الباحث القرآني
والفاءُ في قَوْلِهِمْ: ﴿فَأغْوَيْناكُمْ﴾ أيْ فَدَعَوْناكَمْ إلى الغَيِّ لِتَفْرِيعِ الدُّعاءِ المَذْكُورِ عَلى حَقِّيَةِ الوَعِيدِ عَلَيْهِمْ لا لِمُجَرَّدِ التَّعْقِيبِ كَما قِيلَ، وعِلِيَّةُ ذَلِكَ لِلدُّعاءِ بِاعْتِبارِ أنَّ وُجُودَهُ الخارِجِيَّ مُتَعَلِّقٌ بِهِمْ كانَ مُتَفَرِّعًا عَنْ ذَلِكَ في نَفْسِ الأمْرِ لا بِاعْتِبارِ أنَّ إصْدارَهُ وإيقاعَهُ مِنهم عَلى المُخاطَبِينَ كانَ بِمُلاحَظَةِ ذَلِكَ كَما تُلاحَظُ العِلَلُ الغائِيَّةُ في الأفْعالِ الِاخْتِيارِيَّةِ؛ لِأنَّ الظّاهِرَ أنَّ رُؤَساءَ الكَفْرِ لَمْ يَكُونُوا عالِمِينَ في الدُّنْيا حَقِّيَةَ الوَعِيدِ عَلَيْهِمْ، نَعَمْ لا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ القُرَناءُ مِنَ الشَّياطِينِ عالِمِينَ بِذَلِكَ مِن أبِيهِمْ، وكَذا تَسْمِيَةُ دُعائِهِمْ إيّاهم إلى ما دَعَوْهم إلَيْهِ إغْواءً أيْ دُعاءً إلى الغَيِّ بِناءً عَلى أنَّ الكَلامَ المَذْكُورَ مِنَ الرُّؤَساءِ بِاعْتِبارِ نَفْسِ الأمْرِ الَّتِي ظَهَرَتْ لَهم في يَوْمِ القِيامَةِ، ومِثْلُ هَذا يُقالُ في قَوْلِهِمْ: ﴿إنّا كُنّا غاوِينَ﴾ بِناءً عَلى أنَّهم إنَّما عَلِمُوا ذَلِكَ يَوْمَ التَّساؤُلِ والخِصامِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَعْلِيلِ ما قَبْلَها، وكَأنَّ ما أشْعَرَ بِهِ التَّفْرِيعُ بِاعْتِبارِ تَعَلُّقِ الإغْواءِ بِالمُخاطَبِينَ وهَذا بِاعْتِبارِ صُدُورِ الإغْواءِ نَفْسِهِ مِنهُمْ، وهو تَصْرِيحٌ بِما يُسْتَفادُ مِنَ التَّفْرِيعِ السّابِقِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى وجْهِ تَرَتُّبِ إغْوائِهِمْ إيّاهم عَلى حَقِّيَةِ الوَعِيدِ عَلَيْهِمْ وهو حُبُّ أنْ يَتَّصِفَ أُولَئِكَ المُخاطَبُونَ بِنَحْوِ ما اتَّصَفُوا بِهِ مِنَ الغَيِّ ويَكُونُوا مِثْلَهم فِيهِ. ومُلَخَّصُ كَلامِهِمْ أنَّهُ لَيْسَ مِنّا في حَقِّكم - عَلى الحَقِيقَةِ - سِوى حُبِّ أنْ تَكُونُوا مِثْلَنا وهو غَيْرُ ضارٍّ لَكم وإنَّما الضّارُّ سُوءُ اخْتِيارِكم وقُبْحُ اسْتِعْدادِكم فَذَلِكَ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقِّيَةُ الوَعِيدِ عَلَيْكم وثُبُوتُ هَذا العَذابِ لَكم. وجُوِّزَ أنْ يُقالَ: إنَّهم نَفَوْا عَنْهُمُ الإيمانَ والِاعْتِقادَ الحَقَّ، وأثْبَتُوا لَهُمُ الطُّغْيانَ ومُجاوَزَةَ الحَدِّ في العِصْيانِ؛ حَيْثُ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلى ما يُوجِبُ الِاعْتِقادَ (p-83)الصَّحِيحِ مَعَ كَثْرَتِهِ وظُهُورِهِ، ورَتَّبُوا عَلى ذَلِكَ مَعَ ما يَقْتَضِيهِ البَحْثُ حَقِّيَةَ الوَعِيدِ، وفَرَّعُوا عَلى مَجْمُوعِ الأمْرَيْنِ أنَّهم دَعَوْهم إلى الغَيِّ مُرادًا بِهِ الكُفْرُ لِاعْتِقادِ أمْرٍ فاسِدٍ لا مُجَرَّدِ عَدَمِ الإيمانِ أيْ عَدَمِ التَّصْدِيقِ بِما يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهِ بِدُونِ اعْتِقادِ أمْرٍ آخَرَ يُكْفَرُ بِاعْتِقادِهِ، وأشارُوا إلى وجْهِ تَرَتُّبِ ذَلِكَ عَلى ما ذُكِرَ وهو مَحَبَّةُ أنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، فَكَأنَّهم قالُوا: كُنْتُمْ تارِكِينَ الِاعْتِقادَ الحَقَّ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ إلَيْهِ مَعَ ظُهُورِ أدِلَّتِهِ وكَثْرَتِها، وكُنّا جَمِيعًا قَدْ حَقَّ عَلَيْنا الوَعِيدُ فَدَعَوْناكم إلى ما نَحْنُ عَلَيْهِ مِنِ الِاعْتِقادِ الفاسِدِ حُبًّا لِأنْ تَكُونُوا أُسْوَةَ أنْفُسِنا وهَذا كَقَوْلِهِمْ ﴿رَبَّنا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أغْوَيْنا أغْوَيْناهم كَما غَوَيْنا﴾ قالَ الرّاغِبُ: هو إعْلامٌ مِنهم أنّا قَدْ فَعَلْنا بِهِمْ غايَةَ ما كانَ في وُسْعِ الإنْسانِ أنْ يَفْعَلَ بِصَدِيقِهِ ما يُرِيدُ بِنَفْسِهِ، أيْ أفَدْناهم ما كانَ لَنا وجَعَلْناهم أُسْوَةَ أنْفُسِنا، وعَلى هَذا فَأغْوَيْناكم إنّا كُنّا غاوِينَ انْتَهى. وجُوِّزَ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ أنْ يَكُونَ ﴿فَأغْوَيْناكُمْ﴾ مُفَرَّعًا عَلى شَرْحِ حالِ المُخاطَبِينَ مِنِ انْتِفاءِ كَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ وثُبُوتِ كَوْنِهِمْ طاغِينَ وعَنِ الآياتِ مُعْرِضِينَ، وقَوْلُهم ﴿فَحَقَّ عَلَيْنا﴾ ...إلَخِ اعْتِراضٌ لِتَعْجِيلِ بَيانِ أنَّ ما الفَرِيقانِ فِيهِ أمْرٌ مَقْضِيٌّ لا يَنْفَعُ فِيهِ القِيلُ والقالُ والخِصامُ والجِدالُ، ويَجُوزُ عَلى هَذا أنْ يُرادَ بِضَمِيرِ الجَمْعِ في ﴿فَحَقَّ عَلَيْنا﴾ ... إلَخِ الرُّؤَساءُ أوِ القُرَناءُ لا ما يَعُمُّهم والمُخاطَبِينَ، وأشارُوا بِذَلِكَ إلى أنَّ ما هم فِيهِ يَكْفِي عَنِ اللَّوْمِ ويُومِئُ إلى زِيادَةِ عَذابِهِمْ، ولا يَخْفى أنَّ تَجْوِيزَ الِاعْتِراضِ لا يَخْلُو عَنِ اعْتِراضٍ، وتَجْوِيزُ كَوْنِ الضَّمِيرِ في ﴿عَلَيْنا﴾ إلَخْ لِلرُّؤَساءِ أوِ القُرَناءِ يَجْرِي عَلى غَيْرِ هَذا الِاحْتِمالِ فَتَدَبَّرْ.
وأيًّا ما كانَ فَقَوْلُهم ﴿إنّا لَذائِقُونَ﴾ هو قَوْلُ رَبِّهِمْ - عَزَّ وجَلَّ - ووَعِيدُهُ سُبْحانَهُ إيّاهُمْ، ولَوْ حُكِيَ كَما قِيلَ لَقِيلَ: إنَّكم لَذائِقُونَ، ولَكِنَّهُ عَدَلَ إلى لَفْظِ المُتَكَلِّمِ لِأنَّهم مُتَكَلِّمُونَ بِذَلِكَ مِن أنْفُسِهِمْ. ونَحْوُهُ قَوْلُ القائِلِ:
؎لَقَدْ زَعَمَتْ هَوازِنُ قَلَّ مالِي وهَلْ لِي غَيْرُ ما أنْفَقْتُ مالُ
ولَوْ حَكى قَوْلَها لَقالَ:”قَلَّ مالُكَ“ ومِنهُ قَوْلُ المُحَلِّفِ لِلْحالِفِ احْلِفْ لَأخْرُجَنَّ ولَتَخْرُجَنَّ الهَمْزَةُ لِحِكايَةِ لَفْظِ الحالِفِ والتّاءُ لِإقْبالِ المُحَلَّفِ عَلى المُحَلَّفِ. وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: قَوْلُ الرَّبِّ - عَزَّ وجَلَّ - هو قَوْلُهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى -: ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ مِنهم أجْمَعِينَ﴾ والرَّبْطُ عَلى ما تَقَدَّمَ أظْهَرُ
{"ayah":"فَأَغۡوَیۡنَـٰكُمۡ إِنَّا كُنَّا غَـٰوِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق