* اللغة:
(الحذر) بكسر الحاء وسكون الذال أو بفتحتين: التّيقّظ والاحتراز من الأمر المخوف.
(ثُباتٍ) بضم الثاء: الجماعة من الفرسان، ويقال ثبوت أيضا، ووزنها في الأصل فعلة كحطمة، وإنما حذفت منها لامها وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة. وهل هو واو أو ياء قولان، وفي كتب اللغة الثبات: جمع ثبة وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة، وقيل:
فوق الاثنين. والسرية أقلها مائة وغايتها أربعمائة، ويليها المنسر من أربعمائة إلى ثمانمائة، ويليه الجيش من ثمانمائة إلى أربعة آلاف، ويليه الجحفل وهو ما زاد على ذلك. قال زهير يصف جماعة كراما ويمدحهم:
وقد أغدو على ثبة كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء
لهم راح وراووق ومسك ... تعلّ به جلودهم وماء
أمشي بين قتلى قد أصيبت ... نفوسهم ولم تقطر دماء
يجرّون البرود وقد تمشّت ... حميّا الكأس فيهم والغناء
(انفروا) أمر من النفر وهو الفزع، يقال: نفر إليه نفرا من باب ضرب وقعد. وقد قرأ الأعمش: انفروا بضم الفاء في الموضعين.
(يبطئن) بتشديد الطاء زيادة التثاقل والإبطاء والتخلّف عن الجهاد. يقال: بطّأ بالتشديد وأبطأ.
* الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) كلام مستأنف مسوق لتحذير عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم من المخاطر التي قد يستهدفون لها إذا لم يأخذوا حذرهم. وقد تقدم اعراب النداء، وخذوا فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الافعال الخمسة والواو فاعل وحذركم مفعول به والفاء عاطفة وانفروا عطف على خذوا أي: بادروهم قبل أن يبادروكم ولا تتخاذلوا فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة. وثبات حال وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم أو انفروا عطف على انفروا الاول وجميعا حال (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لخطاب المبطئين والمنافقين الذين تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد. وإن حرف مشبه بالفعل ومنكم متعلقان بمحذوف خبر مقدم لمن اللام المزحلقة وفائدتها التأكيد ومن اسم موصول في محل نصب اسمها المؤخر وليبطئن اللام جواب قسم محذوف وتقدير الكلام: وإن منكم لمن أقسم ليبطئن، والقسم وجوابه صلة الموصول ويبطئن هنا يجوز أن يكون لازما ويجوز أن يكون متعديا والمفعول محذوف أي: ليبطئنّ غيره أي يثبّطه ويبعث في نفسه الجبن والهلع، وهؤلاء شر من الأعداء، وفي جعلهم منهم تعميم اقتضاه الظاهر، والواقع أنهم عدو لكم. ولاحظ أن صلة الموصول نفسها هي جواب القسم، وكلتاهما لا محل لها من الإعراب (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ) الفاء استئنافية وإن شرطية وأصابتكم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ومصيبة فاعل وجملة قال في محل جزم جواب الشرط وجملة قد أنعم الله علي في محل نصب مقول القول (إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بأنعم ولم حرف نفي وقلب وجزم وأكن فعل مضارع ناقص واسمها مستتر تقديره أنا ومعهم ظرف مكان متعلق بمحذوف حال وشهيدا خبر أكن.
* البلاغة:
1- الطباق بين ثبات وجميعا. أي انهدوا للعدو وتصدوا له سرايا متعاقبه أو كواكب مجتمعة، فالتباطؤ ديدن المنافقين.
2- المجاز المرسل في خذوا حذركم، والعلاقة هي السببية، لأن الحذر- وإن كان لا يمنع القدر- هو الآلة التي يقي بها الإنسان نفسه، ويعصم روحه.
3- الخبر الإنكاري في قوله: «وإن منكم لمن ليبطئنّ» .
فقد جاء التأكيد بإن وبلام التأكيد التي يسميها النحاة المزحلقة ونون التوكيد الثقيلة، وفي استعمال الفعل المضعّف، وزيادة الحروف زيادة في المعنى. وفي مجموع هذه المؤكدات تخويف رهيب لمن ثبّط نفسه أو ثبّط غيره. وقد نزلت هذه الآيات في المنافق عبد الله بن أبي الذي ثبط المؤمنين في غزوة أحد. وقد تشبث الشعراء بأهداب هذه المعاني فقال أبو تمام في مدح الثبات على الحرب والقتل في الجهاد يرثي محمد ابن حميد الطوسي من قصيدة فريدة:
وقد كان فوت الموت سهلا فردّه ... إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر
ونفس تعاف العار حتى كأنما ... هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها: من تحت أخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمرا فما دجا ... لها الليل إلا وهي من سندس خضر
إلى آخر تلك القصيدة الرائعة.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُوا۟ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا۟ جَمِیعࣰا","وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّیُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِیدࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُوا۟ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا۟ جَمِیعࣰا"}