الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ ثَباتَ الأعْمالِ وزَكاءَها إنَّما هو بِاتِّباعِ أمْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وأمْرِ رَسُولِهِ ﷺ وأمْرِ الَّذِينَ ورِثُوا العِلْمَ عَنْهُ دَلَّ عَلى ما أخْبَرَ بِهِ مِنَ الحُبُوطِ وعَدَمِ النَّصْرِ بِما يُشاهَدُ مِن أحْوالِهِمْ في مُنابَذَةِ الدِّينِ فَقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ﴾ وكانَ المَوْضِعُ لِأنْ يُقالَ: إلَيْهِمْ، ولَكِنَّهُ قالَ: ﴿إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ﴾ (p-٣٠٣)لِيَدُلَّ عَلى أنَّ ضَلالَهم عَلى عِلْمٍ، وأنَّ الَّذِي أُوتُوهُ مِنهُ قِراءَتُهم لَهُ بِألْسِنَتِهِمْ وادِّعاءُ الإيمانِ بِهِ. وقالَ الحَرالِّيُّ: كِتابُهُمُ الخاصُّ بِهِمْ نَصِيبٌ مِنَ الكِتابِ الجامِعِ، وما أخَذُوا مِن كِتابِهِمْ نَصِيبٌ مِنَ اخْتِصاصِهِ، فَإنَّهم لَوِ اسْتَوْفَوْا حَظَّهم مِنهُ لَما عَدَلُوا في الحُكْمِ عَنْهُ ولَرَضُوا بِهِ، وكانَ في هَذا التَّعْجِيبِ أنْ يَكُونَ غَيْرُهم يَرْضى بِحُكْمِ كِتابِهِمْ ثُمَّ لا يَرْضَوْنَ هم بِهِ. انْتَهى. ﴿يُدْعَوْنَ إلى كِتابِ اللَّهِ﴾ أظْهَرَ الِاسْمَ الشَّرِيفَ ولَمْ يَقُلْ: إلى كِتابِهِمُ، احْتِرازًا عَمّا غَيَّرُوا وبَدَّلُوا ولِأنَّهم إنَّما دَعَوْا إلى كِتابِ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لا إلى ما عَساهُ أنْ يَكُونَ بِأيْدِيهِمْ مِمّا غَيَّرُوا - نَبَّهَ عَلَيْهِ الحَرالِّيُّ. وفِيهِ أيْضًا إشارَةٌ إلى عَظِيمِ اجْتِرائِهِمْ بِتَوَلِّيهِمْ عَمَّنْ لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: في إشْعارِهِ أنَّ طائِفَةً مِنهم عَلى حَقٍّ مِنهُ، أيْ وهُمُ المُذْعِنُونَ لِذَلِكَ الحُكْمِ الَّذِي دُعِيَ إلَيْهِ. انْتَهى. ولَمّا كانَ اتِّباعُهُ واجِبًا واضِحًا نَفْعُهُ لِمَن جَرَّدَ نَفْسَهُ عَنِ الهَوى عَبَّرَ عَنْ مُخالَفَتِهِ بِأداةِ البُعْدِ فَقالَ: ﴿ثُمَّ﴾ وقالَ الحَرالِّيُّ: في إمْهالِهِ ما يَدُلُّ عَلى تَلَدُّدِهِمْ وتَبَلُّدِهِمْ في ذَلِكَ بِما يُوقِعُهُ اللَّهُ مِنَ المَقْتِ والتَّحَيُّرِ عَلى مَن دُعِيَ إلى حَقٍّ فَأباهُ، وفي صِيغَةِ يَتَفَعَّلُ في قَوْلِهِ: ﴿يَتَوَلّى﴾ (p-٣٠٤)ما يُناسِبُ مَعْنى ذَلِكَ في تَكَلُّفِ التَّوَلِّي عَلى انْجِذابٍ مِن بَواطِنِهِمْ لِما عَرَفُوهُ وكَتَمُوهُ، وصَرَّحَ قَوْلُهُ: ﴿فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾ بِما أفْهَمَهُ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ فَأفْهَمَ أنَّ طائِفَةً مِنهم ثابِتُونَ قائِلُونَ لِحُكْمِ كِتابِ اللَّهِ تَعالى، وأنْبَأ قَوْلُهُ المُشِيرُ إلى كَثْرَةِ أفْرادِ هَذا الفَرِيقِ ﴿وهم مُعْرِضُونَ﴾ بِما سُلِبُوهُ مِن ذَلِكَ التَّرَدُّدِ والتَّكَلُّفِ، فَصارَ وصْفًا لَهم بَعْدَ أنْ كانَ تَعَمُّلًا، ما أنْكَرَ مُنْكِرٌ حَقًّا وهو يَعْلَمُهُ إلّا سَلَبَهُ اللَّهُ تَعالى عِلْمَهُ حَتّى يَصِيرَ إنْكارُهُ لَهُ بِصُورَةِ وبِوَصْفِ مَن لَمْ يَكُنْ قَطُّ عَلِمَهُ. انْتَهى. وفِي هَذا تَحْذِيرٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الوُقُوعِ في مِثْلِ ذَلِكَ ولَوْ بِأنْ يُدْعى أحَدُهم مِن حَسَنٍ إلى أحْسَنَ مِنهُ - نَبَّهَ عَلَيْهِالحَرالِّيُّ وقالَ: إذْ لَيْسَ المَقْصُودُ حِكايَةَ ما مَضى فَقَطْ ولا ما هو كائِنٌ فَحَسْبُ، بَلْ خِطابُ القُرْآنِ قائِمٌ دائِمٌ ماضٍ كُلِّيَّةُ خِطابِهِ في غابِرِ اليَوْمِ المُحَمَّدِيِّ مَعَ مَن يُناسِبُ أحْوالَ مَن تَقَدَّمَ مِنهُمْ، وفي حَقِّ المَرْءِ مَعَ نَفْسِهِ في أوْقاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب