الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام ٢١].
(من) اسم استفهام والمراد به النفي؛ أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب، والنفي إذا جاء بصيغة الاستفهام صار أبلغ، لماذا يا جماعة؟ لأنه يكون مُشْرَبًا معنى التحدي كأن المتكلم يقول: بيِّن إن كنت صادقًا أحدًا أظلم ممن افترى على الله الكذب، فيكون مجيء النفي بصيغة الاستفهام أبلغ في النفي.
والظلم في الأصل النقص كما قال الله عز وجل: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا﴾ أيش؟ ﴿وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣] أي: لم تنقص، لكنه تعدَّى إلى نقص الإنسان فيما يجب عليه من فعل الأوامر وترك النواهي فإنه نقص حق نفسه بذلك.
﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ افترى بمعنى اختلق، اختلق على الله الكذب؛ لأن الكذب على الله عز وجل أعظم الكذب، ويليه الكذب على مَنْ؟ على الرسول ﷺ كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٢٩١)، ومسلم (٤ / ٤) من حديث المغيرة بن شعبة.]]، بل هو أعظم، يلي ذلك الكذب على علماء الشريعة، إذا كُذِبَ عليهم بأنهم أفتَوْا بكذا، فهذا كذب لأنه كذب على الشرع؛ إذ إن علماء الشريعة هم الذي يبلغون الشريعة، فإذا كُذِبَ عليهم فقد كذب على الشرع.
﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ ﴿أَوْ﴾ هنا للتنويع؛ يعني افترى أو كذب، وإن جمع بين الأمرين صار أشد، إذا طبقنا هذه الآية على واقع المشركين في قريش نجد أنها منطبقة عليهم تمامًا فقد افتروا على الله الكذب بأن أشركوا معه ما لم ينزل به سلطانًا؛ افتروا على الله الكذب فقالوا: هذا حلال، وهذا حرام ﴿قَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام ١٣٩] هم أيضًا كذَّبوا بآيات الله، كذبوا بالآيات الشرعية التي جاءت على لسان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما الآيات الكونية فهم لم يكذِّبوا بها.
* * *
نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى فيما سبق: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ مَنِ المراد بـ﴿الذين أوتوا الكتاب﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، وما المراد بالكتاب؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الإنجيل، ولماذا خَصَّ الأبناء ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾.
* طالب: (...) يقينية.
* الشيخ: ومعرفة البنات فيها نظر؟ لا.
* طالب: لأن تعلُّق الإنسان بالبنين أكثر من تعلقه بالبنات.
* الشيخ: لأن تعلق الإنسان بالبنين أكثر من تعلقه بالبنات، فهذا يستلزم أن يكون معرفته بحاله أكثر من معرفته بحال البنات، ما المراد بهذه الجملة ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما المراد بها؟
* الطالب: (...) ليس عندهم شكٌّ (...).
* الشيخ: أنهم ليس عندهم شكٌّ في أن هذا حق، فتكون الحجة قد قامت عليهم.
﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أليس انتفاء الإيمان قبل الخسران؟ كيف قدم الخسران على ترتب الحكم؟
* الطالب: النتيجة عليه.
* الشيخ: يعني الذين قضى الله أنهم خاسرون، فلن يؤمنوا فهم لا يؤمنون.
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾.
أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو كذَّب بآياته، فهذان صنفان الأول كذَب على الله، والثاني كذَّب آيات الله، لا أحد أظلم منه، ومن جمع بينهما فهو أشد.
﴿مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بأن قال: إن لله ولدًا، هذا افتراء على الله كذبًا أو قال: إن لله شريكًا، هذا افتراء على الله كذبًا، أو قال: إن هذا الكون لم يخلقه الله، افترى على الله كذبًا، إذا قال: خلقه الطبيعة وما أشبه ذلك.
﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ أي: كذَّب بالآيات الدالة على أن الله عز وجل حقٌّ، الكونية أو الشرعية؟ كليهما، كذَّب بالآيات الكونية أو الآيات الشرعية.
التكذيب بالآيات الكونية أن ينفي كون الله عز وجل خلقها أو ينفي أن الله تعالى انفرد بخلقها، والشرعية أن ينفي إرسال الرسل بما جاءت به من الوحي.
وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ هذا الحكم على من افترى على الله كذبًا أو كذَّب بآياته، ولكن لم يقل: إنهم، بل أظهر في موضع الإضمار للعموم؛ ليعمهم وغيرهم.
والفلاح هو النجاة وحصول المطلوب، فالظالم لن ينجو ولن يُفلح.
* في هذه الآية الكريمة فوائد؛ منها: أن الظلم يختلف، بعضه أشدُّ من بعض، لماذا؟ لأن المعاصي تختلف، بعضها أعظم من بعض، هناك كبائر وهناك صغائر، والكبائر نفسها تختلف، فيه أكبر الكبائر وما دونها، والصغائر كذلك تختلف، فمن أين نعرف أن الأعمال المحرمة تختلف باختلاف الظلم؟ لأن كل فعل محرَّم أو تركِ واجب ظلم، وإذا كان يتفاوت لزم من ذلك تفاوت الأعمال.
* ومن فوائد الآية: التحذير من أن يفتري الإنسان على الله الكذب؛ لأنه بَيَّن أنه في المرتبة العليا من الظلم، ومن ذلك -أي من الافتراء على الله كذبًا- أن يَكْذِب الإنسان على ربه عز وجل في مدلول آياته فيقول: أراد الله بكذا كذا وكذا، هذا كذب على الله، ومن ذلك أن يفتري على الله كذبًا في أحكامه فيقول: هذا حلال وهذا حرام كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل ١١٦]، وعلى هذا فمن قال: المراد بقوله: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف ٥٤] استولى على العرش؛ يدخل في الآية أو لا؟ يدخل في الآية لا شك؛ لأنه افترى على الله كذبًا.
ومن قال: إن هذا الشيء حرام، وهو حلال فقد افترى على الله كذبًا.
ومن قال: هذا حلال وهو حرام فقد افترى على الله كذبًا.
فالقاعدة إذن في الافتراء على الله كذبًا أن يحرف آياته إلى معان لا يريدها الله عز وجل، أو يقول بأحكام لم يحكم الله بها.
ومن ذلك التكفير إذا قال: هذا كفر وليس بكفر فقد افترى على الله كذبًا؛ لأن التكفير حكم شرعي، بأي شيء يستدل عليه؟ بالكتاب والسنة، ليس التكفير إلى الناس، مَنْ شاء كفَّر ومن شاء لم يُكفّر، بل التكفير إلى الله ورسوله، فمن كفَّره الله ورسوله وجب علينا أن نكفِّره، ومن نفى الله ورسوله الكفر عنه وجب علينا أن ننفي عنه الكفر.
فإن قال قائل: هناك إطلاقات في بعض الأحكام بالكفر يعني يطلق عليها الكفر، فكيف نعرف أنه كفر أكبر أو أصغر؟
نعرف ذلك بقواعد الشريعة العامة ويُنزَّل الحكم بالكفر على هذه القواعد، وبذلك يتبين أنه أكبر أو أصغر، ولما كان تكفير ولاة الأمور من أشد الأشياء خطرًا منع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الخروج عليهم إلا أن نرى كفرًا بواحًا ظاهرًا بَيِّنًا عندنا فيه من الله برهان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عِظَمُ ظلم من كذَّب بآيات الله؛ لأنه دخل في الطبقة العليا من الظلم ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾.
* ومنها: أنه لا يُحْكَم بظلمه أو بكونه في المرتبة العليا إلا إذا تبينت له الآيات، كذَّب بآيات الله وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة ١١٥] فإذا بَيَّن لهم ما يتقون حكم بضلالهم سبحانه وتعالى وإلا فهم في عذر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب التصديق بكل آيات الله الكونية والشرعية؛ وجه ذلك أن (آيات) مضاف، والجمع إذا أضيف يفيد العموم.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن من آمن ببعض وكفر ببعض فقد كفر بالجميع فلا يُعَدُّ مؤمنًا؛ لأنه يوجد بعض الناس يؤمن ويصدق بما يرى عقله أنه حق ويكذِّب بما يرى أنه ليس بحق، أو يؤمن بما يرى أنه مناسب ويكفر بضد ذلك، وهؤلاء بَيَّن الله حكمهم فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء ١٥٠، ١٥١].
وقال تعالى منكرًا على بني إسرائيل: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة ٨٥]، وبَيَّن الله عز وجل أنَّ مَنْ كفر برسول واحد فهو كافر بالجميع فقال: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥]، مع أن قوم نوح هم أول من أُرْسِل إليهم الرسل، فانتبهوا لهذا، لا يمكن لإنسان أن يُجَزِّئ الشريعة فيؤمن ببعضها ويكفر ببعض؛ لأننا نعلم أن مثل هذا متَّبِع لهواه فقط.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: نفي الفلاح عن الظالم؛ أي لا يمكن أن يحصل له مقصوده بل بالعكس.
فإن قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية الكريمة وبين نصوص أخرى تدل على أن هذا الفعل أظلم شيء مثل قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [البقرة ١١٤] وهنا يقول: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾، وقال النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي: «مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٥٩)، ومسلم (٢١١١ / ١٠١) من حديث أبي هريرة.]] في المصورين، فكيف نجمع بين هذه النصوص؟
الجواب من أحد وجهين؛ إما أن نقول: اشتركت هذه الأشياء في المرتبة العليا من الظلم فكلها في مقام الأظلمِيَّة.
وإما أن يقال: إن الأظلمِيَّة أظلمية نسبيَّة؛ فمثلًا هنا ﴿مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ مِنَ الذين يفترون على غيرهم كذبًا.
الوجه الأخير أن نقول: إن هذه أظلمية نسبية؛ المعنى: أن الذين يفترون على غيرهم الكذب مَنْ أظلم ممن افترى على الله؟ لا أحد؛ يعني: افترى على مثلًا زيد، على فلان، على فلان، هذا حرام لا شك، لكن أظلم شيء أن يفتري على الله عز وجل.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [البقرة ١١٤] هذه أظلمية نسبيَّة؛ يعني: أَيُّ إنسان يمنع الناس من حقٍ لهم مَن أظلم ممن منع حقهم في المساجد؛ يعني مثلًا قد تمنع هذا الرجل أن يدخل المدرسة هل هذا أشد أو منعه من دخول المسجد؟
الثاني قد تمنعه من دخول السوق هذا ظلم، لكن أيهما أظلم هذا أو من منع مساجد الله؟ الثاني.
في مسألة التصوير «مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٥٩)، ومسلم (٢١١١ / ١٠١) من حديث أبي هريرة.]] أي: الذين يقلدون غيرهم في التصوير إذا كان على وجه الظلم، فمن أظلم ممن ذهب يخلق كخلق الله؟ لا أحد، هذا وجه.
الوجه الأول عرفتموه أيضًا ولّا ما عرفتوه؟ أنها كلها اشتركت في الأظلمية أي في المرتبة العليا من الظلم.
أيضًا إشكال آخر ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ ذكرنا أن الظالم لا يفلح، وهذه الفائدة تتضمن بشرى للمظلومين أن الظالم لن يفلح فيُبَشَّر المجاهدون بالنصر وأنَّ مآل من جاهدهم الخذلان، ويبشر من ظلم بأخذ ماله أو جحد ماله وما أشبه ذلك بأن هذا الظالم لن يفلح.
لكن لو قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية والواقع لأننا نرى أن الظالم قد يفلح؟
الجمع بينها وبين الواقع أن يقال: الفلاح نوعان؛ فلاح مطلق هذا لا يمكن للظالم أبدًا، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، وتلا قوله تعالى: » ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود ١٠٢][[متفق عليه؛ البخاري (٤٦٨٦)، ومسلم (٢٥٨٣ / ٦١) من حديث أبي موسى الأشعري.]]، فلا بد أن يَعْثُر الظالم، لا بد أن يخسر، طالت الدنيا أو قصرت، هذا الفلاح المطلق، لا يمكن مطلق الفلاح بمعنى أن يفلح في زمن معين أو مكان معين أو قضية معينة فهذا يمكن أن يقع ولا يخالف الآية؛ لأن الله تعالى قد يُعْطِي الظالم فلاحًا حتى يَغْتَرَّ بهذا الفلاح فيتمادى في طغيانه، ثم يقصم الله ظهره.
وقد أشار الله تعالى إلى هذا في سورة آل عمران ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤١] يمحِّصهم بكفارات الذنوب على ما حصل من هزيمة، ويمحصهم ألا يعودوا إلى المعصية مرة ثانية، ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ كيف يمحق الكافرين، وهم منتصرون؟
لأن الكافر إذا انتصر تجرأ وافتخر واعتز؛ فالظالم قد يُفلح، لكن فلاحًا مقيَّدًا لحكمة أو حِكَم لا نعلمها نحن ولكن يعلمها الله عز وجل.
وما موقفنا إذا سُلّط الظالم علينا؟ موقفنا أن نصبر، وألا نيأس وأن ننتظر الفرج من فاطر الأرض والسماوات، فإن الصبر مفتاح الفرج كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»[[أخرجه أحمد (٢٨٠٣) من حديث ابن عباس.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من الظلم وأن عاقبته الخسارة والدمار؛ لقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾، أعاذنا الله وإياكم من الظلم، وجعلنا من المفلحين المتقين المحسنين.
* طالب: شيخ بارك الله فيكم، أحيانًا يقع من بعض الناس خاصَّة من غير طلبة العلم ممن هم ملتزمون ويريدون إظهار غَيْرَتَهُم على الإسلام، فيبدؤون يتكلمون في ولاة الأمر، ويظهرون أنهم على حنق وأنهم يتمنون زوالهم وما أشبه ذلك من هذه الأمور التي مما درسنا تخالف الأدلة وتخالف أيضًا مقتضى العقل، ما هو الموقف السليم لطلبة العلم؛ لأنهم أيضًا يتكلمون عن طلبة العلم، وبعضهم يقِرُّه بل قد يشجعه؟ ما هو الواجب على طالب العلم في مثل هذا الموقف؟
* الشيخ: الواجب على طالب العلم أن يُبَيِّنَ ما يقتضيه الدليل من السمع والطاعة لولاة الأمور إلا إذا أُمِرُوا بمعصية، وما تقتضيه الأدلة من وجوب الكفِّ عن مساوئهم، ومَنْ أراد النصيحة فطريقها مفتوح.
* الطالب: بعضهم يحتج يقول: أنا إذا منعتهم أُعَوِّدُهم على الجبن وعلى الذل، وهذا جزاه الله خيرًا قد أظهر حبَّه للإسلام والدين فبأي صورة فعل يقول: خليه.
* الشيخ: نعم نقول: لا بأس، عِزُّ النفس واجب، لكن عز النفس لا بد أن يكون على مقتضى الشريعة حتى يكون مُتَّزِنًا وإلَّا لكان هذا يريد عزة النفس، وهذا يريد عزة النفس، وهذا يريد عزة النفس، وتكون فوضى، فهناك دليل، ولعلك وغيرك أيضًا وقع في مثل هذا، أنَّه جابه أناسًا على هذا الحال، فالواجب النصيحة وأن تُضرب الأمثال لهؤلاء بما حصل من البلاء وإراقة الدماء وانتهاب الأموال.
وإلا لكان هذا يريد عزة النفس، وهذا يريد عزة النفس، وهذا يريد عزة النفس، وتكون فوضى، فهناك دليل، ولعلك وغيرك أيضًا وقع في مثل هذا؛ أنه جابه أناسًا على هذا الحال، فالواجب النصيحة، وأن تُضرب الأمثال لهؤلاء بما حصل من البلاء، وإراقة الدماء، وانتهاب الأموال فيمن سلك هذا المسلك من حين الخوارج على علي رضي الله عنه، ومعاوية إلى يومنا هذا.
* طالب: عفا الله عنك يا شيخ، الذنوب يا شيخ لها أثر، ولها صفة (...) العقوبة؛ لأن الإنسان يعاقب بالذنوب اللي تسبب له عقوبة من الله سبحانه وتعالى، وتصير خيرًا له، مثل المريض يا شيخ، لولا بعض الناس ما هو كل الناس، لكن بعض الناس، المرض (...) صار المريض ذكر الله، ورجع إلى ربه، فإذا ما عافاه الله نسي ما على حاله اللي هو مضى، ومنها يا شيخ منها ما جرى للصحابة في غزوة أحد وغزوة حنين يا شيخ، ومنهم عصوا الرسول ﷺ، عاقبهم الله سبحانه وتعالى بالهزيمة، وعاقبهم لما اغتروا بكثرتهم في حنين.
* الشيخ: إي نعم، صحيح، هذه من حكمة الله عز وجل؛ أن هذا الجند الذي هو أشرف جند على وجه الأرض منذ خُلق آدم حصلت عليهم الهزيمة بمعصية واحدة، فكيف بالمعاصي التي ملأت الأجواء؟
ثانيًا: حصلت لهم هزيمة لافتخارهم لعددهم وكثرتهم، وهم أشرف جُند على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة، فهذا موعظة لنا، إذا كنا نريد الانتصار على أعدائنا فلا يجوز أبدًا أن ننغمس في المعاصي، وبعضنا منغمس في الإلحاد والكفر والعياذ بالله ومولاة الكفار ومناصرتهم، كيف يكون النصر، فهذا في الواقع من حكمة الله عز وجل أنهما مثلان عظيمان تحصل بهما العبرة إلى آخر هذه الأمور.
* طالب: شيخ -حفظك الله- هناك بعض الظالمين لا نرى حتى في آخر حياتهم لا تحصل لهم عقوبة، فهل العقوبة هنا لا بد أن تصلهم في الدنيا أو؟
* الشيخ: ظالمًا، إذا كان ظالمًا بمبدأ من المبادئ لا بد أن ينخذل هذا المبدأ حتى بعد موته، إذا كان خاصًّا فإنه وإن لم يحصل ذلك في الدنيا حسب ما نرى فهو في الآخرة، وربما يكون في قلب الظالم أشياء ما ندري عنها، يُبتلى بها: من ضيق الصدر، وكراهة الحق وما أشبه ذلك.
* طالب: أحسن الله إليك، قلنا: من التكذيب على الله التكذيب في مدلول الأدلة، وإذا أخطأ الإنسان في مدلول آية لا (...) أصلها.
* الشيخ: هذا -بارك الله فيك- إذا قال بتفسير الآية، ننظر هل هو على قاعدة شرعية؟ هل هذا ما تقتضيه اللغة أو ما تقتضيه الشريعة؟ فهو إذا أخطأ مغفور له بعد بذل الجهد، أما إذا عاند وقال: المراد بكذا كذا وكذا، فلا عذر له.
* الطالب: يريد أن يشرح للناس وهو ليس أهلًا له.
* الشيخ: لا، ما يجوز خاصة القرآن، القرآن أنت إذا أخبرت بمعنى آية فقد شهدت على الله أنه أراد هذا، هذه صعبة.
* طالب: ما هو ضابط المناصرة؛ مناصرة الكفار حتى تكون ناقضة من نواقض الإسلام؟
* الشيخ: المناصرة أن يناصرهم على الكفر، هذه المناصرة.
* طالب: كتهنئة الكفار؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: بأنهم حلوا في بلاد المسلمين، واستقروا فيها، فيهنئ بعضهم بعضًا؟
* الشيخ: لا، حرام هذا، ما يجوز.
* الطالب: هل يُعد ناقضًا؟
* الشيخ: هذا حرام، مسألة النواقض إحنا ما نتكلم فيها؛ لأنها تحتاج إلى تحرير، لكن لا شك أن الذي يُهنئ الكفار باحتلال بلاد المسلمين أنه على خطر عظيم، نسأل الله العافية.
{"ayah":"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق