الباحث القرآني
فَلَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّهُ أكَّدَ عَلَيْهِمُ المِيثاقَ؛ وأكْثَرَ مِنَ التَّقَدُّمِ في حِفْظِ العَهْدِ؛ بَيَّنَ أنَّهم نَقَضُوا؛ فَأعْقَبَهم بِسَبَبِ ذَلِكَ ما هُدِّدُوا بِهِ في التَّوْراةِ؛ مِنَ الخِزْيِ؛ وضَرْبِ الذِّلَّةِ؛ مَعَ ما ادَّخَرَ لَهم في الآخِرَةِ؛ فَقالَ: ﴿فَبِما﴾؛ مُؤَكِّدًا بِإدْخالِ ”ما“؛ ﴿نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ﴾؛ أيْ: فَعَلْنا بِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ جَمِيعَ ما ذَكَرْنا في التَّوْراةِ مِنَ الخِزْيِ؛ وقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنهُ في القُرْآنِ؛ ولا يَبْعُدُ عِنْدِي تَعْلِيقُهُ بِقَوْلِهِ الآتِي: ”حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ“؛ و”واعْتَدْنا“؛ ويَكُونُ مِنَ الطَّيِّباتِ العِزُّ؛ ورَغَدُ العَيْشِ؛ وذَلِكَ جامِعٌ لِنَكَدِ الدّارَيْنِ؛ وعَطَفَ عَلى هَذا الأمْرِ العامِّ ما اشْتَدَّتْ بِهِ العِنايَةُ مِن إفْرادِهِ عَطْفَ الخاصِّ عَلى العامِّ؛ فَقالَ: ﴿وكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ﴾؛ مِمّا جاءَهم عَلى لِسانِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ واقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ - سُبْحانَهُ - أنْ يَكُونَ عَظَمَتُها مُناسِبَةً لِعَظَمَةِ اسْمِهِ (p-٤٦٢)الأعْظَمِ؛ الَّذِي هو مُسَمّى جَمِيعِ الأسْماءِ؛ فاسْتَلْزَمَ كُفْرُهم بِهِ كُفْرَهم بِما أنْزَلَ عَلى مُوسى - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - لِأنَّهُ أعْظَمُ ما نَقَضُوا فِيهِ؛ وأخَصُّ مِن مُطْلَقِ النَّقْضَ؛ ﴿وقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ﴾؛ وهو أعْظَمُ مِن مُطْلَقِ كُفْرِهِمْ؛ لِأنَّ ذَلِكَ سَدٌّ لِبابِ الإيمانِ عَنْهُمْ؛ وعَنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأنَّ الأنْبِياءَ سَبَبُ الإيمانِ؛ وفي مَحْوِ السَّبَبِ مَحْوُ المُسَبِّبِ.
ولَمّا كانَ الأنْبِياءُ مَعْصُومِينَ مِن كُلِّ نَقِيصَةٍ؛ ومُبَرَّئِينَ مِن كُلِّ دَنِيَّةٍ؛ لا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ لا يُؤَدُّونَهُ؛ قالَ:﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾؛ أيْ: كَبِيرٍ ولا صَغِيرٍ أصْلًا؛ وهَذا الحَرْفُ - لِكَوْنِهِ في سِياقِ طَعْنِهِمْ في القُرْآنِ؛ الَّذِي هو أعْظَمُ الآياتِ - وقَعَ التَّعْبِيرُ فِيهِ أبْلَغَ مِمّا في ”آلِ عِمْرانَ“؛ الَّذِي هو أبْلَغُ مِمّا سَبَقَ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ هَذا مَعَ جَمْعِ الكَثْرَةِ وتَنْكِيرِ الحَقِّ عَبَّرَ فِيهِ بِالمَصْدَرِ المُفْهِمِ لِأنَّ الِاجْتِراءَ عَلى القَتْلِ صارَ لَهم خُلُقًا؛ وصِفَةً راسِخَةً؛ بِخِلافِ ما مَضى؛ فَإنَّهُ بِالمُضارِعِ الَّذِي رُبَّما دَلَّ عَلى العُرُوضِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ أعْظَمَ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وهو إسْنادُهم عَظائِمَهم إلى اللَّهِ (تَعالى)؛ فَقالَ: ﴿وقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾؛ أيْ: لا ذَنْبَ لَنا؛ لِأنَّ قُلُوبَنا خُلِقَتْ مِن أصْلِ الفَهْمِ بَعِيدَةً عَنْ فَهْمِ مِثْلِ ما يَقُولُ الأنْبِياءُ؛ لِكَوْنِها في أغْشِيَةٍ؛ فَهي شَدِيدَةُ الصَّلابَةِ؛ وذَلِكَ سَبَبُ قَتْلِهِمْ؛ ورَدِّ قَوْلِهِمْ؛ وهَذا بَعْدَ أنْ كانُوا يُقِرُّونَ بِهَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ؛ ويَشْهَدُونَ لَهُ بِالرِّسالَةِ؛ وبِأنَّهُ خاتَمُ الأنْبِياءِ؛ ويَصِفُونَهُ (p-٤٦٣)بِأشْهَرِ صِفاتِهِ؛ ويَتَرَقَّبُونَ إتْيانَهُ؛ لا جَرَمَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ - عَطْفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: ”وقَدْ كَذَبُوا؛ لِأنَّهم وُلِدُوا عَلى الفِطْرَةِ؛ كَسائِرِ الوِلْدانِ؛ فَلَمْ تَكُنْ قُلُوبُهم في الأصْلِ غُلْفًا“ -: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ مَعاقِدُ العِزِّ؛ ومَجامِعِ العَظَمَةِ؛ ﴿عَلَيْها﴾؛ طَبْعًا عارِضًا؛ ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾؛ بَلْ إنَّهُ خَلَقَها أوَّلًا عَلى الفِطْرَةِ؛ مُتَمَكِّنَةً مِنَ اخْتِيارِ الخَيْرِ؛ والشَّرِّ؛ فَلَمّا أعْرَضُوا - بِما هَيَّأ قُلُوبَهم لَهُ مِن قَبُولِ النَّقْضِ - عَنِ الخَيْرِ؛ واخْتارُوا الشَّرَّ؛ بِاتِّباعِ شَهَواتِهِمُ النّاشِئَةِ مِن نُفُوسِهِمْ؛ وتَرْكِ ما تَدْعُو إلَيْهِ عُقُولُهُمْ؛ طَبَعَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - عَلَيْها؛ فَجَعَلَها قاسِيَةً مَحْجُوبَةً عَنْ رَحْمَتِهِ؛ ولِذا سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فَلا يُؤْمِنُونَ﴾؛ أيْ: يُجَدِّدُونَ الإيمانَ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ الآتِيَةِ؛ ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِما تَقْدِيرُهُ - تَتِمَّةً لِكَلامِهِمْ -: ”طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها؛ فَهي لا تَعِي؛ وتَكُونُ“بَلْ”؛ اسْتِدْراكًا لِلطَّبْعِ بِالكُفْرِ وحْدَهُ“؛ لِأنَّهُ رُبَّما انْضَمَّ إلَيْهِ؛ وأنْ يَكُونَ أضْرَبَ عَنْ قَوْلِهِمْ: إنَّها في غُلْفٍ؛ لِكَوْنِ ما في الغِلافِ قَدْ يَكُونُ مُهَيَّأً لِإخْراجِهِ مِنَ الغِلافِ إلى الطَّبْعِ؛ الَّذِي مِن شَأْنِهِ الدَّوامُ؛ ﴿إلا قَلِيلا﴾؛ مِنَ الإيمانِ؛ بِأنْ يُؤْمِنُوا وقْتًا يَسِيرًا كَوَجْهِ النَّهارِ؛ ويَكْفُرُوا في غَيْرِهِ؛ ويُؤْمِنُوا بِبَعْضٍ؛ ويَكْفُرُوا بِبَعْضٍ؛ أوْ إلّا أُناسًا قَلِيلًا مِنهم - كَما كانَ أسْلافُهم يُؤْمِنُونَ بِما يَأْتِي بِهِ مُوسى - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - (p-٤٦٤)مِنَ الآياتِ؛ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ بِأسْرَعَ مِن كُفْرِهِمْ؛ وتَعَنُّتِهِمْ بِطَلَبِ آيَةٍ أُخْرى؛ كَما هو مَذْكُورٌ في تَوْراتِهِمُ الَّتِي بَيْنَ أظْهُرِهِمْ؛ ونَقَلْتُ كَثِيرًا مِنهُ في هَذا الكِتابِ؛ فَقامَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم يُفَرِّقُونَ بَيْنَ قُدْرَتِهِمْ عَلى الإيمانِ؛ وقُدْرَتِهِمْ عَلى الطَّيَرانِ.
{"ayah":"فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَـٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَیۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق