الباحث القرآني
(p-٣٣٢)قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِآياتِهِ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظالِمُونَ﴾
"اَلَّذِينَ"؛ رُفِعَ بِالِابْتِداءِ؛ وخَبَرُهُ "يَعْرِفُونَهُ"؛ و"اَلْكِتابَ"؛ مَعْناهُ: اَلتَّوْراةُ؛ والإنْجِيلُ؛ وهو لَفْظٌ مُفْرَدٌ؛ يَدُلُّ عَلى الجِنْسِ؛ والضَمِيرُ في "يَعْرِفُونَهُ"؛ عائِدٌ - في بَعْضِ الأقْوالِ - عَلى التَوْحِيدِ؛ لِقُرْبِ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ﴾ [الأنعام: ١٩] ؛ وهَذا اسْتِشْهادٌ في ذَلِكَ عَلى كَفَرَةِ قُرَيْشٍ؛ والعَرَبِ؛ بِأهْلِ الكِتابِ.
و﴿ "الَّذِينَ خَسِرُوا"﴾ - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - مُنْقَطِعٌ؛ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ؛ ولَيْسَ مِن صِفَةِ "اَلَّذِينَ"؛ اَلْأُولى؛ لِأنَّهُ لا يَصِحُّ أنْ يُسْتَشْهَدَ بِأهْلِ الكِتابِ ويُذَمُّونَ في آيَةٍ واحِدَةٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقَدْ يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِاخْتِلافِ ما اسْتُشْهِدَ فِيهِ بِهِمْ؛ وما ذُمُّوا فِيهِ؛ وأنَّ الذَمَّ والِاسْتِشْهادَ لَيْسا مِن جِهَةٍ واحِدَةٍ؛ وقالَ قَتادَةُ ؛ والسُدِّيُّ ؛ وابْنُ جُرَيْجٍ: اَلضَّمِيرُ عائِدٌ في "يَعْرِفُونَهُ"؛ عَلى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ ورِسالَتِهِ؛ وذَلِكَ عَلى ما في قَوْلِهِ: ﴿وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذا القُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ﴾ [الأنعام: ١٩] ؛ فَكَأنَّهُ قالَ: "وَأهْلُ الكِتابِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ مِن إنْذارِي؛ والوَحْيِ إلَيَّ"؛ وتَأوَّلَ هَذا التَأْوِيلَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ: إنَّ اللهَ أنْزَلَ عَلى نَبِيِّهِ بِمَكَّةَ أنَّكم تَعْرِفُونَهُ كَما تَعْرِفُونَ أبْناءَكُمْ؛ فَكَيْفَ هَذِهِ المَعْرِفَةُ؟ فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ: نَعَمْ أعْرِفُهُ بِالصِفَةِ الَّتِي وصَفَهُ اللهُ في التَوْراةِ؛ فَلا أشُكُّ فِيهِ؛ وأمّا ابْنِي فَلا أدْرِي ما أحْدَثَتْ أُمُّهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وتَأوَّلَ ابْنُ سَلامٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - المَعْرِفَةَ بِالِابْنِ: تَحَقُّقَ صِحَّةِ نَسَبِهِ؛ وغَرَضُ الآيَةِ إنَّما هو الوُقُوفُ عَلى صُورَتِهِ؛ فَلا يُخْطِئُ الأبُ فِيها.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: اَلضَّمِيرُ مِن "يَعْرِفُونَهُ"؛ عائِدٌ عَلى القُرْآنِ المَذْكُورِ قَبْلُ.
(p-٣٣٣)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويَصِحُّ أنْ نُعِيدَ الضَمِيرَ عَلى هَذِهِ كُلِّها دُونَ اخْتِصاصٍ؛ كَأنَّهُ وصَفَ أشْياءَ كَثِيرَةً؛ ثُمَّ قالَ: "أهْلُ الكِتابِ يَعْرِفُونَهُ"؛ أيْ: ما قُلْنا؛ وما قَصَصْنا.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ [الأنعام: ١٢] ؛ اَلْآيَةَ؛ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ "اَلَّذِينَ"؛ نَعْتًا تابِعًا لِـ "اَلَّذِينَ" قَبْلَهُ؛ والفاءُ مِن قَوْلِهِ: "فَهُمْ"؛ عاطِفَةُ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ؛ وهَذا يَحْسُنُ عَلى تَأْوِيلِ مَن رَأى في الآيَةِ قَبْلَها أنَّ أهْلَ الكِتابِ مُتَوَعَّدُونَ؛ مَذْمُومُونَ؛ لا مُسْتَشْهَدٌ بِهِمْ؛ ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ "اَلَّذِينَ"؛ رَفْعًا بِالِابْتِداءِ؛ عَلى اسْتِئْنافِ الكَلامِ؛ وخَبَرُهُ: ﴿فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢] ؛ والفاءُ عَلى هَذا جَوابٌ؛ و"خَسِرُوا"؛ مَعْناهُ: غَبَنُوها؛ وقَدْ تَقَدَّمَ.
ورُوِيَ أنَّ كُلَّ عَبْدٍ لَهُ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ؛ ومَنزِلٌ في النارِ؛ فالمُؤْمِنُونَ يُنْزَلُونَ مَنازِلَ أهْلِ الكُفْرِ في الجَنَّةِ؛ والكافِرُونَ يُنْزَلُونَ مَنازِلَ أهْلِ الجَنَّةِ في النارِ؛ فَهَهُنا هي الخَسارَةُ بَيِّنَةً؛ والرِبْحُ لِلْآخَرِينَ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَمَن أظْلَمُ﴾ ؛ اَلْآيَةَ: "مَن"؛ اِسْتِفْهامٌ؛ مُضَمَّنَةٌ التَوْقِيفَ؛ والتَقْرِيرَ؛ أيْ: "لا أحَدَ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى"؛ و"اِفْتَرى"؛ مَعْناهُ: اِخْتَلَقَ؛ والمُكَذِّبُ بِالآياتِ مُفْتَرٍ؛ كَذّابٌ؛ ولَكِنَّهُما مُنَحَّيانِ مِنَ الكُفْرِ؛ فَلِذَلِكَ نُصّا مُفَسَّرَيْنِ.
والآياتُ: اَلْعَلاماتُ؛ والمُعْجِزاتُ؛ ونَحْوُ ذَلِكَ؛ ثُمَّ أوجَبَ أنَّهُ لا يُفْلِحُ الظالِمُونَ؛ والفَلاحُ: بُلُوغُ الأمَلِ والإرادَةِ؛ والنَجاحُ؛ ومِنهُ قَوْلُ عُبَيْدٍ:
؎ أفْلِحْ بِما شِئْتَ فَقَدْ يُبْلَغُ بِالضْـ ∗∗∗ ـضَعْفِ وقَدْ يُخَدَّعُ الأرِيبُ
{"ayahs_start":20,"ayahs":["ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا یَعۡرِفُونَ أَبۡنَاۤءَهُمُۘ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ","وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"],"ayah":"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق