الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾، ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُم﴾ الجملة لا تخفى علينا جميعًا، أنها جملة شرطية، وفعل الشرط وجوابه كلاهما فعل مضارع، ولهذا جاءا مجزومين ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ﴾، ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ بمعنى يعدمكم حتى لا تكونوا في الوجود. وقوله: ﴿أَيُّهَا النَّاسُ﴾ هذه منادى صدر الله هذه الجملة بالنداء للتنبيه، والناس هنا يشمل الكافر والمؤمن. ﴿وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ بآخرين يتقون الله عز وجل ويقومون بأمره، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد ٣٨] وهذا تهديد من الله عز وجل أن يخالف أوامره أحد. ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾، ﴿كَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ﴾ أي على إذهابكم والإتيان بآخرين ﴿قَدِيرًا﴾، والقدرة وصف يتمكن به القادر من الفعل بلا؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا. * الطلبة: بلا عجز. * الشيخ: بلا عجز، القدرة وصف يتمكن به الفاعل من الفعل بلا عجز، والقوة وصف يتمكن به من الفعل بلا ضعف. الدليل على هذا أن القدرة ضدها العجز، والقوة ضدها الضعف؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ [الروم ٥٤] وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤] ولم يقل: عليمًا قويًّا؛ لأن الذي يقابل العجز هو القدرة. ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾، ﴿يَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ إذا أردنا أن نعرب (آخرين) فكيف نعربها؟ * طالب: آخرين مجرور بالباء (...) الياء لأنها جمع مذكر سالم. * الشيخ: لأنها؟ * الطالب: جمع مذكر سالم. * الشيخ: هل حذف من هذا شيء، من هذه الكلمة: ﴿بِآخَرِينَ﴾. * الطالب: ﴿بِآخَرِينَ﴾. * الشيخ: إي نعم. * الطالب: ما حذف شيء. * الشيخ: ما حذف شيء. * الطالب: حذف. * الشيخ: حذف شيء؟ * الطالب: نعم. * الشيخ: اجزمْ، ويش التقدير؟ * الطالب: بقوم آخرين. * الشيخ: بقوم آخرين، إذن الذي حذف هنا الموصوف أو الوصف؟ * الطلبة: الموصوف. * الشيخ: الموصوف، طيب. * طالب: ما المقصود من الكلمة هذه؟ * الشيخ: ما نعلم عن القصد، ما يعلم القصود إلا رب العباد، هذا عليه قول ابن مالك رحمه الله: ؎وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ∗∗∗ يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِيالنَّــــــــــــــــــــــــــــعْتِ يَقِلْ المنعوت يحذف كثيرا ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ ١١] ومثل هذه وغيرها، والنعت قليل. ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ وعلى غيره؟ وعلى غيره أيضًا، والتقديم هنا لا يدل على الحصر، ولكن تقديمه لتأكيد قدرته عليه، وهو محل الخصومة بين المنكرين للقدرة وبين المثبتين للقدرة، فلذلك قدم المعمول للأهمية، ومر علينا قريبًا مثله. * في الآية فوائد، منها: إثبات المشيئة لله، تؤخذ من: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾. وهل المشيئة الثابتة لله هل هي مشيئة مطلقة مجردة عن الحكمة، أو هي مشيئة مقرونة بالحكمة؟ الثاني، كل شيء علقه الله بالمشيئة فالمراد المشيئة التي تقتضيها الحكمة؛ الدليل قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠]، فدل ذلك على أن مشيئة الله مقرونة بالعلم والحكمة. * ومن فوائدها: بيان قدرة الله عز وجل أنه قادر على أن يذهب الناس جميعًا ويأتي بآخرين، وتعلمون أن نوحًا عليه الصلاة والسلام أن نوحًا هو الأب الثاني للبشرية؛ لأن الله تعالى أهلك قومه إلا من كانوا معه، وقد قال المؤرخون: إن الذين بقوا من البشرية كلهم أولاد لنوح، وإن أولاد نوح سام وحام ويافث هؤلاء الثلاثة تفرع منهم بنو آدم بعد أن أغرق الله أهل الأرض، فهنا أذهب الله أهل الأرض وأتى بآخرين وعمرت الأرض بساكنيها إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان خاتم الأنبياء. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات قدرة الله على كل شيء، كل شيء فالله تعالى قادر عليه. هل هو قادر عز وجل على إعدام الموجود؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: لأنه شيء، على إيجاد المعدوم؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: لأنه شيء، كل شيء فالله قادر عليه، هل هو قادر على أن ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: نعم قادر، قادر على أن يأتي للفصل بين العباد؟ قادر، قادر على أن يتكلم؟ هو قادر، كل شيء فالله قادر عليه. قال بعض أهل العلم: ولكن القدرة تتعلق بالشيء الممكن، أما الشيء المستحيل فلا تتعلق به القدرة. وأشكل هذا على بعض الناس وقال: إن الله على كل شيء قدير؟ وأجاب عنه شيخ الإسلام رحمه الله بأن المستحيل ليس بشيء؛ لأنه لن يوجد ولن يعدم، ليس بشيء حتى يقال: إنه خرج من عموم الآية، وإذا كان ليس بشيء فإنه لا يدخل في العموم حتى نقول: إن هذا خطأ، ولهذا قال السفاريني في عقيدته: ؎بِقُدْرَةٍ تَعَلَّقَتْ بِمُمْكِنِ ∗∗∗ ............................. طيب العلم، علم الله يتعلق بمستحيل أو لا؟ * الطلبة: يتعلق. * الشيخ: إي نعم يتعلق بمستحيل، قال الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء ٢٢]، وهذا مستحيل أن يكون فيهما آلهة إلا الله، ومع ذلك علم الله تعالى بنتيجته لو كان ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ وهذا شيء مستحيل. فلو قال قائل: هل يقدر الله على أن يخلق مثل نفسه؟ قلنا: هذا مستحيل، مستحيل أن يخلق مثل نفسه، لأيش؟ لأنه جل وعلا لا مثل له، كما أخبر عن نفسه، وإذا كان لا مثل له فإنه يستحيل أن يكون كذلك؛ لأن الله تعالى خبره صادق لا يخلف ولا يتغير. يعبر بعض الناس (إن الله على ما يشاء قدير) فهل هذا التعبير صحيح؟ غير صحيح؛ لأنه يقيد القدرة لما شاءه الله. وما لم يشأ هو قادر عليه، ومفهوم هذا الكلام أنه ليس بقادر، فعلى هذا نقول: هذه الكلمة أولًا لم ترد لا في القرآن ولا في السنة (إن الله على ما يشاء قدير)، وثانيًا: أنها توهم معنى فاسدًا. ورتب بعض العلماء على هذا قال: إنها توهم مذهب المعتزلة الذين أنكروا تعلق مشيئة الله بفعل العبد وقالوا: إن العبد يفعل باختياره، ولا تعلق لمشيئة الله به، فيكون عز وجل غير قادر على أفعال العباد بناء على ذلك لأنه لا يشاؤها. وعلى كل حال فنتقيد بما جاء في القرآن والسنة ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يدرك: معنى مستحيل أو غير مستحيل؛ فليقل: إن الله على كل شيء قدير ويسكت، لكننا بينا لكم، الذين أمامنا كلهم من طلبة العلم إن شاء الله وسيفهمون، لكن العامي قد لا نقول له هذا الكلام، قد لا نقول: القدرة متعلقة بالممكن؛ لأن غير الممكن، وهو المستحيل، ليس بشيء؛ لأنه لا يفهم أبدًا. ويذكر أن الشيطان أبا الشياطين الذي يجعل له كرسيًّا على البحر ويبث جنوده وسراياه في إضلال الخلق قالت له ذريته: لم تفرح بموت العالم أكثر مما تفرح بموت العباد؟ قال: لأن العالم يرشد الناس ويهديهم ويدلهم، ولا أتمكن من إضلاله، لكن العابد أستطيع، يعني تنطلي عليه الأمور، قالوا: كيف ذلك؟ قال: أنا أختبرهم لكم. فأرسل من جنوده من يقول للعابد: هل يستطيع الله أن يجعل السماوات والأرض في جوف بيضة، البيضة مفهومة؟ والسماوات والأرض كذلك، فكر العابد هذا، عابد يعبد الله ليلًا ونهارا فكر قال: ما يستطيع. رجع المندوب قال: إنه يقول: لا يستطيع، قال: شوفوا الآن كفر الرجل، كفر وهو ما يدري، فأرسله إلى العالم وقال له: هل يستطيع الله عز وجل أن يجعل السماوات والأرض في بيضة؟ قال: نعم يستطيع ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢] لو قال للسماوات: كوني في جوف البيضة كانت إما أن تكبر البيضة وإلا تصغر السماوات والأرض، نعم رجع إلى شيطانه وقال له الكلام هذا، قال: انظر هذا تخلص وذاك المسكين كفر، هذه تذكر قصة مرت علي في بعض الكتب قديمًا[[ذكرها القرطبي في جامع بيان العلم وفضله (١ / ١٢٧) منسوبة لابن عباس.]]. لكني أقول: إن الله على كل شيء قدير، العامي قل له: إن الله على كل شيء قدير ولا تقل له: القدرة تعلقت بممكن ولا بالمستحيل ولا بالجائز أو الواجب قصدي، وهذا هو الأولى. * طالب: شيخ، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء ١٣١] هل نعد من هذه الآية، نحن نعد من هذه الآية أن الله وصى الله الأولين والآخرين وأقوام لا يعلمون هل من الآية؟ * الشيخ: يعد من فوائدها يعني؟ * الطالب: يعني يعبر من.. * الشيخ: يعبروا وأيش لون يعبر من الآية؟ * طالب: يعبروا يعني أناس في الحجة أناس مع، وصى الله تبارك وتعالى للأولين والآخرين لتكون لهم حجة. * الشيخ: لا بأس أن يترجمها بالمعنى لا بأس. * الطالب: وعلى هذا التقدير تكون (أن) مصدرية وليس بـ(أن) الاسمية؟ * الشيخ: وصى الله؟ * الطالب: الأولين والآخرين بتقوى الله. * الشيخ: بتقوى الله، تغير المعنى؛ لأن بتقوى الله الآن حذفت (أن). * الطالب: بجزء خاص.. * الشيخ: الآن حولتها إلى مصدر، ما فيها (أن). * الطالب: (أن) وحولت.. * الشيخ: وأتيت بالباء أيضًا؛ لأن دخول الباء على (أن) يحوله. * الطالب: إلى مصدر. * الشيخ: إلى مصدرية إي نعم، لكن الآية ما فيها (أن)، لا قصدي ما فيها الباء. * الطالب: ممكن حال. * الشيخ: ما يصح، لا بد تعربها أنها تفسيرية، مثل ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧]. * طالب: شيخ، لو بنينا على قوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩] (...)؟ * الشيخ: هذه ما فيها، يقول: كيف نجيب على قوله: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ فيقال: المشيئة هنا معلقة بالجمع، يعني إذا شاء جمعه فإنه لا يمتنع عليه، فالمشيئة هنا شرط في الجمع وليست شرطًا في القدرة. * طالب: قوله: ﴿عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ يقولون بعض المفسرين: إن تقديم المعمول على العامل لا يراد هنا التخصيص، ويقول: قدم لمناسبة رؤوس الآية؟ * الشيخ: نعم هذه مناسبة لفظية، ونحن ذكرنا أنه قدم لا للحصر، أن الله تعالى قادر على هذا وغيره. * الطالب: يقولون وجدت لمناسبة رؤوس الآية.. * الشيخ: لا، هذا مناسبة لفظية، صحيح أن المناسبة اللفظية تأتي لكن ذكرنا لكم مناسبة معنوية وهي الاهتمام بهذا الشيء الذي أنكر أو الذي يكون بصدد الإنكار. * الطالب: بعضهم توسع في هذا وقال: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن ٤٦] وقال: مقصود جنة واحدة، والمقصود هنا مناسبة رؤوس الآية؟ * الشيخ: هذا غلط، هذا غلط كبير، كيف ﴿جَنَّتَانِ﴾ وهو يقول ﴿فِيهِمَا﴾ [الرحمن ٥٠] هذه مثنى ولّا واحد؟ * الطالب: مثنى. * الشيخ: طيب هذا غلط.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب