الباحث القرآني

* الإعراب: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) يا أيها الذين آمنوا: تقدم إعرابها وإن شرطية وجاءكم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والكاف مفعول به مقدّم وفاسق فاعل مؤخر وبنبإ متعلقان بجاءكم والفاء رابطة لجواب الشرط لأن الجملة طلبية وتبينوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وأن تصيبوا أن وما في حيزها في محل نصب مفعول من أجله على حذف مضاف أي خشية إصابتكم أو كراهة إصابتكم وقوما مفعول به وبجهالة في محل نصب حال من الفاعل أي جاهلين، فتصبحوا الفاء عاطفة وتصبحوا معطوف على تصيبوا والواو اسم تصبحوا وعلى ما فعلتم متعلقان بنادمين ونادمين خبر تصبحوا (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) الواو حرف عطف واعلموا فعل أمر والواو فاعل وأن وما في حيزها سدّت مسدّ مفعولي اعلموا وفيكم خبر أن المقدم ورسول الله اسم إن المؤخر ولو شرطية وجملة يطيعكم حال من الضمير المجرور في قوله فيكم وفي كثير متعلقان بيطيعكم ومن الأمر صفة لكثير واللام واقعة في جواب لو وعنتّم فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب لو والمعنى لوقعتم في العنت أي الهلاك (وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) الواو عاطفة ولكن واسمها وجملة حبب خبرها وإليكم متعلقان بحبب والإيمان مفعول به وزيّنه عطف على حبّب وفي قلوبكم متعلقان بزينه وكره إليكم الكفر عطف على ما تقدم (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أولئك مبتدأ وهم ضمير فصل والراشدون خبر أولئك ويجوز أن تعرب هم مبتدأ ثانيا والراشدون خبره والجملة خبر أولئك وجملة أولئك هم الراشدون في محل نصب على الحال أو اعتراضية لا محل لها (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فضلا مفعول من أجله أو مصدر من غير فعله واختلف في ناصبه على الأول فقيل هو حبب إليكم فيتعين كون جملة أولئك هم الراشدون اعتراضية، وقيل النصب بتقدير فعل أي تبتغون فضلا ونعمة وقيل هو الراشدون على خلاف بين أهل السنة والمعتزلة سنورده في باب الفوائد والله مبتدأ وعلم خبر أول وحكيم خبر ثان. * البلاغة: اشتملت هذه الآيات على أفانين متنوعة من البلاغة نوردها موجزة فيما يلى: 1- التنكير: في قوله «إن جاءكم فاسق» والفائدة منه الشياع والشمول لأن النكرة إذا وقعت في سياق الشرط عمّت كما تعمّ إذا وقعت في سياق النفي وقد تقدمت الإشارة إلى هذه القاعدة في غير مكان من هذا الكتاب، وفي هذا التنكير ردّ على من زعم أنها نزلت في الوليد بن عقبة وهو من كبار الصحابة لأن إطلاق الفسوق عليه بعيد ذلك أن الفسوق هو الخروج من الشيء والانسلاخ منه والوليد كما يذكرون ظن فأخطأ والمخطئ- كما يقول الرازي- لا يسمى فاسقا فالعموم هو المراد كأنه قال: أي فاسق جاءكم بأيّ نبأ فمحّصوه وأعرضوه على محك التصويب والتخطئة قبل البتّ في الحكم ولا تستعجلوا الأمور. 2- التقديم: في قوله «واعلموا أن فيكم رسول الله» فقد قدّم خبر إن على اسمها والقصد من ذلك التشدّد على بعض المؤمنين لتحاشي ما استهجنه الله من محاولتهم اتباع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم لآرائهم. 3- التعبير: بالمضارع دون الماضي في قوله: «لو يطيعكم» ولم يقل أطاعكم وذلك لإفادة الديمومة والاستمرار على أن يعمل ما يرونه صوابا وإن عليه كلما عنّ لهم رأي أو بدأت لهم في الأمور بداءة أن يخلد إليهم ويفعل ما يعتقدونه حقا. 4- الطباق: وذلك في قوله تعالى «حبّب» و «كرّه» وفي التحبيب والتكريه خلاف بين أهل السنّة والمعتزلة لا يتّسع له صدر هذا الكتاب فليرجع إلى المطولات. * الفوائد: أورد الزمخشري إشكالا على إعراب فضلا فقال: «فإن قلت من أين جاز وقوعه مفعولا له والرشد فعل القوم والفضل فعل الله والشرط أن يتحد الفاعل؟ قلت لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه تقدست أسماؤه صار الرشد كأنه فعله فجاز أن ينتصب عنه أو لا ينتصب عن الراشدون ولكن عن الفعل المسند إلى اسم الله تعالى والجملة التي هي أولئك هم الراشدون اعتراض أو عن فعل مقدّر كأنه قيل جرى ذلك أو كان ذلك فضلا من الله وأما كونه مصدرا من غير فعله فأن يوضع موضع رشدا لأن رشدهم فضل من الله لكونهم موفقين فيه والفضل والنعمة بمعنى الأفضال» نقول، وهذا الإشكال الذي أورده الزمخشري بناء على اعتقاد المعتزلة بأن الرشد ليس من أفعال الله تعالى وإنما هو فعلهم حقيقة، والواقع أن الرشد من أفعال الله ومخلوقاته فقد وجد شرط انتصاب المفعول له وهو اتحاد فاعل الفعلين على أن الإشكال وارد نصا على تقريرنا على غير الحدّ الذي أورده عليه الزمخشري بل من جهة أن الله تعالى خاطب خلقه بلغتهم المعهودة عندهم ومما يعهدونه أن الفاعل من نسب إليه الفعل وسواء كان حقيقة أو مجازا حتى يكون زيد فاعلا وانقض الحائط وأشباهه كذلك وقد نسب إليهم الرشد على طريقة أنهم الفاعلون وإن كانت النسبة مجازية باعتبار المعتقد وإذا تقرر وروده على هذا الوجه فلك في الجواب عنه طريقان إما جواب الزمخشري وإما أمكن منه وأبين وهو أن الرشد هنا يستلزم كونه راشدا إذ هو مطاوعه لأن الله تعالى أرشدهم فرشدوا وحينئذ يتحد الفاعل على طريقة الصناعة اللفظية المطابقة للحقيقة وهو عكس قوله يريكم البرق خوفا وطمعا فإن الإشكال بعينه وارد فيها إذ الخوف والطمع فعلهم أي منسوب إليهم على طريقة أنهم الخائفون الطامعون والفعل الأول لله تعالى والجواب عنه أنهم مفعولون في معنى الفاعلين بواسطة استلزام المطاوعة لأنه إذا أرادهم فقد رأوا وقد سلف هذا الجواب مكانه وعكسه آية الحجرات إذ تصحيح الكلام بتقدير الفاعل مفعولا وهذا من دقائق العربية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب