الباحث القرآني
هي مَدَنِيَّةٌ. قالَ القُرْطُبِيُّ: بِالإجْماعِ.
وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ الزُّبَيْرِ، أنَّها نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ تُقَدِّمُوا بِضَمِّ المُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ وتَشْدِيدِ الدّالِ مَكْسُورَةً.
وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما أنَّهُ مُتَعَدٍّ وحُذِفَ مَفْعُولُهُ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، أوْ تُرِكَ المَفْعُولُ لِلْقَصْدِ إلى نَفْسِ الفِعْلِ كَقَوْلِهِمْ: هو يُعْطِي ويَمْنَعُ.
والثّانِي: أنَّهُ لازِمٌ نَحْوُ: وجَهَ وتَوَجَّهَ، ويُعَضِّدُهُ قِراءَةُ ابْنِ عَبّاسٍ، والضَّحّاكِ، ويَعْقُوبَ ( تَقَدَّمُوا ) بِفَتْحِ التّاءِ والقافِ والدّالِ.
قالَ الواحِدِيُّ: ( قَدَّمَ ) هاهُنا بِمَعْنى تَقَدَّمَ، وهو لازِمٌ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: العَرَبُ تَقُولُ: لا تَقَدَّمْ بَيْنَ يَدَيِ الإمامِ وبَيْنَ يَدَيِ الأبِ: أيْ لا تُعَجِّلْ بِالأمْرِ دُونَهُ والنَّهْيِ؛ لِأنَّ المَعْنى: لا تَقَدَّمُوا قَبْلَ أمْرِهِما ونَهْيِهِما، وبَيْنَ يَدَيِ الإمامِ عِبارَةٌ عَنِ الإمامِ لا ما بَيْنَ يَدَيِ الإنْسانِ، ومَعْنى الآيَةِ: لا تَقْطَعُوا أمْرًا دُونَ اللَّهِ ورَسُولِهِ ولا تَعْجَلُوا بِهِ.
وقِيلَ: المُرادُ مَعْنى بَيْنَ يَدَيْ فُلانٍ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأنَّ ما يَحْضُرُهُ الإنْسانُ فَهو بَيْنَ يَدَيْهِ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ في كُلِّ أُمُورِكم، ويَدْخُلُ تَحْتَها التَّرْكُ لِلتَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا.
ثُمَّ عَلَّلَ ما أمَرَ بِهِ مِنَ التَّقْوى بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ عَلِيمٌ بِكُلِّ مَعْلُومٍ.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ يُحْتَمَلُ أنَّ المُرادَ حَقِيقَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى قِلَّةِ الِاحْتِشامِ، وتَرْكِ الِاحْتِرامِ؛ لِأنَّ خَفْضَ الصَّوْتِ وعَدَمَ رَفْعِهِ مِن لَوازِمِ التَّعْظِيمِ والتَّوْقِيرِ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ المَنعَ مِن كَثْرَةِ الكَلامِ ومَزِيدِ اللَّغَطِ، والأوَّلُ أوْلى.
والمَعْنى: لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم إلى حَدٍّ يَكُونُ فَوْقَ ما يَبْلُغُهُ صَوْتُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - .
قالَ المُفَسِّرُونَ: المُرادُ مِنَ الآيَةِ تَعْظِيمُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وتَوْقِيرُهُ وأنْ لا يُنادُوهُ كَما يُنادِي بَعْضُهم بَعْضًا ﴿ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكم لِبَعْضٍ﴾ أيْ لا تَجْهَرُوا بِالقَوْلِ إذا كَلَّمْتُمُوهُ كَما تَعْتادُونَهُ مِنَ الجَهْرِ بِالقَوْلِ إذا كَلَّمَ بَعْضُكم بَعْضًا.
قالَ الزَّجّاجُ: أمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَجْلِيلِ نَبِيِّهِ وأنْ يَغُضُّوا أصْواتَهم ويُخاطِبُوهُ بِالسَّكِينَةِ والوَقارِ، وقِيلَ: المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ﴾ لا تَقُولُوا يا مُحَمَّدُ، ويا أحْمَدُ، ولَكِنْ يا نَبِيَّ اللَّهِ، ويا رَسُولَ اللَّهِ، تَوْقِيرًا لَهُ، والكافُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّها نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أيْ: جَهْرًا مِثْلَ جَهْرِ بَعْضِكم لِبَعْضٍ، ولَيْسَ المُرادُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وبِالجَهْرِ في القَوْلِ هو ما يَقَعُ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِخْفافِ، فَإنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ، وإنَّما المُرادُ أنْ يَكُونَ الصَّوْتُ في نَفْسِهِ غَيْرَ مُناسِبٍ لِما يَقَعُ في مَواقِفِ مَن يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وتَوْقِيرُهُ.
والحاصِلُ أنَّ النَّهْيَ هُنا وقَعَ عَنْ أُمُورٍ: الأوَّلُ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِما لا يَأْذَنُ بِهِ مِنَ الكَلامِ.
والثّانِي: عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ البالِغِ إلى حَدٍّ يَكُونُ فَوْقَ صَوْتِهِ، سَواءٌ كانَ في خِطابِهِ أوْ في خِطابِ غَيْرِهِ.
والثّالِثُ: تَرْكُ الجَفاءِ في مُخاطَبَتِهِ ولُزُومُ الأدَبِ في مُجاوَرَتِهِ؛ لِأنَّ المُقاوَلَةَ المَجْهُورَةَ إنَّما تَكُونُ بَيْنَ الأكْفاءِ الَّذِينَ لَيْسَ لِبَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ مَزِيَّةٌ تُوجِبُ احْتِرامَهُ وتَوْقِيرَهُ.
ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحانَهُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكم﴾ قالَ الزَّجّاجُ: ( ﴿أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ﴾ ) التَّقْدِيرُ لِأنْ تَحْبَطَ أعْمالُكم، أيْ فَتَحْبَطَ، فاللّامُ المُقَدَّرَةُ لامُ الصَّيْرُورَةِ كَذا قالَ، وهَذِهِ العِلَّةُ يَصِحُّ أنْ تَكُونَ لِلنَّهْيِ: أيْ نَهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الجَهْرِ خَشْيَةَ أنْ تَحْبَطَ، أوْ كَراهَةَ أنْ تَحْبَطَ، أوْ عِلَّةً لِلْمَنهِيِّ: أيْ لا تَفْعَلُوا الجَهْرَ فَإنَّهُ يُؤَدِّي إلى الحُبُوطِ، فَكَلامُ الزَّجّاجِ يَنْظُرُ إلى الوَجْهِ الثّانِي لا إلى الوَجْهِ الأوَّلِ، وجُمْلَةُ ﴿وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، وفِيهِ تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ ووَعِيدٌ عَظِيمٌ.
قالَ الزَّجّاجُ: ولَيْسَ المُرادُ ( ﴿وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ ) يُوجِبُ أنْ يَكْفُرَ الإنْسانُ وهو لا يَعْلَمُ، فَكَما لا يَكُونُ الكافِرُ مُؤْمِنًا إلّا بِاخْتِيارِهِ الإيمانَ عَلى الكُفْرِ، كَذَلِكَ لا يَكُونُ الكافِرُ كافِرًا مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُ.
ثُمَّ رَغَّبَ سُبْحانَهُ في امْتِثالِ ما أمَرَ بِهِ، فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ أصْلُ الغَضِّ النَّقْصُ مِن كُلِّ شَيْءٍ، ومِنهُ نَقْصُ الصَّوْتِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ قالَ الفَرّاءُ: أخْلَصَ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى كَما يُمْتَحَنُ الذَّهَبُ بِالنّارِ، فَيَخْرُجُ جَيِّدُهُ مِن رَدِيئِهِ، ويَسْقُطُ خَبِيثُهُ.
وبِهِ قالَ مُقاتِلٌ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ.
وقالَ الأخْفَشُ: اخْتَصَّها لِلتَّقْوى، وقِيلَ: طَهَّرَها مِن كُلِّ قَبِيحٍ، وقِيلَ: وسَّعَها وسَرَّحَها، (p-١٣٩٠)مِن مَحَنْتُ الأدِيمَ: إذا وسَّعْتَهُ.
وقالَ أبُو عَمْرٍو: كُلُّ شَيْءٍ جَهَدْتَهُ فَقَدْ مَحَنْتَهُ، واللّامُ في ( لِلتَّقْوى ) مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ: أيْ: صالِحَةٌ لِلتَّقْوى، كَقَوْلِكَ: أنْتَ صالِحٌ لِكَذا، أوْ لِلتَّعْلِيلِ الجارِي مَجْرى بَيانِ السَّبَبِ، كَقَوْلِكَ: جِئْتُكَ لِأداءِ الواجِبِ: أيْ لِيَكُونَ مَجِيئِي سَبَبًا لِأداءِ الواجِبِ ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أيْ: أُولَئِكَ لَهم، فَهو خَبَرٌ آخَرُ لِاسْمِ الإشارَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا لِبَيانٍ ما أعَدَّ اللَّهُ لَهم في الآخِرَةِ.
﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ هم جُفاةُ بَنِي تَمِيمٍ كَما سَيَأْتِي بَيانُهُ، و( ﴿وراءِ الحُجُراتِ﴾ ) خارِجَها وخَلْفَها: والحُجُراتُ جَمْعُ حُجْرَةٍ، كالغُرُفاتِ جَمْعُ غُرْفَةٍ، والظُّلُماتِ جَمْعُ ظُلْمَةٍ، وقِيلَ: الحُجُراتُ جَمْعُ حُجَرٍ، والحُجَرُ جَمْعُ حُجْرَةٍ، فَهو جَمْعُ الجَمْعِ: والحُجْرَةُ الرُّقْعَةُ مِنَ الأرْضِ المَحْجُورَةُ بِحائِطٍ يُحَوِّطُ عَلَيْها، وهي فَعِيلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ.
قَرَأ الجُمْهُورُ الحُجُراتِ بِضَمِّ الجِيمِ.
وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ، وشَيْبَةُ بِفَتْحِها تَخْفِيفًا، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ بِإسْكانِها، وهي لُغاتٌ، و( مِن ) في ( مِن وراءِ ) لِابْتِداءِ الغايَةِ، ولا وجْهَ لِلْمَنعِ مِن جَعْلِها لِهَذا المَعْنى ﴿أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ لِغَلَبَةِ الجَهْلِ عَلَيْهِمْ وكَثْرَةِ الجَفاءِ في طِباعِهِمْ.
﴿ولَوْ أنَّهم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرًا لَهم﴾ أيْ: لَوِ انْتَظَرُوا خُرُوجَكَ ولَمْ يُعَجِّلُوا بِالمُناداةِ لَكانَ أصْلَحَ لَهم في دِينِهِمْ ودُنْياهم، لِما في ذَلِكَ مِن رِعايَةِ حُسْنِ الأدَبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ورِعايَةِ جانِبِهِ الشَّرِيفِ، والعَمَلِ بِما يَسْتَحِقُّهُ مِنَ التَّعْظِيمِ والتَّجْلِيلِ.
وقِيلَ: إنَّهم جاءُوا شُفَعاءَ في أُسارى، فَأعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - نِصْفَهم وفادى نِصْفَهم، ولَوْ صَبَرُوا لَأعْتَقَ الجَمِيعَ، ذَكَرَ مَعْناهُ مُقاتِلٌ ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ كَثِيرُ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ بَلِيغُهُما لا يُؤاخِذُ مِثْلَ هَؤُلاءِ فِيما فَرَطَ مِنهم مِن إساءَةِ الأدَبِ.
﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ فَتَبَيَّنُوا مِنَ التَّبَيُّنِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ ( فَتَثَبَّتُوا ) مِنَ التَّثَبُّتِ، والمُرادُ مِنَ التَّبَيُّنِ التَّعَرُّفُ والتَّفَحُّصُ، ومِنَ التَّثَبُّتِ الأناةُ وعَدَمُ العَجَلَةِ، والتَّبَصُّرُ في الأمْرِ الواقِعِ والخَبَرِ الوارِدِ حَتّى يَتَّضِحَ ويَظْهَرَ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ كَما سَيَأْتِي بَيانُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿أنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ﴾ مَفْعُولٌ لَهُ: أيْ: كَراهَةَ أنْ تُصِيبُوا، أوْ لِئَلّا تُصِيبُوا، أوْ لِئَلّا تُصِيبُوا لِأنَّ الخَطَأ مِمَّنْ لَمْ يَتَبَيَّنِ الأمْرَ ولَمْ يَتَثَبَّتْ فِيهِ هو الغالِبُ وهو جَهالَةٌ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ عِلْمٍ، والمَعْنى: مُلْتَبِسِينَ بِجَهالَةٍ بِحالِهِمْ ﴿فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ﴾ بِهِمْ مِن إصابَتِهِمْ بِالخَطَأِ ﴿نادِمِينَ﴾ عَلى ذَلِكَ مُغْتَمِّينَ لَهُ مُهْتَمِّينَ بِهِ.
ثُمَّ وعَظَهُمُ اللَّهُ سُبْحانَهُ، فَقالَ: ﴿واعْلَمُوا أنَّ فِيكم رَسُولَ اللَّهِ﴾ فَلا تَقُولُوا قَوْلًا باطِلًا ولا تَتَسَرَّعُوا عِنْدَ وُصُولِ الخَبَرِ إلَيْكم مِن غَيْرِ تَبَيُّنٍ، و( أنَّ ) وما في حَيِّزِها سادَّةٌ مَسَدَّ مَفْعُولَيِ ( اعْلَمُوا )، وجُمْلَةُ ﴿لَوْ يُطِيعُكم في كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ ( فِيكم )، أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ، والمَعْنى: لَوْ يُطِيعُكم في كَثِيرٍ مِمّا تُخْبِرُونَهُ بِهِ مِنَ الأخْبارِ الباطِلَةِ، وتُشِيرُونَ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الآراءِ الَّتِي لَيْسَتْ بِصَوابٍ لَوَقَعْتُمْ في العَنَتِ، وهو التَّعَبُ، والجَهْدُ، والإثْمُ، والهَلاكُ، ولَكِنَّهُ لا يُطِيعُكم في غالِبِ ما تُرِيدُونَ قَبْلَ وُضُوحِ وجْهِهِ لَهُ، ولا يُسارِعُ إلى العَمَلِ بِما يَبْلُغُهُ قَبْلَ النَّظَرِ فِيهِ ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمانَ﴾ أيْ: جَعَلَهُ أحَبَّ الأشْياءِ إلَيْكم، أوْ مَحْبُوبًا لَدَيْكم فَلا يَقَعُ مِنكم إلّا ما يُوافِقُهُ ويَقْتَضِيهِ مِنَ الأُمُورِ الصّالِحَةِ وتَرْكِ التَّسَرُّعِ في الأخْبارِ وعَدَمِ التَّثَبُّتِ فِيها، قِيلَ: والمُرادُ بِهَؤُلاءِ مَن عَدا الأوَّلِينَ لِبَيانِ بَراءَتِهِمْ عَنْ أوْصافِ الأوَّلِينَ، والظّاهِرُ أنَّهُ تَذْكِيرٌ لِلْكُلِّ بِما يَقْتَضِيهِ الإيمانُ وتُوجِبُهُ مَحَبَّتُهُ الَّتِي جَعَلَها اللَّهُ في قُلُوبِهِمْ ﴿وزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ﴾ أيْ: حَسَّنَهُ بِتَوْفِيقِهِ حَتّى جَرَوْا عَلى ما يَقْتَضِيهِ في الأقْوالِ والأفْعالِ ﴿وكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ﴾ أيْ: جَعَلَ كُلَّ ما هو مِن جِنْسِ الفُسُوقِ ومِن جِنْسِ العِصْيانِ مَكْرُوهًا عِنْدَكم.
وأصْلُ الفِسْقِ الخُرُوجُ عَنِ الطّاعَةِ، والعِصْيانُ جِنْسُ ما يُعْصى اللَّهُ بِهِ، وقِيلَ: أرادَ بِذَلِكَ الكَذِبَ خاصَّةً، والأوَّلُ أوْلى ﴿أُولَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ﴾ أيِ المَوْصُوفُونَ بِما ذَكَرَهُمُ الرّاشِدُونَ. والرُّشْدُ: الِاسْتِقامَةُ عَلى طَرِيقِ الحَقِّ مَعَ تَصَلُّبٍ، مِنَ الرَّشادَةِ: وهي الصَّخْرَةُ.
﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ونِعْمَةً﴾ أيْ لِأجْلِ فَضْلِهِ وإنْعامِهِ، والمَعْنى: أنَّهُ حَبَّبَ إلَيْكم ما حَبَّبَ، وكَرَّهَ ما كَرَّهَ لِأجْلِ فَضْلِهِ وإنْعامِهِ، أوْ جَعَلَكم راشِدِينَ لِأجْلِ ذَلِكَ، وقِيلَ: النَّصْبُ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ: أيْ تَبْتَغُونَ فَضْلًا ونِعْمَةً ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بِكُلِّ مَعْلُومٍ حَكِيمٌ في كُلِّ ما يَقْضِي بِهِ بَيْنَ عِبادِهِ ويُقَدِّرُ لَهم.
وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ، وغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: «قَدِمَ رَكْبٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بْنَ مَعْبَدٍ، وقالَ عُمَرُ: بَلْ أمِّرِ الأقْرَعَ بْنَ حابِسٍ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ ما أرَدْتَ إلّا خِلافِي، فَقالَ عُمَرُ: ما أرَدْتُ خِلافَكَ، فَتَمارَيا حَتّى ارْتَفَعَتْ أصْواتُهُما، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ حَتّى انْقَضَتِ الآيَةُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ قالَ: نُهُوا أنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلامِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ عائِشَةَ في الآيَةِ قالَتْ: لا تَصُومُوا قَبْلَ أنْ يَصُومَ نَبِيُّكم.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ، عَنْها قالَتْ: «كانَ أُناسٌ يَتَقَدَّمُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَمَضانَ بِصِيامٍ: يَعْنِي يَوْمًا أوْ يَوْمَيْنِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْها أيْضًا «أنَّ ناسًا كانُوا يَتَقَدَّمُونَ الشَّهْرَ فَيَصُومُونَ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ عَدِيٍّ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قالَ: «أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّهِ لا أُكَلِّمُكَ إلّا كَأخِي السِّرارِ» . وفي إسْنادِهِ حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ، وهو ضَعِيفٌ، ولَكِنَّهُ يُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والحاكِمُ، وصَحَّحَهُ مِن طَرِيقِ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ قالَ أبُو بَكْرٍ: والَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ (p-١٣٩١)الكِتابَ يا رَسُولَ اللَّهِ لا أُكَلِّمُكَ إلّا كَأخِي السِّرارِ حَتّى ألْقى اللَّهَ» .
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وغَيْرُهُما عَنْ أنَسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ وكانَ ثابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ رَفِيعَ الصَّوْتِ فَقالَ: أنا الَّذِي كُنْتُ أرْفَعُ صَوْتِي عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، حَبِطَ عَمَلِي، أنا مِن أهْلِ النّارِ، وجَلَسَ في بَيْتِهِ حَزِينًا، فَفَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فانْطَلَقَ بَعْضُ القَوْمِ إلَيْهِ، فَقالُوا: فَقَدَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ما لَكَ ؟ قالَ: أنا الَّذِي أرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وأجْهَرُ لَهُ بِالقَوْلِ، حَبِطَ عَمَلِي، أنا مِن أهْلِ النّارِ، فَأتَوُا النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَأخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَقالَ: لا، بَلْ هو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ اليَمامَةِ قُتِلَ» .
وفِي البابِ أحادِيثُ بِمَعْناهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ الآيَةَ: قالَ: نَزَلَتْ في ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ في قَوْلِهِ: «﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: مِنهم ثابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو القاسِمِ البَغَوِيُّ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ قالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِن طَرِيقِ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الأقْرَعِ بْنِ حابِسٍ «أنَّهُ أتى النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إلَيْنا، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وإنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقالَ: ذاكَ اللَّهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ﴾» .
قالَ ابْنُ مَنِيعٍ: لا أعْلَمُ رَوى الأقْرَعُ مُسْنَدًا غَيْرَ هَذا.
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وحَسَّنَهُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ «فِي قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ﴾ قالَ: جاءَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنْ حَمْدِي زَيْنٌ، وإنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: ذاكَ اللَّهُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ راهَوَيْهِ، ومُسَدَّدٌ، وأبُو يَعْلى، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ قالَ السُّيُوطِيُّ: بِإسْنادٍ حَسَنٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ قالَ: «اجْتَمَعَ ناسٌ مِنَ العَرَبِ، فَقالُوا: انْطَلِقُوا إلى هَذا الرَّجُلِ، فَإنْ يَكُ نَبِيًّا فَنَحْنُ أسْعَدُ النّاسِ بِهِ، وإنْ يَكُ مَلِكًا نَعِشْ بِجَناحِهِ، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَأخْبَرْتُهُ بِما قالُوا، فَجاءُوا إلى حُجْرَتِهِ فَجَعَلُوا يُنادُونَهُ يا مُحَمَّدُ، يا مُحَمَّدُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ فَأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بِأُذُنِي وجَعَلَ يَقُولُ: لَقَدْ صَدَّقَ اللَّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ، لَقَدْ صَدَّقَ اللَّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ» .
وفِي البابِ أحادِيثُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَندَهْ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ الحارِثِ بْنِ ضِرارٍ الخُزاعِيِّ قالَ: «قَدِمْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَدَعانِي إلى الإسْلامِ، فَدَخَلْتُ فِيهِ وأقْرَرْتُ بِهِ، ودَعانِي إلى الزَّكاةِ فَأقْرَرْتُ بِها، وقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أرْجِعُ إلى قَوْمِي فَأدْعُوهم إلى الإسْلامِ وأداءِ الزَّكاةِ، فَمَنِ اسْتَجابَ لِي جَمَعْتُ زَكاتَهُ وتُرْسِلُ إلَيَّ يا رَسُولَ اللَّهِ رَسُولًا لِإبّانِ كَذا وكَذا لِيَأْتِيَكَ ما جَمَعْتُ مِنَ الزَّكاةِ، فَلَمّا جَمَعَ الحارِثُ الزَّكاةَ مِمَّنِ اسْتَجابَ لَهُ وبَلَغَ الإبّانَ الَّذِي أرادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ احْتُبِسَ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِ، فَظَنَّ الحارِثُ أنْ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَدَعا سَرَواتِ قَوْمِهِ فَقالَ لَهم: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كانَ وقَّتَ لِي وقْتًا يُرْسِلُ إلَيَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكاةِ، ولَيْسَ مِن رَسُولِ اللَّهِ الخُلْفُ ولا أرى حَبْسَ رَسُولِهِ إلّا مِن سَخْطَةٍ، فانْطَلِقُوا فَنَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ، وبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إلى الحارِثِ لِيَقْبِضَ ما كانَ عِنْدَهُ مِمّا جَمَعَ مِنَ الزَّكاةِ، فَلَمّا أنْ سارَ الوَلِيدُ حَتّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ فَرَجَعَ، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: إنَّ الحارِثَ مَنَعَنِي الزَّكاةَ وأرادَ قَتْلِي، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - البَعْثَ إلى الحارِثِ، فَأقْبَلَ الحارِثُ بِأصْحابِهِ حَتّى إذا اسْتَقَلَّ البَعْثُ، وفَصَلَ عَنِ المَدِينَةِ لَقِيَهُمُ الحارِثُ، فَقالُوا هَذا الحارِثُ ؟ فَلَمّا غَشِيَهم قالَ لَهم: إلى مَن بُعِثْتُمْ ؟ قالُوا إلَيْكَ. قالَ: ولِمَ ؟ قالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بَعَثَ إلَيْكَ الوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَزَعَمَ أنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَهُ، قالَ: لا والَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ ما رَأيْتُهُ بَتَّةً ولا أتانِي، فَلَمّا دَخَلَ الحارِثُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: مَنَعْتَ الزَّكاةَ وأرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي ؟ قالَ: لا والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما رَأيْتُهُ ولا رَآنِي، وما أقْبَلْتُ إلّا حِينَ احْتُبِسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - خَشِيتُ أنْ تَكُونَ كانَتْ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَنَزَلَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿حَكِيمٌ﴾» قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذا مِن أحْسَنِ ما رُوِيَ في سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ.
وقَدْ رُوِيَتْ رِواياتٌ كَثِيرَةٌ مُتَّفِقَةٌ عَلى أنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ، وأنَّهُ المُرادُ بِها وإنِ اخْتَلَفَتِ القِصَصُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُقَدِّمُوا۟ بَیۡنَ یَدَیِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرۡفَعُوۤا۟ أَصۡوَ ٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِیِّ وَلَا تَجۡهَرُوا۟ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَـٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ","إِنَّ ٱلَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصۡوَ ٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرٌ عَظِیمٌ","إِنَّ ٱلَّذِینَ یُنَادُونَكَ مِن وَرَاۤءِ ٱلۡحُجُرَ ٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ","وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُوا۟ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَیۡهِمۡ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ","وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ فِیكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ یُطِیعُكُمۡ فِی كَثِیرࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلرَّ ٰشِدُونَ","فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةࣰۚ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق