الباحث القرآني
ثم قال: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾ هذه شرحناها ولَّا لا؟ قال الله تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾.
﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾ لا يخفى أن ﴿لَا﴾ في قوله: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾ ناهية، ولكن سيقول قائل: كيف تكون ناهية والفعل مفتوح ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾؛ لأن النون هي آخر الفعل؟
والجواب على هذا: أنه إذا اتصلت نون التوكيد بالفعل المضارع صار مبنيًّا على الفتح، إذا اتصلت به لفظًا وتقديرًا صار مبنيًّا على الفتح، فإن اتصلت به لفظًا لا تقديرًا لم يكن مبنيًّا مثل: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر ٨] فهنا نون التوكيد متصلة بالمضارع، لكن لفظًا لا تقديرًا، وإذا لم تتصل به لم يُبنَ إلا إذا اتصلت به نون النسوة، فالمضارع يُبنى في حالين: إذا اتصلت به نون النسوة أو نون التوكيد لفظًا وتقديرًا.
وقوله: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾ الخطاب هنا يحتمل أن يكون للرسول ﷺ، ويحتمل أن يكون لكل من يتأتى خطابه، والقاعدة عندنا في التفسير أنه إذا كانت الآية تحتمل معنيين متباينين، لكن لا يتناقضان حملت عليهما جميعًا، وإذا احتملت معنيين أحدهما أعم حملت على الأعم؛ لأن الأخص يدخل في الأعم ولا عكس، فهنا إذا قلنا: إن الخطاب خاص بالنبي ﷺ أخرجنا عنه بقية الأمة، وإذا قلنا: إن الخطاب عام لكل من يتأتى خطابه صار شاملًا للرسول ﷺ ولغيره، وعلى هذا فيكون الخطاب هنا عامًّا؛ يعني لا يغرنك أيها الرائي الذي ترى تقلُّب الكفار في البلاد، لا يغرك هذا.
وقوله: ﴿تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ التقلّب يعني التردد، أي: ترددهم في البلاد وتقلبهم من بلد إلى آخر، وتقلّبهم في التجارات وفي أنواع الصناعات وفي غيرها مما فتح الله عليهم، فهذا لا يغرّك، ووجه الغرور الذي قد يحصل هو أن الإنسان قد يغتر بهذا الذي أعطاهم الله عز وجل فيصنع مثل صنيعهم، أو يظن أن إعطاء الله إياهم هذا الشيء دالّ على أنه لا يُنكر ما هم عليه، ولو أنكر ما هم عليه لم يمكّنهم من التقلب في البلاد، وعلى هذا فيكون وجه الغرور من وجهين؛ فيكون الغرور من وجهين:
الوجه الأول: ظن أن ما هم عليه حق؛ لأنه يقول: لو كان باطلًا ما مكنهم الله تعالى من هذا التقلب.
الثاني: أن يفعل مثل فعلهم، كما انخدع كثير من الناس اليوم، حيث ظنوا أن الكفار وصلوا إلى ما وصلوا إليه من أجل تحللهم من دينهم والعياذ بالله، فصار يرى أن الالتزام بالدين سبب للتأخر والتقهقر، إذن وجه الغرور يتجه أو له وجهان.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، وجهه؟
* الطالب: بعض الناس (...).
* الشيخ: أن الله مكّنهم من هذا التقلّب، ولو كان ما هم عليه باطلًا لم يمكّنهم، طيب الثاني؟
* طالب: الثاني هو (...).
* الشيخ: لا، هذا هو الأول.
* طالب: أن يفعل مثل فعلهم.
* الشيخ: أن يفعل مثل فعلهم ظنًّا منه أن ما فعلوه هو سبب لهذا التقلّب والاتساع في التجارات وغيرها، والحقيقة أن هذا لا يغرّ المؤمن؛ لأن الله قال في كتابه: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران ١٧٨] ويقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)﴾ [الأعراف ١٨٢، ١٨٣] فلا تغتر، هذا ليس إلا زيادة حسرة في ما عليهم.
وقوله: ﴿تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾ البلاد مفرد أو جمع؟
* طالب: جمع.
* الشيخ: والمفرد؟
* طلبة: بلد.
* الشيخ: بلد، إذن البلاد جمع، والمفرد بلد، ويُجمع البلد أيضًا على (بلدان). في البلاد، كيف التقلب في البلاد؟ يذهبون من هذا البلد إلى هذا البلد يتنقّلون في أمن وطمأنينة، يتجرون ويربحون كلما حملت التجارة من بلد إلى آخر، فيغترّ الإنسان بذلك.
قال: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ ﴿مَتَاعٌ﴾ خبر المبتدأ المحذوف، والتقدير: هو متاع، هو أي: تقلبهم متاع قليل، والمتاع ما تكون به المتعة، سواء كانت متعة نفسيّة أو متعة جسدية، وكل متعة أُضيفت إلى الدنيا أو إلى الكفار فهي متعة أيش؟ جسدية؛ متعة جسدية كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد ١٢]. فقوله: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ خبر المبتدأ المحذوف، والمتاع ما تحصل به المتعة، والمتعة نوعان: متعة قلبية روحية، وهذه لا تكون إلا للمؤمن، يتمتع بذكر الله، وبما أنعم الله عليه من الإيمان، ومتعة جسدية يشترك فيها الإنسان والبهائم وهي ما يحصل للجسد من اللذة والنعيم وغير ذلك، يقول: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ ﴿قَلِيلٌ﴾ قليل في زمنه أو قليل في كميته أو في كيفيته؟ في كل شيء، الزمن قليل محدود، وهو عمر الإنسان، ذلك العمر المجهول الذي لا يدري الإنسان متى ينتهي، قليل أيضًا في الكمية؛ لأن الإنسان لا يملك كل شيء، قليل في الكيفية؛ لأن الإنسان قد يُحرم التمتع في هذه الدنيا بأمراض تعتريه ولا يتمتع بها، قد يُحرم بفقد بعض الأشياء. والله أعلم.
* * *
* طالب: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)﴾ [آل عمران ١٩٨ - ٢٠٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾ ﴿لَا﴾ هنا ما أعرابها؟
* طالب: ناهية.
* الشيخ: نافية؟
* الطالب: ناهية.
* الشيخ: طيب، كيف نُصب الفعل معها وهي ناهية، والناهية تجزم؟!
* الطالب: هذه النون اتصلت بالفعل المضارع نون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد.. فهو مبني على الفتح.
* الشيخ: فهو مبني لا مُعرب، ولهذا نقول: (يَغُرَّنّ) فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم. كذا؟ الخطاب في قوله: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾؟
* طالب: يكون للنبي والناس..
* الشيخ: لو قال قائل: الخطاب للنبي ﷺ؛ لأنه هو الذي نزل عليه القرآن؟
* الطالب: ويصح أيضًا أن يكون الخطاب للمؤمنين.
* الشيخ: لكن لو قال قائل ثانٍ؟
* الطالب: نقول: إن هذا خاص، والعام مُقدّم على الخاص.
* الشيخ: نعم، نقول: هذا محتمل، لكن حمله على العموم أولى لدخول الخصوص فيه.
قوله: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾..
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران ١٩٨ - ٢٠٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾ [آل عمران ١٩٦] (لا) هنا ما إعرابها؟
* طالب: (لا) ناهية.
* الشيخ: نافية؟
* الطالب: ناهية.
* الشيخ: طيب، كيف نُصِبَ الفعل معها وهي ناهية، والناهية تجزم؟
* طالب: اتصلت بالفعل المضارع نون التوكيد الثقيلة فهو مبني على الفتح.
* الشيخ: فهو مبني لا معرب؛ ولهذا نقول: (يَغُرَّنَّ) فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم. الخطاب في قوله: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ﴾؟
* طالب: للنبي والناس أجمعين.
* الشيخ: لو قال قائل: الخطاب للنبي ﷺ؛ لأنه هو الذي نزل عليه القرآن؟
* طالب: ويصلح أيضًا الخطاب للمؤمنين.
* الشيخ: لكن لو قال قائل: الثاني؟
* طالب: نقول: هذا الخاص، والعام مقدم على الخاص.
* الشيخ: نقول: هذا محتمل لكن حمله على العموم أولى لدخول الخصوص فيه.
قوله: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ ما هو المتاع القليل اللي ذكر؟
* طالب: المتاع القليل يشمل المتاع الجسدي والحسي.
* الشيخ: لكن ما هو المتاع؟ ما أسأل عن معنى المتاع.
* طالب: المتاع ما يكون به المتعة.
* الشيخ: ما يكون به المتعة، والمراد بالمتاع القليل: تقلبهم في البلاد، تقلبهم في البلاد متاع قليل. نحن قلنا: إنه قليل في؟
السؤال: قليل في إيه؟
* طالب: قليل في الكمية وفي الكيفية.
* الشيخ: وغير؟ لا، غير فيه، نحن ذكرنا غيرها؟
* طالب: في المدة.
* الشيخ: قليل في زمنه، كميته، في كيفيته.
ما معنى قوله: ﴿مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾؟
* طالب: ما أخدناه.
* الشيخ: قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ يعني: ثم بعد هذا المتاع القليل مأواهم جهنم، وأتى بـ(ثم) و(إن) كانت دالة على التراخي للإشارة إلى أنه مهما طالت بهم المدة في هذه الحياة فإن مآلهم هذا المآل الخبيث، والعياذ بالله.
والمأوى: بمعنى ما يأوي إليه الإنسان فهو اسم مكان، اسم مكان أي: المصير الذي يصيرون إليه هي جهنم، وجهنم اسم من أسماء النار -أعاذنا الله وإياكم منها- وسميت بذلك قيل: لأنها مشتقة من التجهم أو من الجهمة وهي السواد، وقيل: إنه اسم أعجمي وأصله كهنام لكن عُرِّب إلى جهنم وهو اسم من أسماء النار فهو غير مشتق، وأيًّا كان فهو اسم من أسماء النار.
﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ (بئس) فعل من أفعال الذم يرفع الفاعل، وله فاعل وله مخصوص، فالفاعل هو المهاد والمخصوص محذوف، والتقدير: وبئس المهاد هي، وإنما احتاج النحويون إلى هذا التقدير لأن المهاد غير النار، والذم لأي شيء؟ للنار، فكان لا بد من ذكر مخصوص بالذم غير فاعل الفعل، والمخصوص بالذم هو الضمير المحذوف، أي: وبئس المهاد هي، هذا ما قدره الفقهاء. والمهاد: ما يكون مهدًا للإنسان؛ أي: مقرًّا له، ومنه قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [طه ٥٣] مهدًا: أي مقرًّا تستقرون فيه.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد:
* أولًا: نهي الإنسان أن يغتر بما أوتي الكفار من النعم والرفاهية؛ لقوله: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن ما يعطيه الله العبد من الرخاء وسعة الرزق والانطلاق في الأرض يمينًا وشمالًا ليس دليلًا على رضاه عن العبد، وإنما المقياس برضا الله عن العبد هو اتباع العبد لشرع الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل قد يستدرج المرء بإغداق النعم عليه فتنة له؛ كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥] ووجه ذلك أن الله مكن هؤلاء الكفار من التقلب في البلاد كما يشاؤون فتنة لهم ليستمروا على ما هم عليه، فيكون ذلك شرًّا -والعياذ بالله- كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المؤمن يضيق الله عليه في الرزق أحيانًا ليرجع إليه بخلاف الكافر، وإنما قلت ذلك لئلا يقول قائل: أفليس قد قال الله: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦]؟
نقول: إن المؤمنين هم الذين يبتلون بالضراء من أجل أن يرجعوا إلى الله عز وجل؛ ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم ٤١]، أما الكفار فقد تُمَهَّد لهم الدنيا ويُعْطَون ما يريدون، وتكون جنتهم دنياهم بخلاف المؤمنين.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الدنيا مهما أُعْطِي الإنسان فيها من نعيم فإنها متاع قليل، قليل في زمنه، في كميته، في كيفيته، لكن الآخرة بالعكس؛ قال النبي ﷺ: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري (٣٢٥٠) من حديث سهل بن سعد. ]] الله أكبر، موضع السوط، السوط متر أو متر وقليل خير من الدنيا وما فيها، ليست الدنيا الحاضرة عندك فقط، خير من كل الدنيا من أولها إلى آخرها وما فيها وهو موضع السوط، وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى ١٦ - ١٩].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الحذر من لعب أعداء المسلمين بالمسلمين، حيث يُغْرُونهم بوسائل الترفيه، ويفتحون لهم وسائل الترفيه ليلهوهم عما خلقوا له من عبادة الله، وعما ينبغي أن يكونوا عليه من العزة والكرامة، فإن هذه الوسائل الترفيهية هي في الحقيقة حب مسموم للدجاج، والحب المسموم للدجاج تغتر به، تجد حبًّا منتفخًا لينًا فتفرح به وتأخذه بطرف زقومها وتبتلعه بسرعة ولكنه يقطع أمعاءها، فهكذا أعداؤنا فتحوا علينا أبواب الترفيه من كل ناحية من أجل أن ننغمس في هذه الرفاهية ويكون ليس لنا هم إلا الرفاهية، وننسى ما خلقنا له من عبادة الله، وننسى ما ينبغي لنا أن نكون عليه من العزة والكرامة والمصالح، تؤخذ من هذه الآية: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا يمكن للكافر أن يدخل الجنة؛ لقوله: ﴿ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ لا يمكن أن تكون مأواهم الجنة أبدًا؛ لأنهم كفار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن هذا النعيم الذي يدركونه في الدنيا سوف يُنْسَى، بماذا ينسى؟ بهذا المأوى السيِّئ، إذا كان المأوى هو النار نسوا كل شيء، كما جاء في الحديث: أنه «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا » -يعني أكثرهم نعمة ورفاهية-« فَيُغْمَسُ بِالنَّارِ غَمْسَةً وَاحِدَةً فَيُقَالُ: هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ»، لماذا؟ لأنه نسيه، هذه الغمسة الواحدة تنسيه كل ما حصل له في الدنيا من نعيم؛ لأنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا «وَيُؤْتَى بِأَبْأَسِ أَهْلِ الدُّنْيَا » -أي أشدهم بأسًا- «فَيُغْمَسُ فِي الْجَنَّةِ غَمْسَةً فَيُقَالُ: هَلْ رَأَيْتَ شَرًّا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ شَرًّا» »[[أخرجه مسلم (٢٨٠٧ / ٥٥) من حديث أنس بن مالك.]]، لأنه نسيه بهذا النعيم الذي هو لحظة، كل ما حصل له في الدنيا من بئس وفقر وأذى.
وهذه الحقائق نحن نؤمن بها لكن الغفلة تستولي علينا وكأنها لم تأت، كأنها لم تكن، نكون في سكرة -نسأل الله العافية وأن يوقظ قلوبنا بذكره- نكون في سكرة وإلا لو رجعنا إلى هذه الحقائق وتمشينا على مقتضاها لحصل لنا خير كثير، السكرة بمحبة الدنيا وإيثارها على الآخرة تنسينا هذا.
الصحابة رضي الله عنهم بالصدمة التي حصلت لهم بموت النبي عليه الصلاة والسلام نسوا آيات من القرآن، نسوا قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران ١٤٤] حتى جاء صديق هذه الأمة وأثبتها جأشًا عند الصدمات أبو بكر وتلاها على المنبر، وكأنها لم تكن نزلت.
فأقول: إننا في الحقيقة ننسى هذه الحقائق ولا نشعر بها ولكن سيأتي الوقت الذي يشعر الإنسان بها، إذا حل الأجل تمنى الإنسان أنه استغل وقته بطاعة الله، ولكن أنى له ذلك لا يمكن أن يؤخر لحظة واحدة عن الوقت المقدر، فنسأل الله أن يبارك لنا ولكم في أعمارنا.
يقول الله عز وجل: ﴿ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: قبح أو بيان قبح هذا المأوى؛ لأن الله أثنى عليه بأسوأ الثناء فقال: ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ وهذا يدل على قبح مأوى أهل النار، نسأل الله لنا ولكم السلامة منها.
{"ayahs_start":196,"ayahs":["لَا یَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","مَتَـٰعࣱ قَلِیلࣱ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"],"ayah":"مَتَـٰعࣱ قَلِیلࣱ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق