، ولم ينسبه للطبري.]] ويحتمل أن يكون نصبًا على النعت ل"مَنْ".
و"البخل" في كلام العرب: منع الرجل سائله ما لديه وعنده ما فضل عنه، [[في المطبوعة والمخطوطة: "من فضل عنه"، وكأن الصواب المحض ما أثبت. وتفسير"البخل" هذا قلما تصيبه في كتب اللغة.]] كما:-
٩٤٩٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه ="والشح": أن يشٍح على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحِلِّ والحرام، لا يقنع.
واختلفت القرأة في قراءة قوله:"ويأمرون الناس بالبخل".
* * *
فقرأته عامة قرأة أهل الكوفة:"بِالْبَخَلِ" بفتح"الباء" و"الخاء".
وقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين بضم"الباء":"بِالْبُخْلِ".
قال أبو جعفر: وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد، وقراءتان معروفتان غير مختلفتي المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في قراءته.
* * *
وقد قيل إن الله جل ثناؤه عنى بقوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، الذين كتموا اسمَ محمد ﷺ وصفته من اليهود ولم يبينوه للناس، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.
* ذكر من قال ذلك:
٩٤٩٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، قال: هم اليهود، بخلوا بما عندهم من العلم وكَتَموا ذلك.
٩٤٩٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل" إلى قوله:"وكان الله بهم عليما"، ما بين ذلك في يهود.
٩٤٩٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٩٤٩٧ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، وهم أعداءُ الله أهلُ الكتاب، بخلوا بحقّ الله عليهم، وكتموا الإسلام ومحمدًا ﷺ، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.
٩٤٩٨ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، فهم اليهود ="ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، اسمَ محمدٍ ﷺ = [[في المطبوعة: "أو: يبخلون ... "، وأثبت ما في المخطوطة.]] وأما:"يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، يبخلون باسم محمد ﷺ، ويأمرُ بعضهم بعضًا بكتمانه.
٩٤٩٩ - حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال، حدثني أبو جعفر الرازي قال، حدثنا يحيى، عن عارم، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: هذا للعلم، ليس للدنيا منه شيء.
٩٥٠٠ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: هؤلاء يهود. وقرأ:"ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، قال: يبخلون بما آتاهم الله من الرزق، ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب. إذا سئلوا عن الشيء وما أنزل الله كتموه. وقرأ: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [سورة النساء: ٥٣] من بخلهم.
٩٥٠١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان كَرْدَم بن زيد، حليفُ كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبَحْريّ بن عمرو، وحُيَيّ بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالا من الأنصار، = وكانوا يخالطونهم، ينتصحون لهم = من أصحاب رسول الله ﷺ، فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون! فأنزل الله فيهم:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، أي: من النبوة، [[في ابن هشام: "أي: من التوراة"، وهي أجود الروايتين، إن لم تكن هذه التي هنا من سهو الناسخ. ولكني خشيت أن يكون لها وجه، فتركتها.]] التي فيها تصديق ما جاء به محمد ﷺ ="وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا"، إلى قوله:"وكان الله بهم عليمًا". [[الأثر: ٩٥٠١ - رواه ابن هشام عن ابن إسحاق في سيرته ٢: ٢٠٨، ٢٠٩، وهو تابع الآثار التي آخرها: ٨٣٣٨ فيما مضى قديمًا.
أما "كردم بن زيد" فإنه في سيرة ابن هشام: "كردم بن قيس"، وهو المذكور في سيرة ابن هشام ٢: ١٦٠، أيضًا أنه حليف كعب بن الأشرف، من بني النضير. أما "كردم بن زيد" في رواية الطبري عن ابن إسحاق، فقد ذكره ابن هشام في سيرته ٢: ١٦٢، وعده من بني قريظة. هذا، والذين ذكرهم في هذا الأثر من اليهود منسوبون في سيرة ابن هشام، وهذه نسبتهم: "كردم بن قيس" و"حيي بن أخطب" من بني النضير = و"كردم بن زيد"، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، من بني قريظة = وبحري بن عمرو، ورفاعة بن زيد بن التابوت، من بني قينقاع.]]
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية على التأويل الأول: والله لا يحبّ ذوي الخُيلاء والفخر، الذين يبخلون بتبيين ما أمرهم الله بتبيينه للناس، من اسم محمد ﷺ ونعته وصفته التي أنزلها في كتبه على أنبيائه، وهم به عالمون = ويأمرون الناس الذين يعلمون ذلك مثل علمهم، بكتمان ما أمرهم الله بتبيينه له، ويكتمون ما آتاهم الله من علم ذلك ومعرفته مَنْ حرّم الله عليه كتمانه إيّاه.
* * *
وأما على تأويل ابن عباس وابن زيد:"إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا"، الذين يبخلون على الناس بفضل ما رزقهم الله من أموالهم، ثم سائر تأويلهما وتأويل غيرهما سواء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما قاله الذين قالوا: إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية، بالبخل بتعريف من جهل أمرَ محمد ﷺ أنه حقّ، وأنّ محمدًا لله نبيّ مبعوث، وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بيّنه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه. فبخل بتبيينه للناس هؤلاء، وأمروا من كانت حاَله حالَهم في معرفتهم به: أن يكتموه من جَهِل ذلك، ولا يبيِّنوه للناس.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل، ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمرُ الناس بالبخل ديانةً ولا تخلُّقًا، بل ترى ذلك قبيحًا وتذمَّ فاعله؛ [[في المطبوعة: "ويذم فاعله" بالياء، وهو خطأ في قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة، واستتبع هذا الخطأ من ناشر المطبوعة أن يغير ما كان في المخطوطة، إذا اختلطت معاني الكلام عليه، كما سترى.]] وَتمتدح - وإن هي تخلَّقَت بالبخل واستعملته في أنفسها - بالسخاء والجود، [[في المطبوعة: "ولا يمتدح ... فالسخاء، تعده ... "، لما أخطأ في قراءة الكلمة السالفة، غير ما في المخطوطة كل التغيير زاد"لا" في"ويمتدح"، وجعل"بالسخاء""فالسخاء"، وجعل"وتعده"، "تعده" بحذف الواو = أراد أن تستقيم العبارة ففسدت فسادًا مطلقًا بلا قيد ولا شرط!!
هذا، وسياق الجملة: "بل ترى ذلك قبيحًا وتذم فاعله، وتمتدح ... بالسخاء والجود، وتعده من مكارم الأخلاق"، وأتى بقوله: "وإن هي تخلقت بالبخل، واستعملته في أنفسها"، اعتراضًا.]] وتعدُّه من مكارم الأفعال وتحثُّ عليه. ولذلك قلنا: إنّ بخلهم الذي وصفهم الله به، إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه، دون البخل بالأموال = إلا أن يكون معنى ذلك: الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وُسُبله، ويأمرون الناس من أهل الإسلام بترك النفقة في ذلك. فيكون بخلهم بأموالهم، وأمرهم الناس بالبخل، بهذا المعنى [[في المطبوعة والمخطوطة"فهذا المعنى"، والصواب ما أثبته، وسياقه: فيكون بخلهم بأموالهم ... بهذا المعنى ...]] - على ذكرنا من الرواية عن ابن عباس - فيكون لذلك وجه مفهومٌ في وصفهم بالبخل وأمرِهم به.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧) ﴾
قال أبو جعفر: يعني: بذلك جل ثناؤه:"وأعتدنا"، وجعلنا للجاحدين نعمة الله التي أنعم بها عليهم، [[انظر تفسير: "أعتدنا" فيما سلف ٨: ١٠٣.]] من المعرفة بنبوة محمد ﷺ، المكذبين به بعد علمهم به، الكاتمين نعته وصفته مَنْ أمرَهم الله ببيانه له من الناس ="عذابًا مهينًا"، يعني: العقابَ المذلّ مَن عُذِّب بخلوده فيه، [[انظر تفسير: "المهين" فيما سلف ٢: ٣٤٧، ٣٤٨ / ٧: ٤٢٣ / ٨: ٧٢.]] عَتادًا له في آخرته، إذا قَدِم على ربه وَجدَه، بما سلف منه من جحوده فرضَ الله الذي فرضَه عليه. [[في المطبوعة: "وآخذه بما سلف ... " والصواب ما في المخطوطة، فإن أول هذه الجملة"إذا قدم على ربه، وجد ... "، وهو تفسير"العتاد".]]
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یَبۡخَلُونَ وَیَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَیَكۡتُمُونَ مَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق