الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ الظاهر أن هذه الآية منفصلة عما قبلها، وأنها من كلام الله عز وجل، يقول: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ ويعني بهم اليهود والنصارى، ووصفوا وحدهم بذلك لأنهم هم الذين بقيت كتبهم قائمة يهتدى بها، إلى أن بعث النبي ﷺ.
قوله: ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ الاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ، وكلنا يعلم أن قوله: ﴿لِمَ﴾ اسم استفهام مشغول باللام، و(ما) الاستفهامية إذا جُرت بالحرف فإنها تحذف ألفها، (لم) ما فيها ألف.
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [النبأ ١] ما فيها ألف، (علام تفعل) هذه أيضا ليس فيها ألف، وتغيرت (على) من أجلها؛ لأن (على) تُكتب ألفها ياء، لكنها إذا دخلت على (ما) الاستفهامية كتبت ألفها أيش؟ ألفا: (علام)، مثل اللام.
قوله: ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ﴾ أي تخاصمون، وسميت المخاصمة محاجة لأن كل واحد من المتخاصمين يدلي بحجته، يريد أن يخصم صاحبه، وقوله: ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾، أي: في شأنه، وفي حاله، وفي دينه، وليس المراد: في ذاته؛ لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بشر متفق عليه ولا محاجة فيه، لكن محاجة في شأنه وحاله، لم تحاجون فيه.
وما كيفية هذه المحاجة؟
كيفية هذه المحاجة على قولين لأهل العلم:
القول الأول: ادعاؤهم أنهم على ملة إبراهيم، فهم كلهم يقولون: نحن على ملة إبراهيم، اليهود يقولون: نحن على ملة إبراهيم، والنصارى يقولون: نحن على ملة إبراهيم.
الوجه الثاني، وهو القول الثاني: يحاجون فيه لأن اليهود يقولون: إن إبراهيم يهودي على دين اليهود، والنصارى يقولون: إن إبراهيم نصراني على دين النصارى. وهذا الوجه عكس الوجه الذي قبله؛ لأن الوجه الذي قبله يدعون هم أنهم على دين إبراهيم، وهذا الوجه يدعون أن إبراهيم على دينهم.
وننظر الآن سياق الآية: ما الذي يؤيد من هذين الوجهين، ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾ كيف تحاجون فيه وتقولون: إن إبراهيم على ديننا، أو تقولون: إننا نحن على دين إبراهيم؟ كيف المحاجة؟ وكيف يكون إبراهيم على دينكم والتوراة لم تنزل بعد أيها اليهود؟ وكيف يكون إبراهيم على دينكم والإنجيل لم ينزل بعد أيها النصارى؟ أو تقولون: إنكم على دينه وأنتم على الإنجيل، والإنجيل ليس هو دين إبراهيم، أو على دينه التوراة ليست هي دين إبراهيم، إبراهيم له شرعة خاصة ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨] فكيف تحاجون في هذا؟ تدعون أن إبراهيم على التوراة أو على الإنجيل، أو تدعون أنكم أيها المتمسكون بالتوراة أو المتمسكون بالإنجيل على دين إبراهيم، مع أن التوراة والإنجيل لم تنزل إلا من بعده، وهذا عقل ولّا هوس؟ هذا هوس وسخافة، كيف يكون إبراهيم على دين كتاب لم ينزل بعد؟ التوراة نزلت على موسى، والإنجيل نزل على من؟ على عيسى، وهم بعد إبراهيم بأزمنة كثيرة، فكيف يكون إبراهيم على هذا؟
ولهذا قال: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، والهمزة للتوبيخ، استفهام للتوبيخ، يعني: أفلا يكون لكم عقول تعقلون بها ما تقولون؟ وهذا فيه غاية اللوم والتوبيخ.
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ تأتي في القرآن كثيرا، وقد مر علينا أن فيها لعلماء النحو قولين، ويش مين يبينهما لنا؟ فيها قولان ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ في إعرابها؟
* طالب: الهمزة للاستفهام دخلت على نفي (لا).
* الشيخ: قولان، القول الأول؟
* الطالب: أشربت معنى التحدي.
* الشيخ: لا يا أخي، الإعراب، ما هو المعنى، المعنى للتوبيخ واضح.
* الطالب: الهمزة للاستفهام، ﴿أَفَلَا﴾ فاء للتنبيه.
* الشيخ: نسيت أو لم يمر عليك؟
* الطالب: لم يمر علي.
* الشيخ: لم يمر عليك؟ طيب.
* طالب: ﴿أَفَلَا﴾ الألف تقدمت على الفاء.
* الشيخ: الهمزة.
* الطالب: الهمزة تقدمت على الفاء، وأصلها: فألا تعقلون.
* الشيخ: يعني نقول الوجه الأول، الوجه الأول.
* الطالب: الوجه الثاني..
* الشيخ: اصبر، الوجه الأول، ما فهمنا شيئًا الآن؟
* الطالب: الوجه الأول: أن الهمزة للاستفهام وقدمت لأن الاستفهام له الصدارة.
* الشيخ: طيب والفاء؟
* الطالب: والفاء عاطفة.
* الشيخ: على أيش؟
* الطالب: على ما قبلها.
* الشيخ: على ما قبلها.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: وأصله على هذا الوجه، على هذا القول؟
* الطالب: فألا تعقلون.
* الشيخ: فألا تعقلون. طيب، هذا وجه، القول الثاني؟
* الطالب: أن الهمزة زائدة، وأنها معطوفة على فعل محذوف، يعني: أجهلتم فلا تعقلون.
* الشيخ: والهمزة زائدة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: هذا قول من؟ قول وليد! طيب هو حل النصف.
* طالب: دخلت على جملة محذوفة.
* الشيخ: لكن الهمزة هو يقول: زائدة؟
* الطالب: لا ليست زائدة.
* الشيخ: أيش هي؟
* الطالب: هي استفهامية.
* الشيخ: استفهامية، إي نعم، لكنها داخلة على جملة محذوفة، التقدير؟
* الطالب: أجهلتم أفلا تعقلون، أو أغفلتم.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: أغفلتم.
* الشيخ: (أغفلتم) لا، ما هو ضد العقل؟
* الطالب: الجنون.
* الشيخ: إي أو السفه.
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ إذن فيها وجهان:
الوجه الأول: أن الهمزة للاستفهام والفاء للعطف، لكنها قدمت الهمزة للاستفهام عليها لأن لها الصدارة، وعلى هذا فلا حاجة إلى تقدير لأن الجملة تكون معطوفة على الجملة التي قبلها.
والوجه الثاني: أن الفاء حرف عطف وأن المعطوف محذوف يقدر بما يناسب السياق، واللي مناسب هنا أن يقدر: (أسفهتم) مثلًا؛ لأن العقل ضده السفه ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
وقوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ المراد بالعقل هنا عقل الرشد، وليس عقل الإدراك؛ لأن هؤلاء عندهم عقل إدراك، والفرق بينهما: أن عقل الإدراك مناط التكليف، وعقل الرشد مناط التصرف، يعني بمعنى أن عقل الرشد يكون به حسن التصرف من العاقل، وعقل الإدراك يكون به توجيه التكليف إلى العقل، ولهذا يقال للرجل العاقل الذكي إذا أساء في تصرفه يقال: هذا مجنون، هذا غير عاقل، مع أنه من حيث عقل الإدراك عاقل ولّا غير عاقل؟ عاقل، طيب المنفي هنا في حق هؤلاء أي العقلين؟ عقل الرشد، يعني أفلا يكون لكم عقل ترشدون به؟
ثم قال تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أولا الإعراب في هذه الآية لأن فيها شيئًا من الإشكال، ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ ها: للتنبيه، وأنت: ضمير منفصل مبتدأ، و﴿هَؤُلَاءِ﴾ ها: للتنبيه وأولاء: منادى، والتقدير: هأنتم يا هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم.
﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ نقول في قوله: ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ﴾ ما قلنا في قوله: ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ﴾ من حيث الإعراب.
﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ أولا التنبيه هنا حسن؛ وذلك لأنه يخاطب قوما لمزهم بعدم العقل، والذي ليس عنده عقل ينبغي أن يصدر الخطاب له بما يقتضي تنبيهه؛ لأنه غافل، تصرفه تصرف مجنون، فاحتيج إلى أن ينبَّه فلذلك أتى بـ (ها) التنبيه.
ثم إن قوله: ﴿هَؤُلَاءِ﴾ إشارة بعد ولّا قرب؟
* الطلبة: بعد.. قرب.
* الشيخ: ﴿هَؤُلَاءِ﴾ إشارة بعد ولّا قرب؟ لا إله إلا الله! يحتاج إلى اشتباه ده يا جماعة، إذا كان للبعد يقرن بالكاف، وهنا لم يقرن بالكاف، بل قال: ﴿هَؤُلَاءِ﴾ عرفتم يا جماعة؟ إذا كان -نرجع اسم الإشارة الآن بالنحو- إذا كان اسم الإشارة للبعيد أتي بالكاف، ولهذا قال ابن مالك:
؎بِالْكَــــافِ حَرْفًــــا دُونَ لَامٍ أَوْمَعَــــهْ ∗∗∗ وَالــــلَّامُ إِنْ قَدَّمْــــتَ هَــــامُمْتَنِعَــــــــــــــــهْ؎بِــــــذَا وَذِي وَتَـــــــا وَتِــــــيأَشِــــــــرْ إِلَــــــى ∗∗∗ دَانِي الْمَكَانِ وَبِهِ الْكَافَ صِــــــــــلَا؎فِي الْبُعْــــــــدِ.................... ∗∗∗ ............................هذا الشاهد: (وبه الكاف صلا في البعد)، معناه: في القرب لا تصل به الكاف، فإذا كان اسم الإشارة للبعيد فلا بد من الكاف، وإذا كان أبعد يؤتى باللام أيضا.
إذن المشار إليه قريب ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ ومع قربهم أتى بـ(ها) التنبيه للدلالة على بلادتهم، وأنهم مع قربهم وقرب الإشارة إليهم على بلادة عظيمة يحتاجون إلى أيش؟ التنبيه.
﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ يعني خاصمتم فيما لكم به علم، وهو التوراة بالنسبة لليهود، والإنجيل بالنسبة للنصارى، يعني أنكم إذا حاججتم في التوراة والإنجيل وكانت المحاجة في التوراة من اليهود وفي الإنجيل من النصارى، فهذه محاجة فيما فيه علم لكم، نعم لكن لم تحاجون فيما ليس لكم به علم؛ وهو إبراهيم وما هو عليه من الدين.
وقيل: المراد بقوله: ﴿حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي في الإسلام، في دين الإسلام، يعني حاججتم فيه وخاصمتم تقولون: ليس على دين إبراهيم، دين إبراهيم دين اليهود والنصارى، وأنتم تعلمون أن الإسلام دين الله الحق؛ لأن اليهود والنصارى يعلمون أن دين محمد ﷺ هو دين الحق، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ١٤٦] فصار المحاجة الآن في أيش؟ إما في الكتابين وإما في الإسلام، في دين الإسلام، وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.
﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ والمحاجة التي يراد بها إثبات الباطل وإبطال الحق مذمومة، حتى وإن كانت عن علم، بل هي عن علم أشد ذما، فكيف تحاجون فيما ليس لكم به علم وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ والله يعلم الأمر على ما هو عليه في شأن إبراهيم، وفي شأن محمد ﷺ، وفي شأن موسى وعيسى، وأنتم لا تعلمون ما يعلمه الله تعالى من هذا وغيره.
ونفي العلم عنهم هنا ليس رفعا للإثم عنهم، ولكنه إيذان بجهلهم وجهالتهم، وأن تصرفهم كتصرف الجاهل، فهو في الأول قال: لا تعقلون، وفي الثاني قال: ﴿لَا تَعْلَمُونَ﴾، فجمعوا بين السفه في الرأي والتدبير، وبين الجهل في العلم والتصور، ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. ثم ذكر الله عز وجل حال إبراهيم ذكرًا صادرًا عن علم، لا عن جهل، فقال: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾ يعني ليس على ملتكم أيها اليهود، ولا على ملتكم أيها النصارى، عرفتم؟ هذا على قول من يقول: إن محاجتهم في إبراهيم أن اليهود يقولون: هو منا، والنصارى يقولون: هو منا، فنفى الله ذلك ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾.
وعلى القول الثاني، يعني ما كان إبراهيم على ما أنتم عليه من التعصب والتمسك بدينكم وإن كان منسوخًا، بطل بدين الإسلام، ولكن كان حنيفًا مسلمًا، فلو أن إبراهيم كان حيًّا لاتبع من؟ محمدًا ﷺ، ولم يكن كحالكم يبقى على ما هو عليه من دينه كما بقيتم أنتم.
فالآية الآن تحتمل الوجهين بناء على القولين السابقين، أي ما كان إبراهيم يسير سير اليهود فيتعصب، ولا يسير سير النصارى فيتعصب، وليس المعنى على القول الثاني أنه ما كان يهوديًّا، أي على دين اليهود، أو على دين النصارى، بل ما كان على طريقتهم في أيش؟ التعصب لما هم عليه، وإن تبين أن الحق في خلافه، ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ عليه الصلاة والسلام، ﴿كَانَ حَنِيفًا﴾ أي مائلًا عن الشرك؛ لأن الحنف في الأصل: الميل، فهو مائل عن الشرك، مثبت للتوحيد، ولهذا قال: ﴿مُسْلِمًا﴾ فهو جامع عليه الصلاة والسلام بين البراءة من الشرك براءة كاملة وبين تحقيق الإسلام تحقيقًا كاملًا، ولهذا قال: ﴿مُسْلِمًا﴾.
وهنا إشكال في الإعراب في قوله: ﴿حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ كيف نعربها؟
* طالب: يعني كان هو حنيفًا، هي خبر كان.
* الشيخ: ﴿مُسْلِمًا﴾؟
* الطالب: ﴿مُسْلِمًا﴾ خبر كان.
* الشيخ: ثاني، يجوز تعدد الخبر؟
* الطالب: يجوز.
* الشيخ: إي.
* طالب: يكون معطوفًا على حرف عطف، ليس موجودًا الحرف ده أصلًا، حرف مقدر، كان حنيفًا وكان مسلمًا.
* الشيخ: نعم.
* طالب: يمكن حال يا شيخ؟
* الشيخ: حال؟ منين؟
* طالب: صفة حنيف.
* الشيخ: صفة لأيش؟
* الطالب: حنيف.
* الشيخ: الظاهر لو نجتهد كل واحد لو سألته يجينا أقوال! ﴿مُسْلِمًا﴾ خبر ثانٍ، وتعدد الخبر جائز، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ١٠٠] كثير في القرآن.
وقوله: ﴿مُسْلِمًا﴾ يعني مسلمًا لله ظاهرًا وباطنًا، فيشمل الإسلام الذي هو عمل الجوارح، والإيمان الذي هو اعتقاد القلوب وأعمال القلوب.
وهذه قاعدة مهمة، وهي أنه إذا أطلق الإسلام وأفرد شمل الإيمان، وإذا أطلق الإيمان وأفرد شمل الإسلام، وإذا اقترنا صار الإسلام في الظاهر والإيمان في الباطن، وهذه هي قاعدة أهل السنة والجماعة، وعليها يدل الكتاب والسنة، فقد وصف النبي ﷺ الإيمان لوفد عبد قيس بالإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٨٧) من حديث بن عباس، وأخرجه مسلم (١٧ / ٢٣) من حديث بن عباس.]]، ووصف الله الصلاة بالإيمان في قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة ١٤٣] أي صلاتكم إلى بيت المقدس، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران ١٩] وهو يشمل كل الدين؛ الإيمان وأفعال الجوارح، فـ﴿مُسْلِمًا﴾ هنا مسلمًا لله ظاهرًا وباطنًا، فيشمل الإيمان والإسلام.
﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ هذا تأكيد لقوله: ﴿حَنِيفًا﴾، يعني هذه الجملة وإن كانت معطوفة بالواو لكنها في المعنى مؤكدة لما سبق، يعني ما كان من الذين يشركون بالله، لا شركا خفيا ولا شركا ظاهرا، بل كان يحارب الشرك، وصبر على الدعوة إلى التوحيد إلى أن ألقي في النار عليه الصلاة والسلام، ولكن كان جزاؤه على ذلك أن قيل للنار: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩].
﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ﴾ هذا الحكم بين هؤلاء الخصوم، الخصوم ثلاثة: اليهود والنصارى والمسلمون، شوف الحكم من الحكم العدل: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ قدم هنا ما كان ينبغي أن يكون خبرا وجعله هو المبتدأ الذي هو ركن الجملة الذي يسند إليه الخبر فقال: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾، ولم يقل: إن الذين اتبعوه أولى به؛ لأجل أن يحكم بأن الأولوية لهؤلاء لا لغيرهم.
﴿أَوْلَى النَّاسِ﴾ من اليهود والنصارى والمشركين وأصحاب الأوثان وغيرهم من؟ ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾.
وهنا نسأل عن اللام في قوله: ﴿لَلَّذِينَ﴾ وأيش إعرابها؟
* طالب: حرف جر.
* الشيخ: حرف جر؟ لا، حرف الجر يكسر في مثل هذا.
* طالب: للتأكيد.
* الشيخ: للتوكيد، إي نعم، للتوكيد، و(إنّ) أيضا للتوكيد، فتكون جملة مؤكدة بمؤكدين: بـ(إن) واللام.
قال: ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ للذين اتبعوه من بني إسرائيل ممن سبق النبي ﷺ، ولا شك أنه تبعه كثير من المؤمنين الذين آمنوا به في حياته والذين اتبعوا طريقته بعد مماته، ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ شوف -الله أكبر- المشار إليه محمد عليه الصلاة والسلام، وكفى به فخرا أن يشير إليه رب العالمين ﴿هَذَا النَّبِيُّ﴾ هذا شرف عظيم لرسول الله ﷺ أن يكون الله يشير إليه بهذه الإشارة المفيدة للقرب، لم يقل: وذلك النبي، بل قال: ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ إشارة إلى قربه؛ لأنه ﷺ أقرب الناس منزلة إلى الله سبحانه وتعالى.
﴿وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ فيها قراءة: ﴿النَّبِيءُ﴾ كذا؟ على هذه القراءة ﴿النَّبِيءُ﴾ مشتق من النبأ، فهو فعيل بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول، صح؟ بمعنى فاعل لأنه منبئ مخبر، وبمعنى فعيل لأنه مخبَر، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه في وصف الرسول: وهو الصَّادق المَصْدُوق[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٢٠٨) من حديث عبد الله بن مسعود، وأخرجه مسلم (٢٦٤٣ / ١) من حديث عبد الله بن مسعود.]]. فهو فعيل بمعنى فاعل، وفعيل بمعنى مفعل. ويبقى عندنا كيف يكون فعيل بمعنى مفعل؟ فعيل بمعنى، أنا قلت بمعنى فاعل؟ بمعنى مفعول وفعيل بمعنى مفعل. فعيل بمعنى مفعول كثير مثل جريح كسير قتيل. كثير، لكن فعيل بمعنى مفعل كيف ذلك؟ نقول: نعم هذا ورد، هذا الآن اللي معنا دليل على هذا، الآن من المعلوم أن الرسول منبئ للناس، أليس كذلك؟ فهي جاءت في القرآن، والقرآن حجة، وإذا أردت أن نأتي بحجة من كلام العرب فاسمع إلى قول الشاعر:
؎أَمِــــنْ رَيْحَانَــــةَ الدَّاعِــــيالسَّمِيــــــــعُ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِــــــــي وَأَصْحَابِــــــــيهُجُــــــــــــــــوعُ
(أمن ريحانة الداعي السميع) السميع بمعنى المسمع، (يؤرقني وأصحابي هجوع).
فهذه سميع بمعنى مسمع في لغة العرب، على أننا في الحقيقة لا نحتاج إلى استشهاد للقرآن لإثبات أن هذا لغة، بل القرآن يستشهد به ولا يستشهد عليه، لكن من المعلوم أنه كلما زادت البينات ازداد الإنسان طمأنينة، إذن على قراءة ﴿النَّبِيءُ﴾ يجوز نقرأ بها؟ يجوز، بل يستحب أن نقرأ بها، يستحب أن نقرأ بها أحيانًا. على هذه القراءة: من النبأ، أما على قراءة النَّبِيُّ﴾ بدون همز ففيها وجهان:
الوجه الأول: أنها مسهَّلة من (النبيء) بالهمز، مسهَّلة، يعني أن الهمزة جعلت ياء للتسهيل، وهذا موجود في اللغة العربية، أئمة يقال فيها في اللغة العربية: أيمة، تسهل الهمزة تجعل ياء، فالنبي نقول: هذه أصلها النبيء لكن جعلت الهمزة ياء للتخفيف، وعلى هذا الوجه يكون النبي من أين؟ من النبأ.
وقيل: إن الياء أصلية لا مسهلة (النبي)، وعلى هذا فيكون مشتقا من النبوة، وهي الشيء المرتفع الناتئ، يقال: نبا ينبو يعني ارتفع، فيكون مشتقا من النبوة وهي الارتفاع، وذلك لارتفاع مرتبة النبي؛ لأن الرسل صلى الله عليهم وسلم ومنهم خاتمهم محمد ﷺ أرفع الناس قدرا عند الله، ولهذا بدأ الله بهم في صدر من أنعم عليهم ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ [النساء ٦٩].
لو قال قائل: اجعلوها من الأمرين: من النبأ ومن النبوة؟ ماذا نقول له؟ نقول: يمكن؟ يمكن؛ لأن القول الراجح أنه إذا احتمل اللفظ معنيين بدون تضاد حمل عليهما؛ لأن ذلك أوسع في المعنى، أما مع التضاد فإنه ينظر للراجح ويحمل عليه، لكن مع إمكان الجمع يجب أن يحمل على المعنيين جميعا.
فإذا قال قائل: هذا استعمال لمشترك في معنييه، تعرفون اللفظ المشترك؟ اللفظ المشترك ما اتحد لفظه وتعدد معناه، كالعين، العين تقال للباصرة، عينك اللي في وجهك عين، وتقال للعين الجارية، أيش هي؟ عين الماء، وتقال للعين.
* طالب: الجاسوس.
* الشيخ: لا الجاسوس ما هي حقيقة، وتقال للعين الذهب، عين ورق، ولهذا يقال: عين مورودة وعين منقودة، العين المنقودة الذهب والمورودة الماء، ونقول: عين مكحولة؟ إي نعم، يمكن، العين المكحولة هي العين اللي في الوجه.
يقول بعض العلماء: إن المشترك لا يمكن أن يحمل على معنييه؛ لأن كل معنى منهما يضاد الآخر، ولكن الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم أنه يجوز أن يحمل على معنييه بشرط عدم التعارض، فإن تعارضا وجب طلب المرجح.
* طالب: شيخ، الآيات ما تؤيد أن القرآن نحن على (...) قولنا.
* الشيخ: ما كملنا الآيات الحقيقة، يمكن نخلي الأربع الآيات هذه كلها نتكلم عليها جميعا في الفوائد.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك! القول الثاني في ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾ يعني ما كان متعصبًا كما أنتم متعصبون؟
* الشيخ: إي يعني ما كان على طريق اليهود والنصارى.
* الطالب: كيف يعني ما كان متعصبًا؟
* الشيخ: يعني ما كان على طريقكم؛ يعني إن كنتم صادقين أنكم على طريق إبراهيم أو أن إبراهيم على طريقكم فاتبعوا محمدًا.
* الطالب: بس قولهم: متعصب، كيف..
* الشيخ: يعني مثلًا الآن الذي يأخذ بمذهب قوم ما هو بينسب إليهم؟
* الطالب: بلى.
* الشيخ: كذا ولّا لا؟ إذن هؤلاء اليهود متعصبون لدينهم، والنصارى متعصبون لدينهم، إبراهيم ما نقول: إنه كان يهوديًّا متعصبًا أو نصرانيًّا متعصبًا، إبراهيم عليه الصلاة والسلام مسلم لله، ما هو يتعصب ليهودية ولا نصرانية.
* الطالب: بس قلنا: إنه لو كان أتى إلى وقت الرسول ﷺ لأسلم.
* الشيخ: إي معلوم.
* الطالب: هو مسلم أصلًا، كيف يسلم؟
* الشيخ: هذا إقامة الحجة على هؤلاء اليهود والنصارى.
* الطالب: نعم أسلم بمعنى ترك شريعته واتبع شريعة محمد؟
* الشيخ: إي نعم يترك شريعته ويتبع محمدًا، إي نعم.
* طالب: قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾ لا تؤيد القول الثاني أي بزعمكم أنكم أنتم على دينه وليس هو على دينكم؟
* الشيخ: هو قال: تحتمل، تحتمل حتى على ذلك.
* الطالب: يعني التوراة والإنجيل ما حدثت إلا بعد موته؟
* الشيخ: إي وكذلك اللي يقولون: نحن على طريقة إبراهيم، وإبراهيم يعني يقولون: يتعصب، ما يذهب عن دينه، هذا معنى قولهم: على طريقتهم.
* الطالب: كيف يعني يتعبد إبراهيم معهم وهم يعني..؟
* الشيخ: هم يقولون: (...) عبادتهم الخاصة، يعني طريقتهم، يعني على طريقتهم.
* طالب: شيخ، الله سبحانه وتعالى قال: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ مع أنهم في كلا المسألتين عندهم علم، ولكن في الأولى يعني.. لو توضح يعني؟
* الشيخ: لا، في قضية إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما عندهم علم؛ لأن اللي يقول عن إبراهيم: إنه على طريق اليهود والنصارى أو على دين اليهود والنصارى ما عنده علم بذلك، فهو جاهل، سواء قاله بجهل مركب أو بجهل بسيط، لو علم حقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لعرف أنه كان حنيفًا مسلمًا.
* الطالب: ممكن يكابر يا شيخ يعني يعلم أن هذا..؟
* الشيخ: ربما بعضهم، ربما بعضهم أنه يكابر.
* طالب: شيخ جزاك الله خيرًا يا شيخ، قلت: لو كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام عايش لترك دينه واتبع محمدًا، أليس دينه هو نفس دين محمد؟
* الشيخ: يختلف المنهاج، أصل دين الأنبياء كلهم واحد؛ التوحيد أصول الدين كلهم واحد الأنبياء، لكن الله قال: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨] وتلوناها في أثناء الدرس، لكن لأنك (...)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. نكمل الكلام على آخر الآية الكريمة: ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قوله: ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ معطوف على قوله: ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾، فهو في محل رفع، بل هو مرفوع، النبي بدل من اسم الإشارة، واسم الإشارة كما نعلم مبني على السكون.
قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ آمنوا بمن؟ آمنوا بهذا النبي، والإيمان بالنبي ﷺ يتضمن الإيمان بكل شريعته، وهذا الإيمان أيضا يستلزم القبول وأيش؟ والإذعان؛ أن يقبل بما جاء به النبي ﷺ وأن يذعن له.
ثم قال: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولي كل مؤمن؛ هؤلاء وغيرهم، كل مؤمن فالله سبحانه وتعالى وليه، كما في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة ٢٥٧]، وهذه الولاية ولاية خاصة تقتضي أن ييسر المؤمن لليسرى ويجنب العسرى، وهناك ولاية عامة شاملة لكل أحد، فالله تعالى ولي كل أحد، ولهذا قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام ٦١، ٦٢] فجعل الله تعالى مولى لهؤلاء وهم كفار، لكن هذا بالولاية العامة.
والولاية العامة هي ولاية التصرف، التصرف في الكون والتدبير، والولاية الخاصة ولاية العناية بالمولى عليه، أن الله تعالى يعتني به وييسره لليسرى ويجنبه العسرى.
في هذه الآيات الكريمة كثير من الفوائد ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾ هذا مبتدأ الفوائد ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى آخره. * في هذه الآية من الفوائد:
أولًا: توبيخ هؤلاء، أعني أهل الكتاب بكونهم يحاجون ويجادلون في إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
* ومن فوائدها أيضًا: علو شأن إبراهيم ومنزلته بين جميع الطوائف؛ اليهود والنصارى والمسلمين.
* ومن فوائدها: بيان الاحتجاج بالعقل؛ لقوله: ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾ فكيف تحاجون به مع أن التوراة والإنجيل لم تنزل إلا من بعده، وهذا خلاف العقل.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أنه لا ينبغي إهمال العقل في الاستدلال، كما لا ينبغي الاعتماد عليه وترك النص، فالناس في الاستدلال بالعقل طرفان ووسط، طرف غالى فيه حتى قدمه على السمع، وذلك بالنسبة للفقهاء في أصحاب الرأي والقياسيين الذين يعتمدون على الرأي وإن خالف النص، وفي باب العقائد جميع أهل البدع يعتمدون على العقل ويدعون السمع، مع أن العقل الذي يعتمدون عليه ليس إلا شبهات، وليس براهين ودلالات، ما فيه دلالة، لكن هم يظنون أن العقل يقتضي كذا فيثبتونه، ويقتضي نفي كذا فينفونه، ولا يرجعون في هذا إلى السمع، ومن ذلك من؟ الأشاعرة، من ذلك الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم، كل من نفى صفة أثبتها الله لنفسه بحجة أو بشبهة عقلية على الأصح -ما هي حجة، شبهة عقلية- فإنه داخل فيمن يغالي في الاستدلال بالعقل.
ومن الناس -الطرف الثاني- من أنكر الاعتماد على العقل بالكلية، وقال: ليس للعقل مدخل في إثبات أي حكم، أو أي خبر، فأنكروا القياس، وذلك مثل أهل الظاهر، أنكروا نهائيا وقالوا: لا يمكن أن نرجع إلى العقل في شيء.
ومن الناس من هم وسط، رجعوا إلى العقل فيما لا يخالف الشرع؛ لأن العقل إذا لم يخالف الشرع فإن الله تعالى يحيل عليه في مسائل كثيرة، مثل: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ٤٤] ومثل هذه الآية: ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. واستدلال الله تعالى على إحياء الموتى بإحياء الأرض بعد موتها استدلال عقلي حسي، فهو حسي لأنه مشاهد، وهو عقلي لأنه يستدل به على نظيره الذي لا يخالفه تماما.
فالحاصل أن في هذه الآية اعتبار العقل دليلا، ولكن كما قلت: بشرط ألا يخالف الشرع، فإن خالف الشرع فالأصح أن نقول: إنه ليس بعقل، الأصح أن نقول إنه ليس بعقل؛ لأن صحيح المنقول لا يعارض صريح المعقول أبدًا.
لكن إذا ظن أن العقل يخالف السمع فإما أن يكون لا مخالفة، وإما أن يكون السمع غير ثابت، وإما أن يكون العقل غير صحيح ملوث بالشبهات والشهوات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن التوراة والإنجيل منزل من عند الله؛ لقوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾.
فإن قال قائل: كيف تستدلون بهذه الآية على أن التوراة والإنجيل منزل من عند الله، مع أن الفعل هنا ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ﴾ يعني كيف يستقيم الاستدلال بهذه الآية على أن التوراة والإنجيل من عند الله نازل من عند الله مع أن الفعل، كمِّل.
* طالب: ﴿وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾.
* طالب: الفعل مبني للمجهول.
* الشيخ: الفعل مبني للمجهول، كذا؟ طيب ما الجواب على هذا؟
* الطالب: من قوله: من عنده
* الشيخ: من أين علمت به؟
* الطالب: (...) الله يقول: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ﴾، لأن المخاطب هو الله عز وجل، المتكلم هو الله، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ﴾.
* طالب: شيخ، هو النزول يجيء من العلو، والعلو ما يجيء إلا بإذنه تبارك وتعالى.
* الشيخ: ما هو هذا، لا ما هو هذا.
* طالب: نقول: القرآن يفسر بعضه بعضا؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة ٤٤].
* الشيخ: القرآن يفسر بعضه بعضا هذا صحيح، وفي هذه السورة نفسها في أولها: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران ٣] في نفس السورة، إذن فالمنزل للتوراة والإنجيل هو الله، وحينئذ نقول: بني الفعل للمجهول للعلم بالمنزل، وهو الله، فإذا قيل: من أين علمت أنه منزل؟ قلنا: من نفس السورة في أولها: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران ٣، ٤].
وهذا نظير قوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨] من الخالق؟ الله، لكن حذف للعلم به، ولكن لما كان الضعف صفة نقص بني الفعل هنا للمجهول، كما بني للمجهول في قوله: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن ١٠]، الشر ما أضافوه إلى الله مباشرة، قال: ﴿أَشَرٌّ أُرِيدَ﴾ والرشد أضافوه إلى الله مباشرة ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات علو الله؛ إذا ثبت الآن أن الإنزال من عند الله، فالنزول لا يكون إلا من أعلى.
هل يمكن أن نستفيد من هذه الآية: أن كلام الله متعلق بمشيئته؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، كيف؟
* الطالب: أن حدث إنزال التوراة بعد إبراهيم وهذا بمشيئة الله عز وجل.
* الشيخ: وهذا بمشيئة الله نعم، ولا شك أن التوراة منزلة من عند الله، لكن الله كتب التوراة، ولهذا قال بعض أهل العلم: لا نستطيع أن نثبت بأن التوراة من كلام الله، لكن الله كتبها بلا شك وهي نازلة من عنده، أما الإنجيل فهو كالقرآن، ما فيه أن الله تعالى كتبه، قال: أنزله، وهو كلام فيكون كلامه، أما التوراة فقال الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٤٥].
* من فوائد الآية الكريمة: النداء على بني إسرائيل بالسفه، وأن تصرفاتهم كما هي مخالفة للمنقول فهي مخالفة للمعقول، ومن أراد أن يعرف سفاهة هؤلاء القوم فليرجع إلى كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم، ذكر أشياء عجيبة من سفه الأمة الغضبية والأمة الضالة، الأمة الغضبية هم اليهود والأمة الضالة هم النصارى، ذكر أشياء عجيبة، ولو لم يكن إلا أن الله تعالى نعى عليهم عقولهم في هذه الآية وفي آية: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ٤٤] فاليهود أمة غضبية، جاهلية، في أبعد ما يكون عن الرشد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشادة بالعقل، وأن العقل لا يحمل صاحبه إلا على السداد والصواب؛ لقوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، والمراد بالعقل هنا كما ذكرنا في التفسير عقل الرشد يعني عقل التصرف، عقل التصرف الذي به الرشد، لا عقل الإدراك الذي هو مناط التكليف؛ لأن هؤلاء اليهود والنصارى عندهم عقل، العقل الذي هو عقل إدراك الذي هو مناط التكليف هذا ثابت عند اليهود والنصارى، ولولا ذلك ما كلفوا.
ثم قال: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾.* من فوائد الآية الكريمة: التنزل مع الخصم، يعني فرضنا أنه قبلت منكم المحاجة فيما لكم به علم، ولكن لا تقبل منكم المحاجة فيما ليس لكم به علم.
* ومن فوائدها: ذم المحاجة بغير علم؛ لقوله: ﴿فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾، وما أكثر هذا الواقع المؤسف المر في زمننا هذا، كثير من الناس اليوم يحاجون فيما ليس لهم به علم، بل بما تقتضيه عقولهم القاصرة، فيقول مثلًا: لم صار كذا ولم صار كذا، لماذا كان هذا حراما وكان هذا حلالا، لماذا كان هذا واجبا وكان هذا غير واجب، وما أشبه ذلك، فيحاجون فيما ليس لهم به علم، وكثير من العامة الذين عندهم لسن وبيان -والبيان من السحر- كثير منهم يجادل طالب العلم في أمر لا يعلمه هو، بل مجرد مجادلة ومراء.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إقرار الإنسان على المحاجة بالعلم، ولكن بشرط أن يكون قصده حسنا، بحيث يريد بالمجادلة الوصول إلى الحق، يكون مقصوده الوصول إلى الحق فيثبت الحق ويبطل الباطل.
أما الذي يجادل ولو فيما ليس له به إذا كان قصده إبطال الحق وإثبات الباطل فلا شك أنه مذموم، ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى ١٦].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العلم لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن المحاجة فيما ليس له به علم ليس عنده علم ولو حاج؛ لقوله: ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ بل ليس عنده عقل أيضا، لأن المحاجة فرع عن العلم، فمن حاج بغير علم فلا عقل له، كما أنه لا علم عنده.
* ومن فوائد الآية: إثبات علم الله في الحاضر، ﴿يَعْلَمُ﴾ فعل مضارع، والأصل في المضارع أنه موضوع للحاضر والمستقبل، وربما يتمحض للماضي، وربما يتمحض للمستقبل، يتمحض للماضي إذا دخلت عليه (لم)، ويتمحض للمستقبل مع السين وسوف، يعني هذا على سبيل المثال، وإذا خلا فهو صالح للحاضر والمستقبل، فهنا يقول: ﴿يَعْلَمُ﴾ يعني أن علمه عز وجل مستمر دائم وأنتم لا تعلمون ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
ثم قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ إلى آخره، من فوائد هذه الآية الكريمة: تبرئة إبراهيم من دين اليهود والنصارى أو من طريق اليهود والنصارى؛ لأننا ذكرنا أن الآية لها معنيان، فيها قولان، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام ليس يتدين بدين اليهود؛ لأن دين اليهود من بعده، ولا بدين النصارى؛ لأن دين النصارى من بعده، كذلك أيضا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليس كالنصارى واليهود يتعصبون لما هم عليه بحق أو بباطل، بل كان حنيفًا مسلمًا منقادًا لأمر الله، يأتمر بأمر الله وينتهي بنهي الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي لمن لم يتصف بوصف أن يبين براءته منه، ولو كان هذا الوصف في أصله محمودًا، لكن إذا كان لم يتصف به فالواجب أن يبين؛ لأن الله نفى أن يكون إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا، مع أن اليهودية والنصرانية بعد بعثة موسى بالنسبة لليهودية وبعثة عيسى بالنسبة للنصرانية كانت حقا قبل أن تنسخ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على إبراهيم؛ لقوله: ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، وجه الثناء عليه أنه وصفه بالتوحيد الخالص الذي لا يشوبه أي نوع من الشرك؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى ما اشتهر عند الناس من أن التخلية قبل التحلية، يعني البداءة بالنفي قبل الإثبات؛ لأن النفي تخلية والإثبات تحلية يعني: إثبات، فهنا بدأ بالنفي وهو ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾ ثم أثبت في قوله: ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾.
والظاهر أن هذا الترتيب موافق للطبيعة؛ لأنك تخلي الشيء مما يشينه أولا، ثم تضيف إليه ما يزينه، أنت عندما تريد أن تنظف ثوبا وسخا ماذا تصنع؟ أزيل الوسخ أولا، ثم أضيف ما يكون به الكمال، وفي الحديث؛ في حديث الاستفتاح: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٧٤٤) من حديث أبي هريرة، وأخرجه مسلم (٥٩٨ / ١٤٧) من حديث أبي هريرة.]]. فالمباعدة ألا أمارس الذنوب والخطايا، والتنقية أن يزال هذا الأذى، والغسل أن يطهر وينظف، واضح الترتيب هذا؟ وأضرب مثلًا يتبين به: إنسان معه أذى يريد أن يضعه على بساط الصلاة، فأقول: لا تضعه، هذه مباعدة، أليس كذلك؟ مباعدة، ما يضعها، آخر جاء به فوضعه فقلت: انزعه، هذه تنقية. المرتبة الثالثة: لما نزعه قد يكون في مكانه أثر، أقول: اغسله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا بد في التوحيد من شيئين: نفي وإثبات، النفي في قوله: ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا﴾، والإثبات في قوله: ﴿مُسْلِمًا﴾؛ لأن الحنيف هو المائل عن الشرك وعن كل دين يخالف الإسلام، والإسلام هو إثبات الاستسلام لله عز وجل، وأكد ذلك بقوله: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. التوحيد لا يتم إلا بإثبات ونفي، والعلة ظاهرة، التعليل ظاهر جدا؛ لأن النفي تعطيل، والإثبات بدون نفي لا يمنع المشاركة، والجمع بينهما إثبات مع نفي المشاركة.
نضرب مثلًا: إذا قلت: ليس هنا أحد قائم، هذا نفي، فيه إثبات ولّا ما فيه؟ إذا كان فيه أحد قائم الآن؟ ليس هنا أحد قائم، هذا تعطيل، يعني صفة القيام الآن معطلةلم يتصف به أحد.
إذا قلت: زيد قائم، هذا إثبات أن زيدا قائم، فأثبت القيام الآن لواحد من الناس، لكن هل هذه العبارة تمنع أن يكون غير زيد قائما؟ ما تمنع، قد يكون فيه واحد آخر غير زيد قائم، ولهذا إذا قلت أنا: زيد قائم، فقلت أنت: وعمرو قائم، هل يعتبر قولك هذا ردا على كلامي أو إضافة إلى كلامي؟ إضافة إلى كلامي. فإذا قلت: لا قائم إلا زيد، هذا فيه نفي وإثبات، حينئذ حصل التوحيد، صار المتفرد بالقيام من؟ هو زيد، فتبين أن لا توحيد إلا بنفي وإثبات، ولهذا هنا قال سبحانه وتعالى عن وصف إبراهيم: ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإسلام إذا أطلق دخل فيه الإيمان، أو إذا أفرد دخل فيه الإيمان، وجهه أن الله وصف إبراهيم بالإسلام، وهو كذلك، فالإسلام إذا أفرد دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أفرد دخل فيه الإسلام، وإذا اقترنا افترقا، صار الإسلام علانية والإيمان في القلب.
في حديث جبريل اجتمعا فافترقا، ولهذا فسر النبي ﷺ الإسلام بشيء وفسر الإيمان بشيء آخر.
في قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات ١٤] اجتمعا فافترقا، فصار الإيمان الذي ادعوه غير الإسلام الذي أثبته الله لهم ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾.
في قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات ٣٥، ٣٦] اجتمعا فافترقا، الإخراج لم يكن إلا للمؤمنين، لكن البيت بيت مسلمين، كيف هذا؟ الذي أخرج من؟ لوط وأهله إلا زوجته، إلا امرأته، فصار الذين أخرجوا هم المؤمنين الخلص. البيت يشتمل على أهله الذين آمنوا إيمانا خالصا، وعلى امرأته التي خانته، فهي مسلمة وليست مؤمنة، إذا البيت كله باعتبار الكل مسلم، ولهذا قال: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وأما من زعم أن الإسلام هو الإيمان واستدل بالآية فقد أبعد النجعة؛ للفرق بين التعبيرين ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل: من المسلمين قال: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
إذن الإسلام هنا الذي في الآية الكريمة ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ يشمل الإيمان ولّا لا؟
* طلبة: يشمل.
* الشيخ: لماذا؟ لأنه أفرد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأنه لم يكن فيه صفة من صفات المشركين، ولهذا قال: لم يكن من المشركين ولم يقل: لم يكن مشركا، فليس فيه صفة من صفات المشركين أبدًا، لا الشرك ولا غيره، وهكذا ينبغي لكل مؤمن ألا يتصف بأي صفة من صفات المشركين. فمثلًا: من صفات المشركين الشرك واضح، من صفات المشركين كراهتهم للتوحيد، ولّا لا؟ المشركون يكرهون التوحيد؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم وينكرونه، ويقولون: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص ٥] فمن كره التوحيد وإن لم يكن مشركا ففيه من صفات المشركين، بل قد يكون كافرا.
ثم قال عز وجل: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ٦٨]. في الآية دليل على أن الأولويات تختلف، أي أن الناس يتفاضلون بالأولوية والولاية؛ لقوله: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ﴾، و(أولى) اسم تفضيل، والتفضيل يدل على مفضل وأيش؟ ومفضل عليه، ولا شك أن الولاية درجات، الولاية درجات، فأحق الناس بالولاية لإبراهيم من اتبعه، يعني القوم الذين اتبعوه في عهده؛ لأن القوم الذين اتبعوه في عهده اتبعوه في أصل الدين وفي فروع الدين، يعني في جليل الدين ودقيقه، اتبعوه، ولهذا قدم الذين اتبعوه على النبي والذين آمنوا؛ لأن النبي ﷺ والذين آمنوا لم يتبعوا إبراهيم في فروع الشريعة، بل ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨]، لكن اتبعوه في أصل الدين والاستسلام له عز وجل، وإلا فلا شك أن النبي محمدًا ﷺ أفضل من الذين اتبعوا إبراهيم، بلا شك، بل وأتباع الرسول أفضل من أتباع إبراهيم.
* من فوائد الآية الكريمة: شرف النبي ﷺ ومن آمن معه، بكونهم أولى الناس بمن؟ بإبراهيم الذي تتنازعه الأمم، كل أمة تقول: أنا أولى به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على اليهود والنصارى، حيث ادعوا أنهم أولى الناس بإبراهيم، فكذبهم الله.
من فوائدها: تشريف النبي ﷺ بالإشارة إليه من رب العالمين، في قوله: ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات نبوة الرسول ﷺ، وهذا أمر لا شك فيه، وكل من وصف بالنبوة في القرآن فهو رسول، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣]، ثم قال في هؤلاء النبيين: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [النساء ١٦٥] إذن فكل من وصف بالنبوة في القرآن فإنه رسول، بدليل آية النساء: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات ولاية الله للمؤمنين في قوله: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وهذه الولاية كما قلنا آنفا ولاية خاصة، تقتضي عناية تامة، وكل من كان أكمل إيمانا فولاية الله له أكمل.
(كل من كان أكمل إيمانًا فولاية الله له أكمل) * هذه فائدة، من أين أخذناها؟
من قاعدة معروفة عند أهل العلم، وهي: أن الحكم المعلق بوصف يزداد قوة بقوة هذا الوصف فيه، هذه قاعدة مفيدة: كل حكم معلق بوصف فإن هذا الحكم يزداد قوة بقوة الوصف الذي علق عليه الحكم. فإذا قلت مثلًا: أنا أحب الصالحين، معناه كل من كان أصلح فهو أحب إلي؛ لأن المحبة علقت بالصلاح، فكلما ازداد الصلاح ازدادت المحبة، ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ علقت الولاية بالإيمان، فكلما كان الإنسان أقوى إيمانا كانت ولاية الله له أتم وأخص.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي للإنسان أن يحقق إيمانه ويكمله بقدر استطاعته؛ من أجل أن ينال ولاية الله؛ لأن كل إنسان في الحقيقة عاقل يسعى إلى أن يكون الله له وليا.
نقول: الأمر سهل، حقق الإيمان يكن الله لك وليا، وكلما ازداد تحقيقك الإيمان ازدادت ولاية الله لك، وإلا فكلنا يطلب ذلك ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أوليائه، كلنا يطلب هذا، لكن بس حقق الإيمان، من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، هذه من أسباب الولاية أن يكون حبك وبغضك وكراهتك وعداوتك وولايتك لله عز وجل، لا للدنيا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب، إثبات الأسباب، من أين يؤخذ؟ ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾. وجه ذلك أن الإيمان جعله الله سببًا لولاية الله، ولا شك أن الأسباب ثابتة، والأسباب شرعية وعقلية وحسية، فالأسباب الشرعية ما جعلها الله تعالى سببا في القرآن، فمثلًا الإيمان سبب لدخول الجنة، هذا سبب شرعي ولّا لا؟ دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة، هذا سبب شرعي. العسل سبب للشفاء.
فإذا قلت مثلًا: أنا أحب الصالحين، معناه كل من كان أصلح فهو أحب إليّ؛ لأن المحبة عُلقت بالصلاح، فكلما ازداد الصلاح أيش؟ ازداد المحبة، ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ٦٨] عُلّقت الولاية بالإيمان، فكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا كانت ولاية الله له أتم وأخص.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي للإنسان أن يحقّق إيمانه ويكمّله بقدر استطاعته من أجل أن ينال ولاية الله؛ لأن كل إنسان في الحقيقة عاقل يسعى إلى أن يكون الله له وليًّا، نقول: الأمر سهل؛ حقق الإيمان يكن الله لك وليًّا، وكلما ازداد تحقيقك الإيمان ازدادت ولاية الله لك، وإلا فكلنا يطلب ذلك، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أوليائه، كلنا يطلب هذا، لكن بس حقق الإيمان، من أحبَّ في الله، وأبغضَ في الله، ووالى في الله، وعادى في الله فإنما تُنال ولاية الله بذلك هذه من أسباب الولاية أن يكون حبك وبغضك وكراهتك وعداوتك وولايتك لله عز وجل لا للدنيا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب، من أين يؤخذ؟ ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وجه ذلك أن الإيمان جعله الله سببًا لولاية الله، ولا شك أن الأسباب ثابتة.
والأسباب: شرعية، وعقلية، وحسية، فالأسباب الشرعية ما جعلها الله تعالى سببًا في القرآن، فمثلًا الإيمان سبب لدخول الجنة هذا سبب شرعي ولَّا لا؟ دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة، هذا سبب شرعي، العسل سبب للشفاء، هو قدَري علمنا به من طريق الشرع؛ يعني من طريق الوحي، كون الماء سببًا لنبات الأرض المطر؟ سبب حسي.
* طلبة: شرعي حسي.
* الشيخ: نعم، هو أخبر الله به، لكن نحن نشاهد، لو فرض أنه ما في قرآن يدلنا على هذا شاهدنا بأنفسنا فهو سبب حسي.
الأدوية الطبيعية التي تستخرج بالتجارب أسباب حسية، أما الأسباب العقلية فهي كثيرة جدًّا، كل شيء يترتب على شيء عقلًا فهو أيش؟ سبب عقلي، والأسباب الشرعية والحسية والعقلية كلها مؤثرة بذاتها حيث أودع الله فيها التأثير.
وإنما قلت ذلك؛ لأن بعض الناس غالى في التنزيه فقال: إن الأسباب لا تؤثِّر بذاتها، وإنما يكون التأثير عندها لا بها، فقالوا مثلًا: إن الاحتراق بالنار ليس بالنار، لكن حصل الإحراق عند تماس النار بما يقبل الاحتراق حصل الاحتراق، أما النار ما هي بتحرق، لو جعلت النار تُحرق وتقلب الشيء مما كان عليه من أول لأثبتّ مع الله خالقًا وصِرت مشركًا، من اللي يقلب هذا العود إلى رماد؟
* طلبة: الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: يقول: ما يقدر على هذا إلا الله، أنت لو قلت: إن النار هي اللي قلبت أشركت بالله، إذن لا تقول: النار أحرقت، احترق عندها. أخذت حجرًا فرميتَ به كأس زجاج فانكسر قال: لا تقل إن الحجر هو اللي كسره، من يستطيع يفصل بين هذه الأجزاء المتلاصقة إلا الله، فأنت إذا قلت: إن الحجر هو اللي كسرها كنت مشركًا، فإثبات تأثير الأسباب شرك، قال: انكسر عندها لا بها، انكسر عندها عند الحجر لا بالحجر، سبحان الله حط حجرًا ثقيلًا جدًّا جدًّا على الزجاج ينكسر ولَّا لا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: اضربوه بحجر صغير ينكسر، إذن كيف تقول: عندها؟ لو كان عندها كان لو حطينا حجرًا كبيرًا انكسر ولو ضربناه بحجر صغير ما ينكسر.
لكن نقول: الأسباب مؤثرة، لكن الله أودع فيها هذا التأثير، الله هو اللي أودع فيها هذا التأثير، لولا أن الله أودع فيها هذا التأثير ما أثرت، ولهذا لما ألقي إبراهيم في النار فقال الله لها: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩] أثَّرت؟ ما أثرت.
إذن عرفنا الآن أن الأسباب جعلها الله مؤثرة بذاتها ليست هي اللي تخلق أو خلقت بذاتها، ولكن الله أودع فيها هذه القوة التي يكون بها المسبَّب، واضح يا جماعة؟ وهذا هو المعقول، فنحن لا نغالي أيضًا في إثبات الأسباب ونقول: إن هذا يكون بدون الله ولا نغالي في التنزيه ونقول: إن الأسباب لا تؤثر، وإنما يحصل الأثر عندها لا بها، كلا الأمرين خطأ.
والوسط في الغالب يكون هو الحق؛ لأنك تجد المتطرفين كل واحد أخذ بجانب من الحق وترك جانبًا، والوسط يأخذ بالجانبين فيكون وسطًا.
* طالب: قلنا: إذا ازداد الإيمان ازدادت ولاية الله مثلًا (...) يقول: إن النبي ﷺ (...) تكرار شديد، كما قلنا أيضًا من زيادة الإيمان هو الحب في الله والبغض في الله، وبعدين ذكر في (...) أشياء لا يمكن للإنسان أن يزيد فيها ولا ينقص أن يؤمن بالله وملائكته؟
* الشيخ: لا، لا، لكن هل إيمان الناس بالله وملائكته وكتبه ورسله متساوٍ؟
* الطالب: لكن الآن ما أستطيع بالنسبة لي أنا كمؤمن فرداني شخص مؤمن بهذه الأمور كيف أزيد فيها؟
* الشيخ: لكن هل إيمانك مثل إيمان الثاني والثالث؟
* الطالب: لا، طبعًا لا.
* الشيخ: حتى إيمانك في يوم من الأيام ليس كإيمانك في يوم آخر.
* الطالب: لكن كيف أن أزيد فيها؟ الإيمان بالله.
* الشيخ: أنت تزيد فيها؛ يعني أحيانًا يأتي الإنسان مثلًا قوة إيمان كأنما يشاهد الأمر رأي العين وأحيانًا مع الغفلة ما يكون هكذا.
* طالب: هنا يقصد يا شيخ بالنسبة الآن قال النبي ﷺ حدد الأمور التي يؤمن بها؟
* الشيخ: طيب أن تؤمن بالله وملائكته إلى آخر الأركان الستة، هل الناس يتساوون في الإيمان بهذه الأمور الستة؟
* الطالب: لا يتساوون.
* الشيخ: إذن كلما قوي إيمانك بهذه ازدادت ولاية الله لك.
* الطالب: (...) الحب والبغض.
* الشيخ: نعم، الحب في الله لإيمانك بالله أحببت في الله.
* الطالب: يا شيخ، في الأسباب عندما يذهب أحد المرضى إلى المشعوذين نقول: إنه حصل الشفاء عنده لا به يعني بسببه، ما الفرق بين هذه وبين الأول؟
* الشيخ: لأن الله لم يجعل كلام المشعوذين سببًا، نقول: لا بد أن يشهد الشرع أو الحس أو العقل بأن هذا سبب، أما مجرد يجيء مشعوذ يتكلم عندنا ما نقبل، يعني لو أن واحدًا قال: أنا أدعو هذا الولي ويُستجاب لي، امرأة تقول ليست تحمل أبدًا وراحت لقبر هذا الولي وتمرغت عليه وأخذت منه ترابًا ووضعته في فرجها عند الجماع وأراد الله أن تحمل، نقول: حصل هذا بتراب هذا الولي؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لأيش؟ لأن هذا ليس سببًا شرعيًّا ولا حسيًّا ولا عقليًّا، فلا بد من أن يثبت كون هذا الشيء سببًا، ولهذا كانت التمائم شركًا، لأيش؟ لأنها ليست سببًا حسيًّا ولا شرعيًّا ولا عقليًّا.
* الطالب: فيه كون الأنبياء اتفقوا في أصل التوحيد واختلفوا في فروع الدين، فاستدل بعض الناس بخلافهم في فروع الدين بجواز تعدد الجماعات الإسلامية إذا لم تختلف، أما إذا اختلفت؟
* الشيخ: اللهم نعم، أنا أوافقهم على تعدد الجماعات الإسلامية إذا كان كل رئيس لهذه الجماعات يقول: إنه نبي!! نوافقه على هذا!! إذا كان يدعي أنه نبي نقول: لا بأس، أما أن نبينا واحد وديننا واحد فلا يمكن أن نقر هذا المبدأ، تعدد الجماعات الإسلامية أبدًا، هؤلاء أنبياء مستقلون، فإذا كان هؤلاء يدعي رؤساؤهم بأنهم أنبياء فعلى العين والرأس لكن ما يدعون هذا، هم أبعد الناس عن هذه الدعوى.
{"ayahs_start":65,"ayahs":["یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَمَاۤ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِیلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ","هَـٰۤأَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ حَـٰجَجۡتُمۡ فِیمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیمَا لَیۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمࣱۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ","مَا كَانَ إِبۡرَ ٰهِیمُ یَهُودِیࣰّا وَلَا نَصۡرَانِیࣰّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِیفࣰا مُّسۡلِمࣰا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ","إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَ ٰهِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِیُّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۗ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَ ٰهِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِیُّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۗ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق