الباحث القرآني
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَـٰبِ ٱللَّهِ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ ٢٣﴾ - نزول الآية
١٢٣٧٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير، وعكرمة- قال دخل رسولُ الله ﷺ بيت المِدْراس[[المِدْراس: الموضع الذي يُدرس فيه كتاب الله، ومنه مِدْراس اليهود. التاج (درس).]] على جماعةٍ من يهود، فدعاهم إلى الله، فقال له النُّعمان بن عمرو والحارث بن زيد[[عند ابن جرير، والواحدي ص٧٠، والبغوي ٢/٢١-٢٢: نعيم.]]: على أيِّ دينٍ أنت، يا محمد؟ قال: «على مِلَّةِ إبراهيم، ودينِه». قالا: فإنّ إبراهيم كان يهودِيًّا. فقال لهما رسول الله ﷺ: «فهَلُمّا إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم». فأبَيا عليه؛ فأنزل اللهُ: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم﴾ إلى قوله: ﴿وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون﴾[[أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ١/٥٥٢-، وابن جرير ٥/٢٩٣، وابن المنذر ١/١٥٤-١٥٥ (٣٢٢) من طريق محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. قال ابن حجر عن هذا الإسناد في العُجاب ١/٣٥١: «سند جيّد». وحسّنه السيوطيُّ أيضًا في الإتقان ٢/٤٩٧.]]. (٣/٤٩٤)
١٢٣٧٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق الكَلْبِيِّ، عن أبي صالح-: أنّ رجلًا وامرأة مِن أهل خيبر زَنَيا وكان في شرف فيهم، وكان في كتابهم الرَّجْمُ، فكَرِهوا رجمَهما لشرفهما، فرفعوا أمرَهما إلى رسول الله ﷺ، ورَجَوا أن يكون عنده رخصةٌ، فحكم عليهما بالرَّجم، فقال له النُّعمان بنُ أوْفى وبَحْرِيُّ بن عمرو: لقد جُرْت علينا يا محمد؛ ليس عليهما الرَّجْمُ. فقال رسول الله ﷺ: «بيني وبينكم التوراةُ؛ فإن فيها الرجم». قالوا: قد أنصَفْتَنا. قال: «فمَن أعلمُكم بالتوراة؟». قالوا: رجلٌ أعورُ يَسْكُنُ فَدَك، يُقال له: ابن صُورِيا. فأرسلوا إليه، فقدم المدينة، وكان جبريلُ قد وصفه لرسول الله ﷺ، فقال له رسول الله ﷺ: «أنت ابن صُورِيا؟». قال: نعم. قال: «أنت أعلمُ اليهود بالتوراة؟». قال: كذلك يزعمون. قال: فدعا رسولُ الله ﷺ بشيء من التوراة فيها الرَّجْمُ مكتوبٌ، فقال له: «اقرأ». فلَمّا أتى على آيةِ الرَّجْمِ وضَع كفَّه عليها، وقرأ ما بعدها على رسول الله ﷺ، فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله، قد جاوزها ووضع كفه عليها. فقام، فرفع كفَّه عنها، ثُمَّ قرأ على رسول الله ﷺ وعلى اليهود: بأنّ المُحْصَن والمُحْصَنَة إذا زَنَيا وقامَتْ عليهما البَيِّنَةُ رُجِما، وإن كانتِ المرأةُ حُبْلى تُرُبِّص بها حَتّى تَضَعَ ما في بطنِها. فأمرَ رسولُ الله ﷺ باليَهُودِيَّيْنِ فرُجِما، فغَضِب اليهودُ لذلك، وانصرفوا؛ فأنزل الله ﷿: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولّى فريق منهم وهم معرضون﴾[[أورده الثعلبي ٣/٣٨. وأصل القصة مشهور في الصحاح والسنن، وقد أخرج بعضَها البخاريُّ ٦/٤٦ (٤٥٥٦)، ٩/١٩٣ (٧٥٤٣)، ومسلم ٣/١٣٢٦ (١٦٩٩)، وغيرهما، ولم يُذْكَر في رواياتهم أنّها سببُ نزول الآية. لكن هذا الإسناد ضعيف جِدًّا. ينظر: مقدمة الموسوعة.]]. (ز)
١٢٣٧٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب﴾ ... يعني: اليهود؛ كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضَّيْف، ويحيى بن عمرو، ونعمان بن أوْفى، وأبو ياسر بن أخْطَب، وأبو نافع بن قيس. وذلك أنّ النبي ﷺ قال لهم: «أسْلِمُوا تَهْتَدُوا، ولا تكفروا». فقالوا للنبي ﷺ: نحنُ أهدى وأحقُّ بالهُدى منكم، ما أرسل اللهُ نبيًّا بعد موسى. فقال النبي ﷺ: «لِمَ تُكَذِّبُون وأنتم تعلمون أنّ الذي أقولُ حَقٌّ؟! فأخْرِجوا التوراةَ نَتَّبِعْ نحنُ وأنتم ما فيها، وهى بينكم، فإني مكتوبٌ فيها أني نبيٌّ ورسولٌ». فأبَوْا ذلك؛ فأنزل الله ﷿ فيهم: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله﴾ يعني: التوراة؛ ﴿ليحكم بينهم﴾ يعني: لِيَقْضِي بينهم[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٢٦٨-٢٦٩.]]١١٤٧. (ز)
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَـٰبِ ٱللَّهِ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ﴾ - تفسير
١٢٣٧٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق الضحاك- في هذه الآية، قال: إنّ الله تعالى جعل القرآن حَكمًا فيما بينهم وبين رسولِ الله ﷺ، فحكم القرآنُ على اليهود والنصارى أنّهم على غير الهُدى، فأَعْرَضوا عنه[[تفسير الثعلبي ٣/٣٧، وتفسير البغوي ٢/٢٠.]]. (ز)
١٢٣٧٩- عن قتادة بن دِعامة -من طريق أبي جعفر- في قوله: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا﴾ الآية، قال: هم اليهود، دُعُوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم، وإلى نبيِّه وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة، ثُمَّ تَوَلَّوْا عنه وهم معرضون[[أخرجه ابن جرير ٥/٢٩٤، ومن طريق سعيد أيضًا بنحوه، وابن المنذر (٣٢٣)، وابن أبي حاتم ٢/٦٢٢-٦٢٣. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد. وذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/٢٨٢- بنحوه.]]. (٣/٤٩٥)
١٢٣٨٠- عن أبي مالك غَزْوان الغِفارِيِّ -من طريق السدي- في قوله: ﴿نصيبًا﴾ قال: حظًّا ﴿من الكتاب﴾ قال: التوراة[[أخرجه ابن أبي حاتم ٢/٦٢٢.]]. (٣/٤٩٥)
١٢٣٨١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب﴾ يعني: أُعْطُوا حظًّا من التوراة، يعني: اليهود ... ﴿يدعون إلى كتاب الله﴾ يعني: التوراة، ﴿ليحكم بينهم﴾ يعني: ليَقْضِيَ بينهم[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٢٦٨-٢٦٩.]]١١٤٨. (ز)
١٢٣٨٢- عن عبد الملك ابن جُرَيْج -من طريق حجاج- في الآية، قال: كان أهل الكتاب يُدْعَوْن إلى كتاب الله ليحكم بينهم بالحقِّ، وفي الحدود، وكان النبي ﷺ يدعوهم إلى الإسلام فيَتَوَلَّوْن عن ذلك[[أخرجه ابن جرير ٥/٢٩٥.]]. (٣/٤٩٥)
﴿ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ ٢٣﴾ - تفسير
١٢٣٨٣- عن سعيد بن جُبَيْر -من طريق عطاء بن دينار- في قوله: ﴿فريق﴾: يعني: طائفة[[أخرجه ابن أبي حاتم ٢/٦٢٢.]]. (ز)
١٢٣٨٤- عن قتادة بن دِعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿معرضون﴾، قال: عن كتاب الله[[أخرجه ابن أبي حاتم ٢/٦٢٢.]]. (ز)
١٢٣٨٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ثم يتولى﴾ يعني: يَأْبى ﴿فريق﴾ يعني: طائفة ﴿منهم وهم معرضون﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٢٦٩.]]. (ز)
﴿ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ ٢٣﴾ - آثار متعلقة بالآية
١٢٣٨٦- عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أتيتُ أبا وائل في مسجدِ أهله أسألُه عن هؤلاء القومِ الذين قتلهم عليٌّ بالنَّهْرَوان؛ فيما استجابوا له، وفيما فارقوه، وفيما استحلَّ قتالَهم؟ قال: كُنّا بصِفِّين، فلمّا استحرَّ القتلُ بأهل الشّام اعْتَصَمُوا بتَلٍّ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أرْسِلْ إلى عليٍّ بمصحف، وادْعُه إلى كتاب الله، فإنّه لن يأَبْى عليك. فجاء به رجلٌ، فقال: بيننا وبينكم كتابُ الله، ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله، ليحكم بينهم، ثم يتولى فريق منهم، وهم معرضون﴾. فقال عليٌّ: نعم، أنا أوْلى بذلك، بيننا وبينكم كتابُ الله. قال: فجاءته الخوارجُ -ونحن ندعوهم يومئذٍ: القُرّاء- وسيوفُهم على عَواتِقِهم. فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما ننتظرُ بهؤلاء القوم الذين على التَلِّ؟ ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم اللهُ بيننا وبينهم؟ فتكلَّم سهلُ بن حُنَيْف، فقال: يا أيها الناس، اتَّهِموا أنفسَكم، فلقد رأيتُنا يوم الحديبية -يعني: الصُّلْح الذي كان بين رسولِ الله ﷺ وبين المشركين- ولو نرى قتالًا لقاتَلْنا، فجاء عمرُ إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، ألسنا على حقٍّ وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنَّة وقتلاهم في النار؟ قال: «بَلى». قال: ففِيمَ نُعْطي الدَّنِيَّة في ديننا، ونرجعُ ولَمّا يحكُمِ اللهُ بيننا وبينهم؟! فقال: «يا ابن الخطّاب، إنِّي رسول الله، ولن يُضَيِّعَني أبدًا». قال: فرَجَع وهو مُتَغَيِّظٌ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، ألَسْنا على حقٍّ وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ قال: بلى. قال: ففِيم نُعطي الدَّنِيَّة في ديننا، ونرجع ولَمّا يحكمِ اللهُ بيننا وبينهم؟! فقال: يا ابن الخطاب، إنّه رسول الله ﷺ، ولن يُضَيِّعه أبدًا. قال: فنزلت سورةُ الفتح. قال: فأرسلني رسولُ الله ﷺ إلى عمر، فأقرأها إيّاه. قال: يا رسول الله، وفتحٌ هو؟ قال: «نَعَم»[[أخرجه أحمد ٢٥/٣٤٩ (١٥٩٧٥) واللفظ له، والبخاري (ت: مصطفى البغا) ٦/١٣٦ (٤٨٤٤)، ومسلم ٣/١٤١١ (١٧٨٥)، وليس فيهما ذكر آية آل عمران. وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٧/١٠٤-١٠٥ نحوه عن الزهري، وفيه: أنّ عليًّا خاطب الخوارج، فقال: فإنِّي لم أكن أُحَرِّضكم على هذه القضيّة، وعلى التحكيم، ولكنَّكم وهنتم في القتال، وتفرّقتم عَلَيَّ، وحاكمتموني بالقرآن، فخشيت إن أبَيْتُ الذي عَرَض علينا القومُ مِن كتاب الله أن يتأوَّلوا كتاب الله عَلَيَّ: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون﴾.]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.