الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)﴾ [النساء ١٥٥ - ١٥٩].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ﴾ قال الله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ ﴿رَفَعْنَا فَوْقَهُمُ﴾ أي: فوق رؤوسهم ﴿الطُّورَ﴾ الجبل المعروف اجتثه الله عز وجل حتى صار فوق رؤوسهم من أجل أن يأخذوا الكتاب بقوة أي يعملوا بالتوراة بقوة.
وقوله: ﴿بِمِيثَاقِهِمْ﴾ أي: رفعًا مصحوبًا بالميثاق؛ لأن الله تعالى أمرهم عند رفعه أن يأخذوا الكتاب بقوة، والميثاق هو العهد المؤكد.
﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ أي: باب بيت المقدس.
﴿ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ أي: ساجدين لله عز وجل شكرًا لله تعالى على النعمة؛ لأن الله تعالى أمرهم أن يذهبوا إلى هذه القرية وأن يقاتلوا أهلها، ولكنهم قالوا: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [المائدة ٢٢] والقصة مبسوطة في سورة المائدة، وبعد أن حصل عليهم التيه أربعين سنة أَذِنَ الله لهم بدخول القرية، وقيل لهم: ﴿ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ أي: حال كونكم سُجَّدًا؛ أي: ساجدين لله عز وجل.
وهل المراد بالسجود حقيقته؟ أو المراد بالسجود الذل والخضوع كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الرعد ١٥]؟
الظاهر الأول؛ وذلك لأنهم دخلوا على أَسْتَاهِهِمْ، ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ [النساء ١٥٤]، ولكنهم لم يفعلوا، ماذا صنعوا؟ دخلوا على أَسْتَاهِهِم، والإِسْتُ هي الدبر، المعنى أنهم دخلوا يزحفون -والعياذ بالله- استكبارًا، وقيل: إنهم دخلوا على أقفائهم؛ على القفا. وقيل لهم: قولوا حطة. ولكنهم لم يفعلوا، لم يقولوا: حطة. بل قالوا: حنطة. يعني كأن هؤلاء القوم لا يريدون إلا أن يأكلوا ويشربوا فقط كالبهائم.
﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ وفي قراءة: ﴿لَا تَعَدَّوْا فِي السَّبْتِ﴾ والتَّعَدِّي والعَدْوُ بمعنى واحد، لكن اختلاف لفظي، المعنى: لا تَعْدُوا في السبت بصيد الحيتان وقد حرمت عليكم، وكان اليهود قد حرم الله عليهم أن يصيدوا الحوت في يوم السبت ابتلاء وامتحان، فصارت الحيتان تأتي يوم السبت شُرَّعًا يعني شارعة طافية، على سطح الماء وبكثرة، وكان اليهود كما هو معروف من سيرتهم أهل طمع وجشع فغاظهم ذلك، وقالوا: ما الطريق إلى أخذ هذه الحيتان التي تأتي يوم السبت شُرَّعًا، وفي غير يوم السبت ما يأتي شيء؟ فاحتالوا على ذلك بأن وضعوا شَبَكًا يوم الجمعة فيأتي الحيتان وتتساقط فيها ثم يأتوا يوم الأحد فيأخذونها، فالفعل هنا ظاهره الإباحة لأنهم ما تَعَدَّوْا في السبت، لكن المقصود منه الانتهاك حرمة الصيد في يوم السبت؛ ولهذا قيل لهم: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة ٦٥] فقلبوا قردة؛ لأن القرد أشبه ما يكون بالإنسان، وهم بفعلهم هذا يشبه أن يكون حلالًا لأنهم لم يصيدوا مباشرة يوم السبت.
هل لما قيل لهم: ﴿لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ هل هم امتثلوا؟ لا، بل اعتدوا يوم السبت على وجه الحيلة والمكر والخداع، ومن استحل المحرم بالحيلة فهو أعظم إثمًا ممن استحله بصراحة، لأنه إذا استحله بالحيلة جمع بين مفسدتين: المفسدة الأولى استحلال المحرم، والمفسدة الثانية الخداع والتحيل على رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ولهذا كان الذين يَتَحَيَّلون على الربا أعظم إثمًا من الذين يأتون الربا على وجه صريح؛ لأن المُتَحَيِّلِين يخادعون الله فيجمعون بين مفسدة الربا ومفسدة الخداع، ولأن المتحيلين يرون أنهم على صواب فلا يكادون ينزعون عنه، والذي يأتي الشيء صريحًا يعرف أنه أخطأ فربما تلومه نفسه في يوم من الأيام حتى ينزجر.
﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء ١٥٤] أي: عهدًا قويًا على أن يقوموا بما أمروا به، ولكنهم لم يقوموا بذلك، نقضوا العهد ولم يبالوا وكفروا بنعمة الله؛ ولهذا قال: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ إلى آخره،.
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ الفاء عاطفة، والباء حرف جر، و(ما) زائدة إعرابًا ولكنها زائدة معنى؛ لأن كل حرف زائد إعرابًا فإنه يفيد التوكيد، والتوكيد لا شك أنه زيادة في المعنى، وعلى هذا فنعرب (ما) زائدة، و(نقض) إسم مجرور بالباء لأنه لو حذفت (ما) صار التركيب فبنقضهم ميثاقهم.
أين متعلق الجار والمجرور ﴿بِمَانَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾؟
الكلام -كلام الله- يفسِّر بعضه بعضًا في سورة المائدة ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ [المائدة ١٣]؛ وعلى هذا فيكون الجار والمجرور متعلقًا بمحذوف يفسره ما جاء في القرآن الكريم نفسه.
وقوله ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ أي: فبنقضهم ميثاقهم، وما نقض الميثاق؟
نقض الميثاق هو المخالفة فيه، أن يكون بينك وبين آخر عهد ثم تخالف، هذا هو نقض الميثاق.
هؤلاء خالفوا ما أُمِرُوا به ولم يقوموا به فنقضوا الميثاق، ﴿وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الكونية أو الشرعية؟ الظاهر العموم؛ يعني: وبكفرهم بآيات الله، حين كفروا بموسى واقترحوا عليه، وقالوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف ١٣٨] ، إلى غير ذلك مما يُعْرف من سيرة القوم الأمة الغَضَبِيَّة، ومن أراد أن يعرف شيئًا من سيرتهم فليَعُد إلى كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم رحمه الله، فإنه بَيَّن مَعَايِبَهم ومخازيهم، العياذ بالله.
﴿وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ ﴿قَتْلِهِمُ﴾ فيها ثلاث قراءات: ﴿قَتْلِهُمُ الْأَنْبِيَاءَ﴾ أي بضم الهاء والميم، القراءة الثانية: كسر الهاء وضم الميم ﴿قَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ﴾، القراءة الثالثة: كسر الهاء والميم أي ﴿وَقَتْلِهِمِ الْأَنْبِيَاءَ﴾ كلها قراءات سبعية يجوز للقارئ أن يقرأ بها.
ولكن إنما يحسن ذلك لطالب العلم، أما العاميُّ فلا تُسْمعوه قراءة غير التي في مصحفه؛ لأنك لو أسمعته قراءة أخرى لهان القرآنُ في قلبه أو لغلَّطَك وقال: إن هذا يتخبط بكتاب الله عز وجل، كما أنكر عمر رضي الله عنه على من؟ هشام بن الحكم حين قرأ الآية في سورة الفرقان على خلاف ما كان يقرؤها عمر حتى تنازعا إلى النبي ﷺ.
فالعامة إذا قرأت بخلاف ما في أيديهم لا شك أنهم سوف ينكرون عليك إنكارًا عظيمًا، وإن كنت على حق، ثم لو قَدَّرْنا أنهم وثقوا بك فسوف يَهُون القرآن في نفوسهم، والإنسان يجب عليه أن يَجْعَل تعظيم القرآن في قلوب الناس أعلى كل شيء يُعَظَّم سوى الله عز وجل.
﴿وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (الأنبياء) جمع (نبي)، فإن كان (نبي) بالهمزة فيقال: الأنبئاء، وإن كان بالياء قيل: الأنبياء، وكلتاهما قراءتان: ﴿الْأَنْبِئَاءَ﴾ و﴿الْأَنْبِيَاءَ﴾.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ هذا بيان للواقع وليس قيد احتراز؛ لأنه لا يمكن أن يكون قتل النبي بحق، لكنه بيان للواقع، وأن قتل النبي ليس بحق، والقيد الذي لبيان الواقع يفيد العلية، يعني كأنه قال: وقتلهم الأنبياء؛ لأن قتل الأنبياء بغير حق، وسيأتي إن شاء الله بيان الحق في أخذ الفوائد.
﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ نسأل الله العافية، إذا دُعُوا إلى الحق قالوا: قلوبنا غلف. والغلف جمع أغلف، والأغلف هو المغَلَّف الذي عليه غِلاف لا يصل إليه شيء، هم يقولون هكذا ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾، وهذا كقول قريش ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت ٥] قريش أعظم.
﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾، وبنو إسرائيل قالوا: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾، ﴿وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾ لا نسمع، ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ لا نرى. فَسَدُّوا جميع الطرق؛ أعني قريشًا، قالوا: القلوب لا تفهم، والآذان.
* طلبة: لا تسمع.
* الشيخ: والأعين.
* طلبة: لا تبصر.
* الشيخ: لا تبصر -والعياذ بالله- مع أن الحق أبلج وأوضح ما يكون، لكن نسأل الله الهداية.
قال الله تعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ (بل) هنا للإضراب الإبطالي، يعني: بل ليس في قلوبهم غلاف وليست قلوبهم غلفًا ولكن طبع عليها بكفرهم، لماذا؟ لأن الأصل الفطرة والفطرة دين الإسلام، وما يرد عليها مما لا يوصل الحق إلى القلب فهو وارد، وارد وليس أصليًّا فيها، فكأن الله كذبهم؛ قال: إن القلوب ليست غُلْفًا، ولكن أيش؟ ولكن طبع عليها بعد أن كانت على الفطرة بكفرهم.
وقوله: ﴿طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ أي: جعل عليها طابعًا، والشيء المختوم يجعل عليه طابع، يطبع عليه، يعني بمعنى الختم.
وقوله: ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ الباء للسببية، أي: بسبب كفرهم طُبِعَ على قلوبهم فلا يصل إليها الخير؛ ولهذا قال: ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
اختلف العلماء في قوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ فقيل: إن المعنى لا يؤمنون أبدًا، وأن مثل هذا التعبير جارٍ في لسان العرب؛ يعني لا يؤمن إلا قليل فهو نفي للكل، وقيل: المعنى إلا قليلًا منهم، فيكون الاستثناء من الواو، فلا يؤمنون إلا قليلًا منهم.
وعلى هذا فينقسمون إلى قسمين: مؤمن وهو الأقل، وكافر وهو الأكثر، وقيل: إن ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ يعود على الإيمان أي: لا يؤمنون إلا إيمانا قليلًا.
ثم هل المعنى ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ أي: إلا ضعيفًا، أو إلا قليلًا في الزمن بمعنى أن أكثر وقتهم الكفر وقد ينقدح الإيمان في قلوبهم ولكن سرعان ما ينطفيء لأنه ليس على أساس؟
كل هذا محتمل، والسياق لا ينافيه، فيقال: إن منهم المؤمنون ومنهم الكافرون، والكافرون أكثر، ثم المؤمنون أيضًا هل هم مستقرون على الإيمان مستمرون عليه؟ لا، ثم هل إيمانهم إيمان قويٌّ راسخ؟ الجواب: لا، وعلى هذا فالآية صالحة لجميع هذه الاحتمالات.
نعود إلى أخذ الفوائد، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ﴾ إلى آخره.
* في هذه الآية: بيان قدرة الرب عز وجل، وأن أمره إذا أراد شيئًا فإنما يقول: له كن فيكون، وإلا فمَن ذا الذي يستطيع أن يرفع هذا الجبل العظيم؟ ثم مَن الذي يستطيع أن يجعله فوق رؤوسهم ليس عليهم حتى يموتوا ولا رفيعًا بعيدًا حتى يأمنوا، ولكنه فوق الرؤوس قريب، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: إذن، ففيه دليل على قوة الله عز وجل وقدرته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن إيمان بني إسرائيل إيمانُ إكراهٍ؛ لأن أَيُّ قادرٍ يقول: أنا سأسقط عليك حجارة من السماء إن لم تؤمن؛ فيؤمن المهدَّد، أيش يكون إيمانه؟
* طلبة: مكرَهًا.
* الشيخ: على إكراه، وعليه فالمؤمن على إكراه لا بد أن يكون إيمانه ضعيفًا مهزهزًا إذا زال الإكراه ربما يرجع إلى الكفر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يشرع عند فتح البلاد صلاة الفتح؛ لقوله: ﴿ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ يمكن أن يؤخذ هذا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: على أساس: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شرع لنا إذا لم يرد شرعُنا بخلافه، وقد قيل: إن شرعنا ورد بوفاقه، فإن النبي ﷺ لما فتح مكة صلَّى ثماني ركعات ضحى في بيت أم هانئ، فقال بعض العلماء: إن هذه صلاة ضحى.
وقال آخرون: إنها صلاة الفتح؛ لأنه ليس من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلي صلاة الضحى ثماني ركعات، فتكون هذه صلاة الفتح، وأخذ بها بعض الخلفاء فكانوا إذا فتحوا المدينة صلوا صلاة الفتح، وما أقرب هذا القول من الصواب أن صلاة النبي ﷺ الضحى حين فتح مكة صلاة فتح شكرًا لله عز وجل على ما أنعم به من الفتح ولا سيما إذا كان الفتح فتح عاصمة، فإن بني إسرائيل فتحوا بيت المقدس عاصمة، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح أيش؟ أم القرى عاصمة القرى كلها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن لله تعالى أن يُحَرِّمَ الحلال في زمنٍ ويُبِيحُه في زمن آخر؛ لأنه حرم عليهم الصيد متى؟
* طلبة: يوم السبت.
* الشيخ: يوم السبت.
* ومن فوائد هذه الآية: أن اليهود أهل مكر وخديعة؛ حيث اعتدوا في السبت.
* ومن فوائدها: أن المتحيل على المحرم ولو بما صورته الإباحة يعتبر واقعًا فيه؛ كيف ذلك؟ لقوله: ﴿لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ فاعتدوا فيه بهذه الحيلة؛ إذن فمن تحيل على محرم بما صورته المباح فهو واقع في المحرم، بل هو زيادة.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه يظهر الفرق التام بين هذه الأمة وبين بني إسرائيل، ولله الحمد؛ هذه الأمة حرم الله عليهم الصيد في حال الإحرام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة ٩٥]، ثم ابتلاهم بإرسال الصيد عليهم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ﴾ [المائدة ٩٤] الطائر يناله الرمح، والزاحف تناله اليد؛ الزاحف مثل أيش؟ كالأرانب والغزلان وما أشبهها، يناله الإنسان بيده، يقول هكذا على الأرنب ويمسك ما تشرد منه، والطائر يناله الرمح دون السهم، الرمح طبعًا بيد الإنسان يقول به هكذا ويصيد؛ وهذا ابتلاء.
قال الله تعالى: ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة ٩٤] ماذا كان من الصحابة؟ أيش؟
* طلبة: امتثلوا أمر ربهم.
* الشيخ: تجنبوا، امتثلوا الأمر، تجنبوا ذلك مع أنه سَهْلٌ عليهم؛ لكن هذه الأمة أمة سمعنا وأطعنا، والحمد لله، جعلنا الله وإياكم منهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من تحيل على محارم الله من هذه الأمة ففيه شبه ممن؟ من اليهود، أي إنسان يتحيل على محارم الله فإن فيه شبهًا من اليهود سواء كان في البيع أو في الشراء أو فيما أحل الله من الطعام أو حرم أو في النكاح؛ ولهذا سَمَّى النبي ﷺ المحلِّل، سماه؟
* طلبة: التيس المستعار.
* الشيخ: التيس المستعار.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله جل وعلا لم يعذب عباده إلا بعد أن قامت عليهم الحجة؛ لقوله: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ عهدًا قويًّا بينه وبين الخلق ثم ينقضون عهدهم، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء ١٥].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الأسباب، إثبات الأسباب الشرعية وكذلك إثبات الأسباب القدرية من باب أولى؛ لقوله: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ والباء للسببية؛ وإثبات الأسباب المؤثرة في مسبباتها من مقتضى حكمة الله عز وجل؛ لأن الشيء لو وقع صُدْفَةً هكذا لكان سفهًا؛ لكن إذا وقع الشيء مربوطًا بسببه دل ذلك على الحكمة والإتقان، يا إخوان، الإنسان الذي يفعل الشيء اعتباطًا بدون سبب موجِبٍ له لا يعد حكيمًا؛ لكن الذي يفعل الشيء بأسبابه والمؤثرات فيه هذا هو الحكيم، والله عز وجل قد ربط المسببات بأيش؟
* طلبة: بالأسباب.
* الشيخ: بالأسباب؛ ولكن يجب أن نعلم أنه لقصورنا ونقصنا قد نعلم السبب وقد لا نعلم؛ إذن فيه إثبات الأسباب.
والناس في الأسباب انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم فَرَّط، وقسم أَفْرَط، وقسم توسط. وخير الأمور الوسط؛ قسم فَرَّط وقال: إنه لا أثر للأسباب إطلاقًا حتى النار التي تحرق الورق ليس لها أثر فيه واحتراق الورق لم يكن بالنار ولكن عند النار، أفهمتم؟ واحتجوا لذلك بأنك لو أثبت أن للسبب تأثيرًا في المسبب لأشركت بالله حتى قالوا: أي إنسان يثبت سببًا فهو مشرك، في الربوبية ولّا في الألوهية؟
* طلبة: الربوبية.
* الشيخ: في الربوبية، قسم أَفْرَط وجاوز الحد وقال: إن الأسباب مؤثرة بطبيعتها ولا بد ولا يمكن أن تتخلف الأسباب؛ وهؤلاء أخطؤوا أيضًا، أفرطوا.
القسم الثالث: قالوا: إن الأسباب مؤثرة لا بنفسها ولكن بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة، وهؤلاء هم أهل الحق سواء كان السبب قدريًّا أو كان السبب شرعيًّا؛ ولذلك نجد بعض الأشياء المشروعة لها أسباب ولها موانع مثل الإرث له سبب وله مانع، ربما يكون أبوك الذي يرث مالك كله إذا انفرد به لا يرث شيئًا مع وجود السبب، لماذا؟ لوجود المانع؛ إذن السبب غير مؤثر الآن، فالذي جعل الأبوة سببًا للإرث جعل القتل مانعًا من الإرث مثلًا؛ واضح يا جماعة؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: كذلك أيضًا الأسباب القدرية، هذه النار مُحْرِقَة جعل الله فيها قوة الإحراق، ولما ألقي فيها ابراهيم قال الله لها: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩] فانتفى الإحراق مع أنها سبب مؤثر بأمر الله ولكن أيش؟ لم تؤثر لما قال الله لها: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ فكانت بردًا وسلامًا عليه.
قال أهل العلم: إن الله تعالى لو قال لها: كوني بردًا فقط لهلك من البرد -الله أكبر- لكن قال: ﴿بَرْدًا وَسَلَامًا﴾ لئلا تهلكه بالبرد؛ فكانت بردًا وسلامًا عليه؛ إذن نحن نقول: إن الأسباب مؤثرة بأيش؟ بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة لا بنفسها؛ وحينئذ لم نشرك، وإنما قلنا بما تقتضيه ربوبية الله وحكمة الله، ربوبية الله بالتأثير وحكمة الله بِقَرْن المسبب بسببه؛ وهذا هو الحق وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة.
* طالب: شيخ، إذا قال الله تبارك تعالى لبني إسرائيل: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة ٦٥] ثم إذا صاروا قردة حتى يبقون على قردتهم؟
* الشيخ: لا لا، لا يتناسلون.
* الطالب: لا يتناسلون؟
* الشيخ: لا يتناسلون، فالقرود الموجودة هذه ليسوا من ذرية اليهود الذين قلبوا قردة.
* الطالب: بعضهم يقولون (...)؟
* الشيخ: لا، ما هو صحيح.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، بالنسبه للقراءات السبعية تنسب إلى رجال أم إلى أمم..؟
* الشيخ: إلى أمم.
* الطالب: إلى شعوب (...).
* الشيخ: ويش، القراءة؟
* الطالب: القراءات السبعية؟
* الشيخ: الأصل القرآن مروي بالتواتر، القرَّاء الأولون يكون عنهم في روايتهم عن الصحابة أو عن التابعين عن الصحابة اختلاف فهذا هو اختلاف القراءات.
* طالب: بارك الله فيك، بالنسبة للقاعدة المصالح والمفاسد، والقراءات السبعية لو قلنا: إن كل إمام لا يصلي بالقراءات السبعية لأن خلفه عوام بهذا تندثر السنة أيضًا هذا في أمور كثيرة مثلًا في دعاء الجمعة في آخر الجمعة هذا بدعة، لكن مجاراة للناس وأن الناس تعودوا هذا؟
* الشيخ: نعم لا شك أن وجود السنة خير، والقراءات كالسنن المختلفة في صفة العبادة، وينبغي للإنسان الحافظ للقراءات أن يقرأ لنفسه بهذا وهذا؛ لكن فعل السنة إذا ترتب عليه مفسدة فهل درء المفاسد أولى؟ أو هذه المصلحة التي أجمع العلماء على عدم الوجوب؛ يعني العلماء أجمعوا على جواز القراءة بقراءة واحدة ما فيه خلاف بينهم، يعني لم يقل أحد بوجوب أن يقرأ الإنسان بالقراءات السبع؛ فإذا قرأ الإنسان بقراءة أمام العامة فهل العامة الآن سيضبطون هذه القراءة ثم يطبقونها في قرائتهم؟ أبدًا، سوف يضطربون فيها، فيقول: مثلًا قرأ إمامنا كذا، يقول: لا ما قرأ، قرأ كذا؛ طيب أيش المرجع؟ المصحف ليسوا راجعين إليه لأنه قرأ عليهم بقراءة غير اللي في المصحف، إذن وين القارئ؟ دور على القارئ، نعم، رجعوا إليه، قال: قرأت بكذا. وإذا هي ليست القراءة التي قال هؤلاء ولا بهؤلاء؛ وإذا كان نحن الآن، أنتم الآن أسألكم بعد مدة قصيرة من الأيام ما هي القراءة في هذه الكلمة تعجزون عنها إلا من راجع منكم، كيف عَادْ عوام الناس.
* طالب: يا شيخ بارك الله فيك يا شيخ، بالنسبة بعضهم نسب إلى أحد الأئمة التحيل على الشرع بهذه؛ يقول للذي إذا أراد أن يكون أن يفطر في رمضان: يسافر فيفطر ألا ذلك يُعَدُّ من التحيل؟
* الشيخ: هذا قلب التحيل، هذا تحيل؛ ولهذا قال العلماء -علماء الحنابلة- قالوا: من سافر ليفطر حرم عليه الفطر والسفر.
* الطالب: نسبة إلى بعض الأئمة يا شيخ؟
* الشيخ: ولو نُسِب، ولو نُسِبَ للأئمة، الأئمة يخطئون ويصيبون.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء ١٥٦ - ١٥٩].
* الشيخ: أحسنت.
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ إلى آخره [النساء: ١٥٥].
* من فوائد هذه الأية الكريمة: أن نقض الميثاق سبب للعنة الله عز وجل؛ لأن الآية على تقدير محذوف وهو: لَعَنَّاهُم.
* ومن فوائدها أيضًا: أن هؤلاء احتجوا بقدر الله على شرعه؛ حيث قالوا: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ فأبطل الله ذلك؛ فيترتب على هذا أن كل من احتج بالقدر على الشرع فحجته داحضة، وقد أبطل الله هذا في قوله: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام ١٤٨] ولو كانت حجتهم صحيحة مقبولة ما أذاقهم الله بأسًا.
فإن قال قائل: أليس الله تعالى قد قال في آية أخرى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام ١٠٧] فكيف ينفي احتجاجهم بأن شركهم بمشيئة الله ثم يُثْبِت أن شركهم بمشيئة الله؟
الجواب عن هذا أن يقال: إن الله سبحانه تعالى قال ذلك لنبيه ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ تسليةً له، وليس إقرارًا لهم على شركهم ولكن ليسلِّيَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إذا تبين له أن شركهم كان بمشيئة الله رضي بقدَرِ الله، والرضا بقدر الله هنا ليس من جهة الفاعل لكن من جهة أجنبي منه.
وأما قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ فقصدهم بهذا الاحتجاج بالقدر على الشرع ليستمروا على ما هم عليه من الباطل، وفرقٌ بين هذا وهذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكفر بآيات الله سبب للعن كنقض العهد والميثاق؛ ولكن يقال: إن نقض العهد والميثاق منه ما يصل إلى حد الكفر ومنه ما هو دون ذلك؛ أما الكفر في مثل هذا السياق فالمراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الآيات لله؛ وآيات الله تعالى نوعان: كونية، وشرعية؛ فالكونية كل المخلوقات دالة على خالقها عز وجل؛ على قدرته وعلمه وحكمته ورحمته وغير ذلك مما يتعلق بهذه المخلوقات.
الآيات الشرعية هي ما أنزله الله على رسله من الوحي، آيات شرعية؛ لأنك لو تدبرتها لوجدت أنه لا يمكن لأي بشر أن يَأْتُوا بمثلها، وليس المراد الإعجاز اللفظي بل الإعجاز المعنوي، أما الإعجاز اللفظي فيقال: إنه لم يثبت إلا للقرآن فقط، فالله أعلم.
لكن على كل حال، الآيات الشرعية وهي التي جاءت بها الرسل هي آية من آيات الله لا أحد يستطيع أن يأتي بمثلها؛ وقد تحدَّى الله سبحانه وتعالى المكذبين للرسل بالآيات الكونية والآيات الشرعية فقال تعالى في الآيات الكونية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] هذا التحدي بأي الآيات؟
* طلبة: الكونية.
* الشيخ: الكونية، ما أحد يقدر، ما أحد يقدر يخلق ولا الذباب؛ وقال في الآيات الشرعية: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء ٨٨] لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، لا يمكن ﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ أي مساعدًا ومعينًا؛ المهم أن آيات الله سبحانه وتعالى لا يكفر بها إلا المكابر وإلا فإنه لا يمكن لأي إنسان إلا أن يقر حتى أعتى من نعلمه من أهل الأرض مستيقن بالحق، وهو فرعون وقومه مستيقنون لكن جحدوا به ظلمًا وعلوًّا، وموسى صلى الله عليه والسلام يخاطب فرعون يقول: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء ١٠٢] يخاطبه محاورة؛ هل قال فرعون ما علمت؟ أبدًا، أُخْرِسَ ولم يتكلم؛ لأن هذه آيات بينة واضحة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عُتُوُّ بني إسرائيل، حيث اعتدوا على من أتوا بشرع يهدون الناس به؛ حيث قتلوا أيش؟ الأنبياء بغير حق؛ بل قتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس ولو كانوا غير أنبياء، كل من يأمر بالقسط من الناس فإن بني إسرائيل يريدون قتله، والذي يقدرون على قتله يقتلونه؛ لأنهم إنما يريدون الفساد في الأرض.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن قتل الأنبياء لا يمكن أن يكون بحق؛ تؤخذ منين؟ مفهوم ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ أنهم إن قتلوهم بحق فلا بأس؟
* طالب: كل الأنبياء على حق.
* الشيخ: إي، ولكن ماذا نصنع بها ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ مفهومه إن قتلوهم بحق فلا بأس؟ وهذه بـ (غير حق) وغير الحق لا فرق.
* طالب: هذا يا شيخ بيان للواقع وليس قيدًا احترازيًّا.
* الشيخ: أحسنت، هذا بيان للواقع، وليس قيدًا احترازيًّا، وهو كثير في القرآن ومنه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال ٢٤]، والرسول ما يدعو لما يميت أبدًا، ما يدعو إلا لما فيه الحياة.
* الشيخ: نعم، احتجوا بقضاء الله ذكرنا هذا ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى يطبع على القلب بالكفر؛ بمعنى أن الإنسان إذا كفر ولم يعلم الله فيه خيرًا طبع الله على قلبه فلا يهتدي أبدًا؛ لقوله تعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ وهذا إبطال لاحتجاجهم بالقدر ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾، وهناك آية تبين هذا أعظم بيان أن من زاغ عن الحق فهو السبب هي قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف ٥] فلا يمكن لأحد أن يزيغ إلا وهو السبب، سبب في زيغ نفسه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من طبع الله على قلبه فإنه لا يؤمن إلا قليلًا يعني إلا إيمانًا قليلًا لا يقوى به على الاستقامة؛ وقد سبق لنا أن ﴿قَلِيلًا﴾ هذه فيها ثلاثة أيش؟ احتمالات، وأن الآية تعمُّ الجميع؛ لأن لدينا قاعدة في التفسير وينبغي أن لا تغيب عن أفهامنا أنه متى احتملت الآية أكثر من معنى بدون أن يكون هناك تناقض فإنها تحمل على كل المعانى.
{"ayahs_start":154,"ayahs":["وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِیثَـٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُوا۟ فِی ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّیثَـٰقًا غَلِیظࣰا","فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَـٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَیۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا"],"ayah":"فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَـٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَیۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق