الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران ١٧٥] ﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر، والحصر عند العلماء إثبات الحكم للمحصور فيه ونفيه عما سواه؛ إذن فهو بمنزلة نفي وإثبات، وله طرق؛ يعني الحصر ليس له طريق واحد فقط؛ له طرق:
منها: (إنما)، ومنها: تقديم ما حقّه التأخير، ومنها: النفي والإثبات، مثل: لا قائم إلا زيد؛ ومنها: إذا كانت الجملة اسمية معرفًا طرفاها، وهذا معروف في كتب البلاغة.
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ يعني ما الشيطان إلا مخوّف لأوليائه؛ وقوله: ﴿ذَلِكُمُ﴾ تضمّن إشارة؛ أي: مشارًا إليه، ومخاطبًا، تضمن إشارة ومخاطبًا؛ الإشارة (ذا) والخطاب (الكاف)؛ الإشارة بحسب المشار إليه، والكاف بحسب المخاطَب.
فإذا طلبنا من خالد النزال أن يشير إلى جماعة مخاطبًا جماعة من الذكور؟ أن يشير إلى جماعة من الذكور مخاطبًا جماعة من الذكور؟
* الطالب: أولئك؟
* الشيخ: أولئك؟ لا.
* الطالب: أولئكم.
* الشيخ: أولئكم؛ لأن المشار إليه جماعة (أولاء)؛ والمخاطب جماعة تأتي بالميم كذا؟
وإذا طلبنا من خليل أن يشير إلى جماعة ذكور مخاطبًا جماعة إناث؟ عبد الملك، أن يشير إلى جماعة ذكور مخاطبًا جماعة إناث؟
* الطالب: أولئكنّ.
* الشيخ: أولئكنّ، هكذا يقولون، صح؟
* الطالب: نعم، صحيح.
* الشيخ: صحيح، (أولاءِ) المشار إليه جماعة ذكور؛ (كُنّ) النون للنسوة، أولئكن.
* طالب: النون مسهّلة يا شيخ؟
* الشيخ: لا، لا، مشددة طيب إذنْ معناه لازم نأخذ تمارين ما دام المسألة هكذا؟
أشر إلى اثنين مخاطبًا اثنتين؟
* الطالب: اثنين؟ ذلكما.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: ذلكما.
* الشيخ: ذلكما. خطأ.
* طالب: ذانكما.
* الشيخ: ذانكما صح؟ (ذان) هذه مثنى، و(الكاف وميم ألف) مثنى مخاطب. أشر إلى جماعة نسوة مخاطبًا جماعة نسوة؟
* طالب: أولات.
* الشيخ: كيف أولات؟ منين جبتها؟! لا تتعجل.
* طالب: ذلكن.
* الشيخ: كيف؟ ويش المطلوب؟
* الطالب: نسوة تخاطب مجموعة نسوة؟
* الشيخ: طيب، مشيرًا إلى نسوة تخاطب جماعة نسوة؟
* طالب: أولئكن.
* الشيخ: ويش تقولون؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح، أولئكن. يلّا أشِر إلى مثنى مؤنث مخاطبًا جماعة ذكور؟
* طالب: تينكم.
* الشيخ: أيش تينكم؟! لماذا نصبت تين؟
* الطالب: تان.
* الشيخ: تانِكم صحّ؟ صحيح.
* طالب: لا يا شيخ.
* الشيخ: لا، صحيح.
* الطالب: مثنى مؤنث..
* الشيخ: مثنّى مؤنث إي (تان)، مخاطَب جماعة ذكور، صح. على كل حال انتبهوا يا جماعة، اسم الإشارة يراعى به أيش؟
* طالب: المشار..
* الشيخ: لا، يُراعى به المشار إليه، والكاف يراعى بها المخاطَب؛ في اللغة العربية ثلاث لغات؛ اللغة الأولى: أن يراعى المخاطَب إفرادًا وتثنية وجمعًا مذكرًا ومؤنثًا؛ فتقول: (ذلكَ) مخاطبًا رجلًا واحدًا، (ذلكِ) امرأة واحدة، (ذَلِكما) مخاطبًا الاثنين ذكورًا أو إناثًا، (ذلكُنّ) مخاطبًا جماعة نسوة، (ذلكُم) مخاطبًا جماعة ذكور؛ فالكاف تتبع المخاطَب، اسم الإشارة يتبع المشار إليه.
أنا قلت: في اللغة العربية بالنسبة للكاف: ثلاث لغات؛ الأولى: أن يُراعى المخاطَب في الكاف، وتحول إلى حسب المخاطب.
الثاني: أن تكون بالكاف المفردة مفتوحة في المذكر مكسورة في المؤنث؛ فتقول مخاطبًا جماعة ذكور: (ذلكَ)، مخاطبًا اثنين: (ذلكَ)، مخاطبًا واحدًا: (ذلكَ)؛ في النسوة كاف مفردة لكن مكسورة، تقول: (ذلكِ) تخاطب امرأة واحدة، (ذلكِ) تخاطب امرأتين، (ذلكِ) تخاطب جماعة نسوة؛ هذه كم لغة؟ لغتان.
الثالثة: فتح الكاف مطلقًا؛ فتقول لأي واحد تخاطبه تقول: (ذلكَ)؛ وهذا باعتبار المبتدئين أسهل، افتح الكاف وإذا غلطك أحد قل: هذه لغة.
يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ﴾ ويش راعى هنا؟ راعى في اسم الإشارة المشار إليه وهو الشيطان واحد، وراعى في الكاف الجماعة المخاطَبين فقال: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ ﴿الشَّيْطَانُ﴾ يجوز في إعرابها وجهان:
الوجه الأول: أن تكون خبرًا لمبتدأ (ذا).
والثاني: أن تكون بدلًا منه أو عطف بيان؛ فعلى الأول يكون جملة: ﴿يُخَوِّفُ﴾ في موضع نصب على الحال؛ وعلى الثاني تكون جملة ﴿يُخَوِّفُ﴾ خبر المبتدأ، وكلاهما صحيح؛ فالشيطان يخوف أولياءه.
وقوله: ﴿يُخَوِّفُ﴾ هي معروف أنها تنصب مفعولين، تنصب مفعولين بالتحويل؛ أين المفعول الأول؟ المفعول الأول محذوف، وتقديره: يخوفكم أولياءه؛ وأولياء هنا هي المفعول الثاني، وليس المعنى أنه يُخوّف أولياءه، المعنى أنه يخوف الناس من أوليائه، فيكون المعنى يكون على هذا المفعول الأول محذوف، والثاني هو الموجود، والتقدير: يخوفكم أولياءه، أي: يُعظمهم في صدوركم حتى تخافوهم، وتتركوا الجهاد، وتتركوا الدعوة؛ لأنكم تخافون منهم بسبب تخويف الشيطان.
وقوله: ﴿أَوْلِيَاءَهُ﴾ مَنْ أولياؤه؟ أولياء الشيطان كل مجرم وفاسق وملحد وكافر، هؤلاء هم أولياء الشيطان، كما قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [المجادلة ٢٢] لا، قبلها يقول الله عز وجل: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة ١٩]، فكل كافر ملحد فاجر فهو من أولياء الشيطان.
وقوله: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ﴾ أي: لا يؤثّر فيكم تخويفه فتخافون منهم. ﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ لا تخافوهم فيؤثّر عليكم هذا بترك الجهاد. ﴿وَخَافُونِ﴾ فلا تتأثّروا بهم وجاهدوا ولا يهمنكم.
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذه ﴿إِنْ﴾ شرطية، وقد مر علينا أن لعلماء العربية فيها وجهين: الوجه الأول: أنها جملة شرطية لا تحتاج إلى جواب؛ لأنه مفهوم مما سبق، وهذا اختيار ابن القيم رحمه الله.
والثاني: أنها تحتاج إلى جواب، وأن جوابها محذوف معلوم مما سبق، أي: فلا تخافوهم إن كنتم مؤمنين فلا تخافوهم.
* في هذه الآية الكريمة: بيان شدة عداوة الشيطان لبني آدم، حيث يرعبهم ويخوّفهم بأوليائه.
* ومن فوائدها: أن الشيطان يدافع عن أوليائه؛ بل يهاجم بهم؛ لقوله: ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾.
* ومن فوائدها: أنه يجب على المؤمن ألا يخاف من أولياء الشيطان؛ لقوله: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
فإن قال قائل: الخوف أمر طبيعي يعتري الإنسان عندما يرى ما يخاف أو يسمع به ولا يستطيع مدافعته؟
فالجواب عن ذلك أن يقال: بل يستطيع مدافعته بأن يشق طريقه الذي أوجب الله عليه، ولا يهتم بأحد، وإلا فمن المعلوم أن طبيعة الإنسان الخوف مما يكره؛ لكن نقول: امضِ لسبيلك ولا تلتفت، فقوله: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾ أي: لا يؤثر خوفهم فيكم شيئًا.
﴿وَخَافُونِ﴾ لأنكم إن تركتم الجهاد عذّبتكم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه كلما قوي إيمان الإنسان بالله قوي خوفه منه؛ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أنه كلما قوي الإيمان بالله قوي الخوف منه وضعف الخوف من أولياء الشيطان؛ لقوله: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
ثم اعلم أن العلماء رحمهم الله قالوا: إن الخوف ينقسم إلى أقسام:
الخوف الأول: خوف العبادة؛ وهو خوف السر الذي يخاف الإنسان فيه شيئًا خفيًّا، كخوفه من الولي الميت أو من الشيطان أو ما أشبه ذلك؛ وهذا عبادة، ولا يجوز إلا لله عز وجل.
الثاني: خوف طبيعي يعتري الإنسان بسبب وجود ما يُخاف منه؛ وهذا لا يلام عليه العبد إلا أن يكون سببًا في ترك واجب أو وقوع في محرّم، وإلا فإن العبد لا يلام عليه، وقد وقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال الله عن موسى: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص ١٨] وقال سبحانه وتعالى يخاطب موسى حينما ألقى عصاه، فإذا هي حيّة تسعى قال: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ﴾ [طه ٢١] وقال عن موسى حينما اجتمع السحرة له، قال: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ [طه ٦٧] وقال عن إبراهيم لما جاءته الملائكة ولم يأكلوا قال: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ [هود ٧٠]، والآيات في هذا كثيرة؛ فالخوف الطبيعي من طبيعة الإنسان ولا يلام عليه العبد إلا أيش؟ إذا تضمن ترك واجب أو فعل محرّم.
القسم الثالث: خوف الجبناء، وهذا هو المشكل؛ الجبان يخاف من كل شيء حتى لو حركت الريح سعفة لقال: هذا صوت مدافع، لماذا؟ لأنه جبان؛ ولهذا لا يأتيه النوم كما قال تعالى فيما سبق: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران ١٥٤] هذا القسم الثالث يجب على المؤمن أن يطارده ما أمكن؛ لأن المؤمن ليس بجبان، المؤمن قويّ، ومن أكبر أسباب دفعه أن يذكر الإنسان ربه عز وجل، فإن بذكر الله تطمئن القلوب، وتزول الكروب، وينشرح صدر المرء، ويزول عنه الخوف والرعب والذعر؛ فهذه أقسام الخوف؛ كم؟ خوف عبادة، وخوف طبيعة، وخوف جُبن.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الخوف من مقتضيات الإيمان ومستلزماته؛ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
{"ayah":"إِنَّمَا ذَ ٰلِكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ یُخَوِّفُ أَوۡلِیَاۤءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق