الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في هذه الآية قراءتان في كلمتين، أولًا: ﴿النَّبِيِّينَ﴾ فيها قراءة ﴿النَّبِيئِينَ﴾ ، وثانيا: ﴿وَيَقْتُلُونَ﴾ فيها قراءة ﴿وَيُقَاتِلُونَ﴾ ﴿وَيُقَاتِلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ .
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ يكفرون بآيات الله الكونية أو الشرعية، والآيات جمع آية وهي في اللغة العلامة، وهذه الآيات الكونية التي نشاهدها مما لا يستطيع البشر أن يخلقوا مثلها هي آية على الله، آية تدل على أن الخالق واحد لا شريك له وعلى أنه لا يشبهه شيء؛ لأن الناس لو اجتمعوا كلهم على أن يخلقوا جبلًا واحدًا ما استطاعوا، أو أن يخلقوا حيوانًا واحدًا ما استطاعوا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣]. آيات الله الشرعية أيضًا لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثلها: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء ٨٨] فالآيات الشرعية هي العلامات الدالة على أن الذي أنزل هذه الآيات إله واحد وأنه كامل الحكمة، هؤلاء الذين يكفرون بهذه الآيات يقول عز وجل بعد أن ذكر معطوفات متعددة: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ولكن كيف يكون الكفر بآيات الله؟ نقول أولًا: الآيات الكونية؟
* طالب: (...) بأن يجحد الخالق سبحانه وتعالى بأنه خلقها.
* الشيخ: أن يدَّعي أن الذي خلقها غير الله، هذا واحد.
* الطالب: أو أن ينسب له له شريك في خلقه.
* الشيخ: أو أن له شريكًا في خلقه.
* الطالب: أو أن ينسب له معينًا في خلقه.
* الشيخ: أو أن له معينًا في خلقه، ثلاثة أشياء. طيب الكفر بالآيات الشرعية؟
* طالب: إما أن يكون بالجحود أو بالاستكبار والعياذ بالله.
* الشيخ: نعم إما بجحودها وتكذيبها أو بالاستكبار والعناد، ومن تكذيبها أو الاستكبار عنها تحريف النصوص، فإن تحريف النصوص نوع من الكفر بلا شك. يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ يقتلون النبيين الذين أرسلهم الله إليهم بغير حق، والنبيون هنا يشمل الرسل ومَن لم يرسَل من النبيين، وأكثر ما وُجِد هذه الصفة في اليهود؛ لأن اليهود هم أعتى المخالفين للرسل وأشدهم غلظة والعياذ بالله، فصار منهم مَن قتل الأنبياء بغير حق وعبد الطاغوت، وهنا يقول: ﴿النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، هذه الصفة لا يراد بها إخراج ما خالفها، وإنما يراد بها بيان الواقع والدلالة على أن هذا القتل كان عدوانًا، فيراد بها شيئان:
أولًا بيان الواقع وأنهم يقتلونهم وهم غير محقين يعني لا يقتلونهم قصاصًا مثلًا، بل يقتلونهم عدوانًا وظلمًا.
ثانيًا: أنَّ قتلهم كان بباطل بغير حق، وإلا فليس هناك قتْلٌ يكون بحق لأحد من النبيين.
﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ وفي قراءة: ﴿يُقَاتِلُونَ﴾ مَن الذين يأمرون بالقسط من الناس؟ الرسل وغير الرسل، أهل العلم يأمرون الناس بالقسط، الخلفاء الراشدون يأمرون الناس بالقسط، النبيون يأمرون الناس بالقسط؛ وحينئذ فعطفه على النبيين من باب عطف العام على الخاص، ولكنه خص الأنبياء لأن قتلهم أعظم من قتل غيرهم، فلا قتْلَ أعظم جرمًا من قتل النبيين بغير حق. ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ ﴿بِالْقِسْطِ﴾ أي بالعدل، ﴿مِنَ النَّاسِ﴾ يشمل النبيين وغيرهم، وقد مر علينا إذا عُطف العام على الخاص أو الخاص على العام هل هذا يدل على إخراج الخاص من الحكم العام؟ أو على التنصيص عليه لأهميته فيكون قد ذُكر مرتين؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني هو الأقرب يكون ذُكر مرتين مرة بطريق العموم ومرة بطريق الخصوص، ولكن خُص من بين سائر الأفراد أو أُعيدَ الحكم عليه من بين سائر الأفراد للاعتناء به والاهتمام به. ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الخطاب إما للرسول ﷺ أو لكل من يتأتَّى خطابه، و﴿بَشِّرْهُمْ﴾: أَخبِرْهم ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ والعذاب: العقوبة، والأليم بمعنى المؤلِم. وهذه البشارة هل هي على سبيل التهكم بهؤلاء؟ أو هو من باب تشبيه البشارة بما يسوء بالبشارة بما يسُرّ بجامع أن كلًّا منهما تتأثر فيه البشرة وتتغير.
* طلبة: يشمل الأول.
* طالب: الثاني.
* الشيخ: يحتمل الواقع يحتمل هذا وهذا، ولكن إذا قلنا: إنه من باب التهكم استُفيد بذلك زيادة الألم على هؤلاء المبشَّرين، كقوله تعالى: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ﴾ -يعني قولوا له: ذُقْ- ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٧ - ٤٩] فإن هذه الكلمة أو الجملة لا شك أنها ستبلغ في قلبه كل مبلغ؛ لأنه سيتذكر أين العزة؟ وأين الكرم؟! أين العزة التي بها أغلب والكرم الذي به أجود؟! فيكون أشد وقعًا وأشد تحسرًا أنه فاته هذا الوصف الذي كان في الدنيا يرى نفسه من أهله.
* طالب: قول صاحب الجلالين أن اليهود قتلوا ثلاثة وأربعين نبيًّا؟
* الشيخ: لا ما أعرف جيدًا، لا شك أنهم قتلوا الأنبياء بغير حق، لكن كونهم ثلاثة وأربعين أو أربع مئة أو أكثر أو أقل الله أعلم.
* طالب: لو كانت الدولة من الدول تستورد لحوم معروف أنها من بلد شيوعي.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: تستورد لحوم من دولة يعني ملحدة ما تؤمن بالله شيوعية يعني معظم استيرادها أو كله تقريبًا وفيه بأه لحم بلدي في البلد لكن ما أحد يشتريه لغلاء سعره أو قليل ما يشتريه، وأنت تعلم أن هذا مثلًا اللي عزمك ما يشتري إلا من هذا اللحم دائمًا أو غالبًا وعزمك يا شيخ أو أعطاك مثلًا لحمًا هل تتحرج إنك ما تعرف هو من وين؟ المعظم شراؤه منه دائمًا ما يشتري بلدي؟
* الشيخ: أولًا: إن الدول الشيوعية قد يكون فيها مسلمون، ألم تعلم الضجة التي حصلت في يوغوسلافيا هذه الأيام؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: فيه مسلمون كثيرون، وقد قيل: إن أكثر من يتولى المسالخ هم المسلمون؛ لأنهم فقراء في ذلك المكان، فربما يكون الذابح مسلمًا؛ لكن مع هذا أهل العلم يقولون: إذا وُجدت مُذَكَّاة في بلد أكثر أهله ممن تحل ذبيحته فهو حلال اعتبارًا بالأكثر والأغلب وتيسيرًا على الأمة، فيُنظر إذا قيل: والله أكثر المسالخ في البلد الشيوعي هذا أكثرها يتولاها مسلمون صار الوارد منه حلالًا، وإذا قال: أكثره غير مسلمين صار الوارد حرامًا حتى لو فُرض أنها بلد يهود أو نصارى، وقد عُلم أن أكثر من يتولى الذبح غير يهودي ولا نصراني فإنها لا تحل ذبيحتهم.
* طالب: شيخ، طيب يعني الإنسان إذا ذهب مثلًا هناك كثرة الدجاج الذي يعني يأتي من الخارج يا شيخ يكون من الخارج متيقنين أنه لم يسمَّ عليه، لم يسموا عليه لأنهم لا يعرفون التسمية أصلًا حتى يعني إنه ذهب ناس هناك وقال: إنهم يأكلونها؟
* الشيخ: ما علمت لأنه قال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام ١٢١] ولم يقل: ولا تأكلوا مما لم تعلموا، قال: ﴿مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ﴾ يعني إنه إذا تيقنا أنه لم يذكر اسم الله عليه.
* الطالب: هذا شبه متيقنين يا شيخ لأني أنا عارف ما يسمون؟
* الشيخ: إذا كان شيء متيقن لا تأكل، لكن ما دمت لم تتيقن فلك الأكل.
* الطالب: إذا كان تيقنا فلا نأكل؟
* الشيخ: معلوم إذا تيقنا لا يجوز الأكل.
* طالب: الفائدة اللي أخذناها هي أن من آتاه الله علمًا في هذا الوقت فعليه البلاغ أو يجب عليه البلاغ (...)؟
* الشيخ: نعم، العالم يجب عليه أن يبلغ الشرع.
* الطالب: الوحي يا شيخ ما معنى الوحي؟
* الشيخ: إي، الوحي (...) القرآن وحي.
* الطالب: (...)
* الشيخ: لا، لا نبي بعد محمد.
* طالب: يا شيخ، قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ﴾ هذا المعطوف على كل موصول صلة على خبر (إن) ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ هذا خبر، وهذا الاسم، الفاء الجزائي من وين؟
* الشيخ: فهمتم سؤاله؟
* طالب: أعد.
* الشيخ: هذا الرجل فهم فهمًا جيدًا وأنتم وُلدتم في البلد هنا في العرب ولا فهمتم ذلك ها؟
* طالب: إيه نعم.
* الشيخ: يقول: الفاء الواقعة في خبر المبتدأ كده، ويش اللي جابها هنا؟ ما هي أداة شرط؟ يقول العلماء: إن اسم الموصول يشبه اسم الشرط في العموم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ﴾ فهو كقوله: إن من يكفر بآيات الله.
* الطالب: يعني متضمن لمعنى الشرط.
* الشيخ: إي نعم، اسم الموصول متضمن لمعنى الشرط، ويقول: إنك تقول: الذي يأتيني فله درهم، فهو بمعنى قولك: من يأتيني فله درهم. معلوم؟
* طالب: شيخ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ إذا قيل: المقصود من الوجه هنا الذات أي أسلمت ذاتي كلها لله سبحانه وتعالى؟ فما يكون قوله: ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ﴾ [ق ١٦]؟
* الشيخ: هو من أسلم وجهه فقد أسلم نفسه، الآن مثلًا واحد يكلمك وهو (...) وقلت أنا أتسمع لك وأنت ويش تقول يصدقونك الناس؟ ما يصدقونك.
* طالب: أقول يا شيخ، أن اختلاف العلماء في فهم النص يعني أحيانًا بعض العلماء يعطيك فهم للنص بيختلف من عالم إلى آخر هل هذا يكون اختلاف تنوع أو تضاد؟
* الشيخ: ما ندري، إذا كان يمكن الجمع بين القولين فهو من باب التنوع، فمثلًا قال بعض العلماء في قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير ١٧] أي أدبر، وقال آخرون: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾: [التكوير: ١٧] أقبل. ولا تضاد في هذا، فهو اختلاف تنوع، فإذا كان القولان لا يمكن الجمع بينهما مثل: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة ٢٢٨] منهم من قال: المراد بالقرء الحيض، ومنهم من قال: المراد بالقرء الطهر هذا ما يمكن الجمع بينهما، فهذا اختلاف تضاد. وكذلك قال الأحناف: يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه. وقال غيرهم: يخرج وقت العصر إذا كان ظل كل شيء مثليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يمكن الجمع، هذا اختلاف تضاد هذا (...).
* طالب: يا شيخ، الله عز وجل أمر النبي ﷺ عند محاجة أن يقول: ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾، ما حكم المحاجة لو تحدث فيما بين المسلمين وأهل الكتاب؟
* الشيخ: نعم المحاجة هذه إذا ظهر عناده فقل هكذا، أما ما دام أنهم غير معاندين لكنهم يتطلبون الحق فجادلهم حتى يتبين الحق، ولكن إذا تبين عنادهم الآن فإننا نقول: إما أن نضرب أعناقكم أو أن تعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، هذا الواجب على المسلمين إذا قدروا، وأما إذا لم يقدروا في الوقت الحاضر فهذا شيء (...).
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران ٢٢ - ٢٧]
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ هذا مبتدأ الدرس، المناقشة.
* طالب: فإن أسلموا باطنًا بالإيمان.
* الشيخ: قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ أين جواب الشرط في قوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾؟
* طالب: ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾.
* الشيخ: ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾، لماذا اقترن بالفاء؟
* الطالب: لأن الماضي بقد الماضي إذا كان بقد وجب الفاء عليه.
* الشيخ: أحسنت تمام، فيه بيت مشهور في الجمل التي يجب ارتباطها بالفاء إذا وقعت جوابًا للشرط؟
* طالب:
؎اسْمِيَّــــــــــــــــةٌ طَلَبِيَّــــــــــــةٌوَبِجَامِــــــــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَــــــــا وَقَـــــــدْ وَبِلَــــــنْوَبِالتَّنْفِيــــــــــسِ
* الشيخ: هذه قد، طيب يقول: ﴿إِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ ما المراد بالهداية هنا؟
* طالب: هداية التوفيق.
* الشيخ: هداية التوفيق، هل تستطيع أن تأتي لي بمثال فيه هداية الدلالة والتوفيق؟
* الطالب: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]
* الشيخ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ هذه هداية أيش؟
* الطالب: الدلالة.
* الشيخ: هداية دلالة. يستفاد من هذه الآية أن الرسول ﷺ ليس عليه هداية الناس؟
* طالب: لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾.
* الشيخ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾. هل ينسحب هذا الحكم على من ورث النبي ﷺ من أهل العلم؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: فيكون عليهم البلاغ دون هداية التوفيق. استدل بعض العلماء بهذه الآية على أنه على القاعدة المعروفة في أصول الفقه: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. كيف ذلك؟
* طالب: قوله: ﴿إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾، إن هذا حصر، تفيد الحصر.
* الشيخ: طيب، لكن ما وجه دلالته على قولهم: إنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؟
* الطالب: ﴿عَلَيْكَ﴾ و(على) ظاهرة الوجوب، والتبليغ واجب إذا ظهر هذا الأمر (...) قوله: ﴿عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾
* الشيخ: يعني لو لم يبين عند الحاجة لم يكن مبلغًا لأخل بهذا الواجب واضح؟ طيب. إذا سكت النبي ﷺ عن شرط والحاجة تدعو إلى بيانه لو كان شرطًا فهل يمكن أن يستدل بذلك على أنه ليس بشرط؟ يعني مثلًا مسألة اشترطها بعض العلماء لصحة العبادة والنبي ﷺ سكت عنها في حال تدعو الحاجة إلى بيانها لو كانت واجبة فهل يمكن أن نستدل بذلك على أنها ليست بشرط؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: من هذه الآية؟
* الطالب: من هذه الآية؟
* الشيخ: من هذه الآية لأنها لو كانت شرطًا لبلغه النبي ﷺ. قوله: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ هل المراد بصر الرؤية أو بصر العلم؟
* طالب: يراد بالآية بصر العلم.
* الشيخ: بصر العلم، لماذا قيدتها في هذه الآية ببصر العلم؟
* الطالب: لأن قوله: ﴿بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (...) ما يعملون.
* الشيخ: طيب، ولا يمكن أن يكون بصيرًا بأعمالهم يراها؟
* الطالب: (...) السياق هذا (...).
* الشيخ: ما وجه السياق؟
* الطالب: قال: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (...).
* الشيخ: إذن يشمل بصر الرؤية وبصر العلم. طيب هل هناك دليل على أن الله يبصر بصر رؤية؟
* طالب: قول النبي ﷺ: «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ».
* الشيخ: «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٧٩ / ٢٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.]]. فأثبت لله بصرًا يرى به عز وجل. طيب ماذا تفيده هذه الجملة التي وقعت جوابًا لقوله: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْ﴾؟
* طالب: التهديد.
* الشيخ: التهديد وأنه إذا كان بصيرًا بهم فسوف يجازيهم على توليهم. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ في ﴿يَقْتُلُونَ﴾ الثانية قراءتان؟
* طالب: ﴿يَقُاتِلُونَ﴾ و﴿يَقْتُلُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿يَقْتُلُونَ﴾ و﴿يَقُاتِلُونَ﴾ . طيب، هل يمكن العمل بالقراءتين؟ وهل بينهما منافاة؟
* الطالب: ليس بينهما منافاة.
* الشيخ: نعم؛ لأنهم يقتلون من الذين يأمرون بالقسط من الناس يقتلون مَن لا يقاتلهم ويقاتلون مَن يقاتلهم. في ﴿النَّبِيِّينَ﴾ قراءتان أيضًا؟
* الطالب: ﴿النَّبِيِّينَ﴾ و﴿النَّبِيئِينَ﴾ .
* الشيخ: ﴿النَّبِيِّينَ﴾ و﴿النَّبِيئِينَ﴾ ، أظن مر علينا أنه إذا جاءت قراءتان في آية فإن الأفضل أن يقرأ الإنسان بهذه مرة وبهذه مرة، كما لو جاءت السنة بصفتين من صفات العبادة فالأفضل أن يفعل الإنسان هذا مرة وهذا مرة كذلك القراءتان، ولكن يجب أن يتأكد الإنسان من القراءة، فإذا تأكد أن هذه قراءة سبعية فإن الأفضل أن يقرأ بهذه مرة وبهذه مرة لأن الكل سنة. طيب قوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ هل هناك قتل للنبيين بحق؟ لأنه جعل محط الدم قتل النبيين بغير حق، فهل هناك قتل للنبيين بحق؟
* طالب: كأن يكون قصاص يعني يا شيخ؟
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...) من النبيين مقصودون بهذا.
* الشيخ: طيب هل المقتول قصاصًا يُذَم قاتله؟ إذن الآية سيقت مساق الذم؟
* طالب: شيخ؟ هذه الآية لبيان الواقع.
* الشيخ: لبيان الواقع صحيح، هذه الآية لبيان الواقع والتنديد بهم، لبيان الواقع أنهم يقتلون الأنبياء بغير حق بل بالباطل والتنديد بهؤلاء حيث يقتلون هؤلاء السادة بغير حق. نعم قال الله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، كيف استعمل البشارة بالعذاب والبشارة ما تكون إلا بالخير؟
* طالب: إما على سبيل التهكم بهم.
* الشيخ: وهل يذكر الثناء أو الوصف بالطيب في مقام التهكم؟ هل يمكن أن يذكر الشيء المحبوب في مقام تهكم؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: هات مثالًا تستشهد به لتقوية قولك؟
* طالب: في قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩]
* الشيخ: مثاله في قوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ طيب، هذا وجه، الوجه الثاني؟ الوجه الأول أنه على سبيل التهكم بهم، والوجه الثاني؟
* طالب: تظهر البشارة على وجوههم.
* الشيخ: أنه استعملت البشارة في مقام الوعيد لأنها علامة الخبر هذا يظهر على بشرته فتتغير كما تتغير البشرة بما يسر. ثم قال الله عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ ﴿أُولَئِكَ﴾ المشار إليهم هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وهم أهل الخير الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، هؤلاء الذين قامت بهم هذه الصفات هم الذين حبطت أعمالهم، حبوط الشيء يعني ذهابه وزواله وعدم الاستفادة منه، فهؤلاء حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فظاهر لأنهم لن يستفيدوا من أعمالهم وإن كانت خيرًا حتى الإنسان الكافر إذا عمل خيرًا في الدنيا كالإحسان إلى الناس خصوصًا أو عمومًا فإن ذلك لا ينفعه في الآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣] لكن كيف حبطت أعمالهم في الدنيا؟ حبطت أعمالهم في الدنيا لأنهم لما لم يستفيدوا منها صاروا كأنهم لم يعملوها فأعمالهم لم تنفعهم، وشاهد هذا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر ١٥].
قال: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ هذه الجملة كما نعلم جميعًا جملة منفية بما، وأسأل هنا: هل (ما) هذه عاملة عمل (ليس) أو لا؟
* طالب: ليست عاملة عمل (ليس).
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لأنه تقدم الخبر.
* الشيخ: لأنه تقدم الخبر، وهل لديك شاهد من كلام أهل العلم على ما قلت؟
* الطالب: من الألفية؟
* الشيخ: من الألفية إذا كانت مغيرة حبة ما يهم.
* طالب: قاعدة نحوية تقول: (...) يعمل بمتشابه بليس.
* الشيخ: لا، أنا أريد من كلام ابن مالك.
* الطالب: وعندي كلام ابن الحاجب.
* طالب:
؎إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إِنْ ∗∗∗ مَعَ بَقَا النَّفْيِ وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ
* الشيخ: طيب ولكن هنا إشكال وهو قوله: ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾ كيف نعربها؟
* طالب: ﴿مِنْ نَاصِرِينَ﴾ من زائد حرف جر زائد زائد.
* الشيخ: حرف جر زائد زائد، كده؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: أيش لون زائد زائد؟ اشرح للإخوان.
* الطالب: زائد إعرابًا وزائد في اللفظ.
* الشيخ: معنى، أي زائد في الإعراب ويزيد في المعنى.
* الطالب: و﴿نَاصِرِينَ﴾ اسم (ما) مرفوع.
* الشيخ: اسم (ما) ومحمد يقول ما تعمل كيف نقول اسم (ما)؟ ما عندك غير هذا؟
* طالب: خبر.
* الشيخ: خبر لا ما هو صحيح.
* طالب: مبتدأ، و(لهم) خبر.
* الشيخ: إي نعم لكن كمِّل إعراب ناصرين، مبتدأ.
* الطالب: (ناصرين) اسم الفاعل مجرور لفظًا ومرفوع معنًى مبتدأ. و(لهم).
* الشيخ: اصبر كمِّل كمِّل.
* الطالب: مبتدأ يعني مرفوع لفظًا -في النهاية صح- (ناصرين) اسم الفاعل جمع المذكر السالم ورفعه بالواو ما قبله مضموم، ونصبه وجره بالياء ما قبله مكسور، مجرور لفظًا ومرفوع محلًّا مبتدأ، و(ما) نافية.
* الشيخ: إيه علامة رفعه؟ الواو المقدرة.
* الطالب: و(ما) نافية و(لهم) ظرف يتعلق بالمحذوف.
* الشيخ: جار ومجرور متعلق بمحذوف.
* الطالب: والمحذوف هو خبر.
* الشيخ: المهم الآن فهمنا من كلامه أن الواو مقدرة في محل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة؟
* الطلبة: حرف الجر
* الشيخ: حرف الجر الزائد، يعني هؤلاء الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ليس لهم أحد ينصرهم، وأكد سبحانه وتعالى النفي هنا أكده بـ (من) الزائدة، يعني ما لهم أحد ينصرهم لا على سبيل الاجتماع ولا على سبيل الانفراد؛ لأن (من) الزائدة إذا دخلت تجعل النفي نصًّا في العموم كـ (لا) النافية للجنس.
ثم قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الاستفهام هنا للتعجب، فإن هذه الحال يتعجب منها كل عاقل، و﴿تَرَ﴾ يحتمل أن يكون رؤية عين ويحتمل أن يكون رؤية علم والثاني أولى؛ لأنه أشمل ولأنه يتعلق بالحال، والحال تُعلم وليست تُرى بالعين، يعني ألم تعلم إلى هؤلاء.
﴿الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ يعني أوتوا نصيبًا من العلم والذي آتاهم النصيب هو الله عز وجل وحذفه للعلم به؛ لأن الله تعالى هو الذي يؤتي العلم، قال الله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة ٢٦٩] وقال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف ٦٥] فالذي يؤتي النصيب من العلم هو الله عز وجل.
وقوله: ﴿نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ يفيد التقليل أو التكثير؟ يحتمل أن يكون المراد أوتوا نصيبًا كبيرًا من الكتاب بحيث يكون حاملًا لهم على الاهتداء ولكنهم -والعياذ بالله- استكبروا، ويحتمل أنه ليس عندهم إلا علم قليل، وإنه لو فُرض أن عندهم علمًا كثيرًا فإن هذا العلم لم ينفعهم فصاروا كالذي أوتي نصيبًا قليلًا من العلم.
وقوله: ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾ هذا محل التعجب، يعني أنهم مع ما عندهم من العلم يُدعون إلى كتاب الله، والداعي لهم هو رسول الله ﷺ ومن دعا بدعوته إلى يوم القيامة، هؤلاء يُدعون إلى كتاب الله ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾، إسناد الحكم هنا يحتمل أن يكون إلى الله عز وجل ليحكم الله بينهم بكتابه، ويحتمل أن يكون إلى الكتاب وأُسند الحكم إليه لأن الحكم صار به ويضاف الشيء إلى سببه كثيرًا، على كل حال سواء قلنا إن الضمير في ﴿يَحْكُمَ﴾ يعود إلى الله أو قلنا إنه يعود إلى الكتاب هؤلاء يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ولكنهم لا يقبلون هذا، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ يتولى فريق منهم لا كلهم؛ لأن بعضهم قد هُدِي بعض هؤلاء الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب قد هداهم الله وهم كثير، لكن تولى فريق منهم ومع توليهم فإنهم معرضون -والعياذ بالله- ليس عندهم إقبال لا في الظاهر ولا في الباطن، بل هم متولون معرضون، وإنما قال: ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ وهي جملة حالية من فريق إنما قال ذلك؛ لأن الإنسان قد يتولى لسبب طارئ لكن في قلبه شيء من الإقبال، أما هؤلاء فإنهم متولون وهم قد امتلؤوا إعراضًا عن كتاب الله ليحكم بينهم، وهنا يقول: ﴿يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ كيف صحت الحال من النكرة؟
* طالب: الحال هو ما يبين هيئة الفاعل.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: سواء الفاعل نكرة أو معرفة.
* الشيخ: لا لا.
* الطالب: هو يبين هيئة الفاعل.
* الشيخ: إي لكن الفاعل لا بد أن يكون معرفة أو نكرة فيها سبب.
* طالب: لأنها موصوفة.
* الشيخ: لأنها موصوفة: ﴿فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾، وإذا وُصفت النكرة تخصصت فصارت شبيهة بالمعرفة.
﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه التولي والإعراض بأنهم خدعوا أنفسهم وقالوا: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ أي لن تصيبنا ﴿إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ أيامًا قلائل؛ لأن كل معدود فهو قليل، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود ١٠٤] وقال: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء ٧٧] فكل شيء معدود فهو قليل؛ لأن شيئًا يمضي بالعدد واحد اثنين ثلاثة أربعة لا بد أن ينتهي، هؤلاء يقولون: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ ثم من يخلفهم بعده؟ مَن يخلفهم فيها؟ يدَّعون أن الذي يخلفهم النبي ﷺ وأصحابه، وهؤلاء هم اليهود قالوا -زعمًا منهم ودعوى مردودة- قالوا: إنهم يدخلون النار ولكنهم لا يمكثون فيها إلا أيامًا معدودة، ثم يخلفهم النبي ﷺ وأصحابه فيها أبد الآبدين، وكذبوا في ذلك، فهم ستمسهم النار ويبقَوْن فيها أبد الآبدين، لكن غروا أنفسهم وخدعوا عوامَّهم بهذا القول الكاذب المفترَى: ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ غرهم الغُرور والخداع بمعنى واحد متقارب، يعني أن هؤلاء خدعوا أو انخدعوا في دينهم حيث ظنوا أنهم على حق، وبعضهم عاند الحق عالمًا به مفتريًا كذابًا ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أي الذي كانوا يفترونه، ومنه قولهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ أي فكيف تكون حالهم؟ كيف تكون حالهم في هذا الوقت ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾؟ والاستفهام للتعظيم يعني ما أعظم ما تكون حالهم في تلك اليوم! وما أشد حسرتهم ﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي جمعناهم لهذا اليوم أي فيه، واللام تأتي دائمًا بمعنى (في) ويسمونها لام التوقيت ومنه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق ١] أي في قُبُل عدتهن أي في استقبال عدتهن، فاليوم لا ريب فيه أي جُمِعوا لهذا اليوم أي فيه وهو يوم القيامة. وقوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ إما أنه خبر بمعنى النهي، المعنى: لا ترتابوا فيه، أو أنه خبر على حقيقته والمعنى أن الله عز وجل يخبر عن هذا اليوم بأنه لا ريب فيه أي لا ريب في وقوعه، وهذا اليوم قد دل عليه الكتاب والسنة والعقل، أما الكتاب فما أكثر الآيات التي فيها إثبات اليوم الآخر، وما أكثر الأمثال التي يضربها الله عز وجل لإثبات هذا اليوم ببعث الخلائق، وأما في السنة فكثير أيضًا إثبات هذا اليوم، وأما في العقل فلأن العقل يدل بالضرورة على أن هذه الخليقة لا بد أن يكون لها معاد تحاسب عليه على ما أمرت به؛ لأنه ليس من المعقول أن ينشئ الله الخليقة يأمرها وينهاها ويبعث إليها الرسل وينزل عليها الكتب ويستباح دماء من لم ينقد لهذه الكتب ويتبع هؤلاء الرسل ثم تكون النتيجة أن تموت هذه البشرية ولا تبعث تكون ترابًا، لو وقع هذا الفعل من أي أحد لقيل هذا سفه من أسفه السفه، لو أن الإنسان صنع ثوبًا وخاطه وأتقنه ومِن أحسنِ ما يكون ثم في النهاية أحرقه وتلف ولم يبق له أثر لعدّ الناس كلهم هذا سفهًا، فكيف بهذه الخليقة التي خلقها الله عز وجل وأنزل عليها الكتب وأرسل إليها الرسل وأباح دماء وأموال مَن لم ينقد لهذه الكتب ويتبع هؤلاء الرسل ثم تكون النتيجة أن تُتلف هذه الخليقة بدون أي معاقبة وأي حساب، فالكتاب والسنة والإجماع والعقل كلها دلت على ثبوت هذا اليوم الذي قال الله فيه: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ وُفِّيت يعني أُعطيت ومنه قولهم: وفَّاه حقه أي أعطاه حقه وافيًا. وقوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من البشر؟ أو من غيرهم؟ من البشر والجن يعني من المكلفين الذين أُمِروا ونُهوا هم الذين يُوفَّون أجورهم، أما من لم يتوجه إليه أمر ولا نهي فإنهم يُجمعون يوم القيامة ولكن ليس لهم أعمال يُجازون عليها، فلا يشملهم قوله: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ كيف تكون حال هؤلاء الذين تولوا وهم معرضون؟ تكون أسوأ حال والعياذ بالله؛ لأنهم ينظرون إلى الناس وقد جُوزُوا بالثواب العظيم وإلى أنفسهم وقد جُوزوا بالعذاب المهين، فتكون أعمالهم حسرات عليهم -والعياذ بالله- يوم القيامة، ولا يستفيدون لا من دنياهم ولا من أُخراهم.
وقوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ يعني من خير أو شر بدليل العموم في كلمة (ما)، ولكن كيف تُوَفَّى؟ أما الخير فيُوَفَّى العامل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأما في الشر فيُوفَّى السيئة بمثلها إن لم يعف الله، قد يعفو الله عنه، وقد يكون له أعمال صالحة تُكفِّر هذه السيئات، فجزاء الله عز وجل وتوفيته للأعمال دائر بين الفضل والعدل، بين الفضل في أهل الخير، والعدل في أهل السوء.
أما القسم الثالث وهو الجور والظلم فهذا ممتنع ولهذا قال: ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ لا يُظلمون فلا يُنقص أحد من حسناته ولا يُزاد في سيئاته، ونحن نعلم أن من أوفى غيره حقه فلا يخلو من ثلاث حالات، إما أن يوفيه بالفضل، أو بالعدل، أو بالجور، إلا الله عز وجل فإن وفاءه دائر بين العدل والفضل، وأما الجور والظلم فهذا ممتنع عليه كقوله تعالى: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف ٤٩] ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت ٤٦] ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه ١١٢] وفي الحديث القدسي أن الله تعالى قال: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.]].
والآن نرجع إلى فوائد الآية التي ذكرناها. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ إلى آخره [آل عمران: ٢١] في هذه الآية من الفوائد: أنه ينبغي أن يعلَن لهؤلاء الكفار بما أمر الله تعالى أن نبشرهم به ﴿بَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ والنبي عليه الصلاة والسلام لا شك أنه كلما كانت الحكمة في تبشير هؤلاء بالعذاب الأليم بشرهم، وهكذا مَن ورث النبي ﷺ في العلم والدعوة ينبغي أن يبشر كل كافر بآيات الله بالعذاب الأليم، لكن يجب أن يكون هذا تابعًا للحكمة، قد لا يكون من الحكمة إذا دعوت رجلًا للإسلام أن تقول: تعال أنت كافر؟ فإذا قال: نعم، قلت: أبشر بالعذاب الأليم وأسلم، يصلح هذا؟ ما يستقيم لكن لكل مقام مقال، إذا دعوته وعاند واستكبر حينئذ يناسب أن تقول: إن بقيت على ما أنت عليه فأبشر بالعذاب الأليم. أو يأتيك رجل يمدح لك هؤلاء الكفار ويقول: فيهم وفيهم وفيهم وفيهم تقول: يا أخي بشِّرهم بعذاب أليم، ماذا ينفعهم هذا يوم القيامة؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الإيمان بآيات الله؛ لأن الله تعالى توعد هؤلاء الكافرين بها بالعذاب الأليم. والإيمان بالآيات الكونية له معنى وبالآيات الشرعية له معنى، فالإيمان بالآيات الشرعية قلنا إنه هو: تصديق الأخبار، والعمل بالأحكام، وألا يتعرض لتحريفها، ثلاثة أشياء، وبالكونية ألا يعتقد أن لله تعالى فيها مشاركًا أو معينًا أو مستقلًّا بملكه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم قتل النبيين وأنه بغير حق مهما كان؛ لقوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ مع أن قتل النبيين بغير حق من جملة الكفر لكن نص عليه لشدة شناعته والعياذ بالله.
* ومن فوائد الآية الكريمة:تحريم أو شناعة كل من يقتل أو يقاتل من يأمر بالقسط من الناس، من هم اللي يأمر بالقسط من الناس؟ قلنا: إنهم علماء وأمراء، فالعلماء يبينون الشرع، والأمراء ينفذون الشرع، فإذا قتلهم قاتل دخل في هذه الآية إذا كانوا يأمرون بالقسط.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثبوت العذاب على هؤلاء المتصفين بهذه الصفات، لقوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
* ومن فوائدها: أن العذب الذي يبشَّرون به ليس عذابًا هينًا يُتحمَّل ولكنه عذاب مؤلم.
ومن فوائد الآية التي بعدها: أن هؤلاء الذين كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياءه وقتلوا الآمرين بالقسط من الناس هؤلاء حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، فلا يستفيدون منها، أما في الآخرة فظاهر، وأما في الدنيا فلأنهم لم ينتفعوا بها فكأنها لم تكن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكفر محبط للأعمال؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ ويدل لذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة ٢١٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الكفار ليس لهم ناصر ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ ولكن هل المراد ليس لهم ناصر في الدنيا والآخرة؟ أو في الآخرة؟ في الآخرة، أما في الدنيا فقد ينصرهم من كان على شاكلتهم ولكن هم ومن نصرهم مآلهم إلى الذل والخذلان؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة ٢١].
* طالب: قوله: ﴿إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ لمَ التفريق ما بين ﴿مَعْدُودَةً﴾ [البقرة ٨٠] ﴿مَعْدُودَاتٍ﴾؟ (...)
* * *
* طالب: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران ٢٦]
* الشيخ: (...) ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ ﴿أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ أما في الآخرة فحبوط أعمالهم ظاهر لأنهم لا ينتفعون بأعمالهم في الآخرة، ولكن في الدنيا كيف يكون حبوط أعمالهم؟
* طالب: مغلوبين.
* الشيخ: كيف مغلوبين؟
* الطالب: يعني هم يقتلون النبيين وهم في الآخر هم مغلوبين، ما عندهم القدرة على المسلمين.
* الشيخ: يعني معناه في النهاية تحبط أعمالهم أي عزتهم وكبرياؤهم، هذا وجه جيد، فيه أيضًا؟
* طالب: لا ينتفعوا بهذه الأعمال حتى أعمالهم الصالحة.
* الشيخ: فلما لم ينتفعوا بها صارت حابطة وإن انتفعوا بها في الدنيا لكن لما لم تكن نافعة لهم في الآخرة صارت ضائعة كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ١٥].
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ﴾ الخطاب لمن في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾؟
* طالب: الخطاب إلى الرسول ﷺ.
* الشيخ: للنبي ﷺ، ما فيه وجه آخر؟
* طالب: لأهل الكتاب.
* الشيخ: لا.
* طالب: لكل من يتأتى له الخطاب.
* الشيخ: لكل من يتأتى خطابه يعني كل من يصح أن يخاطَب يخاطبه الله بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ وهذا القول أعم من القول الأول. مَن المراد بهم؟
* طالب: المراد بهم أهل الكتاب.
* الشيخ: مَن؟
* الطالب: اليهود والنصارى.
* الشيخ: اليهود والنصارى. طيب ﴿نَصِيبًا﴾ هنا نكرة هل هو للتقليل أو للتكثير؟
* طالب: ﴿نَصِيبًا﴾ تدل على التقليل، وقد ترد يعني وقد ترد دالة على التكثير قليلًا.
* الشيخ: أيهما المراد هنا؟
* الطالب: المراد التقليل.
* الشيخ: يعني أنهم؟
* الطالب: أُوتوا شيئًا من العلم بينهم، شيئًا قليلًا بينهم.
* الشيخ: طيب ويش وجه المناسبة؟ إذا قلت: إن المراد التقليل، قد يقولون: والله إحنا ما عندنا إلا علم قليل ولا ندري عن كتاب الله هل هو حق أو ليس بحق؟
* الطالب: مناسبة أيش؟
* الشيخ: أقول الآن: إذا قلت المراد التقليل، فكيف يكون العتاب عليهم وهم ليس عندهم إلا علم قليل لا يعرفون به الحق من الباطل؟
* الطالب: المراد أنهم أوتوا نصيبًا يعني شيئًا قليلًا من العلم ما يكفيهم في أمر دينهم ودنياهم.
* الشيخ: طيب هؤلاء إذا دُعوا إلى الله يقولون: والله ما نعرف به الحق حتى نُلام عن التولي عنه؟
* طالب: نقول: يحتمل ﴿نَصِيبًا﴾ شيئًا كثيرًا من العلم ولكنهم استكبروا إذا دُعوا إلى كتاب الله، ويحتمل أن تكون ﴿نَصِيبًا﴾ شيئًا قليلًا من العلم.
* الشيخ: طيب إذن كل معنى له وجه، إن قلنا: قليلًا، فوجه اللوم عليهم أنهم لمالم يُؤتَوْا إلا علمًا قليلًا كان الواجب عليهم أن يأخذوا بالعلم الذي دُعوا إليه حتى يزدادوا علمًا، وأما إذا قلنا: كثيرًا، فالوجه: أنه كيف يعلمون الحق لأنهم إذا أوتوا علمًا أو نصيبًا كثيرًا من الكتاب فمن جملتها أنهم يعرفون محمدًا ﷺ، فكيف يُؤتَوْن العلم الكثير الذي به تقوم الحجة ثم يستكبرون عنه؟ إذن فالآية صالحة للوجهين جميعًا.
طيب، قوله: ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ الفاعل في (يحكم) مَن؟
* طالب: في (يحكم) الفاعل هو اسم الجلالة والكتاب كلاهما.
* الشيخ: يعني يجوز أن يكون عائدًا إلى الله وعائدًا إلى الكتاب، كذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لأن الكتاب يحكم، وكذلك الله عز وجل يحكم بين عباده. طيب، لماذا يتولون وهم معرضون؟ ما هو السبب الذي حملهم على ذلك؟
* طالب: الاستكبار.
* الشيخ: لا.
* طالب: السبب في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
* الشيخ: نعم، هذا الذي دعاهم إلى ذلك، الغرور وأن أنفسهم غرتهم فقالوا: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة، ثم بعد ذلك تخلفوننا أنتم يا محمد وأصحابه فيها، ولهذا قال: ﴿غَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾. طيب، ما المراد بالاستفهام في قوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾؟
* طالب: تعظيم هذا اليوم؛ يعني كيف هَوْل هذا اليوم إذا جمعناهم؟ أو كيف حالهم هذا اليوم إذا جُمعوا؟
* الشيخ: فيتضمن تعظيم هذا اليوم وتهديد هؤلاء، إذن لتعظيم ذلك اليوم ولتهديد هؤلاء القوم. ما المراد بهذا اليوم؟
* طالب: يوم القيامة.
* الشيخ: طيب قال الله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾؟
* طالب: أي لا شك فيه.
* الشيخ: لماذا لا شك فيه وهو أمر غائب؟
* طالب: الْمُخبِر عنه حق، إن الله هو الذي أخبر عنه.
* طالب: إن الكتاب والسنة والعقل دلوا عليه.
* الشيخ: لأن كلًّا من الكتاب والسنة والعقل دل عليه على هذا اليوم والناس يبعثون، نريد دليلًا من القرآن على ثبوت هذا اليوم غير الآية اللي معنا؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ١٥].
* الشيخ: طيب هذا ممكن، لكن ما فيه آية تدل على أن الناس يُجمعون في ذلك اليوم علشان توفق المعنى؟
* طالب: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ [التغابن ٧].
* الشيخ: نعم، ما فيه دليل على نفس الجمع؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التغابن ٩]
* الشيخ: زين صح إي نعم، وفيه في سورة هود: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود ١٠٣] طيب، يقول الله عز وجل: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ ﴿وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ﴾ ما معناها؟
* طالب: نعم معناها أُعطِيت كل نفس حقها.
* الشيخ: وافيًا، أحسنت. جملة: ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ محلها من الإعراب؟
* الطالب: خبر.
* الشيخ: لا.
* طالب: حال.
* الشيخ: حال منين؟
* طالب: حال من ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ﴾.
* الشيخ: من ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾؟
* الطالب: لا، من
* الشيخ: من كل الدنيا والفعل والفاعل.
* الطالب: النفس الموفية لها، من الفاعل.
* الشيخ: ما عندنا فاعل، اللي عندنا نائب فاعل؛ لأن (وُفِّي) فعل ماضي مبني للمجهول.
* الطالب: من نائب الفاعل.
* الشيخ: من نائب الفاعل وهو قوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾. طيب ما معنى الظلم ال (...)؟
الظلم المنفي هنا، أو ما المراد به؟
* طالب: عدم الجور، الظلم هنا المراد به أي عدم الجور؛ لأنه توفية الحق له ثلاثة أحوال؛ إما أن يعطى حقه.
* الشيخ: لا، نريد بس نفي الظلم أيش؟ الظلم يكون إما بنقص شيء من الحسنات أو زيادة سيئات، أما كيف التوفية فهذه هي التي تريد؛ يعني التوفية لها ثلاثة أقسام: عدل، وفضل، وجور، فالجور منتفي، والعدل والفضل ثابت.
ثم قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران ٢٣] إلى آخره.
يستفاد من هذه الآية الكريمة فوائد؛ أولًا: أنه ليس كل من أُعطي علمًا يُوفّق للعمل به لقوله: ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾ ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى﴾ [آل عمران ٢٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: التعجب من حال هؤلاء وما أعظم التعجب أن يؤتيهم الله العلم، ثم بعد ذلك لا يُقبلون على كتاب الله عز وجل.
* ومن فوائدها: أن هؤلاء قد قامت عليهم الحجة بكونهم دعوا، وهذا هو محطّ الذم، أما لو لم يدعون ولم يعلموا بالحق فإنهم لا يذمون على ذلك إذا لم يفرّطوا بطلب الحق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الواجب التحاكم إلى كتاب الله لقوله: ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ [آل عمران ٢٣].
* ومن فوائدها: أنه لا حكم إلا لله بما جاء في كتابه، فلا أحد من الحكام يستطيع أن يشرّع أحكامًا مخالفة لأحكام الله، بل من شرّع أحكامًا مخالفة لأحكام الله، وألزم العباد بها فهو كافر بالله عز وجل، كافر، اللهم إلا أن يُعذر بتأويل سائغ، فهذا قد يخرجه من الكفر، لكن فعله من حيث هو فعل يؤدي إلى كفره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحكم في كتاب الله يكون في كل شيء؛ في العبادات والمعاملات والأخلاق والأعمال كل شيء، ولأنه لم يُخصص، قال: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ في كل شيء.
ويتفرع على هذه الفائدة: الرد على من قال: إن الشرع إنما جاء في تنظيم العبادات فقط، أما المعاملات فهي إلى الخلق، واستدلوا لذلك بأن النبي ﷺ قدم المدينة ورأى الناس يؤبّرون النخل -معنى يؤبرونها: يلقحونها- فقال عليه الصلاة والسلام: «مَا أَرَى ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا» هذا أو معناه، فتركوا التأبير ففسد الثمر؛ لأن النخل إذا لم يُؤبّر فسد، فلما حصدت الثمار جاؤوا إلى النبي ﷺ يخبرونه فقال: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ»[[أخرجه مسلم (٢٣٦٣ / ١٤١) من حديث أنس. ]]. قالوا: فوَكل علم أمور الدنيا إليهم، بل جعلهم أعلم منه بهذا، وعلى هذا فأمور الدنيا لا يتدخل فيها الشرع، ولكن هذا فهم خاطئ، هذا فهم خاطئ باطل؛ وذلك لأن أمور الدنيا إما أحكام شرعية كالتحليل والتحريم، فهذه مرجعها إلى الشرع، وإما أمور فنية تدرك بالتجارب وبالتعلم، فهذه مرجعها إلى أهل الخبرة، وكم من عالم عنده علم غزير واسع في أمور الشرع لا يستطيع أن يصنع بابًا ولا إبرة، ويأتي رجل جاهل من أجهل الناس ويستطيع أن يصنع بابًا من أحسن الأبواب وإبرة من أحسن الإبر، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ومسألة الصحابة رضي الله عنهم في التأبير مسألة حكمية أو مسألة فنية؟ فنية بلا شك تدرك بالتجارب، والنبي عليه الصلاة والسلام -كما نعلم- ولد بمكة، ومكة ليست ذات نخل، ولا يعلم عن هذا شيئًا، فصار أهل المدينة الذين مارسوا التجارب في هذه الأمور، صاروا أعلم منه بذلك، أما مسألة الأحكام الشرعية فلا شك أن الله ورسوله أعلم، المهم أن الحكم لمن؟ لله، ولا يجوز أن يكون الحكم لأي شيء سوى الله. فإن قال قائل: ألستم ترجعون إلى العرف في أمور كثيرة؟
فالجواب: بلى، لكن من الذي رجعنا إلى العرف؟ الشرع، رجعنا إلى العرف: ﴿عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء ١٩] ﴿أَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق ٢]، فالشرع هو الذي أمرنا أن نرجع إلى العرف، وإذا أمرنا أن نرجع إلى العرف رجعنا إليه وحكّمناه، ولهذا إذا تنازع الزوجان في قدر النفقة لا نذهب إلى الكتاب الفلاني والكتاب الفلاني: البخاري، أو مسلم، أو أبو داود، أو ما أشبه ذلك، لا نرجع إلى هذا، نرجع إلى من؟ إلى أهل الخبرة في العرف في كل زمان ومكان بحسبه، إذن الحكم فيما رُدّ إلى العرف لمن؟ للشرع.
* طالب: للشرع وأهل الخبرة.
* الشيخ: لا، الحكم للشرع هو الذي أمرنا أن نرجع إلى العرف؛ فأهل العرف يحكمون.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين دُعوا إلى كتاب الله ممن أوتوا نصيبًا من الكتاب لم يتولوا جميعًا، بل تولى فريق منهم، والأمر كذلك فإن كثيرًا من اليهود والنصارى أسلموا وحسن إسلامهم، وكان لهم قدم صدق في الإسلام.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذم من يتولّى بإعراض لقوله: ﴿يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [آل عمران ٢٣]، لأن التولي -كما ذكرنا في التفسير- قد يكون عن إعراض وقد يكون عن غير إعراض، والتولي مذموم كله، ولكن إذا كان عن إعراض وعدم مبالاة كان أشد.
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [آل عمران ٢٤].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بطلان الأماني، وأن النفس قد تمنّي الإنسان ما لا يكون؛ لأن هؤلاء منّتهم أنفسهم حيث قالوا: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
* ومن فوائدها: تحذير الإنسان من أن يتكل على الأماني؛ لأن هذا من صنع اليهود والنصارى، وكثير من العامة الآن يقعون في المعاصي ويمنّون أنفسهم المغفرة، إذا وقع في المعصية قلت: يا أخي، اتقِ الله، لا تعصِ الله قال: الله غفور رحيم، الله غفور رحيم، صحيح؟
* طلبة: إي نعم.
* الشيخ: صحيح أن الله غفور رحيم، لكن الله قال: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر ٤٩، ٥٠]، وقال: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٩٨] فلما أمر نبيه أن ينبئ بدأ بالمعفرة، ولما أخبر عن نفسه بدأ بالعقوبة؛ لأن المقام مقام سلطان وعلوّ فقال: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
إذن ماذا نقول لهذا الذي قال: الله غفور رحيم؟ نقول: والله شديد العقاب أيضًا، يتمنى بعض العاصين الأماني ويقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨] فهو يريد أن يزني، ويسرق، ويشرب الخمر، ويعمل كل شيء دون الشرك ثم يقول: إن الله يقول: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾. وهذا خبر، خبر من الله عز وجل، وهو أصدق القائلين؟ فماذا نقول؟
نقول: اقرأ الآية، لا تكن أعمى أو أعور ما تنظر إلا بعين، يغفر ما دون ذلك مطلقًا لمن يشاء، ومن لا يشاء لا يغفر له، فهل أنت تجزم بأنك ممن شاء الله أن يغفر له؟
أبدًا، ما تجزم، لا تجزم لا بهذا ولا بهذا، إذن فأنت على خطر، أنت على خطر على أن الذي يستخف بمعصية، ويُلبّس على نفسه وعلى الناس قد يكون ممن لا يشاء الله أن يغفر له، نعوذ بالله؛ لأن هذا مستهتر مستهين.
إذن الذين يتمنون على الله الأماني مع استمرارهم على معصية يشبهون من؟ اليهود والنصارى، ولهذا جاء في الحديث: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ -أي: حاسبها- وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِي»[[أخرجه الترمذي (٢٤٥٩)، وابن ماجه (٤٢٦٠) من حديث شداد بن أوس الأنصاري.]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء يؤمنون بالبعث، ولكن لم ينفعهم الإيمان، من أين تؤخذ؟ من قولهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
ويتفرع على هذا: أنه لا يكفي في الإيمان أن يؤمن الإنسان بوجود الله وباليوم الآخر دون أن يستلزم هذا الإيمان قبولًا وإذعانًا مجرد التصديق لا يعتبر إيمانًا، لا بد من القبول والإذعان، ودليل هذا نصوص كثيرة منها: أن أبا طالب عم رسول الله ﷺ كان يقرّ بأن رسول الله ﷺ حق، ويقول:
؎لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَــــا وَلَا يُعْنَى بِقَــــوْلِالْأَبَاطِــــــــلِ
ويقول:
؎وَلَقَــدْ عَلِمْــتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّــدٍ ∗∗∗ مِــــنْ خَيْــــرِ أَدْيَــــانِ الْبَرِيَّــــةِدِينَــــــــــــا
ومع ذلك لم ينفعه هذا الإقرار؛ لأنه لم يصحبه قبول وإذعان، وخُتم له في الآخر -والعياذ بالله- بأنه قال: على ملة عبد المطلب، ولكن نظرًا لما حصل منه من دفاع عن الإسلام «أذن الله عز وجل لنبيه محمد ﷺ أن يشفع له فشفع، فكان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه أبد الآبدين[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس.]] ». والعياذ بالله، أبد الآبدين، وهذا أهون أهل النار عذابًا أجارني الله وإياكم منها.
ولم نعلم أن كافرًا نفعت فيه الشفاعة على الإطلاق بمعنى أنه سلم من العذاب أبدًا، ولم نعلم أن كافرًا خُفّف عنه العذاب بالشفاعة إلا أبا طالب، إذن نقول: إن الإيمان باليوم الآخر، وبأن هناك نارًا لا يكفي في الإيمان، بل لا بد من القبول والإذعان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يغره ما هو عليه من الدين، قد يغره ما هو عليه من الدين لقوله: ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [آل عمران ٢٤] فيغتر بأنه يصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، ثم يقول في نفسه: لن أعذَّب، وهذا قصور في النظر؛ لأنه ليس الشأن أن تصلي أو تزكي أو تصوم أو تحج، الشأن كل الشأن أن يُقبل منك هذا العمل، كم من عامل ليس له من عمله إلا التعب لوجود مبطِل سابق أو لاحق، سابق كفوات الإخلاص مثلًا، لاحق كالإعجاب بالعمل والإدلال به على الله عز وجل، وأن يرى الإنسان لنفسه حقًّا على ربه، وهذا قد يبطل العمل، فعملك محفوف بأخطار سابقة وأخطار لاحقة، ولهذا لا تغتر بما أنت عليه من الدين، بل اسأل ربك دائمًا التوفيق والقبول، التوفيق سابق، والقبول لاحق حتى الإنسان ربما يريد الخير ويحب الخير، ولكن يبتلى بالبدعة، كم من أناس يحبون الخير وعندهم رغبة ومحبة لله ورسوله، ولكن يبتلون بالجهل فيبتدعون في دين الله ما ليس منه، ويكون عملهم هذا حابطًا ولَّا مقبولًا؟ حابطًا؛ لأن من شرط قبول العمل أن يكون موافقًا لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، لقول النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٧) واللفظ لمسلم.]].
وقال الله عز وجل: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران ٢٥].
في هذه الآية دليل على عظم ذلك اليوم لقوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ﴾.
وفيها دليل أيضًا على النداء بالنعي على هؤلاء الذين ليس لهم في ذلك اليوم إلا الخيبة والخسران، ولهذا قال: كيف تكون حالهم في ذلك اليوم؟
والجواب: أن حالهم أخيب الحال، أخيب حال هي حالهم والعياذ بالله؛ لأنهم ليس عندهم شيء؛ خسروا دينهم ودنياهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اليوم الآخر لقوله: ﴿لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾.
* ومن فوائدها: أن من كفر باليوم الآخر أو شك فيه فهو كافر؛ لأنه مكذِّب لقوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾، فالله أخبر بأن هذا اليوم لا ريب فيه، أمر واقع، ولا بد لا بد أن تجتمع مع أمك وأبيك وأختك وأخيك في ذلك اليوم، لكن تجتمع بهم وأنت تفرّ منهم ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس ٣٤ - ٣٧] حتى يستقر الناس في منازلهم، فإذا استقر الناس في منازلهم واجتمع بهم في الجنة فهذه غاية المنى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور ٢١] الصغار اللي ماتوا وهم لم يكن لهم ذرية يلحقون بآبائهم ليجتمعوا إليهم، لكن هل يُلحق الأعلى يُنزّل الأدنى وإلا بالعكس؟
بالعكس؛ يعني يُرفع الأدنى إلى الأعلى، أما من كان له ذرية من الأولاد فهو مستقل بنفسه في منزلته؛ لأن هذا له ذرية. على كل حال في قوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ دليل على أن من شك في هذا اليوم أو أنكره فهو كافر لتكذيبه لله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن يوم التوفية الكاملة هو يوم القيامة لقوله: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ وإنما قلت: التوفية الكاملة؛ لأن الإنسان قد يوفَّى شيئًا من عمله في الدنيا، أليس كذلك؟ بلى قد يُوفّى في الدنيا لكن يوفّى في الآخرة أيضًا، توفّى النفوس ما عملت، قد يوفى في الدنيا وماذا يوفّى؟
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق ٢، ٣] مخرجًا من كل ضيق وسعة في الرزق، ويرزقه من حيث لا يحتسب، هذا في الدنيا، وهذا جزاء، هناك جزاء آخر يعني أعظم وأنفع، وهو الهدى، الهدى قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد ١٧] الهدى والعمل الصالح هذا أفضل من المال، أفضل من المال؛ لأن الهدى إذا زاد الله الإنسان هدى انشرح صدره واستنار قلبه واطمأن، ثم صارت التقوى عنده أسهل من كل شيء، وصارت الأعمال الصالحة رياض قلبه وسرور نفسه، ولهذا قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»[[أخرجه النسائي في السنن (٣٩٣٩) من حديث أنس. ]] والمؤمن كل الأعمال الصالحة قرة عينه؛ لأنه يشعر في كل عمل صالح يشعر بأمرين عظيمين؛ الأمر الأول: أنه يتعبد لله بالعمل الصالح فيزداد ذلًّا لربه ومحبة له وإنابة إليه، والأمر الثاني: أنه بذلك متبع لرسول الله ﷺ، فهو يشعر حين فعل العبادة أن إمامه محمد ﷺ فيزداد محبة لرسول الله ﷺ وتعظيمًا لقوله، بل وتعظيمًا لهديه وسنته، وهذا أعظم كسب، أعظم كسب أن يحصل لك هذا الأمر في العبادة والتقوى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: انتفاء الظلم عن الله عز وجل؛ لأن قوله: ﴿وُفِّيَتْ﴾ ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ فاعلها معروف، من الموفِّي؟ الله، والذي لا يظلم الله، ولكن انتفاء الظلم عن الله سبحانه وتعالى هل هو من الصفات الثبوتية أو من الصفات المنفية التي يسمونها بالسلبية؟
الثاني إلا أننا نقول: لا يظلم يعني ليس في جزائه أدنى ظلم، فيكون نفي الظلم لكمال العدل؛ لأن الظلم قد يكون كاملًا وقد يكون ناقصًا؛ يعني قد يكون كاملًا بحيث لا يعطى شيئًا من جزاء عمله، وقد يكون ظلمًا ناقصًا يُعطى بعض الشيء، فإذا نفى الله عن نفسه الظلم صار ذلك مستلزمًا لكمال العدل، وكذلك ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨] اللغوب يعني التعب والإعياء، فالله عز وجل خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولم يمسه لغوب؛ أي تعب وإعياء، لماذا؟ لكمال قوته وقدرته عز وجل، فالإنسان يعمل العمل لكن يتعب، أما الرب عز وجل فإنه لكمال قدرته وقوته خلق السماوات والأرض وما بينهما في أيام يسيرة ستة أيام، وما مسه من لغوب، إذن نأخذ من هذا قاعدة مفيدة في باب الصفات؛ وهي: أن كل صفة نفاها الله عن نفسه فإنما يراد بها ثبوت كمال الضدّ، فضد الظلم العدل، إذا انتفى الظلم فهو لكمال العدل، ضد القدرة والقوة: التعب، فإذا انتفى التعب؟ ثبت كمال القدرة والقوة وعلى هذا فقِس.
* طالب: شيخ، قوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ وقوله: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ٣] كيف يعني يفصل بينكم؟
* الشيخ: يوم القيامة يفصل بينكم؛ يعني يحكم بينكم، ثم يكون الفصل؛ فالناس يجتمعون أولًا في المحشر جميعًا، ثم ينفصلون فريق في الجنة وفريق في السعير.
* الطالب: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾ قلنا: الآن إن أولادكم ثبت بالأحاديث أن الولد ينفع أباه؛ حافظ القرآن إذا..؟
* الشيخ: هذا يخاطب الكفار، يخاطب المؤمنين يعني معناه لا تحابوا الكفار لا تتخذوهم أولياء فإن ذلك لا ينفع.
* طالب: شيخ، ويش معنى قولهم (...).
* الشيخ: يقول بعض العلماء: إنهم بنوا قولهم هذا على أنهم عبدوا العجل أربعين ليلة، وقالوا: إن الله يعذّبنا بقدر معصيتنا؛ بقدر عبادة العجل فقط؛ أربعين يوم ثم أنتم تخلقونه.
* الطالب: أقول: إذن ما بنوا على شيء أصلًا، يعني أمانة؟
* الشيخ: أبدًا، كذب.
* طالب: صار خاص باليهود.
* الشيخ: إي نعم، هم اللي يقولون هكذا ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
* طالب: شيخ، قلنا: يا شيخ إن صاحب البدعة إذا عمل عملا مبتدعًا.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: قلنا: إذا عمل الإنسان عملًا بدعيًّا يعني حبط عمله بهذا العمل.
* الشيخ: لا يُقبل منه.
* الطالب: لكن يا شيخ إذا صار جاهلًا، يعني ما يؤجر على النية؛ نيته في هذا العمل؟
* الشيخ: إيه، لكن ما يقبل منه على أنه عمل؛ يعني يثاب على نيته التقرب إلى الله، أما هذا العمل لا «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٧) واللفظ لمسلم.]]، «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٧) واللفظ لمسلم.]] لكن يُثاب على نيته الخير فقط، ومع ذلك إذا أقيمت عليه البينة بأنه مبتدع لا يثاب ولا على نيته.
* طالب: شيخ، الحكم يا شيخ في الرد على إن الذين يقتلون النبيين إلى آخره، أنهم يقتلوهم، وألقوا بهم في السجون، الذين يقتلون الناس ﴿الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ٢١].
* الشيخ: مقاتلون.
* الطالب: نعم، فما حكمهم يا شيخ؟
* الشيخ: حكمهم دون هذا.
* الطالب: نعم؟
* الشيخ: أقول دون ذلك.
* الطالب: طيب هل هم يُقاتلون يا شيخ؟
* الشيخ: من اللي يقاتل؟
* الطالب: الذين يقتلون؟
* الشيخ: لا، لا، ما يقاتلون، لا.
* الطالب: طيب مش دول كفار يا شيخ؟
* الشيخ: لا ما هم كفار.
* الطالب: مش ﴿يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾؟
* الشيخ: إيه، هذه من صفات الكفار، لكن قد يفعل هذا من ليس بكافر.
* الطالب: إي نعم، أن الله عز وجل أمر النبي ﷺ أن يبشرهم، مش هذا فيه إعلام من الله عز وجل أن النبي ﷺ يعلمهم؟
* الشيخ: لكن اقرأ اللي قبلها ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٢١] أولًا: ما هو الكفر، كفر، ومن جملة أعمالهم القتل، فالذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس أخذوا من أعمال هؤلاء الكفار القتل، لكن لا يلزم من هذا أن يكونوا كفارًا؛ لأن قتل النفس لا يستلزم الكفر كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة ١٧٨].
* طالب: يا شيخ، هذا الأخ في الإسلام يا شيخ؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: هذا أخ في الإسلام، وهذا يقتل الذي يأمر بالقسط هذا ما هو عدو له؟
* الشيخ: نعم نعم، على كل حال هو لا يكفر اللهم إلا أن يكون فعله هذا كراهة للحق، فهذا شيء ثاني.
* طالب: ويعلنوا يا شيخ؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: يعلنوا بالمعاصي؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: يجهروا بالمعاصي؟
* الشيخ: ويش معنى يجهر؟
* الطالب: يعني الفعل الذي يفعلونه على الذين يفعل فيهم الجهر لهم، وإعلانهم بالمعاصي على قول الله عز وجل للنبي ﷺ ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران ٢١] فالتبشرة هنا إعلان منه؟
* الشيخ: نحن ذكرنا في أثناء التفسير أن الله أمر نبيه أن يبشر هؤلاء بعذاب أليم يحتمل أن هذا حكم لهم، ويحتمل أن الله أمره بأن يقول ذلك، وذكرنا أن هذا ينظر فيه للمصلحة.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أقول: الغالب أن الذين يقتلون الذي يأمرون بالقسط من الناس أن هؤلاء لا يقتلونهم لأشخاصهم فقط، وإنما لهذا المنهج الذي يسيرون عليه؟
* الشيخ: نعم، صحيح، لكن ما نقدر نكفرهم إلا إذا علمنا؛ لأنهم قد يقتلونهم لسبب آخر، هل كل من يأمر بالقسط من الناس نيته صالحة؟ فيه الآن أناس يأمرون بالقسط من الناس ليصلوا إلى الحكم، وإذا وصلوا إلى الحكم صاروا أخبث من الذين قالوا فيهم، ولهذا المسائل هذه دقيقة ما هي هيّنة.
* طالب: شيخ، جزاك الله خيرًا، بالنسبة لإقامة الحجة، هل يكفي إبهامها؟ بس هل يكفي إنك تعلمها فقط للشخص وتقوم عليه الحجة أو أنك لازم تفهمه، لازم يفهمها ويستوعبها؟
* الشيخ: أرأيت لو جيء إليك برجل من العجم وقلت: يا هذا الكافر، اتقِ الله وأسلِم، ويش يفهم؟ هل بلّغت الحجة؟ وأيضًا نحن نسميها حجة، ولا حُجّة إلا بعد معرفتها.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ بِغَیۡرِ حَقࣲّ وَیَقۡتُلُونَ ٱلَّذِینَ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِینَ","أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَـٰبِ ٱللَّهِ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوا۟ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّاۤ أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَ ٰتࣲۖ وَغَرَّهُمۡ فِی دِینِهِم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ","فَكَیۡفَ إِذَا جَمَعۡنَـٰهُمۡ لِیَوۡمࣲ لَّا رَیۡبَ فِیهِ وَوُفِّیَتۡ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَـٰبِ ٱللَّهِ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق