الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ الآية. هذا حث من الله تعالى عباده المؤمنين على الجهاد.
والحذر في اللغة يعني الحذر، وهو كالمثل والمثَل والعدْل والعدَل [[انظر: "الصحاح" 2/ 626 (حذر)، "الكشف والبيان" 4/ 85 ب، "التفسير الكبير" 10/ 176، "اللسان" 2/ 809 - 810 (حذر).]]، (والعرب تقول: فخذ حذر) [[هكذا في المخطوط، وفي "الوسيط" للمؤلف 2/ 615: "وتقول العرب: خُذ حذرك، أي أحذر".]].
قال أهل المعاني في هذا قولين: أحدهما: أن المراد بالحذر ههنا السلاح، والمعنى: خذوا سلاحكم [["بحر العلوم" 1/ 367، "الكشف والبيان" 4/ 85 ب، وانظر: "معالم التنزيل" 2/ 248 ، "زاد المسير" 2/ 129، "التفسير الكبير" 10/ 176، ابن كثير 1/ 575.]]، فيسمى السلاح حذرًا؛ لأنه يتقي به ويحذر.
والثاني: أن يكون ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ بمعنى احذروا عدوكم [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 85 ب، "معالم التنزيل" 2/ 248، "زاد المسير" 2/ 129 "التفسير الكبير" 10/ 177.]]، إلا أن هذا الأمر بالحذر مضمن بأخذ السلاح؛ لأن أخذ السلاح هو الحذر من العدو. فالتأويل يعود إلى الأول [[انظر:: "التفسير الكبير" 10/ 177، وابن كثير 1/ 575.]].
فعلى القول الأول الأمر مصرح بأخذ السلاح، وعلى القول الثاني أخذ السلاح مدلول عليه بفحوى الكلام [[انظر: "التفسير الكبير" 10/ 177.]].
وأما التفسير فقال ابن عباس: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ يريد عند لقاء العدو [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 89]]. وهذا يقوي القول الأول. وقد صرح مقاتل [[هو مقاتل بن حيان. انظر: "الدر المنثور" 2/ 326.]] بالقول الأول فقال: خذوا حذركم من السلاح [[أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم بلفظ. "عدتكم من السلاح". انظر: "الدر المنثور" 2/ 591.]].
وقال الكلبي: خذوا حذركم من عدوكم [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 89.]].
وهذا التفسير على القول الثاني، وكأنه اختيار أبي إسحاق؛ لأنه قال في هذه الآية: أمر الله أن لا يلقي المؤمنون بأيديهم إلى التهلكة، وأن يحذروا عدوهم، وأن يجاهدوا حق الجهاد [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 74.]].
وهذه الآية لا تدل على أن الحذر يرد شيئًا من القدر، ولكنا تعبِّدنا في الشريعة بالحذر من (.. [[كلمة غير واضحة، ويمكن أن تكون: (الخطر)، أو (العدد).]] ..) والتوقِّي من النشر، والقدر جارٍ على ما قضي. وكان رسول الله ﷺ إذا مر عدُّوا له أسرع المشي، وقد قال الله تعالى له: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51] [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 86 أ، "التفسير الكبير" 10/ 177، القرطبي 5/ 274.]].
وقوله تعالى: ﴿فَانْفِرُوا﴾. قال الفراء: يقال: نفر القوم ينفرون نفرًا ونفيرًا [[من "تهذيب اللغة" 4/ 3628 (نفر).]] إذا هم نهضوا لقتال عدو وخرجوا لحرب [[انظر: "الوسيط" 2/ 616.]].
واستنفر الإمام الناس لجهاد العدو فنفروا ينفرون، إذا حثهم على النفير ودعاهم إليه. ومنه قول النبي ﷺ: وإذا استنفرتم فانفروا [[من "تهذيب اللغة" 4/ 3628 (نفر). وحديث: "إذا استنفرتم" أخرجه البخاري من حديث ابن عباس (1834) كتاب: جزاء الصيد، باب لا يحل القتال بمكة، ومسلم (1353) كتاب: الحج، باب: تحريم مكة.]]. والنفير اسم للقوم الذين ينفرون [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3628، "أساس البلاغة" 2/ 463 - 464 (نفر)، القرطبي 5/ 274.]]، ومنه فلان (لا في العير ولا في النفير) [["تهذيب اللغة" 4/ 3628 (نفر)، "جمهرة الأمثال" للعسكري 2/ 399، "مجمع الأمثال" للميداني 3/ 168.]].
وقال أصحاب العربية: أصل هذا الحرف من النُّفور والنِّفار، وهو الفزع، نفر ينظر نفورًا إذا فزع إليه [[انظر: القرطبي 5/ 274.]]. والمعنى انفروا إلى قتال عدوكم.
وقوله تعالى: ﴿ثُبَاتٍ﴾. قال جميع أهل اللغة: الثُّبات جماعات متفرقة واحدها ثبة [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 132، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 127، الطبري 8/ 536، "معاني الزجاج" 2/ 75، "تهذيب اللغة" (465) (ثاب)، "اللسان" 1/ 519، (ثوب)، "عمدة الحفاظ" ص 85.]]، وأنشدوا لزهير: وقد أغدو على ثبة كرامٍ ... نشاوى واجدين لما نشاء [[البيت في "ديوان زهير" ص 17، "مجاز القرآن" 1/ 132، والطبري 5/ 164، "معاني الزجاج" 2/ 75، "تهذيب اللغة" 1/ 465 (ثاب)، "اللسان" 1/ 518 - 519، "عمدة الحفاظ" ص 85 (ثوب). ومعنى "نشاوى" جمع نشوان وهو السكران، "واجدين" أي قادرين على ما يريدون من طعام وشراب.]]
وأما أصلها واشتقاقها فقال علماء اللغة والنحو: ثبة أصلها من ثبيت الشيء، أي جمعته. ويقال: ثبيت على الرجل، إذا أثنيت عليه في حياته ، وتأويله: جمع محاسنه [["معاني الزجاج" 2/ 75، "معاني النحاس" 2/ 131، "تهذيب اللغة" 1/ 465 (ثاب)، "سر صناعة الإعراب" 2/ 602، وانظر: "مقاييس اللغة" 1/ 401 (ثبي) ، "التفسير الكبير" 10/ 177.]]. وأنشدوا للبيد:
يُثَبِّي ثناءً من كريمٍ وقولُه ... ألا انعم على حسن التحيَّة واشربِ [["ديوانه" ص 8، "تهذيب اللغة" 1/ 465 (ثاب)، "سر صناعة الإعراب" 2/ 602 "مقاييس اللغة" 1/ 401 (ثبي)، وانظر: "معجم شواهد العربية" ص 55.]]
وقال آخر:
كم لِيَ من ذي تُدْرأٍ مذبِّ ... أشوس أبَّاءٍ على المُثَبِّي [[البيت غير منسوب في "سر صناعة الإعراب" 2/ 602، "اللسان" 1/ 519 (ثوب) ومعنى "ذي تدرأ": ذي قوة وعدة على دفع أعدائه في نفسه، "مذب": من الذب وهو الدفع والمنع، "أشوس": جريء على القتال الشديد.]]
أي الذي يعذله ويكثر لومه ويجمع له العذل من هنا وهنا. فقولهم: يثبِّي، يدل على أن اللام معتلة، وأن الثاء والباء فاء عين الفعل، وأصلها ثبوة. وثبيت لا يدل على أن المحذوف من ثبة الياء دون الواو، لقولهم: خليت، وعديت، من: خلا يخلو، وعدا يعدو، كما قالوا: قضيت وسقيت والقبيلان إذا صارا إلى هنا متساويان.
والذي ينبغي أن يُقضى به في ثبة أن تكون من الواو، وذلك أن أكثر ما حذفت لامه إنما هو من الواو نحو: أبٍ وأخٍ وغدٍ وحمٍ [[من الكلام على البيت الأخير إلى هنا أخذه المؤلف من "سر صناعة الإعراب" 2/ 602، 603 بتصرف يسير، وانظر: "الممتع في التصريف" 2/ 623.]].
قال الزجاج: وتصغيرها ثبية، وتصغير ثبة الحوَض: ثوبية؛ لأن المحذوف من هذه عين الفعل، لأنه من ثاب، (وثبة الحوض حيث) [[في "معاني الزجاج" 2/ 75: "وثبة الحوض وسطه" وهذا أولى.]] يثوب الماء إليه، أي يرجع [["معاني الزجاج" 2/ 75.]].
ويجمع الثبة التي هي الجماعة ثبين [["مجاز القرآن" 1/ 132، والطبري 5/ 164، "معاني الزجاج" 2/ 75، وانظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 458، وابن كثير 1/ 575.]]، قال عمرو:
وأما يوم خشيتنا عليهم ... فتُصبح خيلنا عصمًا [[في القرطبي 5/ 274، "الدر المنثور" 2/ 327 "عصبا" ولعله أولى.]] ثبينا [[أخرج الطستي عن ابن عباس عن مسائل نافع بن الأزرق المشهورة، وفيها هذا البيت. انظر: "الدر المنثور" 2/ 327، وأورده أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 132، والقرطبي 5/ 274، وفيها نسبته لعمرو بن كلثوم.]]
وسنذكر لم جمع بالياء والنون عند قوله: ﴿عِضِينَ﴾ [الحجر:91] لأن هذه نظرة عضة -إن شاء الله.
وأما التفسير فقال المفسرون في الثبات نحو قول أهل اللغة، فقال مقاتل: عصبا متفرقين [[انظر: "الوسيط" 2/ 616، ولعله مقاتل بن حيان. انظر ابن كثير 1/ 575.]].
وقال ابن عباس: سرايا متفرقين [["تفسيره" ص 151، وأخرجه الطبري 5/ 165، وابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" 2/ 326.]].
وقال قتادة: الثبات الفرق [[أخرجه الطبري 5/ 165، وانظر: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 131، وابن كثير 1/ 575.]].
وأما معنى الآية فقال العلماء: هذه الآية تدل على أن الجهاد من فروض الكفاية؛ لأن الله تعالى خيرهم بين أن يُقاتلوا جميعًا، وبين أن يقاتل بعضهم دون بعض بقوله: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ فدل أنه ليس من فروض الأعيان [[انظر: "الوسيط" 2/ 617، والقرطبي 5/ 275.]]. وهذا مذهب جماعة من المفسرين في الآية.
وقال قوم: الآية لا تدل على ذلك؛ لأن قوله: ﴿فَانْفِرُوا﴾ ﴿أَوِ انْفِرُوا﴾ محمول على حالين مختلفين، فقوله: ﴿انْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ إذا لم ينفر معهم رسول الله ﷺ، (أو انفروا جميعًا) مع الرسول. نظيره قوله: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 120] إذا نفر رسول الله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: 122] إذا لم ينفر رسول الله. وهذا قول عبد الرحمن بن زيد والكلبي [[انظر: القرطبي 5/ 275، "تنوير المقياس" بهامش المصحف ص 89.]].
وقد ذكرنا في سورة البقرة ابتداء وجوب الجهاد، ومذاهب العلماء في وجوبه اليوم عند قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ الآية [البقرة: 216].
ومنهم من قال: التخيير في قوله: ﴿فَانْفِرُوا﴾ (أو انفروا) يعود إلى صفة الخروج للقتال، يقول: انفروا جماعات متفرقة، أو انفروا جميعًا بعضكم إلى بعض، أي على أي صفة كانت من الاجتماع في النفر والوقوف ليتلاحق الآخر والأول والمبادرة وترك التفريج للتلاحق. ولهذا المعنى أراد الشاعر لما قاله: طاروا إليه زرافات ووحدانا [[عجز بيت صدره:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
وهو لقريط بن أنيف كما في "الحماسة" 1/ 4، وانظر: "الصناعتين" ص 285، و"خزانة الأدب" 7/ 413، و"الخصائص" 2/ 270، و"بصائر ذوي التمييز"، وهو في "التفسير الكبير" 10/ 177، و"اللسان" 8/ 4779 (وحد).]]
ومثله قوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: 239] أي على أي الحال كنتم فصلوا [[انظر: "التفسير الكبير" 10/ 177.]].
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُوا۟ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا۟ جَمِیعࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق