الباحث القرآني

﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾ ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ﴾ ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهم لَهم جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِن عِنْدِ اللَّهِ وما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأبْرارِ﴾ . اعْتِراضٌ في أثْناءِ هَذِهِ الخاتِمَةِ، نَشَأ عَنْ قَوْلِهِ ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهم أنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] بِاعْتِبارِ ما يَتَضَمَّنُهُ عَدَمُ إضاعَةِ العَمَلِ مِنَ الجَزاءِ عَلَيْهِ جَزاءً كامِلًا في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وما يَسْتَلْزِمُهُ ذَلِكَ مِن حِرْمانِ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِداعِي الإيمانِ وهُمُ المُشْرِكُونَ، وهُمُ المُرادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا كَما هو مُصْطَلَحُ القُرّاءِ. والخِطابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّنْ يُتَوَهَّمُ أنْ يَغُرَّهُ حُسْنُ حالِ المُشْرِكِينَ في الدُّنْيا. والغَرُّ والغُرُورُ: الإطْماعُ في أمْرٍ مَحْبُوبٍ عَلى نِيَّةِ عَدَمِ وُقُوعِهِ، أوْ إظْهارِ الأمْرِ المُضِرِّ في صُورَةِ النّافِعِ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ الغِرَّةِ بِكَسْرِ الغَيْنِ وهي الغَفْلَةُ، ورَجُلٌ غِرٌّ بِكَسْرِ الغَيْنِ إذا كانَ يَنْخَدِعُ لِمَن خادَعَهُ. وفي الحَدِيثِ «المُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ» أيْ يَظُنُّ الخَيْرَ بِأهْلِ الشَّرِّ إذا أظْهَرُوا لَهُ الخَيْرَ. (p-٢٠٦)وهُوَ هُنا مُسْتَعارٌ لِظُهُورِ الشَّيْءِ في مَظْهَرٍ مَحْبُوبٍ، وهو في العاقِبَةِ مَكْرُوهٌ. وأُسْنِدَ فِعْلُ الغُرُورِ إلى التَّقَلُّبِ لِأنَّ التَّقَلُّبَ سَبَبُهُ، فَهو مَجازٌ عَقْلِيٌّ، والمَعْنى لا يَنْبَغِي أنْ يَغُرَّكَ. ونَظِيرُهُ ﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾ [الأعراف: ٢٧] و(لا) ناهِيَةٌ لِأنَّ نُونَ التَّوْكِيدِ لا تَجِيءُ مَعَ النَّفْيِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: لا يَغُرَّنَّكَ بِتَشْدِيدِ الرّاءِ وتَشْدِيدِ النُّونِ وهي نُونُ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، وقَرَأها رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِنُونٍ ساكِنَةٍ، وهي نُونُ التَّوْكِيدِ الخَفِيفَةِ. والتَّقَلُّبُ: تَصَرُّفٌ عَلى حَسَبِ المَشِيئَةِ في الحُرُوبِ والتِّجاراتِ والغَرْسِ ونَحْوِ ذَلِكَ، قالَ تَعالى ﴿ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهم في البِلادِ﴾ [غافر: ٤] . و(البِلادُ): الأرْضُ، والمَتاعُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُشْتَرى لِلتَّمَتُّعِ بِهِ. وجُمْلَةُ ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ﴾ إلى آخِرِها بَيانٌ لِجُمْلَةِ لا يَغُرَّنَّكَ. والمَتاعُ: المَنفَعَةُ العاجِلَةُ، قالَ تَعالى ﴿وما الحَياةُ الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلّا مَتاعٌ﴾ [الرعد: ٢٦] . وجُمْلَةُ ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ إلى آخِرِها افْتُتِحَتْ بِحَرْفِ الِاسْتِدْراكِ لِأنَّ مَضْمُونَها ضِدُّ الكَلامِ الَّذِي قَبْلَها لِأنَّ مَعْنى لا ”يَغُرَّنَّكَ“ إلَخْ وصْفُ ما هم فِيهِ بِأنَّهُ مَتاعٌ قَلِيلٌ، أيْ غَيْرُ دائِمٍ، وأنَّ المُؤْمِنِينَ المُتَّقِينَ لَهم مَنافِعُ دائِمَةٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِتَخْفِيفِ النُّونِ ساكِنَةً مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ وهي مُهْمَلَةٌ، وقَرَأهُ أبُو جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِ النُّونِ مَفْتُوحَةً وهي عامِلَةٌ عَمَلَ إنَّ. والنُّزُلُ بِضَمِّ النُّونِ والزّايِ وبِضَمِّها مَعَ سُكُونِ الزّايِ ما يُعَدُّ لِلنَّزِيلِ والضَّيْفِ مِنَ الكَرامَةِ والقِرى، قالَ تَعالى ﴿ولَكم فِيها ما تَشْتَهِي أنْفُسُكم ولَكم فِيها ما تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: ٣١] ﴿نُزُلًا مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٢] . (p-٢٠٧)و(الأبْرارِ) جَمْعُ البَرِّ وهو المَوْصُوفُ بِالمَبَرَّةِ والبِرِّ، وهو حُسْنُ العَمَلِ ضِدُّ الفُجُورِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب