الباحث القرآني
قال الله عز وجل: ﴿قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ [الصافات ٢٩، ٣٠].
﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ إعراب هذه الجملة واضح، أن (ما) نافية، و(كان) فعل ماضٍ ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، و(من سلطان) اسمها مؤخر مجرور بحرف (من) الزائد إعرابًا، و(لنا) خبر مقدم، خلافًا لمن قال: إن (ما) حجازية و(كان) زائدة؛ لأنك لو قلت: وما لنا عليكم من سلطان لصح الكلام؛ لأن (كان) هنا مراد وجودها؛ لأنها تدل على فعل، أو على زمن مضى، بخلاف ما لو سقطت فإنها لا تدل على الزمن الماضي، فإن الجملة لا تدل على زمن الماضي، فيتعين هنا أن تكون (ما) نافية و(كان) فعل ماض غير زائد.
قوله: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ قال المؤلف رحمه الله: أي من (قوة وقدرة تقهركم على متابعتنا).
واعلم أن السلطان بمعنى السلطة، وهو في كل موضع بحسَبه، فتارة يُراد بالسلطان العلم؛ كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [النجم ٢٣] أي: من دليل وبرهان.
وتارة يُراد به القدرة والقوة والغلبة؛ كما في هذه الآية، يعني: ليس لنا عليكم سلطان نقهركم حتى تتبعونا، بل أنتم اتبعتمونا باختياركم وإرادتكم، فكأنهم يقولون: لا تلومونا ولوموا أنفسكم كما قال الشيطان ﴿لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [إبراهيم ٢٢].
فهؤلاء المتبوعون يجعلون اللوم كله على الأتباع، ونحن إذا نظرنا إلى الواقع وجدنا أن اللوم يكون على الأتباع وعلى المتبوعين، أما المتبوعون فإنهم زينوا لهم أعمالهم ودعوهم واستضعفوهم واستبلهوهم، حتى أمالوهم إلى الباطل، وأما الأتباع فإنهم لم يُجبَروا على ذلك، ولم يسخَّروا عليه، بل هم الذين تبعوا هذا باختيارهم، فكان على كل واحد من اللوم ما يتناسب وفعله.
﴿بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ [الصافات ٣٠] ضالين مثلنا ﴿بَلْ﴾ هذه للإضراب الانتقالي، لا لإبطال ما سبق، بل للانتقال من شيء إلى آخر، فكرروا عليهم الآن قالوا في الأول: ﴿بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ وقالوا بالثاني: ﴿بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾، والطاغي هو الذي تجاوز حده؛ كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة ١١] يعني لما تجاوز حده، فهم يصفونهم بأنهم طاغون، أي مجاوزون لحدهم الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وهو اتباع الرسل، لا اتباع هؤلاء المضلين.
وقول المؤلف: (ضالين) فيه نظر؛ لأن الطغيان أمر زائد على الضلال، فالصواب أن الطغيان بمعنى أيش؟ المتجاوزون للحد الذي ينبغي أن يكونوا عليه من اتباع الرسل.
(﴿فَحَقَّ﴾ وجب ﴿عَلَيْنَا﴾ جميعًا ﴿قَوْلُ رَبِّنَا﴾ [الصافات ٣١]) حق علينا أي: ثبت ووجب وصار حقًّا ليس فيه ظلم ولا باطل، ﴿قَوْلُ رَبِّنَا﴾ يعني أن كل من خرج عن طاعة الله وكذب بآياته فهو في النار، وقوله: (﴿قَوْلُ رَبِّنَا﴾ بالعذاب، أي: قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩]) هذا على ما قال المؤلف هو المراد بقولهم: ﴿قَوْلُ رَبِّنَا﴾، وكأنه يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، ولكن الظاهر أن المراد بقول الله المشار إليه هو قوله لإبليس: ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف ١٨]؛ لأن الآية التي أشار إليها المؤلف فيها بيان أن الله سبحانه وتعالى قدَّر بحكمته أن يملأ النار من الكافرين، لكن ليس فيها الخطاب الموجه للشيطان وأتباعه ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾؛ فإن هذا الذي فيه الوعيد المباشر لمن اتبع الشيطان، فتفسير قولنا بالآية الثانية أولى من تفسيره بما قال المؤلف.
ثم قال: ﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ [الصافات ٣١] (﴿إِنَّا﴾ جميعًا ﴿لَذَائِقُونَ﴾ العذاب بذلك القول، ونشأ عنه قولهم ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ﴾ المعلَّل بقوله: ﴿إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ [الصافات ٣٢]).
يقول: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا﴾ [الصافات ٣١] ﴿عَلَيْنَا﴾ الضمير يعود على الأتباع والمتبوعين ﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ أيضًا الضمير يعود على الأتباع والمتبوعين، كأنهم يقولون: إننا لم نخلص أنفسنا فكيف نخلصكم؟
ثم قال: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ﴾ يعني جعلناكم من أهل الغي بصدكم عن طريق الرشد، ﴿إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ هذا تعليل لقوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ﴾، وهنا عندكم (المعلَّل بقوله) أي: بقوله تعالى، ويصح أن يقول: (المعلل بقولهم) أي: بقول هؤلاء الذي نقله الله عنهم، فإفراد الضمير له وجه، وجمعه له وجه.
﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣٣] هذا من قول الله.
﴿فَإِنَّهُمْ﴾ أي الأتباع والمتبوعين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ (يوم القيامة ﴿فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ أي: لاشتراكهم في الغواية) يعني أن هؤلاء مشتركون في العذاب، كلٌّ يعذَّب بقدْر ذنبه، ولا يظلم ربُّك أحدًا، ولا يمكن أن يسلَم الأتباع من التبعة، ولا أن يسلم المتبوعون من التبعة؛ لأن هؤلاء انقادوا للضلال باختيارهم، وهؤلاء خدعوهم وغروهم، فكان على كل واحد من العذاب ما يستحقه وإن اشتركوا في أصله.
قال الله تعالى: (﴿إِنَّا كَذَلِكَ﴾ كما نفعل بهؤلاء ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ [الصافات ٣٤]) إعراب هذه الجملة: (إنا) إن واسمها، وجملة (نفعل) خبرها، وكذلك الكاف اسم بمعنى (مثل) منصوبة على المفعولية المطلقة، يعني: إنا نفعل مثل ذلك الفعل بالمجرمين، وهذا التركيب يرد كثيرًا في القرآن، ولكن إعرابه كما قلت: أن تجعل الكاف اسمًا بمعنى مثل، وأن تجعلها منصوبة على أنها مفعول مطلق، والفعل الذي يليها، والغالب أنه يليها.
(﴿إِنَّا كَذَلِكَ﴾ أي: كما نفعل بهؤلاء ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ ) وهذا يدل على أن هؤلاء كانوا مجرمين؛ لأنهم استحقوا من العذاب ما استحقه غيرهم كما قال: (﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ غير هؤلاء أي نعذبهم؛ التابع منهم والمتبوع) والله أعلم .
* طالب: لما قال (...) حجة أم (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: قلنا: إن الكافرين يوم القيامة يلعن بعضهم بعضًا، فهل المؤمنون يمدح بعضهم بعضًا؟
* الشيخ: لا أدري، لا أعرف.
* طالب: الذي يضل من المسلمين يعني ضلالًا لا يؤدي إلى الكفر (...) فهل على الأتباع ذنب؟
* الشيخ: (...).
* الطالب: لا، لكنهم جهال.
* الشيخ: إذا كانوا جهالًا جهلًا يُعذَرون به، بحيث لم يبين لهم الحق، فأمرهم إلى الله، ما نعلم، وأما إذا كانوا جهالًا جهلًا لا يعذرون به، بأن قيل لهم الحق في كذا ولكن قالوا: نتبع ما كان عليه آباؤنا وعلماؤنا، فهم غير معذورين.
* الطالب: هؤلاء المكذبون (...) القيامة؟
* الشيخ: لا؛ لأن السياق خاص بقوم معينين.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب.
* طالب: (...).
* الشيخ: على كل حال هم يتبعون من يثقون به، لكن في مسألة الكفر، ولنفرض مثلًا في الرافضة الذين يسبون أبا بكر وعمر وسائر الصحابة إلا نفرًا قليلًا، إذا قيل لهم: كيف تسبون الصحابة إلا نفرًا قليلًا ليس لهم حجة أن يقولوا: تبعنا مشائخنا وعلماءنا؛ لأن هذا واضح، الضلال فيه واضح، أما ما لم يكن الضلال فيه واضحًا فقد يُعذَر الإنسان؛ لأنه يقول هذا قدر استطاعته.
وأرى أن هذا الأصوب، ومع ذلك نقول: يجب عليك أن تتحرى، إذا جاءك من يقول: هذا هو الصواب، فأن تناقشه بما تستطيع إن كنت تستطيع، وإلا تحيله على الشيخ الذي تبعته.
* طالب: (...) من المعتزلة (...) لقوله: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا﴾ [الصافات ٣١].
* الشيخ: هذه تأتي إن شاء الله بالفوائد .
* الطالب: شيخ (...) بقوله: ﴿وأقبلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات ٢٧] أعربنا ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾ حالًا من فاعل بعضهم، ومن جار ومجرور على بعض، كيف يكون الحال من جار ومجرور؟
* الشيخ: من المجرور.
* الطالب: من المجرور؟
* الشيخ: إي.
* الطالب: كيف يكون تقديره؟
* الشيخ: تقديره يعني أنهم هؤلاء وهؤلاء كل يسأل الآخر .
* طالب: ما الفرق بين (...)؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الفرق بينها أنها أوصاف متعددة، أوصاف متعددة، تقول مثلًا لهذا الرجل: إنه كاذب إذا كان يتحدث بكذب، وعاص لأنه يرتكب معصية، وفاسق لأن الكذب يؤدي إلى الفسق، أوصاف متعددة، يعني يصح أن يوصف الواحد بعدة أوصاف، أليس كذلك؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: متعلقة بالحال، طيب.
نقول: قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [الصافات ٣٠] ما المراد بالسلطان؟
* طالب: القوة والقدرة على..
* الشيخ: على أيش؟
* الطالب: على إضلالكم.
* الشيخ: على إضلالكم نعم.
قوله تعالى: ﴿بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ [الصافات ٣٠] ما الذي نصب طاغين؟
* طالب: صفة لقوم.
* الشيخ: صفة لقوم؛ لأن (...) ﴿قَوْمًا﴾ خبر (كان)، طيب صح. ما معنى ﴿طَاغِينَ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا﴾ [الصافات ٣١] ما المراد بهذا القول؟
* الطالب: (...) إن الله تعالى (...).
* الشيخ: ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف ١٨] والمؤلف يرى أنه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩]. طيب قوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ [الصافات ٣٢] الجملة ﴿إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ محلها مما قبلها في المعنى؟
* طالب: تعليلية.
* الشيخ: تعليل لما سبق، طيب و﴿غَاوِينَ﴾ ما إعرابها؟
* الطالب: ﴿غَاوِينَ﴾ خبر.
* الشيخ: خبر أيش؟
* الطالب: خبر (إن)، إن واسمها و﴿غَاوِينَ﴾ خبر.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (إن) واسمها و﴿غَاوِينَ﴾ خبر.
* الشيخ: خبر (إن) ما هو منصوب.
* الطالب: لا، (إن) واسمها، لا خبر كان.
* الشيخ: خبر كان في قوله: ﴿كُنَّا﴾ [الصافات ٣٢] طيب.
في هذه الآيات من الفوائد:
* أولًا: تبرؤ كل من التابع والمتبوع يوم القيامة من هؤلاء الضلال، فالمتَّبِعُون أو الأتباع يجعلون اللوم على المتبوعين، والمَتْبُوعون يجعلون اللوم على الأتباع.
* وفيه أيضًا من فوائدها: أن المتبوعين ليس لهم سلطان يُكرِهون به الأتباع، بل الأتباع هم الذين اختاروا لأنفسهم الضلالة.
* وفيه دليل على أن هؤلاء المشركين والكافرين أعلم بالواقع من الجبرية وأشباههم الذين يقولون: إن الإنسان مجبَر على عمله، فإن هؤلاء يقرون بأن الإنسان يفعل باختياره؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ [الصافات ٣٠].
* ومن فوائدها: أن الأتباع يوم القيامة لا ينتفعون باتباع المتبوعين، بل إن المتبوعين يوبخونهم على طغيانهم، فيقولون: أنتم الذين تجاوزتم الحد بترككم اتباع الرسل ثم اتباعنا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات قول الله عز وجل وأنه يقول؛ لقوله: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ [الصافات ٣١]، والقول هو الكلام الذي يُستفاد منه فائدة.
فيدل ذلك أو يتفرع على ذلك أن كلام الله بحرف وصوت كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافًا للأشعرية الذين يقولون: إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، وإن ما يُسمع من هذه الحروف والصوت فإنما هو مخلوق خلقه الله تعالى تعبيرًا عما في نفسه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إقرار المكذبين للرسل بالربوبية؛ لقولهم: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا﴾.
ويتفرع على ذلك الرد على عامة المتكلمين الذين يفسرون التوحيد بتوحيد الربوبية فقط، فيقولون: إن التوحيد هو أن تؤمن بأن الله تعالى واحد في ذاته، لا قسيم له، وواحد في أفعاله، لا شريك له، وواحد في صفاته، لا شبيه له، ففي هذه الجمل الثلاث لم يذكروا توحيد الألوهية، يعني لم يقولوا: واحد في ألوهيته لا شريك له، وإنما جعلوا التوحيد ما يتضمن توحيد الربوبية وتوحيد الصفات فقط، على ما في هذا الكلام من إجمال يحتاج إلى تفصيل، لكن فيه حذف توحيد الألوهية.
وهذا التوحيد الذي زعم عامة المتكلمين أنه التوحيد الذي جاءت به الرسل، لا شك أن المشركين كانوا مقرين به، ولا ينكرونه، ومع هذا حكم عليهم النبي عليه الصلاة والسلام بالشرك واستباح دماءهم وأموالهم ونساءهم وأراضيهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء المكذبين من أتباع ومتبوعين كلهم ينالهم العذاب؛ لقوله: ﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ [الصافات ٣١] أي: ذائقون عذاب ربنا الذي حق علينا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من مصاحبة أهل الغواية؛ لقوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ [الصافات ٣٢]، وقد حذر النبي ﷺ من مصاحبة صاحب السوء فقال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ، إِمَّا أَنْ يَبِيعَكَ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السَّوءِ كَنَافِخِ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٠١)، ومسلم (٢٦٢٨/١٤٦) من حديث أبي موسى الأشعري. ]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إطلاق الشيء على سببه؛ لقوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ﴾؛ لأنهم ليسوا هم الذين أغووهم، وإنما هم سبب إغوائهم؛ فإن الهداية والإضلال بيد من؟
* الطلبة: بيد الله.
* الشيخ: بيد الله عز وجل، لكن هؤلاء كانوا سببًا لغواية هؤلاء، فأضافوا الفعل إليهم في قوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾.
* * *
قال الله عز وجل: (﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ يوم القيامة ﴿فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣٣])، قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ (إن) واسمها في (إنهم)، و(مشتركون) خبرها.
في هذه الآيات عدة من الفوائد:
* أولًا: تبرُّؤ كل من التابع والمتبوع يوم القيامة من هؤلاء الضلال، والمتبِّعون أو الأتباع يجعلون اللوم على المتبوعين، والمتبوعون يجعلون اللوم على الأتباع.
* وفيه أيضًا من فوائدها: أن المتبوعين ليس لهم سلطان يكرهون به الأتباع، بل الأتباع هم الذين اختاروا لأنفسهم الضلالة.
وفيه دليل على أن هؤلاء المشركين والكافرين أعلم بالواقع من الجبرية وأشباههم الذين يقولون: إن الإنسان مجبَر على عمله، فإن هؤلاء يقرون بأن الإنسان يفعل باختياره؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ [الصافات ٣٠].
* ومن فوائدها: أن الأتباع يوم القيامة لا ينتفعون باتباع المتبوعين، بل إن المتبوعين يوبخونهم على طغيانهم ويقولون: أنتم الذين تجاوزتم الحد بترككم اتباع الرسل ثم اتباعنا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات قول الله عز وجل وأنه يقول، كقوله: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ [الصافات ٣١]، والقول هو الكلام الذي يستفاد منه فائدة، فيتفرع على ذلك أن كلام الله بحرف وصوت، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافًا للأشعرية الذين يقولون: إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس وإن ما يسمع من هذه الحروف والصوت فإنما هو مخلوق خلقه الله تعالى تعبيرًا عما في نفسه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إقرار المكذبين للرسل بالربوبيَّة؛ لقوله: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا﴾ [الصافات ٣١].
ويتفرع على ذلك الرد على عامة المتكلمين الذين يفسرون التوحيد بتوحيد الربوبية فقط، فيقولون: إن التوحيد هو أن تؤمن بأن الله تعالى واحد في ذاته، لا قسيم له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وواحد في صفاته، لا شبيه له، ففي هذه الجمل الثلاث لم يذكروا توحيد الألوهية، يعني لم يقولوا: واحد في ألوهيته لا شريك له، وإنما جعلوا التوحيد ما يتضمن توحيد الربوبية وتوحيد الصفات فقط، على ما في هذا الكلام من إجمال يحتاج إلى تفصيل، لكن فيه حذف توحيد الألوهية.
وهذا التوحيد الذي زعم عامة المتكلمين أنه التوحيد الذي جاءت به الرسل، لا شك أن المشركين كانوا مقرين به ولا ينكرونه، ومع هذا حكم عليهم النبي ﷺ بالشرك، واستباح دماءهم وأموالهم ونساءهم وأراضيهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء المكذبين من أتباع ومتبوعين كلهم ينالهم العذاب؛ لقوله: ﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ [الصافات ٣١] أي: ذائقون عذاب ربنا الذي حق علينا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من مصاحبة أهل الغواية؛ لقوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ [الصافات ٣٢]، وقد حذر النبي ﷺ من مصاحبة الصاحب السوء فقال «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ؛ إِمَّا أَنْ يَبِيعَكَ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السَّوْءِ كَنَافِخِ الْكِيرِ؛ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥٣٤)، ومسلم (٢٦٢٨ / ١٤٦) من حديث أبي موسى.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إطلاق الشيء على سببه؛ لقوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ﴾ [الصافات ٣٢]؛ لأنهم ليسوا هم الذين أغووهم، وإنما هم سبب إغوائهم؛ فإن الهداية والإضلال بيد من؟ بيد الله عز وجل، لكن هؤلاء كانوا سببًا لغواية هؤلاء، فأضافوا الفعل إليهم في قولهم: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ [الصافات ٣٢].
* * *
قال الله عز وجل: (﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ يوم القيامة ﴿فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣٣]). قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ (إن) واسمها في (إنهم) و(مشتركون) خبرها، و(في العذاب) متعلق بـ(مشتركون)، و(يومئذ) يجوز أن تكون متعلقة بـ(مشتركون)، ويجوز أن تكون متعلقة بحال من الضمير في (إنهم)، وقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم إذ تقوم القيامة، فالتنوين عوض عن جملة محذوفة.
وقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ الضمير يعود على الأتباع والمتبوعين، يشتركون يوم القيامة في العذاب، أي: في أصله، وإن كان بعضهم أشد عذابًا من بعض؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأنعام ١٣٢].
وهل اشتراكهم في العذاب يخفف عنهم؟ لا؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩] بينما الناس في الدنيا إذا اشتركوا في العذاب أو في المصائب فإن بعضهم يسلي بعضًا ويقويه، لكن في الآخرة لا ينفع هذا، فكل منهم يرى أنه أشد الناس عذابًا والعياذ بالله، ولا ينفعه مشاركة غيره له.
(﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ أي: لاشتراكهم في الغواية) تفسير المؤلف هنا تعليل لسبب اشتراكهم في العذاب؛ لأنهم اشتركوا في الغواية.
(﴿إِنَّا كَذَلِكَ﴾ كما نفعل بهؤلاء ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ [الصافات ٣٤]).
هكذا قدر المؤلف؛ كما نفعل بهؤلاء نفعل بالمجرمين، ويحتمل أن يكون المعنى أن كهذا الفعل نفعل بالمجرمين وهم مجرمون.
وقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ إعرابها أن نقول: الكاف اسم بمعنى مثل، وهي في محل نصب على المفعولية المطلقة، أي مثل هذا الفعل نفعل.
وقوله: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ﴾ وصف الله نفسه بالفعل على سبيل التعظيم، حيث أعاد الضمير إليه بصيغة الجمع، ومعلوم أنه سبحانه وتعالى واحد، ولكنه وصف نفسه بهذا من باب التعظيم.
وقوله: ﴿بِالْمُجْرِمِينَ﴾ المجرم هو الذي اكتسب الجرم، وهو الإثم، فكل مجرم فإن الله تعالى يفعل به هكذا، ولكن الجرم نوعان: جرم لا يعمل صالح معه، فهذا يفعل به هكذا قطعًا، وليس أهلًا للعفو، وجرم معه عمل صالح، فهذا تحت المشيئة؛ إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨].
قال المؤلف: (﴿إِنَّا كَذَلِكَ﴾ كما نفعل بهؤلاء ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ غير هؤلاء، أي: نعذبهم التابع منهم والمتبوع ﴿إِنَّهُمْ﴾ [الصافات ٣٥] أي: هؤلاء، بقرينة ما بعده)، ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي هؤلاء يعني الأتباع والمتبوعين.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات ٣٥] ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ من القائل؟ القائل الرسل، بدليل قوله: ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٦]، وربما نختار العموم، يعني إذا قالت لهم الرسل أو غيرهم، حتى غير الرسل ربما يصح أنهم يقولون: قولوا: لا إله إلا الله، ولكنهم يجيبون بهذا الجواب الباطل.
وقوله: ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ هذه الجملة هي كلمة التوحيد التي دعت إليها جميع الرسل، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٢٥]، وإعرابها أن نقول: (لا) نافية للجنس، و(إله) اسمها، وخبرها محذوف، تقديره: حق، و(إلا) أداة استثناء، و(الله) بدل، أو لفظ الجلالة بدل من الخبر المحذوف.
وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [الصافات ٣٥] إله بمعنى مألوه، والمألوه هو المعبود حبًّا وتعظيمًا، الذي تألهه القلوب وتميل إليه وتخشع له، و(إله) أعني هذه الصيغة (فعال) بمعنى (مفعول) تأتي كثيرًا في اللغة العربية، مثل الغراس والبناء والفراش؛ بمعنى المغروس والمبني والمفروش.
وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾: (الله) علم على الذات المقدسة، لا يسمى به غيره، وهو أصل الأسماء، ولهذا تأتي أسماء الله تعالى غالبًا تبعًا له، ولا يأتي هو تبعًا لغيره إلا نادرًا، فالأكثر أن الأسماء كلها تأتي صفة لله ﴿لْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٢ - ٤]، بسم الله الرحمن الرحيم، وربما يأتي هو تبعًا لها؛ في مثل قوله تعالى: ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [إبراهيم ١، ٢] فهنا أتت هذه الكلمة العظيمة (الله) تبعًا لما قبلها.
أين جواب (إذا)؟ جواب (إذا): (يستكبرون)، ولكن قد يقول قائل: لماذا لم تجزم؟ كيف جعلتموها جوابًا لـ(إذا) ولم تجزموها، مع أنها فعل مضارع؟ الجواب أن (إذا) حرف شرط غير جازم.
وقوله: ﴿يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات ٣٥] أي: يتعالون كبرًا وفخرًا، فيرون أنهم أكبر من أن يقال لهم: لا إله إلا الله، ويأنفون من ذلك؛ أي من قول هذه الكلمة؛ لأنهم يرون في أنفسهم أنهم أعظم وأكبر، ولهذا قال: ﴿يَسْتَكْبِرُونَ﴾؛ أي: يستكبرون عن قولها فلا يقولونها ويستكبرون عمن قالها، فلا يستجيبون له، فكبرياؤهم والعياذ بالله من الناحيتين: الناحية الأولى: الاستكبار عن قول هذه الكلمة، والثاني: الاستكبار عن استجابة من دعاهم إليها.
ويقولون مع استكبارهم النفسي، يقولون بألسنتهم: (﴿أَئِنَّا﴾ [الصافات ٣٦] في همزتيه ما تقدم) ما الذي تقدم؟ أربع قراءات أو ست؟ أربع على حسب ما قال المؤلف: أن تحقق الهمزتين؛ أن تسهل الثانية؛ أن تدخل ألفًا بينهما في حال التحقيق والتسهيل، يعني نقول ﴿أَئِنَّا﴾ [الصافات ٣٦] هذا تحقيق، ﴿أاِنا﴾ تسهيل، ﴿آإنا﴾ تحقيق بإدخال ألف ﴿آاِنا﴾ تسهيل بإدخال الألف.
﴿أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٦] الاستفهام هنا للنفي، وأكدوا هذا النفي بقوله: ﴿أَئِنَّا لَتَارِكُو﴾ أكدوه بـ(إن) واللام، يعني هل يمكن أن نترك آلهتنا لهذا القائل الذي وصفوه بهذين الأمرين: شاعر ومجنون، (أي لأجل قول محمد ﷺ) يعني لا يمكن أن نترك آلهتنا من أجل قول هذا الشاعر المجنون.
الشاعر: هو من يقول الشعر، والمجنون: ضد العاقل، ومن المعلوم أن قولهم هذا كذب، ومع كونه كذبًا فهو متناقض، وجه التناقض أن الشاعر كيف يكون مجنونًا أو أن المجنون كيف يكون شاعرًا، المجنون لا يمكن أن يأتي بكلام نثر منتظم، فكيف يأتي بكلام نظم يهز المشاعر ويقال: إنه صدر من شاعر، لكن والعياذ بالله العمى إذا حل في القلب صار الإنسان لا يدري ما يقول، ربما يقول قولًا يتناقض وهو لا يدري، ومن المعلوم أن الله تعالى كذبهم في هذا القول، فقال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس ٦٩]، وقال تعالى ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [القلم ١، ٢] بل أنت أعقل العقلاء، فكذبهم الله عز وجل في قولهم هذا، وهم بلا شك كاذبون، فالنبي صل الله عليه وسلم أعقل الناس، والنبي ﷺ أتى بقول ليس بالشعر، بل أتى بكلام الله عز وجل.
﴿أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٦] ولهذا قال الله تعالى ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ﴾ [الصافات ٣٧]، (بل) هذه للإضراب الإبطالي، أي: بل كذبتم فيما قلتم، وإنما جاء -أي رسول الله ﷺ- بالحق، والباء هنا للمصاحبة، يعني جاء مصحوبًا بالحق، فقوله حق، وما جاء به أيضًا فهو حق، فكون النبي عليه الصلاة السلام يقول هذا من عند الله نقول: هذا حق، هو صادق، وما يشتمل عليه القرآن فهو حق، وضده الباطل، فالحق هنا وصف لقول النبي ﷺ: إنه رسول الله، ووصف لما جاء به، فيكون وصفًا للخبر والمخبر به، فخبر النبي ﷺ بأن هذا القرآن من عند الله نقول: حق، وما جاء به أيضًا فهو حق؛ وذلك لأن القرآن مشتمل على كمال العدل وكمال الصدق، كما قال الله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥].
فتكون الأحقية هنا من جهتين: من جهة الخبر ومن جهة المخبر به، الخبر أن قول النبي ﷺ هذا من عند الله حق ليس فيه كذب، المخبر به أن ما جاء به الرسول ﷺ وكله حق متضمن للحق ليس فيه باطل، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥].
فالصدق: وصف للأخبار، والعدل: وصف للأحكام، والقرآن كله إما خبر وإما حكم، فخبره صدق وحكمه عدل.
(﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧] الجائين به، وهو أن لا إله إلا الله).
صدق أي: النبي ﷺ المرسلين الذين أرسلوا من قبله، وكيف صدقهم؟ نقول: لتصديقه المرسلين وجهان:
الوجه الأول: أن مجيئه وقع مطابقًا لما أخبروا به، فيكون ذلك تصديقًا. هكذا؟ ماذا قلت؟
* طالب: أن ما جاء به مطابقًا لما جاءوا به الرسل.
* الشيخ: لما أخبروا به، فيكون مصدقًا، كما لو قلت: سيقدَم زيد غدًا، فإذا ما قدم صار مصدقًا لقولك وصار مجيئه مصداقًا لقولك.
أيضًا ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧] أي قال: إن الرسل صادقون، وكلنا يعلم أن من دين رسول الله ﷺ أن يقول الإنسان: آمنا بالله وبرسل الله ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة ٢٨٥] فتصديق رسول الله ﷺ لمن سبقه يكون على هذين الوجهين:
أولًا: أن مجيئه تصديق لما أخبروا به من أنه سيُبعث، وآخرهم من؟ عيسى، قال لقومه: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف ٦].
والثاني: أنه وصف ما جاءت به الرسل السابقون بأيش؟ بأنه صدق.
﴿جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧] قال: (الجائين به، وهو أن لا إله إلا الله).
الحقيقة أن في تفسير المؤلف لذلك شيء من القصور، لماذا؟ لأنه صدق المرسلين في هذا وفي غيره، وكأن المؤلف رحمه الله خصها بقول: لا إله إلا الله بناءً على السياق، حيث كان السياق في التحدث عن لا إله إلا الله ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٥ - ٣٧] أي: صدقهم بأن لا إله إلا الله، ولكن الأولى الأخذ بالعموم بأيش؟ صدقهم في هذا وفي غيره.
* * *
ثم قال عز وجل: (﴿إِنَّكُمْ﴾ [الصافات ٣٨] فيه التفات) ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ [الصافات ٣٨] يقول: فيه التفات، الالتفات أن مقتضى السياق أن يقول: إنهم لذائقو العذاب؛ لأن الحديث كله جاء عن الغيب ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٥، ٣٦]، فكان مقتضى السياق أن يقول: إنهم لذائقو العذاب الأليم، ولكن كان في السياق التفات من الغيبة إلى الخطاب، فما فائدة هذا الالتفات؟
ذكرنا فيما سبق أن كل التفات فإن له فائدة مشتركة، وهي تنبيه المخاطب؛ لأن الكلام إذا كان على نسق واحد سها المخاطب أو القارئ، ولكن إذا تغير الأسلوب فإنه ينتبه: لماذا تغير؟ وما وجه التغير؟ فيشترك جميع الالتفاتات في كل موضع بأن الغرض من ذلك التنبيه، ثم ينفرد في كل موضع بما يختص به، فهنا التفات من الغيبة إلى الخطاب؛ لأن الخطاب أبلغ في الزجر: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ أبلغ من: إنهم لذائقو العذاب الأليم، ولهذا إذا تأملنا قصة الخضر مع موسى قال له أول ما عتب عليه، قال له: ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف ٧٢] وفي الثانية قال: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف ٧٥] فالخطاب لا شك أن فيه قرعًا للذهن مباشرًا، فيكون أشد وقعًا من ضمير الغيبة. ويأتي إن شاء الله البقية.
* طالب: الالتفات له فائدة ثانية.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: (...) فيبعد السآمة من أن يكون على سياق واحد، الالتفات يبعد السآمة بتغير اللفظ.
* الشيخ: إي نعم، ربما يقال هكذا، ربما يكون هذا من الفوائد أو تكون هذه داخلة في ضمن التنبيه؛ لأن الإنسان إذا تنبه تجدد نشاطه.
* طالب: (...) أقول: يا شيخ (...) في مقام، يعني يصدق الإنسان فيه، بخلاف الجبرية (...) يحاسب هذه المحاسبة فيقر..
* الشيخ: لكن من قال: إن هؤلاء يقولون بقول الجبرية في حال الحياة؟
* الطالب: يعني ما كلهم يقولون، لكن ما يبعد أيضًا أن الجبرية..
* الشيخ: هو الأصل أن قولهم هذا كان عن عقيدة حتى في حياتهم، هذا هو الأصل.
* * *
* الطالب: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٤) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات ٣٨ - ٤٧].
* الشيخ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣١ - ٣٣]
قال الله عز وجل: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣٣] ما موضع (مشتركون) من الإعراب؟
* طالب: خبر (إن).
* الشيخ: خبر (إن)، وهل اشتراكهم هذا يهون عليهم العذاب؟
* الطالب: لا يهون عليهم العذاب.
* الشيخ: ما الدليل؟
* الطالب: قوله تعالى..
* الشيخ: نسيت.
* طالب: قوله تعالى ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩].
* الشيخ: نعم، وهل الاشتراك في العذاب في الدنيا يخفف منه؟
* طالب: نعم، إذا كان إنسان أصيب بمصيبة والآخر وأصيب غيره بمثلها أو بأكثر منها يخفف عنه..
* الشيخ: يخفف عنه، هذا معلوم بطبيعة الإنسان، ولكن هل لهذا شاهد من كلام من سبق.
* الطالب: استدلوا ببيت..
* الشيخ: استدلوا ولَّا استشهدوا؟
* الطالب: استشهدوا ببيت..
* الشيخ: الخنساء في رثاء أخيها صخر.
* الطالب:
؎وَلَــــــــــوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَحَــــــوْلِي ∗∗∗ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي؎وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ∗∗∗ أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْــــــــهُبِالتَّأَسِّي
* الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ [الصافات ٣٤] أعرب (كذلك)؟
* طالب: الكاف اسم (...).
* الشيخ: اسم بمعنى مثل، ومحلها من الإعراب؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: النصب على أنها مفعول مطلق، ويش التقدير؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا إحنا قدرناه كيف؟ قدرناه ويمر علينا كثيرًا ما هو هذا أول مرة.
* الطالب: كما نفعل بالمجرمين.
* الشيخ: لا.
* طالب: إنا كهذا الفعل نفعل بالمجرمين.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: إنا مثل ذلك الفعل نفعل بالمجرمين.
أين خبر (إن)؟
* طالب: جملة نفعل.
* الشيخ: جملة نفعل، أحسنت.
قال الله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات ٣٥] من القائل؟
* طالب: القائل إما الرسول ﷺ..
* الشيخ: إما الرسول.
* الطالب: أو الدعاة.
* الشيخ: أو غيره من أهل الحق.
ما معنى لا إله إلا الله؟
* طالب: لا معبود بحق إلا الله.
* الشيخ: لا معبود بحق ولَّا معبود حق؟
* الطالب: لا معبود حق إلا الله.
* الشيخ: إلا الله. إذن يكون خبر لا؟
* الطالب: خبر لا محذوف (...).
* الشيخ: والله اسم الجلالة؟
* الطالب: بدل من الخبر..
* الشيخ: بدل من الخبر المحذوف.
لو أورد علينا مورد لا إله إلا الله بأن هناك آلهة دون الله؟
* الطالب: قلنا: ألوهيتكم ليست بحق.
* الشيخ: فالجواب أن ألوهيتهم ليست حقًّا. الدليل؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج ٦٢].
* الشيخ: أحسنت تمام.
فسر عامة المتكلمين لا إله إلا الله بماذا؟
* الطالب: لا معبود إلا الله.
* الشيخ: لا.
* الطالب: فسروها بـ.. أثبتوا الربوبية لله سبحانه وتعالى، والأسماء والصفات، وما ذكروا توحيد الألوهية؟
* الشيخ: فقالوا: لا إله إلا الله أي: لا قادر على الاختراع إلا الله، هذا تفسيرهم لها كما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية، يقول: يفسرون لا إله إلا الله أي: لا قادر على الاختراع إلا الله، كذا؟ ففسروها بما يقتضي توحيد الربوبية، هل هذا التفسير حق ولا غير حق؟
* الطالب: تفسير ناقص.
* الشيخ: هل هو حق ولا غير حق؟
* الطالب: تفسير ناقص (...).
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: ولكن صحيح لا يقدر على الاختراع إلا الله..
* الشيخ: صحيح لكن إذا فسرنا لا إله إلا الله أي: لا قادر على الاختراع إلا الله، يعني على الخلق إلا الله. هل هذا التفسير صحيح أو لا؟
* الطالب: لا يقدر على الخلق إلا الله؟
* الشيخ: إي.
* الطالب: فيه قصور لأن مثلًا الخلق (...).
* طالب آخر: هذا فيه إجمال.
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...) على الخلق ابتداء (...).
* طالب آخر: غير صحيح.
* الشيخ: غير صحيح. يعني باطلًا من أصله، الدليل أن المشركين لا يستكبرون عن هذا، هل يستكبرون أن يقولوا: إنه لا خالق إلا الله، أو يقرون بذلك؟ يقرون بذلك، إذن فمن فسره بهذا التفسير فقد أخطأ، والمشركون الذين قاتلهم الرسول ﷺ ما فسروه بهذا؛ لأنه لو فسرو بهذا ما استكبروا عنه، إذن فهذا التفسير يعتبر باطلًا ما فيه لا قصور ولا فيه نقص، فيه بطلان من الاصل.
﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٦] الاستفهام هنا؟
* طالب: للنفي.
* الشيخ: للنفي. يعني لن نترك آلهتنا لشاعر مجنون. ماذا يصنعون بآلهتهم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي لكن ماذا يصنعون بها؟ يذبحونها قربانًا إلى الله ولَّا إيه؟
* الطالب: يعبدونها.
* الشيخ: يعبدونها صح، يعبدونها من دون الله، ويدعون أنهم يعبدونها لتقربهم إلى الله.
هل كذبهم الله بدعواهم أنه شاعر؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: هات الدليل؟
* الطالب: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا﴾ [الحاقة ٤١].
* الشيخ: نعم أحسنت، وكذلك قوله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾ [يس ٦٩]..
* الطالب: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾.
* الشيخ: وهل كذبهم الله بدعوى أنه مجنون؟
* الطالب: نعم كذبهم، ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [القلم ٢]
* الشيخ: في قوله تعالى: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [القلم ٢] بارك الله فيكم.
قوله: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧]. الانتقالي ولَّا الإبطالي؟
* الطالب: الانتقالي.
* الشيخ: تعرف الفرق بينهما؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: إذن كيف تميز بينهما فتثبت هذا وتنفي هذا وأنت لا تعرف الفرق.
* طالب: (بل) للإبطال.
* الشيخ: للإبطال، تعرف الفرق بين الإبطال والانتقال؟
* الطالب: إي نعم، يعني في الحكم في الانتقال باقٍ كذلك هناك.
* الشيخ: أحسنت.
* طالب: وفي الإبطال الحكم ما يبقى (...) قبل وينتقل إلى..
* الشيخ: إلى ما بعد (بل).
* الطالب: (...).
* الشيخ: بارك الله فيك، زين، قوله: ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧] ذكرنا أن (...) وجهين؟
* الطالب: أولًا أنه تصديق لما أخبروا به (...).
* الشيخ: تصديق لما أخبروا به.
* الطالب: (...) الثاني أنه قال: إنهم صادقون، هؤلاء الرسل صادقون (...).
* الشيخ: صح.
* طلبة: نعم.
* الشيخ: صدقهم يعني وقع مطابقًا لما اخبروا به، وهذا تصديق، وصدقهم أي قال: إنهم صادقون (...) يجب الإيمان بهم، وهذا هو طريقة الرسول والمؤمنين ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة ٢٨٥].
الفوائد: قال الله عز وجل: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣٣].
* يُستفاد من هذه الآية وما بعدها أولًا: أن الأتباع والمتبوعين كل منهم مشترك في العذاب؛ لقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣٣]، والفائدة من ذلك أنه لن ينجو الأتباع ولا المتبوعون، فإن قال قائل: هل الاشتراك يقتضي المساواة؟ فالجواب: لا، بل لكل درجات مما عملوا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إذلال هؤلاء المتبوعين الذين كانوا في الدنيا يعتلون على الخلق؛ لأنه جمع بينهم وبين من يستعبدونهم في الدنيا ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات ٣٣]؛ لأن الآخرة دار عدل وليس فيها تفاضل.
* من فوائد الآيات: أن الله سبحانه وتعالى لم يظلمهم بهذا العذاب؛ لقوله: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ [الصافات ٣٤] فهم لم يعذبوا إلا لجرمهم.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الناس عند الله سواء، فكل من استحق عقابًا أو ثوابًا فهو له؛ لقوله: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ [الصافات ٣٤]، يعني لم نفعل بهؤلاء وحدهم، بل حكمنا هذا شامل لكل مجرم، وكذلك يقال في الثواب: إن الله سبحانه وتعالى يثيب كل عامل بعمله بمقتضى الأوصاف التي يستحق بها هذا الثواب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الفعل لله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ﴾ [الصافات ٣٤]، والله سبحانه وتعالى فعال لما يريد، والفعل يقتضي التجدد بحسب المفعول، فخلق الله السماوات والأرض لم يكن أزليًّا، وإنما كان حين خلق السماوات والأرض وخلق الله للجنين في بطن أمه لم يكن أزليًّا، بل هو حادث حين حدوث هذا الجنين.
وننتقل من هذه الفائدة إلى فائدة نتفرع عنها: وهي إثبات أفعال الله الاختيارية، خلافًا لمن أنكر ذلك وقال: إن الله لا يقوم به فعل اختياري، وعللوا ذلك بعلة باطلة، قالوا: لأن الفعل الاختياري يقتضي الحدوث، والحادث لا يكون إلا بحادث، والله سبحانه وتعالى أزلي أبدي، ولا شك أن هذا القول قول باطل، فإن الحادث قد يكون بغير الحادث كما في أفعال الله، أليس الله تعالى خلق السماوات والأرض ثم استوى على العرش، فحدث الاستواء بعد خلق السماوات والأرض؟ أوليس الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؟ فحصل النزول بعد مضي ثلثي الليل، ومع ذلك فإن الله لم يزل ولا يزال موجودًا، ثم إن الإنسان بنفسه يجد أن أفعالًا منه تتجدد مع سبقه عليها، أليس كذلك؟ الإنسان مثلًا فعله اليوم ليس فعله بالأمس، وهو سابق على أفعاله، فتقوم به الأفعال (...) مع سبقه عليها، فإذا جاز هذا في المخلوق فهو في الخالق من باب أولى؛ لأنه كمال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تمام، سلطان الله عز وجل وقوته، وجه ذلك أن هؤلاء المجرمين معروفون بالعتو والكبرياء والغطرسة؛ كما في فرعون وغيره من الملأ، ومع ذلك فإن الله قاهرهم يعذبهم ويفعل بهم ما يشاء مما تقتضيه حكمته.
* من فوائد الآية الكريمة: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات ٣٥] أن هؤلاء المجرمين في غاية ما يكون من العتو، فإنهم إذا قيل لهم هذه الكلمة العظيمة التي لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بهم، يستكبرون عنها ويرون أنهم أكبر قدرًا من أن يقولوها أو أن يصدقوا من قال بها؛ لأنه سبق أن قلنا: يستكبرون عن أيش؟ القائل والمقول عنه يعني عن الخبر والمخبر به.
* من فوائد الآية الكريمة: وجوب الخضوع لما تقتضيه هذه الكلمة؛ لأن الله ساقها في القوم المستكبرين عنها مساق الذم، وعلى هذا فمن قبلها وخضع لها فقد نفى عن نفسه الذم وقام بما يجب عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من قال: لا إله إلا الله بإخلاص فلا بد أن يخضع لأوامر الله ولا يستكبر، ومن ثم جاءت نصوص كثيرة تعلق دخول الجنة على قول: لا إله إلا الله، ومن المعلوم أن دخول الجنة لا يترتب على مجرد قولها؛ إذ إن المنافقين يقولونها، ومع ذلك لا يدخلون الجنة، لكن المراد بمن قالها خاضعًا لما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة من اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله؛ لقوله أيش؟ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [الصافات ٣٥]، فلا يجوز أن يُصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، لا صلاة، ولا نذر، ولا سجود، ولا ركوع، ولا حج، يجب كله أن يصرف لله عز وجل؛ لأنه هو المعبود حقًّا.
* ومن فوائد الآية: في قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٦] أن هؤلاء كذبوا بما تقتضيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فالأول ﴿كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات ٣٥] والثاني إذا قيل لهم: آمنوا بمحمد قالوا: ﴿أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٦] فلم يقوموا بلا إله إلا الله، ولم يقوموا بمحمد رسول الله، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: والله عز وجل يقرن دائمًا بين هاتين الكلمتين في آيات كثيرة، انظر إلى قوله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ [المؤمنون ٦٨، ٦٩] ففي الأول الإشارة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وفي الثاني أم لم يعرفوا رسولهم شهادة أن محمد رسول الله.
ولهذا أيضًا جعل النبي ﷺ هاتين الشهادتين ركنًا واحدًا من أركان الإسلام، فقال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٨)، ومسلم (١٦ / ٢١) من حديث عبد الله بن عمر.]] إلى آخره؛ لتلازم هاتين الشهادتين، ولأن مبنى العبادة كلها على الإيمان بهاتين الشهادتين؛ إذ إن مبنى العبادة على الإخلاص والمتابعة اللذين يتحقق بهما شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء المستكبرين لم يكفهم الاستكبار عن الحق حتى قدحوا فيمن جاء بالحق، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات ٣٦] فلم يكفهم أن تركوا الحق حتى هاجموا وقدحوا فيمن جاءوا به.
وهل وُرثت هذه الطريقة؛ أعني القدح فيمن جاء بالحق؟ نعم وُرثت، فأهل البدع يسمون أهل السنة بكل عيب ووصف قبيح، سموهم المشبِّهة والمجسِّمة والحَشوية والغُثاء والنوابت والعامة، وما أشبه ذلك من الكلمات التي تفيد القدح، ولكن جعل الله سبحانه وتعالى لكل نبي عدوًّا من المجرمين، ولكل متبع نبي عدوًّا من المجرمين، فورث هؤلاء الأصفياء ورثوا صفوة الخلق، وهم الرسل، وورث هؤلاء الأشقياء من؟ أشقى الخلق الذين يقدحون في الرسل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: شدة انتصار هؤلاء المشركين لآلهتهم، انظر كيف قالوا: ﴿أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا﴾ [الصافات ٣٦]، وهذا يدل على شدة انتصارهم لها وحميتهم الجاهلية. وقد سبق في سورة يس أن الله تعالى قد قال عن هذه الآلهة: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٧٥] فالأصنام والآلهة لا تنصرهم، وهؤلاء جند محضرون لنصر هذه الآلهة.
و قوله تعالى: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧].
* يستفاد منها فوائد أولًا: أن رسول الله ﷺ جاء بالحق، فكل دينه مشتمل على الحق فيما يتعلق بمعاملة الله، أو معاملة عباد الله، وقد قال الله تعالى في وصف القرآن الذي جاء به الرسول ﷺ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء ٩]، هذه الكلمة لو صُنفت عليها مجلدات ما استوعبت مدلولها ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ في كل شيء في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات، إيجادًا أو تركًا، ولو أنك تتبعت الشريعة بقدر ما تستطيع لوجدت أن هذا الوصف منطبق على جميع خصال الشريعة، كل خصال الشريعة أقوم من كل شيء هنا.
يقول: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ﴾ [الصافات ٣٧] ضد الحق هو الباطل، والباطل إما كذب في الأخبار، وإما جور في الأحكام، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥] وذكرنا لقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ معنى آخر غير كون ما جاء به حقًّا، وهو أنه ﷺ صادق فيما جاء به، فما جاء به حق وهو صادق في قوله: إنه من عند الله وليس بكاذب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لقوله: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ﴾ [الصافات ٣٧] بل والثناء على الرسول ﷺ حيث وصفه بأنه جاء بالحق، ولا شك أن من وصف من عند الله بأنه جاء بالحق لا شك أن هذا من أعظم المناقب والأوصاف الحميدة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن النبي ﷺ آخر الرسل؛ لقوله: ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧]؛ فإن (أل) للعموم، فتقتضي كل رسول، وهذا يشير وليس بصريح إلى أنه خاتم الرسل، بل خاتم النبيين، كما قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٤٠] الآية لها مدلول عظيم، قال: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ وكان مقتضى السياق أن يقول: ولكن رسول الله وخاتم الرسل، أو يقول: ولكن نبي الله وخاتم النبيين، لكن قال: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ لأن وصف الرسالة أعلى من وصف النبوة، وخاتم النبيين يعني لن يأتي من بعده لا رسول ولا نبي، وهو كذلك، فهو عليه الصلاة والسلام أفضل الرسل، ولن يأتي بعده لا نبي ولا رسول.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب علينا أن نصدق مَن سبق من الرسل؛ لأن نبينا ﷺ صدق المرسلين، فيجب علينا نحن أن نصدق؛ لأنه يجب على المأموم متابعة الإمام، فإمامنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، فيجب علينا أن نتبعه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الرسل السابقين أخبروا به؛ لقوله: ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ٣٧] ولا شك أن الرسل السابقين أعلموا به، وأن آخرهم عيسى بشر به؛ أما الأول فدليله قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران ٨١]، فإن المراد بذلك محمد ﷺ، فإنه جاء مصدقًا لما معهم، فكان عليهم أن يؤمنوا به بمقتضى هذا العهد، وانظر إلى ليلة المعراج حيث صلى الرسل، بل الأنبياء صلوا جماعة، فمن كان إمامهم؟ كان إمامهم محمدًا ﷺ، مما يدل على أنه أفضلهم؛ فإن الإمامة في الصلاة تقتضي الإمامة التي فوق الصلاة.
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ [الصافات ٣٨].
* طالب: فيه فائدة تناقض هؤلاء أنه شاعر..
* الشيخ: إي نعم.
* وفيه أيضًا: تناقض هؤلاء المكذبين للرسول ﷺ، حيث وصفوه بأنه شاعر مجنون؛ لأن المجنون لا يمكن أن يكون شاعرًا، فهم يتخبطون خبط عشواء، إلا أن يدعي مدع بأن الكلام مقسم، أي أن بعضهم يقول: شاعر، وبعضهم يقول: مجنون، ونسب القول للجميع، وإن كانوا لم يقولوا به؛ لأنهم راضون به، إن ادعى مدعٍ ذلك فله وجه، لكن إن كان القائل منهم يجمع بين الوصفين فقد تناقض.
وقال: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ [الصافات ٣٨] .
(...).
* طالب: .. المتكلمين يفسرون التوحيد بأن الله تعالى واحد، لا قسيم له في ذاته، ولا شبيه له، وذكرنا الآن أنهم يقولون: لا قادر على الاختراع إلا الله؟
* الشيخ: أي: يفسرون لا إله إلا الله ما بكل التوحيد.
* الطالب: (...) يفسرون لا إله إلا الله.
* الشيخ: لا.
* الطالب: لأنه لا قسيم له في ذاته.
* الشيخ: لا، إحنا قلنا: التوحيد عندهم أنه واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له، هذا التوحيد عندهم، لكن التفسير الخاص لـ (لا إله إلا الله) هو القادر على الاختراع
* الطالب: أليست كلمة لا إله إلا الله كلمة التوحيد.
* الشيخ: بلى لكن ما هو التوحيد عندهم؟ التوحيد عندهم هذه الأشياء الثلاثة، توحيد الله في هذه الأشياء الثلاثة، ثم فسروا لا إله إلا الله بهذا المعنى الخاص، بأنه قادر على الاختراع، ففسروه بما يقتضي أن معناها توحيد الربوبية.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، بالنسبة لقول هؤلاء: لا قادر على الاختراع إلا الله، هذه الكلمة في حد ذاتها أليست صحيحة؟ أن الذي يخلق ابتداء ليس هو إلا الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: إي.
* الطالب: بس إحنا قلنا: إنها كلمة باطلة (...)؟
* الشيخ: إي الباطل تفسيره لا إله إلا الله في هذا، وليس الباطل قولهم: لا قادر على الاختراع إلا الله، هذا صحيح، لكن تفسيره لا إله إلا الله بهذا هو الباطل. أفهمت الآن؟
* طالب: ﴿أَئِنَّا﴾ [الصافات ٣٦] أربع قراءات (...) التسهيل كيف التسهيل؟
* الشيخ: التسهيل ألا تنطق بالهمزة الثانية محققة، لا تنطقها صريحة، فتقول: ﴿أاِنا﴾.
* الطالب: يعني (...).
* الشيخ: لا، تسهيل يعني مشِّ بسرعة ﴿أاِنا﴾ اسمع كلامي ﴿أاِنا﴾ يعني كأنك مَشَيت بخفة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أي نصف.
* طالب: المشركين (...) قال الرسول ﷺ: لا إله إلا الله (...) ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص ٥] يعني كانوا خيرًا من هؤلاء (...)؟
* الشيخ: إي مافيش شك، لا شك أنهم خير من هؤلاء وأفهم منهم بالمعنى، ما فيها شك.
* الطالب: أفهم منهم بالمعنى؟
* الشيخ: إي نعم صحيح، وهذه يعني من جملة ما يرد عليهم، قالوا: إن المشركين الذين قاتلهم الرسول ﷺ كانوا أعلم منكم، بمعنى لا إله إلا الله.
* طالب: ما الفرق بين لا معبود بحق ولا معبود حق؟
* الشيخ: إي أيش الفرق؟ إذا قلنا: لا معبود بحق ما جاء الخبر، وصارت بحق متعلقة بمعبود، يعني: لا أحد يُعبد بحق إلا الله، يكون على هذا الخبر هو الله، وهذا مشكل على قواعد النحو؛ لأن (لا) النافية للجنس لا تعمل إلا في النكرات. وإذا قلنا: لا معبود حق صارت (حق) خبر لا، ما تكون متعلقة بـ(معبود)، ولهذا بعضهم قال في تقديره: لا معبود موجود إلا الله، وهذا ما هو بصحيح، لماذا؟ (...) موجود أن يعبد سوى الله، لكن الصحيح أن نقول: لا معبود حق كما لو قلت: لا أحد قائم إلا زيد، تكون (قائم) هي الخبر، لا معبود حق إلا الله عرفت.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات ٣٨، ٣٩].
قال الله تعالى ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ هذه الجملة كما لا يخفى مؤكَّدة بمؤكدين؛ أحدهما (إن)، والثاني اللام، وقوله: ﴿لَذَائِقُو﴾ هي الخبر، وحُذفت النون منها من أجل الإضافة؛ لأن المضاف تُحذَف منه النون إن كان مثنًّى أو جمعًا، ويُحذَف منه التنوين إن كان مفردًا، وقوله: ﴿الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ الأليم هنا بمعنى المؤلِم، وفعيل تأتي بمعنى مفعل، ومنه قول الشاعر:
؎أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ تُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
أمن ريحانة الداعي السميع بمعنى المُسْمِع.
وقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ هذا فيه حق اليقين؛ لأن هؤلاء تُوعدوا بهذا العذاب، وتوعدهم بالعذاب هو علم اليقين، ثم رأوا النار كما قال تعالى ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ [الكهف ٥٣]، وهذا عين اليقين، ثم قيل لهم: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ [الصافات ٣٨] وهذا حق اليقين، فاجتمع في وعيد هؤلاء المراتب الثلاث: العلم والعين والحق.
وقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ قال المؤلف: إن فيه التفاتًا، من أين إلى أين؟ من الغيبة إلى الخطاب؛ لأن الخطاب بمثل ذلك أبلغ وأوقع، فإنك إذا تحدثت عن الإنسان الغائب ليس كما إذا خاطبت الإنسان مباشرة بما توعدته به.
إذن ففائدة الالتفات هنا بالإضافة إلى التنبيه هو شدة وقع هذا الوعيد عليهم؛ لأنهم خوطبوا به مباشرة، ولم يتحدث عنه التحدث عن الغائب ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾. والمراد به عذاب جهنم والعياذ بالله؛ لأنه مؤلم، وقد أخبر الله عز وجل عن إيلام هذا العذاب بأنواع عظيمة ذكرها الله تعالى في كتابه، وذكر منها النبي ﷺ شيئًا كثيرًا في السنة.
قال: ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يعني ما تجزون من هذا العذاب إلا شيئًا قدمتموه أنتم لأنفسكم إلا ما كنتم تعملون.
وهنا قال المؤلف في تقدير الآية: (﴿إِلَّا﴾ جزاء ﴿مَا كُنْتُمْ﴾ )، وهذا أمر معلوم؛ لأن الذي عملوه كان وبان؛ إذ إن العمل كان في الدنيا ومضى والجزاء في الآخرة، فهم لم يجزوا العمل نفسه، وإنما جوزوا جزاء العمل، ومن ثم قدر المؤلف (﴿إِلَّا﴾ جزاء ﴿مَا كُنْتُمْ﴾ ).
ولكن إذا قال قائل: ما هي الفائدة من أن يعبر عن الجزاء بالعمل؟ قلنا: الفائدة في ذلك أمران:
الأمر الأول: أن يعلم بأن الجزاء من جنس العمل، فكما تدين تدان، فإذا عبر عن الجزاء بالعمل فإن هذا مقتضاه أن هذا الجزاء بقدر العمل.
الفائدة الثانية: قوة التوبيخ لهؤلاء؛ لأن الجزاء من فعل غيرهم، فإذا عبر عنه بالجزاء فإنه يكون أهون بعض الشيء، لكن إذا عبر بالعمل عن الجزاء صار أشد في التوبيخ، كأنه يقال لهم: هذا فعلكم أنتم بأنفسكم، فلهذا عبر عن الجزاء بالعمل.
وقوله: ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من حيث الإعراب نقول: إن الواو نائب فاعل في (تجزون)، و(ما) اسم موصول في محل نصب مفعول آخر؛ لأن (جزى) تنصب مفعولين، ولكن هل هي من باب (ظن) التي مفعولاها أصلهما المبتدأ والخبر، أو من باب (كسا) التي مفعولها ليس أصله المبتدأ والخبر؟ الثاني، كذا؟ لأنك لو قدرت أن الواو مبتدأ و(ما) خبر ما صح الكلام.
﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ٣٩، ٤٠] (أي المؤمنين، استثناء منقطع).
قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا كُنْتُمْ﴾ هذا استثناء منقطع، والاستثناء المنقطع هو الذي يحل محله (لكن)، فإن قيل: لماذا لم يعبر بـ(لكن) بدل (إلا) ما دام أن المعنى على الاستدراك لأنه استثناء منقطع، فلماذا لم يؤتَ بحرف الاستدراك الأصلي الذي هو (لكن)؟
قلنا في الجواب على ذلك: إنه أتى ليفيد قوة اتصال الثاني بما بعده؛ لأن الأصل في الاستثناء الأصل فيه الاتصال، والأصل في (لكن) عكسه الانقطاع، فإذا جاءت (لكن) فصلت بين ما بعدها وما قبلها، لكن إذا جاءت (إلا) صار كأن في ذلك إشارة إلى قوة اتصال ما بعدها بما قبلها، وهو كذلك، فإنه لما ذكر جزاء المجرمين ذكر جزاء المخلصين.
وهذا من كون القرآن العظيم مثاني تُثنى فيه المعاني المتقابلة؛ إذا ذكر الوعيد ذكر الوعد، وإذا ذكر المؤمن ذكر الكافر، وإذا ذُكرت الجنة ذكرت النار وهكذا؛ لأنه مثان، لأنه لو جاء الكلام على نسق واحد في ذكر الخوف والنار لغلب على القارئ جانب الخوف، وأدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله، ولو جاء الكلام على نسق واحد في الوعد والترغيب لأدى ذلك إلى الرجاء، فيقع الإنسان في الأمن من مكر الله عز وجل، فكان القرآن يأتي بهذا وبهذا جنبًا إلى جنب من أجل أن يكون الإنسان دائرًا بين الخوف والرجاء.
وقوله: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ﴾: ﴿عِبَادَ اللَّهِ﴾ المراد بالعبودية هنا عبودية الشرع؛ لأن العبودية نوعان: عبودية القدر وعبودية الشرع، عبودية القدر شاملة لكل أحد، أليس كذلك؟
عبودية القدر شاملة لكل أحد، يعني للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، كما قال الله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم ٩٣]، فالكل خاضعون لقدر الله عز وجل، لا يمكنهم الفرار منه ولا مصادمته ولا الاستكبار عنه، أما عبودية الشرع فهي خاصة بمن أطاع الله عز وجل، وتعبد لله بشرعه، فيخرج منها من؟ الكافرون؛ لأن الكافر ليس عبد لله تعالى بشرع، بل هو مستكبر عن شرعه.
هذه الآية ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ من أي النوعين؟ من عبودية الشرع، يعني إلا الذين تعبدوا الله بشرعه وأخلصهم الله تعالى لطاعته، فهؤلاء ليسوا كمن سبق.
قال: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ٤٠].
قال المؤلف: (أي: المؤمنين) ولكن المخلص فيه نوع اصطفاء، أخلصهم الله لنفسه فكانوا عبادًا لله، لا لغيره؛ لأن التزام طاعة الله هو تحقيق عبادة الله، والإنسان العاصي لله عنده من عبادة غير الله بقدر ما حصل منه من المعصية، صح؟ العاصي لله عز وجل عنده من الخروج عن عبادة الله بقدر ما حصل منه من المعصية؛ لأن الله قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ إلى آخر الآية [الجاثية: ٢٣]، فهذا يدل على أن كل إنسان عصى الله... وكل عاص لله فهو إنما يعصيه لهوى في نفسه فإنه قد نقص من عبودية الله بقدر ما فعل من المعصية.
إذن فالمخلص فيه نوع من الاصطفاء، أخلصهم الله لنفسه فكانوا عبادًا لله تعالى حقًّا، ولهذا قال: ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾، وعباد الله المخلصون هم الذين أخلصهم الله لنفسه فلم يجعل للشيطان عليهم سلطانًا، كما قال تعالى في حق الشيطان: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص ٨٢، ٨٣] فالمخلص محفوف برعاية الله سبحانه وتعالى، وحمايته عن الشيطان، المهم أن المخلص أشد وقعًا من المؤمن، ولهذا قال هنا: ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ الذين أخلصهم الله لنفسه فلم يكونوا عبادًا لغير الله.
﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ قال: (استثناء منقطع) هل هناك استثناء غير منقطع؟
نعم وهو المتصل، وضابطه: أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، هذا المتصل.
المنقطع: أن يكون المستثنى من غير جنسه، والنحويون يمثلون بمثال للمنقطع يقولون: قام القوم إلا حمارًا، يقول: لأن الحمار ليس من جنس القوم، فالاستثناء منقطع.
وذُكر جزاؤهم ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ ذكر جزاؤهم في قوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات ٤١].
(﴿أُولَئِكَ لَهُمْ﴾ في الجنة ﴿رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ بكرة وعشيًّا).
﴿أُولَئِكَ﴾ الضمير يعود على عباد الله المخلصين، وأتى بـ(أولئك) الدال على البعد مع قرب ذكرهم ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾، ذكر القريب ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾، ﴿أُولَئِكَ﴾ ولم يقل: هؤلاء، بل قال: ﴿أُولَئِكَ﴾ تعظيمًا لشأنهم وبيانًا لعلو مَرتبتهم، والإشارة للبعيد تأتي لتعلية الشأن وتعظيمه؛ كما قال الفرزدق يخاطب جريرًا:
؎أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ ∗∗∗ إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُالْمَجَامِعُ
قال: (أولئك آبائي) أشار إليهم بإشارة البعيد تعظيمًا لشأنهم وتعلية لهم.
﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات ٤١] أي عطاء، قال المؤلف (في الجنة) والأولى أن تطلق كما أطلق الله عز وجل؛ لهم رزق معلوم في الجنة، وقد يقال أيضًا: يجازون أيضًا في الدنيا، لكن ظاهر سياق الآية ﴿فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الصافات ٤٢، ٤٣] يدل على أن المراد الرزق الحاصل لهم في الجنة.
وقوله: ﴿رِزْقٌ﴾ بمعنى عطاء ﴿مَعْلُومٌ﴾ يقول المؤلف: (بكرة وعشيًّا)، فكأنه يشير إلى أن المراد بالمعلوم معلوم الوقت، ولو قيل: إنه أعم معلوم الوقت، ومعلوم النوع، ومعلوم في الدنيا ومعلوم عند ملاقاته، لكان أشمل، فإن هذا الرزق معلوم في الدنيا؛ لأن الله تعالى أعلمنا به، وهو أيضًا معلوم الوقت ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم ٦٢]، وهو معلوم العين والنوع إذا لاقوه، كما قال الله تعالى في سورة البقرة ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [البقرة ٢٥]، فهو معلوم لديهم في الدنيا، وكذلك في الآخرة.
(﴿فَوَاكِهُ﴾ [الصافات ٤٢] بدل أو بيان للرزق، وهو ما يُؤكَل تلذذًا، لا لحفظ صحة).
﴿فَوَاكِهُ﴾ بالرفع بدل أو بيان للرزق؛ لأن كلمة رزق أعم من الفواكه، فيكون ﴿فَوَاكِهُ﴾ بدل بعض من كل؛ لأن الرزق أعم، و﴿فَوَاكِهُ﴾ هنا لم تنون لأنها ممنوعة من الصرف، صيغة منتهى الجموع، فواكه على وزن فواعل.
وقال المؤلف في الفاكهة: هي (ما يؤكل تلذذًا، لا لحفظ صحة)، يعني أن الفاكهة ما يأكله الإنسان للتلذذ، لا للتقوت به، فهو عبارة عن أكل كمالي، وهكذا أهل الجنة يأكلون ما يأكلون فيها من باب التفكه، لا لحفظ الصحة؛ لأن صحتهم مضمونة «فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَصِحُّوا وَلَا يَسْقَمُوا أَبَدًا وَأَنْ يَعِيشُوا فَلَا يَمُوتُوا أَبَدًا»[[أخرجه مسلم (٢٨٣٧ / ٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.]] فيكون كل ما يأكلونه في الجنة من قسم الفاكهة؛ لأن أهل الجنة يقول المؤلف: مستغنون عن حفظ الصحة بخلق أجسامهم للأبد، ولهذا جاء في الحديث أنهم لا يبولون ولا يتغوَّطون، وإنما يخرج ما يأكلونه رَشْحًا، يعني عرقًا كرِيح المِسكِ[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٢٧)، ومسلم (٢٨٣٤ / ١٥) من حديث أبي هريرة.]] فيتنعَّمون بهذا الأكل عند أكله وعند خروجه؛ لأنه يخرج رشحا كرائحة المسك، كما لو اطلى الإنسان بالمسك فإنه يجد لذة ورائحة طيبة. أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
﴿فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ [الصافات ٤٢] (بثواب الله) ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الصافات ٤٣] هم مكرمون، جملة اسمية تفيد الثبوت والاستمرار، يعني هم مكرمون في هذه الجنة من كل وجه من قبل الله عز وجل، يكرمهم الله سبحانه وتعالى فينظرون إليه، ويعدهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدًا، مكرمون من قبل الملائكة ﴿الْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد ٢٣، ٢٤] مكرمون من جهة الخدم ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ [الواقعة ١٧، ١٨] مكرمون من كل وجه، لا يجدون يومًا من الأيام، لحظة من اللحظات شيئًا من الإهانة، بل هم في غاية الإكرام من كل وجه، لو لم يكن إلا أن الله عز وجل أكرمهم، وأباح لهم النظر إلى وجهه، ويتحدث إليهم عز وجل، وهذا غاية ما يكون من السرور، لا شيء أسر ولا أنعم ولا أفضل من مناجاة الله عز وجل وهم ينظرون إلى وجهه.
﴿فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ جنات جمع جنة، والجنة في اللغة العربية: البستان الكثير الأشجار، وسمي بذلك لأنه يجنُّ مَن فيه، يجنه يعني يستره ويغطيه، وأصل هذه المادة (الجيم والنون) أصلها من الستر، ولذلك تجد كل معانيها تعود إلى هذا، فالجَنان: القلب، وهو مستتر، والجُنَّة ما يجتن به المقاتل ويستتر به عن السهام، والجِن عالم غيبي مستتر، والجَنَّة بستان مستور بالأشجار، ولكن لا نفسر جنة النعيم بهذا، بل نقول: هي الدار التي أعدها الله لأوليائه، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ لأنك لو قلت: إنها البستان الكثير الأشجار؛ فإن الشوق إليها والنظر إليها يضعف؛ إذ إن المخاطب يتصور أن هذه الجنة كبساتين الدنيا، فيجول في بساتين الناس، أي بستان أعظم، بستان فلان بن فلان، فلا يتجاوز قلبه أو تصوره هذا البستان، مع أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ كما قال الله عز وجل: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، وقال الله تعالى في الحديث القدسي: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٤)، ومسلم (٢٨٢٤ / ٢) من حديث أبي هريرة.]]، فإذن الأحسن أن نفسر الجنة التي هي جنة الخلد بماذا؟ بأنها الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وقوله: ﴿النَّعِيمِ﴾، ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ هذا من باب إضافة الشيء إلى نوعه، يعني جنات نعيم ما فيها بؤس، ولا فيها شقاء، نعيم للقلب وهو السرور، نعيم للبدن؛ لأنهم ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج ٢٣] فهم منعمون في أبدانهم ومنعمون في قلوبهم وانظر إلى قوله تعالى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان ١٢]، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان ١١] فالنضرة في الوجه، وهو الحُسن، والسرور في القلب، فكان الحسن فيهم باطنًا وظاهرًا، ولهذا سُميت جنة النعيم؛ لتنعُّم الإنسان فيها ظاهرًا وباطنًا، فقلبه منعَّم بالسرور، وبدنه منعم بالنظرة ولباس الحرير.
(﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الصافات ٤٤] لا يرى بعضهم قفا بعض) على سرر جمع سرير، وهو الكراسي التي يجلس عليها، ولكن ليس كسرر الدنيا، بل ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾ [الواقعة ١٥] مخروزة من الذهب، ولا يمكن أن تتصور حسن هذه السرر؛ لأن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وما لم يخطر على قلب بشر لا يمكن أن يتصوره الإنسان؛ لأنه فوق ما يتصور، كل شيء تقدره من النعيم والحسن فالجنة أعلى وأعظم.
وقوله: ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ حال من الضمير المسند في قوله: ﴿عَلَى سُرُرٍ﴾، يعني حال كونهم متقابلين، وهذا يدل على كمال أدبهم وعلى سعة مجالسهم، على كمال الأدب وسعة المجالس، على كمال الأدب؛ لأنهم متقابلون ما يولي أحدهم قفاه للآخر، كذلك أيضًا يدل على سعة المجالس؛ لأنهم إذا كانوا كثيرين وصاروا متقابلين لا بد أن تكون الدائرة واسعة ولَّا لا؟ نعم لا بد أن تكون واسعة.
إذن فالمجالس واسعة مهما جاء من الناس فإنها تسعهم ويتقابلون فيها ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الصافات ٤٤] يقول: (لا يرى بعضهم قفا بعض) للتقابل.
(﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ على كل منهم ﴿بِكَأْسٍ﴾ هو الإناء بشرابه ﴿مِنْ مَعِينٍ﴾ [الصافات ٤٥] من خمر يجري على وجه الأرض كأنهار الماء).
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾: (يُطاف) فعل مضارع مبني للمجهول، ولم يذكر من يطوف عليهم، لكن ذكر في آية أخرى أنه ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان ١٩] ولدان يعني: غلمان صغار، ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ [الطور ٢٤]، ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان ١٩] من جمالهم (...) وحسنهم.
﴿مَنْثُورًا﴾ لتفرقهم في خدمة أسيادهم، واللؤلؤ إذا نُثر تبعثر في الأرض، فهم متبعثرون في خدمة أسيادهم، كل له عمل، وهذا يسر الإنسان أن يجد هؤلاء الغلمان كل في عمله، ليس فيهم متعطل وليس فيهم منتظر للآخر، ليسوا كغلمان الدنيا يتزاحمون، كل واحد يقول: خلص حتى يأتي دوري، لا، كل في خدمة معينة، وهذا ألذ ما يكون للسيد إذا رأى هؤلاء الغلمان قائمين بخدمته على هذا الوجه الذي (...) ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان ١٩].
وقوله: ﴿بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ قال المؤلف: (هو الإناء بشرابه) الكأس معروف، وهو الإناء بشرابه، وقد بيَّن الله تعالى أن هذا الكأس دِهاق، ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ [النبأ ٣٤] أي مملوءة، ومع ذلك مملوءة بقدر معلوم ليست كبيرة وتملأ فإذا شربها الإنسان تعب، وإن أبقى منها فضلة صار غير شهي، وليست صغيرة بحيث لا ترويهم وهم لا يعطشون، ولكن تلذذًا، بل قال الله تعالى: ﴿مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان ١٦] يعني جعلت بقدر ما يتلذذ به الشارب لا كبيرة ولا صغيرة.
وقوله: ﴿بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ قال (من خمر يجرى على الأرض) المعين في الأصل: هو الماء الجاري، والمراد هنا ﴿بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أي: من خمر ﴿مَعِينٍ﴾ كعين الماء، يجري..
﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ يقول: (لا يرى بعضُهم قَفَا بعضٍ) للتقابل.
(﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ على كلٍّ منهم ﴿بِكَأْسٍ﴾ هو الإناء بشرابه ﴿مِنْ مَعِينٍ﴾ [الصافات ٤٥] من خمرٍ يجري على وجْه الأرض كأنهار الماء).
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾، ﴿يُطَافُ﴾ فعل مضارع للمجهول، ولم يذكر مَن يطوف عليهم، لكن ذكر في آيةٍ أُخرى أنَّه ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ [الإنسان ١٩] ﴿وِلْدَانٌ﴾ يعني غِلْمان صِغار، كأنَّهم لؤلؤٌ مكنونٌ، ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ من جمالهم وصفائهم وحُسْنهم، ﴿مَنْثُورًا﴾ لتفرُّقهم في خدمة أسيادهم، واللؤلؤ إذا نُثِر تَبعثر في الأرض، فهُم متبعثرون في خدمة أسيادهم، كلٌّ له عملٌ، وهذا يَسُرُّ الإنسانَ أن يجد هؤلاء الغلمان كلٌّ في عمله، ليس فيهم متعطِّل، وليس فيهم منتظِرٌ للآخَر، ليسوا كغلمان الدنيا يتزاحمون كل واحد يقول: يلَّا خلِّص حتى يأتي دوري، لا، كلٌّ في خدمةٍ معيَّنة، وهذا ألذُّ ما يكون للسيد إذا رأى هؤلاء الغلمان قائمين بخدمته على هذا الوجه الذي (...)؛ ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾.
وقوله: ﴿بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ قال المؤلف: (هو الإناء بشرابه). الكأس معروفٌ، وهو الإناء بشرابه، وقد بيَّن الله تعالى أن هذا الكأس دِهاقٌ؛ ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ [النبأ ٣٤] أي: مملوءة، ومع ذلك مملوءة بقَدْر معلوم، ليست كبيرةً وتُملأ فإذا شربها الإنسانُ تَعِب، وإذا أَبْقَى منها فضلةً صار غير شهيٍّ، وليست صغيرةً بحيث لا ترويهم، وهم لا يعطشون لكنْ تلذُّذًا، بل قال الله تعالى: ﴿مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان ١٦]؛ يعني جُعِلتْ بقدْر ما يتلذَّذ به الشاربُ لا كبيرةً ولا صغيرةً.
وقوله: ﴿بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ قال: (من خمرٍ يجرى على الأرض). الْمَعين في الأصل هو الماء الجاري، والمراد هنا ﴿بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أي: من خمرٍ، ﴿مَعِينٍ﴾ كعين الماء يجري، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى في سورة القتال أنَّ مَثَل الجنَّة التي وُعِدَ المتَّقون ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد ١٥] أنهارٌ تجري، والذي خَلَق عز وجل مِن هذا الطائر الذي يُشبه الذباب خَلَقَ منه هذه الكميات الكثيرة من العسل قادرٌ على أن يخلق أنهارًا من العسل في الجنة، وليس هذا بغريب، وليست هذه الأنهار تأتي من نحلٍ، لكن تأتي بقول الله (كُنْ) فيكون، عسل مصفَّى ما فيه شمع ولا شوائب، من أحسن ما يكون (...) وطعمًا ورائحةً، وقد قال ابن القيم في النونية بناءً على حديث[[أخرج أبو نعيم في الحلية (٦ / ٢٠٥) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «لعلَّكم تظنُّون أنَّ أنهار الجنة أخدودٌ في الأرض، لا واللهِ، إنها لسائحةٌ على وجه الأرض، حافَتاها خيام اللؤلؤ، وطينُها المسك الأذْفر». قلت: يا رسول الله، وما الأذفر؟ قال: «الذي لا خِلْط معه». وأخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (٦٩) عن أنس موقوفًا.]] وَرَدَ في ذلك:
؎أَنْهَارُهَا فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ جَرَتْ ∗∗∗ سُبْحَانَ مُمْسِكِهَا عَنِ الْفَيَضَانِ
يعني ليست كأنهار الدنيا تحتاج إلى أُخدود؛ حدود تمنعها من الذهاب يمين وشمال أو حُفرة تُحفَر للنهر، لا، تجري على سطح الأرض على حسب ما يريده أهلُها من غير عُمَّال يوجِّهونها حَفْرًا أو إقامة أُخدود، بل تجري على ما تريد من غير تعب، قال:
؎....................... ∗∗∗ سُبْحَانَ مُمْسِكِهَا عَنِ الْفَيَضَانِ
والذي أَمْسك البحرَ أنْ يُغرق أهلَ الأرض -وهو ليس بشيء بالنسبة للجَنَّة- قادرٌ على أن يُمسِك هذه الأنهار لا تزيغ يمينا ولا شِمالًا.
* طالب: شيخ، هل الأفضل (...) المكية؟ (...) لا يستطيعون في نظري في الوقت الحاضر (...) حفظ كتاب الله (...)، يعني بنأخذ من آخِر القرآن (...)؟
* الشيخ: واللهِ اللي أرى أنَّه يبدأ من أول القرآن أحسن؛ لأنه أنشط له، يؤمِّل أنه سيلحق آخر القرآن، أمَّا إذا حفظ (...) من القرآن ما هو على كل حال ينشط.
* طالب: (...) عن التقابل هذا (...)؟
* الشيخ: لا، الظاهر وقْت زيارات بعضهم لبعض.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: (...) ذكر ابن القيم في حادي الأرواح، ولكن سواء الزيارة عند الله يوم الجمعة أو زيارات بعضهم لبعض، هم يتزاورون بلا شك، والظاهر أن حتى جلوس الإنسان مع خاصَّته وأهله أنه لكمال أدبهم يكونون متقابلين.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، في (...) قول النبي ﷺ: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[أخرجه مسلم (٢٨٢٥ / ٥) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.]]، يعني ظاهر الحديث أنها لم تُرَ، فإذا قلنا بأن آدم أُخرج من جنة الخلد (...)، أقول: كيف يُخرَّج الحديث، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج؟
* الشيخ: المراد أهل الدنيا الآن، أمَّا النادر -مَثَلًا- أن الرسول رأى الجنة دخلها ورأى ما فيها فهذه حالةٌ نادرة من آيات الله، وكذلك آدم عليه الصلاة والسلام.
* الطالب: يعني المراد أهل الدنيا الآن.
* الشيخ: المراد أهل الدنيا، وأنْ تعرف أنَّ كلَّ عامٍّ يمكن أن يُخصَّص.
* * *
* طالب: (...) ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات ٤٦ - ٥٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ٤٠] هذا مبتدأ النقاش؟
* طالب: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ [الصافات ٣٨].
* الشيخ: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات ٣٨، ٣٩] هذه الجملة ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ فيها التفاتٌ من أين إلى أين؟
* الطالب: (...) انتقل السياق من الغائب إلى المخاطَب.
* الشيخ: الغائب إلى المخاطب، مافائدته؟
* الطالب: التنبيه (...) الأول يفيد التنبيه، وذلك يفيد شدة وقْع العذاب.
* الشيخ: التنبيه، طيب هذا واحد، وأصل التنبيه لكل التفات. الثاني: التفتَ من الغيبة إلى الخطاب؟
* الطالب: لشدة وقْع العذاب.
* الشيخ: لأنَّه أَبْلغ في التوبيخ؛ حيث يواجه به الموبَّخ.
طيب (...) طيب، كراسي، لكنها ليست كراسي الدنيا، موضونةٌ من الذهب؛ يعني: مخيطة ومنسوجة من الذهب.
طيب، ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ [الصافات ٤٤]؟
* الطالب: يقابل بعضهم بعضًا (...).
* الشيخ: ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ أي: يُقابل بعضهم بعضًا فلا أحد يكون قَفَا أحد.
طيب، نأخذ الآن الدرس، الفوائد:
قال الله عز وجل: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ [الصافات ٣٨].
* في هذه الآية وما بعدها فوائد كثيرة:
* منها: أن هؤلاء المكذِّبين أو المستكبرين عن قول (لا إله إلا الله) سيذوقون العذاب؛ لقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو﴾ وهذه الجملة مؤكَّدة باثنين وهما: (إنَّ)، واللام.
* ومن فوائدها: أن عذابَ هؤلاء عذابٌ مباشرٌ كما يباشر الإنسانُ أكْلَه؛ لقوله: ﴿لَذَائِقُو الْعَذَابِ﴾، والأصل في الذَّوق أن يكون للطعام الذي يؤكل، ثم أُطلق على كل شيءٍ محقَّقٍ وقوعه.
* ومن فوائدها: أن عذابَ هؤلاء -والعياذ بالله- مؤلِمٌ، (أليمٌ) أي: مؤلِمٌ، وهو ألَمٌ لا يمكن للأبدان في الدنيا أن تتحمَّل جُزءًا منه؛ لأنهم -والعياذ بالله- يُعذَّبون بنارٍ أشد من نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا، وكلَّما نضجت جلودُهم بُدِّلوا جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب. المهم أنَّه عذابٌ أليمٌ ألَمًا لا نظير له في الدنيا، ولا يمكن أن يتخيَّله الإنسان لشدَّته، نسأل الله أن يُجيرنا وإياكم منه.
* ومن فوائد هذه الآيات: كمالُ عدْلِ الله عز وجل حيثُ جَعَل الجزاءَ من جنس العمل؛ لقوله: ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات ٣٩]، بخلاف الملوك من الدنيا أو أولياء الأمور من الدنيا فإنَّ جزاءهم على العمل قد يكون أكثر مما يستحق؛ قد يغضب الإنسانُ فيجازي مَن له سُلْطةٌ عليه بأكثر مما يستحق، أمَّا الله عز وجل فإنه لا يجازي الإنسانَ إلا بعمله.
* ومن فوائدها: إثبات الجزاء، ولازمُه إثباتُ البعث؛ لأن الجزاء الكامل على العمل إنما يكون يوم القيامة، فيكون في الآية دليلٌ على إثبات البعث وإثبات الجزاء.
* ومن فوائدها: الردُّ على الجبريَّة الذين يقولون: إنَّ الإنسان لا يعمل، وإنَّ عمل الإنسان لا يُنسب إليه لأنه مُجبَرٌ عليه، فتحرُّك الإنسانِ بالقول أو بالفعل كتحرُّكه الاضطراري، بل كتحرُّك الريشة بالهواء، ولكن هذا القول قولٌ تردُّه النصوصُ والعقولُ.
* ومن فوائد الآيات: أنَّ القرآن مثانٍ تُثَنَّى فيه المعاني حتى يكون الإنسانُ بين الخوف والرجاء فيما إذا ثُنِّي الترغيب والترهيب؛ كما في هذه الآيات ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ٤٠].
* ومن فوائد الآيات الكريمة: شرفُ القائمين بأمر الله؛ حيث أضافهم الله إلى عبوديَّته في قوله: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾، ولا شكَّ أن فخرًا للإنسان أن يُنسب إلى عبادة الله، ولهذا يذكر الله سبحانه وتعالى وَصْف نبيِّه محمد صلوات الله وسلامه عليه في أشرف مقاماته؛ وَصَفَه بالعبودية عند ذِكْر إنزال القرآن عليه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان ١]، ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة ٢٣]، ووَصَفَه بالعبودية في مقام الإسراء والمعراج: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الإسراء ١]، وقال في المعراج: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم ١٠]، ووَصَفَه بالعبودية في مقام الدفاع عنه: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة ٢٣]، فإنَّ هذا تحدٍّ لهؤلاء المكذِّبين للرسول عليه الصلاة والسلام أنْ يأتوا بمثل ما جاء به، إذَنْ فالعبودية لله عز وجل لا شكَّ أنها فخرٌ للعابد، والشاعر يقول:
؎لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا ∗∗∗ فَإِنَّــــــــهُ أَشْــــــــرَفُأَسْمَـــــــائِي
أعوذ بالله، فهذا يدلُّ على أنَّ العبودية للمحبوب من أشرف وألذِّ ما يكون للعابد.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أنَّ الله سبحانه وتعالى يَمُنُّ على مَن يشاء فيُخلصهم لنفسه حتى لا يكونوا عَبِيدًا لغيره؛ في قوله تعالى: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾، وهذا أَبْلغ من ﴿﴿الْمُخْلِصِينَ﴾ ﴾، وإنْ كان لكلٍّ منهما مَزِيَّةٌ، ولكن المخلَص الذي أَخْلصه الله عز وجل لنفسه فلم يكن له إرادةٌ سوى ربِّه، هذا أَبْلغ؛ قال: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أنَّ عباد الله عز وجل ينقسمون إلى قسمين: عبادٌ مخلَصون، وعبادٌ غير مخلَصين؛ فالعباد بمعنى عبوديَّة القَدَر هؤلاء غير مخلَصين، بل هم كالأنعام، بل هم أَضَلُّ، وأمَّا العباد لله تَعَبُّد شرعٍ فإنَّ هؤلاء هم المخلَصون.
* ومن فوائد الآيات: أن هؤلاء المخلَصين لهم عطاءٌ عند الله عز وجل معلومٌ عنده وعندهم؛ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات ٤١] معلومٌ عند الله، ومعلومٌ عندهم؛ فإن الله تعالى أخبر عباده بما ينالونه يوم القيامة من أنواع الثواب.
طيب، فإنْ قال قائل: هل هو معلومٌ بالحقيقة أو بالمعنى؟
فالجواب أنَّه معلومٌ بالمعنى، أمَّا الحقيقة فليس بمعلوم؛ يعني أنَّنا لا نعلم كُنْه هذا النعيم أو هذا الرزق؛ لقول الله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، ولقوله تعالى في الحديث القدسي: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه، البخاري (٣٢٤٤)، ومسلم (٢٨٢٤ / ٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. إذَنْ لا نعلم من نعيم الآخرة إلا الأسماء فقط، أمَّا الحقائق فإنها ليست معلومةً كما قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: «ليس في الجنَّة شيءٌ مِمَّا في الدنيا إلا الأسماء»[[أخرجه الطبري في تفسيره (١ / ٣٩٢).]]. فاكهةٌ، نخلٌ، رمَّانٌ، لكن الحقائق تختلف اختلافًا عظيمًا، إذَنْ هو معلومٌ بالمعنى لا معلومُ الحقيقةِ والكُنْهِ؛ لأن ذلك لا يُدرَك إلا بحقِّ اليقين.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أنَّ أهل الجنة يأكلون هذا الرزق تَفَكُّهًا وتَنَعُّمًا، لا اقْتِياتًا يحتاجون إليه؛ لقوله: ﴿فَوَاكِهُ﴾ [الصافات ٤٢]. في الدنيا يأكل الإنسانُ الطعامَ أحيانًا اقْتِياتًا للحاجة إليه، وأحيانًا تَفَكُّهًا وتلَذُّذًا، أمَّا في الآخرة فكلُّ طعامها تلذُّذ.
* ومن فوائد الآيات: أن أهل الجنة مُكْرَمون، مُكْرَمون بِمَن؟ من وجوهٍ ثلاثةٍ ذكرناها أمس: مِن قِبَل الله، مِن قِبَل الملائكة، مِن قِبَل الخدَم؛ الغلمان، فهُم مُكْرَمون من كلِّ وجه.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أنَّ جزاءَ الله للمحسن أكثرُ من عمله بكثير. أليس كذلك؟ لأنَّ إحساننا نحن للعمل لو نُسِب إلى ثواب الله لم يكُنْ شيئًا؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري (٢٨٩٢) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.]]. ثم إحساننا مَهْما بَلَغ له مُنتهًى، مُنتهاه الموتُ، لكن ثواب الآخرة لا مُنتهى له، إذَنْ يتبيَّن بذلك أنَّ فضْلَ الله عز وجل وجزاءَه أكثرُ بكثيرٍ من عملِ العامل، فيكون هذا مصداقًا لقوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ٢٦١].
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أنَّ الجنة أصنافٌ وأنواعٌ، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿فِي جَنَّاتِ﴾ [الصافات ٤٣]، ولكنَّها تشترك كلُّها في أنها جنَّاتُ نعيمٍ.
* ومن فوائدها أيضًا: أنَّ الجنَّة كلَّها نعيمٌ؛ نعيمٌ للبَدَن ونعيمٌ للقلب؛ فنعيمُ القلبِ بالسرور والانبساط والفرح الدائم الذي لا يعتريه هَمٌّ ولا غَمٌّ ولا حزنٌ، والبَدَن ﴿وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان ١١]، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية ٨، ٩]، إلى غير ذلك من الآيات الدالَّة على تنعيم هذا البَدَن، نفْسُ البَدَن منعَّم، وما يلبسه أيضًا من الزينة والحلي كذلك منعَّمٌ فيه.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: سعةُ محلَّاتِ أهل الجنة لكونهم متقابلين على السُّرُر؛ لأنَّ التقابل يؤدِّي إلى سعة المكان، لا سِيَّما مع كثرتهم.
* ومن فوائد الآيات الكريمة أيضًا: كمالُ أدبِ أهل الجنة؛ حيث كانوا يتقابلون بحيث لا يقفو أحدُهم الآخَر، بل كلُّهم يكونون مستقبلي بعضِهم بعضًا، وهذا لا شكَّ أنَّه من كمال الأدب، والأدبُ في الحقيقة كما أنَّه حَسَنٌ في أهل الجنة فهو حَسَنٌ في أهل الدنيا أيضًا؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم ٤]، ولا شكَّ أنَّ الإنسان إذا كان مؤدَّبًا كان محبوبًا عند الناس، فالجفاءُ وعدمُ المبالاة بالناسِ خُلُقٌ ذَمِيمٌ.
ومِن ثَمَّ ننظر في مسائل نعملها: أولًا وقَبْل كلِّ شيءٍ مسألة السلام؛ نجدُ كثيرًا من الناس مع أنهم حريصون على العبادة لكنَّهم لا يُبالون بالسلام لا ابتداءً ولا ردًّا، وهذا خلافُ حالِ المؤمن مع أخيه، مِن حقِّ المسْلم على أخيه إذا لَقِيه أن يسلِّم عليه، ويسلِّم عليه سلامًا حقيقيًّا مقرونًا بالبشاشة، أمَّا أن يسلِّم عليه برأس أنْفه لولا حرفُ الصفير ما علمتَ أنَّه يسلِّم فهذا ليس بسلام.
وأقبحُ من ذلك أنْ يسلِّم الإنسانُ على أخيه بصوتٍ بيِّنٍ واضحِ المخارجِ مسموعٍ ثم يردُّ ذلك عليه بصوتٍ لا يُسمَع، بل يردُّ عليه بأنْفه أو يردُّ عليه بيده هكذا، فإنَّ هذا لا شك أنَّه حرامٌ عليه؛ لأن الله يقول: ﴿إِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء ٨٦]، فمعلومٌ أنه إذا.. (السلامُ عليكم)، (..كمُ السلام)، هذا أحسن ولَّا لا؟ أبدًا، ما هو أحسن، ولا مِثْل أيضًا، فلا بدَّ أن يكون إمَّا مِثْل، وهو أدنَى الواجبِ، أو أَحْسَنَ، وهو الأكْمَل.
كذلك أيضًا نجد بعض الناس يستدبر إخوانَه ولا يهتمُّ بهم، وهذا خطأ، هذا لا ينبغي، وأنا أراه بعضَ الأحيانِ إذا سلَّمتُ من الصلاة يجيء واحد من الناس يتقدَّم ما يَشْعر أن وراءه بَشَرًا مِثْله، لماذا تتقدَّم عليهم؟ هذا مِمَّا يُوجِب اختلافَ القلوب، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام في القوم عند صَفِّ الصلاة، قال: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ»[[أخرجه مسلم (٤٣٢ / ١٢٢) من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه.]]، فجعَل الاختلافَ في التقدُّم والتأخُّر سببًا لاختلاف القلوب، أنا لو كنت جنب هذا الرجُل شعرت بأن هذا الرجُل أهانني حيث تقدَّم عليَّ ولقَّاني ظهرَه.
يتعلَّل بعضُ الناسِ بأنَّه فيه ضيق مثلًا، وأنَّه يحبُّ أن يُريح رجليه فيتقدَّم ليتربَّع.
نقول: إذا كنتَ هكذا فإمَّا أنْ تتقدَّم كثيرًا تقوم وتكون بعيدًا، وإمَّا أن تتأخَّر.
يقول: ما أقْدر أتأخَّر؛ لأنَّ ورائي صفًّا يقضون الصلاة.
نقول: إذَنْ قُمْ وتقدَّم بعيدًا حتى لا تستدبر الناسَ، أمَّا أنْ تستدبر عبادَ الله بعد أن فرغوا من الصلاة وتُخَلِّيهم وراء ظهرك فهذا لا شكَّ أنَّه سوءُ أدب، وأنَّ الذي إلى جانبك سوف يشعر بأنَّك أهنْتَه.
كذلك أيضًا يوجد بعضٌ عندنا لا يُقَدِّر الصغيرُ مِنَّا الكبيرَ، يتقابل اثنانِ عند باب المسجد أو عند باب الدار ثم يتقدَّم الصغير يمكن بعجلة علشان يدخل قبل الكبير، هذا ما هو طيب، توقيرُ الكبيرِ مِن الخصال الطيِّبة ومِن صفات المؤمن، فكَوْن الإنسان لا يُبالي ولا يهتمُّ بغيره لا شكَّ أنَّه خلافُ الأدب، أهلُ الجنَّة -اللهم اجعلنا منهم- يكونون على السُّرُر متقابلين يجعلونها دائرةً حتى يُقابل بعضُهم بعضًا.
* من فوائد الآيات أيضًا: راحةُ أهل الجنَّة حيث كانوا متفرِّغين على السُّرُر يتحدَّث بعضهم إلى بعضٍ ويأنسُ بعضُهم ببعضٍ على وجْه التقابل.
* ومن فوائد الآيات الكريمة أيضًا: أنَّه في حال جلوسهم على السُّرُر فالخدَم تطوفُ عليهم بأنواع الملذَّات والمشروبات، ومنها أنها تطوفُ عليهم بكأسٍ من مَعِينٍ؛ كأسِ الخمر الصافي الخالي من الشوائب، لكنَّ هذا الكأس يكون مقدَّرًا على حسب ما يحتاجه الشاربُ؛ ليس كبيرًا فيُتعبه، ولا صغيرًا فينقص من لذَّته؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾ [الإنسان ١٥، ١٦].
* ومن فوائد الآيات الكريمة: صفاءُ هذا الشراب الذي يُطاف عليهم به؛ لقوله: ﴿بَيْضَاءَ﴾ [الصافات ٤٦].
إلى هنا انتهى ما سبق.
* * *
يقول الله عز وجل: ﴿بَيْضَاءَ﴾ [الصافات ٤٦] (أشدَّ بياضًا من اللبن)، هكذا قال المؤلف: إنها (أشد بياضًا من اللبن)، والواقع أنَّ الآية لا تدلُّ على أنها أشدُّ بياضًا، وإنما جاء «أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ» في وصْف حوضِ النبي ﷺ الذي يكون في عَرَصات القيامة، فقد جاء في وصْفه أنَّه «أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ»[[أخرج أحمد (٥٩١٣) بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لَمَّا أُنزلت (إنَّا أعطيناك الكوثر) قال رسول الله ﷺ: «هو نهرٌ في الجنَّة، حافَتاه من ذهبٍ، يجري على جنادل الدُّرِّ والياقوت، شرابُه أحلى من العسل، وأشدُّ بياضًا من اللبن، وأبردُ من الثلج، وأطيبُ من ريح المسك». وأخرجه مسلم بنحوه (٢٣٠٠ / ٣٦) عن أبي ذر رضي الله عنه.]]، أمَّا الخمر في الجنة فوَصَفه الله بالبياض فقط.
قال: ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ﴾ [الصافات ٤٦] (لذيذة)، وهنا عبَّر بـ﴿لَذَّةٍ﴾ المصدر عن اسم الفاعل أو اسم المفعول؛ لأن (لذيذ) يصلح لاسم الفاعل واسم المفعول؛ لأنَّ الوصف بالمصدر أَبْلغ من الوصف بالمشتقِّ من المصدر؛ فأنت إذا قلتَ: فلانٌ عدْلٌ، أَبْلغ مما إذا قلت: فلانٌ عادلٌ؛ كأنَّك جعلتَه هو العدل بنفسه، فهُنا وَصَفَ هذا الخمرَ أو هذه الكأسَ بأنها ﴿لَذَّةٍ﴾؛ يعني كأنها هي اللَّذَّةُ لا الشيء المتَّصف باللَّذَّة، فالتعبير بالوصف عن الموصوف أَبْلغ من التعبير بالموصوف؛ لأنَّه تعبيرٌ بالأصل عمَّا تفرَّع منه، فالمشتقُّ متفرِّعٌ من المشتقِّ منه؛ من المصدر.
﴿لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ [الصافات ٤٦]، ﴿لِلشَّارِبِينَ﴾ هذه من باب التوكيد؛ يعني أنهم في حال شُربهم إيَّاها يتلذَّذون بها، بخِلاف خمر الدنيا فإنَّه يقول: (إنها كريهةٌ عند الشُّرب)، أمَّا خمر الآخرة فهي لذَّةٌ للشاربين. هي أيضًا سالمةٌ من الآثار السيئة؛ كما قال: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات ٤٧].
* * *
* طالب: (...) بعض الناس يوم الجمعة يكون في طرف الصف ما يرى الخطيب (...)؟
* الشيخ: (...) بوجهه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ثم إنَّ استدباره ما هو باستدبار كامل في الواقع؛ أولا: هو في الصف جانبه، والشيء الثاني: ما هو باستدبار كامل؛ يعني ما هو بيخليه مثلًا يسار صاحبه عند ظهره، لا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني ما هو بكامل، ثم هذا لعذرٍ وحاجةٍ، وصاحبك يعذرك في مثل هذه الحال.
* الطالب: في قوله تعالى: ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ ذكرنا أن المخلَصين من الشيطان، جاء في صحيح مسلم أنه «ما من مولودٍ يولدُ لابن آدم إلا وُلِد للشيطان قرينٌ له، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ» أو «فَأَسْلَمُ»[[أخرج مسلم (٢٨١٤ / ٦٩) بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّل به قرينُه من الجن». قالوا: وإيَّاك يا رسول الله؟ قال: «وإيَّاي، إلا أنَّ الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».]]، كيف الجمع؟
* الشيخ: ما فيه إشكال هذا؛ لأنه مَن لو وُلد قرينه نَجَّاه الله منه، فالرسول عليه الصلاة والسلام مؤكد أن الله نَجَّاه منه، وأمَّا غيره فهو تحت الخطر، قد ينجو وقد لا ينجو.
[[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
{"ayahs_start":30,"ayahs":["وَمَا كَانَ لَنَا عَلَیۡكُم مِّن سُلۡطَـٰنِۭۖ بَلۡ كُنتُمۡ قَوۡمࣰا طَـٰغِینَ","فَحَقَّ عَلَیۡنَا قَوۡلُ رَبِّنَاۤۖ إِنَّا لَذَاۤىِٕقُونَ","فَأَغۡوَیۡنَـٰكُمۡ إِنَّا كُنَّا غَـٰوِینَ","فَإِنَّهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ فِی ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَفۡعَلُ بِٱلۡمُجۡرِمِینَ","إِنَّهُمۡ كَانُوۤا۟ إِذَا قِیلَ لَهُمۡ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ یَسۡتَكۡبِرُونَ","وَیَقُولُونَ أَىِٕنَّا لَتَارِكُوۤا۟ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرࣲ مَّجۡنُونِۭ","بَلۡ جَاۤءَ بِٱلۡحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِنَّكُمۡ لَذَاۤىِٕقُوا۟ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَلِیمِ","وَمَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِینَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ رِزۡقࣱ مَّعۡلُومࣱ","فَوَ ٰكِهُ وَهُم مُّكۡرَمُونَ","فِی جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ","عَلَىٰ سُرُرࣲ مُّتَقَـٰبِلِینَ","یُطَافُ عَلَیۡهِم بِكَأۡسࣲ مِّن مَّعِینِۭ","بَیۡضَاۤءَ لَذَّةࣲ لِّلشَّـٰرِبِینَ","لَا فِیهَا غَوۡلࣱ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا یُنزَفُونَ","وَعِندَهُمۡ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ عِینࣱ","كَأَنَّهُنَّ بَیۡضࣱ مَّكۡنُونࣱ","فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَسَاۤءَلُونَ","قَالَ قَاۤىِٕلࣱ مِّنۡهُمۡ إِنِّی كَانَ لِی قَرِینࣱ","یَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُصَدِّقِینَ","أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَدِینُونَ","قَالَ هَلۡ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ","فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِی سَوَاۤءِ ٱلۡجَحِیمِ","قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِینِ","وَلَوۡلَا نِعۡمَةُ رَبِّی لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِینَ","أَفَمَا نَحۡنُ بِمَیِّتِینَ","إِلَّا مَوۡتَتَنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِینَ","إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","لِمِثۡلِ هَـٰذَا فَلۡیَعۡمَلِ ٱلۡعَـٰمِلُونَ","أَذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱ نُّزُلًا أَمۡ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ","إِنَّا جَعَلۡنَـٰهَا فِتۡنَةࣰ لِّلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"فَأَغۡوَیۡنَـٰكُمۡ إِنَّا كُنَّا غَـٰوِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق