الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكم بِهِ عِلْمٌ واللَّهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿ما كانَ إبْراهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا ولَكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ ﴿إنَّ أوْلى النّاسِ بِإبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهَذا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا واللَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ﴾
فِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ”ها أنْتُمْ“ بِالمَدِّ والهَمْزَةِ، وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو بِغَيْرِ هَمْزٍ ولا مَدٍّ، إلّا بِقَدْرِ خُرُوجِ الألِفِ السّاكِنَةِ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِالهَمْزِ والقَصْرِ عَلى وزْنِ ”صَنَعْتُمْ“، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ بِالمَدِّ دُونَ الهَمْزِ، فَمَن حَقَّقَ فَعَلى الأصْلِ؛ لِأنَّهُما حَرْفانِ ”ها“ و”أنْتُمْ“ ومَن لَمْ يَمُدَّ ولَمْ يَهْمِزْ فَلِلتَّخْفِيفِ مِن غَيْرِ إخْلالٍ.(p-٧٩)
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في أصْلِ (ها أنْتُمْ) فَقِيلَ: ”ها“ تَنْبِيهٌ والأصْلُ ”أنْتُمْ“ وقِيلَ أصْلُهُ: ”أأنْتُمْ“ فَقُلِبَتِ الهَمْزَةُ الأُولى هاءً، كَقَوْلِهِمْ: هَرَقْتُ الماءَ وأرَقْتُ و”هَؤُلاءِ“ مَبْنِيٌّ عَلى الكَسْرِ وأصْلُهُ أُولاءِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ ”ها“ التَّنْبِيهِ، وفِيهِ لُغَتانِ: القَصْرُ والمَدُّ، فَإنْ قِيلَ: أيْنَ خَبَرُ أنْتُمْ في قَوْلِهِ: ها أنْتُمْ ؟ قُلْنا في ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
(الأوَّلُ): قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ ”ها“ لِلتَّنْبِيهِ و”أنْتُمْ“ مُبْتَدَأٌ و(هَؤُلاءِ) خَبَرُهُ و(حاجَجْتُمْ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الأُولى بِمَعْنى: أنْتُمْ هَؤُلاءِ الأشْخاصُ الحَمْقى وبَيانُ حَماقَتِكم وقِلَّةِ عُقُولِكم أنَّكم وإنْ جادَلْتُمْ فِيما لَكم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكم بِهِ عِلْمٌ ؟
(والثّانِي): أنْ يَكُونَ ”أنْتُمْ“ مُبْتَدَأً، وخَبَرُ ”هَؤُلاءِ“ بِمَعْنى أُولاءِ عَلى مَعْنى الَّذِي وما بَعْدَهُ صِلَةٌ لَهُ.
(الثّالِثُ): أنْ يَكُونَ ”أنْتُمْ“ مُبْتَدَأً ”وهَؤُلاءِ“ عَطْفَ بَيانٍ ”وحاجَجْتُمْ“ خَبَرَهُ، وتَقْدِيرُهُ: أنْتُمْ يا هَؤُلاءِ حاجَجْتُمْ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: المُرادُ مِن قَوْلِهِ ﴿حاجَجْتُمْ فِيما لَكم بِهِ عِلْمٌ﴾ هو أنَّهم زَعَمُوا أنَّ شَرِيعَةَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ مُخالِفَةٌ لِشَرِيعَةِ القُرْآنِ فَكَيْفَ تُحاجُّونَ فِيما لا عِلْمَ لَكم بِهِ، وهو ادِّعاؤُكم أنَّ شَرِيعَةَ إبْراهِيمَ كانَتْ مُخالِفَةً لِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ؟ .
ثُمَّ يُحْتَمَلُ في قَوْلِهِ: ﴿ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكم بِهِ عِلْمٌ﴾ أنَّهُ لَمْ يَصِفْهم في العِلْمِ حَقِيقَةً، وإنَّما أرادَ أنَّكم تَسْتَجِيزُونَ مُحاجَّتَهُ فِيما تَدَّعُونَ عِلْمَهُ، فَكَيْفَ تُحاجُّونَهُ فِيما لا عِلْمَ لَكم بِهِ البَتَّةَ ؟ .
ثُمَّ حَقَّقَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ﴾ كَيْفَ كانَتْ حالُ هَذِهِ الشَّرائِعِ في المُخالَفَةِ والمُوافَقَةِ: ﴿وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ كَيْفِيَّةَ تِلْكَ الأحْوالِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى ذَلِكَ مُفَصَّلًا فَقالَ: ﴿ما كانَ إبْراهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا﴾ فَكَذَّبَهم فِيما ادَّعَوْهُ مِن مُوافَقَةٍ لَهُما.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿ولَكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ وقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ الحَنِيفِ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ وهو تَعْرِيضٌ بِكَوْنِ النَّصارى مُشْرِكِينَ في قَوْلِهِمْ بِإلَهِيَّةِ المَسِيحِ وبِكَوْنِ اليَهُودِ مُشْرِكِينَ في قَوْلِهِمْ بِالتَّشْبِيهِ.
فَإنْ قِيلَ: قَوْلُكم: إبْراهِيمُ عَلى دِينِ الإسْلامِ أتُرِيدُونَ بِهِ المُوافَقَةَ في الأُصُولِ أوْ في الفُرُوعِ ؟ فَإنْ كانَ الأوَّلُ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِدِينِ الإسْلامِ، بَلْ نَقْطَعُ بِأنَّ إبْراهِيمَ أيْضًا عَلى دِينِ اليَهُودِ، أعْنِي ذَلِكَ الدِّينَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى، فَكانَ أيْضًا عَلى دِينِ النَّصارى، أعْنِي تِلْكَ النَّصْرانِيَّةَ الَّتِي جاءَ بِها عِيسى فَإنَّ أدْيانَ الأنْبِياءِ لا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُخْتَلِفَةً في الأُصُولِ، وإنْ أرَدْتُمْ بِهِ المُوافَقَةَ في الفُرُوعِ، فَلَزِمَ أنْ لا يَكُونَ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - صاحِبَ الشَّرْعِ البَتَّةَ، بَلْ كانَ كالمُقَرِّرِ لِدِينِ غَيْرِهِ، وأيْضًا مِنَ المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أنَّ التَّعَبُّدَ بِالقُرْآنِ ما كانَ مَوْجُودًا في زَمانِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَتِلاوَةُ القُرْآنِ مَشْرُوعَةٌ في صَلاتِنا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ في صَلاتِهِمْ، قُلْنا: جازَ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ المُوافَقَةَ في الأُصُولِ، والغَرَضُ مِنهُ بَيانُ أنَّهُ ما كانَ مُوافِقًا في أُصُولِ الدِّينِ لِمَذْهَبِ هَؤُلاءِ الَّذِينَ هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى في زَمانِنا هَذا، وجازَ أيْضًا أنْ يُقالَ المُرادُ بِهِ الفُرُوعُ وذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ نَسَخَ تِلْكَ الفُرُوعَ بِشَرْعِ (p-٨٠)مُوسى، ثُمَّ في زَمَنِ مُحَمَّدٍ ﷺ نَسَخَ شَرْعُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - الشَّرِيعَةَ الَّتِي كانَتْ ثابِتَةً في زَمَنِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - صاحِبَ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ لَمّا كانَ غالِبُ شَرْعِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُوافِقًا لِشَرْعِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَوْ وقَعَتِ المُخالَفَةُ في القَلِيلِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ في حُصُولِ المُوافَقَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى: ﴿إنَّ أوْلى النّاسِ بِإبْراهِيمَ﴾ فَرِيقانِ:
(أحَدُهُما): مَنِ اتَّبَعَهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ.
(والآخَرُ): النَّبِيُّ وسائِرُ المُؤْمِنِينَ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿واللَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ﴾ بِالنُّصْرَةِ والمَعُونَةِ والتَّوْفِيقِ والإعْظامِ والإكْرامِ.
{"ayahs_start":66,"ayahs":["هَـٰۤأَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ حَـٰجَجۡتُمۡ فِیمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیمَا لَیۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمࣱۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ","مَا كَانَ إِبۡرَ ٰهِیمُ یَهُودِیࣰّا وَلَا نَصۡرَانِیࣰّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِیفࣰا مُّسۡلِمࣰا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ","إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَ ٰهِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِیُّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۗ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَ ٰهِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِیُّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۗ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق