الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿وَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ ﴿قالُوا إنَّكم كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ اليَمِينِ﴾ ﴿قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَما كانَ لَنا عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طاغِينَ﴾ ﴿فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إنّا لَذائِقُونَ﴾ ﴿فَأغْوَيْناكم إنّا كُنّا غاوِينَ﴾ ﴿فَإنَّهم يَوْمَئِذٍ في العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ﴾
هَذِهِ الجَماعَةُ الَّتِي يُقْبِلُ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ هي جِنٌّ وإنْسٌ، قالَهُ قَتادَةُ: وتَساؤُلُهم هو عَلى مَعْنى التَقْرِيعِ واللَوْمِ والسُخْطِ، والقائِلُونَ: ﴿إنَّكم كُنْتُمْ تَأْتُونَنا﴾ إمّا أنْ يَكُونَ الإنْسُ لِلشَّياطِينِ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ، وابْنُ زَيْدٍ، أو ضَعَفَةُ الإنْسِ لِلْكُبَراءِ والقادَةِ. واضْطَرَبَ المُتَأوِّلُونَ في مَعْنى قَوْلِهِمْ: ﴿ "عَنِ اليَمِينِ"،﴾ وعَبَّرَ ابْنُ زَيْدٍ عنهُ بِطَرِيقِ الجَنَّةِ والخَيْرِ، ونَحْوِ هَذا مِنَ العِباراتِ الَّتِي تُفَسَّرُ بِالمَعْنى لا تُخْتَصُّ بِنَفْسِ اللَفْظَةِ، وبَعْضُهم نَحا في تَفْسِيرِ الآيَةِ إلى ما يَخْتَصُّها، والَّذِي يَتَحَصَّلُ مِن ذَلِكَ مَعانٍ: مِنها أنْ يُرِيدَ بِاليَمِينِ: القُوَّةَ والشِدَّةَ، فَكَأنَّهم قالُوا: إنَّكم كُنْتُمْ تُغْوُونَنا بِقُوَّةٍ مِنكُمْ، وتَحْمِلُونَنا عَلى طَرِيقِ الضَلالَةِ بِمُتابَعَةٍ مِنكم في شِدَّةٍ، فَعَبَّرَ عن هَذَهِ المَعانِي بِاليَمِينِ، كَقَوْلِ العَرَبِ: "بِيَدَيْنِ ما أورَدَ"، وكَما قالُوا: "اليَدُ" - في غَيْرِ مَوْضِعٍ - عَنِ القُوَّةِ، وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الناسِ بِبَيْتِ الشَمّاخِ هَذا المَذْهَبَ، وهو قَوْلُهُ:
؎ إذا ما رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ∗∗∗ تَلَقّاها عُرابَةُ بِاليَمِينِ
(p-٢٧٩)فَقالُوا: مَعْناهُ: بِقُوَّةٍ وعَزِيمَةٍ، وإلّا فَكَلُّ أحَدٍ كانَ يَتَلَقّاها بِيَمِينِهِ لَوْ كانَتِ الجارِحَةَ، وأيْضًا فَإنَّما اسْتَعارَ الرايَةَ لِلْمَجْدِ فَكَذَلِكَ لَمْ يُرِدْ بِاليَمِينِ الجارِحَةَ.
ومِنَ المَعانِي الَّتِي تَحْتَمِلُها الآيَةُ أنْ يُرِيدُوا: إنَّكم كُنْتُمْ تَأْتُونَنا مِنَ الجِهَةِ الَّتِي يُحْسِنُها تَمْوِيهُكم وإغْواؤُكُمْ، ويَظْهَرُ فِيها أنَّها جِهَةُ الرُشْدِ والصَوابِ، فَتَصِيرُ عِنْدَنا كاليَمِينِ الَّتِي نَتَيَمَّنُ بِالسانِحِ الَّذِي يَجِيؤُنا مِن قِبَلِها، فَكَأنَّهم شَبَّهُوا أقْوالَ هَؤُلاءِ المُغْوِينَ بِالسَوانِحِ الَّتِي هي عِنْدَهم مَحْمُودَةٌ، كَأنَّ التَمْوِيهَ في هَذِهِ الغِواياتِ قَدْ أظْهَرَ فِيها ما يُوشِكُ أنْ يُحْمَدَ بِهِ.
ومِنَ المَعانِي الَّتِي تَحْتَمِلُها الآيَةُ أنْ يُرِيدُوا: إنَّكم كُنْتُمْ تَأْتُونَنا، أيْ: تَقْطَعُونَ بِنا عن أخْبارِ الخَيْرِ واليَمِينِ، فَعَبَّرَ عنها بِاليَمِينِ؛ إذِ اليَمِينُ هي الجِهَةُ الَّتِي يُتَيَمَّنُ بِها وبِكُلِّ ما فِيها ومِنها.
ومِنَ المَعانِي الَّتِي تَحْتَمِلُها الآيَةُ أنْ يُرِيدُوا: إنَّكم كُنْتُمْ تَجِيئُونَنا مِن جِهَةِ الشَهَواتِ وعَدَمِ النَظَرِ؛ والجِهَةُ الثَقِيلَةُ مِنَ الإنْسانِ هي اليُمْنى مِنهُ لِأنَّ كَبِدَهُ فِيها، وجِهَةُ شِمالِهِ فِيها قَلْبُهُ، وهي أخَفُّ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ الشاعِرِ:
؎ تَرَكْنا لَهم شِقَّ الشِمالِ
أيْ: نَزَلْنا لَهم عن طَرِيقِ الهُرُوبِ؛ لِأنَّ المُنْهَزِمَ إنَّما يَرْجِعُ عَلى شِقِّهِ الأيْسَرِ، إذْ هو أخَفُّ شِقَّيْهِ، وإذْ قَلْبُ الإنْسانِ في شِمالِهِ وثَمَّ نَظَرُهُ، فَكَأنَّ هَؤُلاءِ كانُوا يَأْتُونَ مِن جِهَةِ الشَهَواتِ والثِقَلِ، وأكْثَرُ ما يَتَمَكَّنُ هَذا التَأْوِيلِ مَعَ إغْواءِ الشَياطِينِ، وهو قَلِقٌ مَعَ إغْواءِ بَنِي آدَمَ.
(p-٢٨٠)وَقِيلَ: المَعْنى: يَحْلِفُونَ لَنا ويَأْتُونَنا إتْيانَ مَن إذا حَلَفَ لَنا صَدَّقْناهُ، فاليَمِينُ - عَلى هَذا -: القَسَمُ.
وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الناسِ في ذِكْرِ إبْلِيسَ جِهاتِ بَنِي آدَمَ في قَوْلِهِ: ﴿مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ وعن أيْمانِهِمْ وعن شَمائِلِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧] إلى ما ذَكَرْناهُ مِن جِهَةِ الشَهَواتِ، فَقالَ: ما بَيْنَ يَدَيْهِ هي مُغالَطَتُهُ فِيما يَراهُ، وما خَلْفَهُ هي مُسارَقَتُهُ في الخَفاءِ، وعن يَمِينِهِ هو جانِبُ شَهَواتِهِ، وعن شِمالِهِ هو نَظَرُهُ بِقَلْبِهِ وتَحْذِيرُهُ فَقَدْ يَغْلِبُهُ الشَيْطانُ فِيهِ، وهَذا فِيمَن جَعَلَهُ في جِهاتِ ابْنِ آدَمَ الخاصَّةِ لَدَيْهِ، ومِنهم مَن جَعَلَها في جِهاتِ أُمُورِهِ وشُؤُونِهِ فَيَتَّسِعُ التَأْوِيلُ عَلى هَذا.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عن قَوْلِ الجِنِّ المُجِيبِينَ لِهَؤُلاءِ: ﴿بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ كَما ذَكَرْتُمْ، بَلْ كانَ لَكُمُ اكْتِسابُ الكُفْرِ والبَصِيرَةُ فِيهِ، وإنَّما حَمَلْناكم عَلى ما حَمَلْنا عَلَيْهِ أنْفُسَنا، وما كانَ لَنا عَلَيْكم حُجَّةً ولا قُوَّةً إلّا طُغْيانُكم وإرادَتُكُمُ الكُفْرَ، فَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلى جَمِيعِنا، وتَعَيَّنَ العَذابُ لَنا، وإنّا جَمِيعًا لَذائِقُونَ. والذَوْقُ هُنا مُسْتَعارٌ، وبِنَحْوِ هَذا فَسَّرَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ أنَّهُ قَوْلُ الجِنِّ إلى ﴿ "غاوِينَ".﴾
ثُمَّ أخْبَرَ اللهُ تَعالى أنَّهُمُ اشْتَرَكُوا جَمِيعًا في العَذابِ وحُصِّلُوا فِيهِ، وأنَّ هَذا فِعْلُهُ بِأهْلِ الجُرْمِ واحْتِقابِ الإثْمِ والكُفْرِ.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَسَاۤءَلُونَ","قَالُوۤا۟ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡیَمِینِ","قَالُوا۟ بَل لَّمۡ تَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ","وَمَا كَانَ لَنَا عَلَیۡكُم مِّن سُلۡطَـٰنِۭۖ بَلۡ كُنتُمۡ قَوۡمࣰا طَـٰغِینَ","فَحَقَّ عَلَیۡنَا قَوۡلُ رَبِّنَاۤۖ إِنَّا لَذَاۤىِٕقُونَ","فَأَغۡوَیۡنَـٰكُمۡ إِنَّا كُنَّا غَـٰوِینَ","فَإِنَّهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ فِی ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَفۡعَلُ بِٱلۡمُجۡرِمِینَ"],"ayah":"فَأَغۡوَیۡنَـٰكُمۡ إِنَّا كُنَّا غَـٰوِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق